التغريبة والسقا وعساف.. ما سر استهداف قنوات عربية للمحتوى الفلسطيني؟

محمد السهيلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أثارت عدد من الخطوات التطبيعية التي اتخذتها قنوات فنية وإعلامية في كل من مصر والإمارات والسعودية، حالة من السخط في الشارع المصري والعربي الرافض للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي المحتل.

وحذفت فضائية "دي إم سي" المصرية، وقناة "أبوظبي" الإماراتية مقطعا غنى فيه الممثل المصري أحمد السقا أغنية عن فلسطين خلال مقابلة مع المذيعة وفاء الكيلاني.

وغنى السقا مقطعا، قال إن جده المطرب عبده السروجي، علمه إياه وهو صغير إلا أن الفضائيتين حذفتا المقطع الذي يقول: "الله يصونك يا فلسطين على الدوام لينا، إحنا العرب نحميك ومين يقدر يعادينا"، وهي الكلمات التي كانت مرشحة لأن تكون النشيد الوطني لفلسطين، حسب الفنان المصري.

وعلى الرغم من إذاعة برومو حلقة السقا، عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبه المقطع الذي غناه نقلا عن جده لفلسطين، إلا أنه عند إذاعة الحلقة السابعة مساء 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، على تلفزيون "أبوظبي" و"دي إم سي"، اختفى المقطع الذي ظهر في البرومو.

صحيفة وموقع "اليوم السابع"، ادعت يوم 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، عدم حذف المقطع من حوار السقا، واتهمت جماعة الإخوان المسلمين بنشر خبر كاذب.

لكن "اليوم السابع" -إحدى الإصدارات التابعة للأجهزة  الأمنية المصرية- لم تنشر لينك الحلقة من موقع قناة "دي إم سي" لتثبت صحة موقفها، ونشرت لينك الحلقة من موقع يوتيوب، الذي قام بحذفها كاملة.

وفضائية "دي إم سي"، تأسست في العام 2017، وتخضع بشكل كامل لإدارة المخابرات المصرية وللإشراف المباشر من  محمود السيسي، ضابط المخابرات ونجل رئيس النظام المصري. وبالدخول على موقع قناة أبوظبي، يظهر أن الحلقة غير متاحة للمشاهدين في مصر.

ناشطون مصريون وعرب أعلنوا عن غضبهم من تصرف إدارة "دي إم سي"، و"أبوظبي"، بحذف مقطع فيه 13 كلمة ولا يتعدى 21 ثانية على الهواء.

الصحفي الأردني محمد عايش، كتب عبر صفحته بـ"تويتر": "أحمد السقا، غنى لفلسطين فحذفوا المقطع من المقابلة"، معلقا بقوله: "الإعلام يقوم حاليا بصهينة العقل العربي، واسم فلسطين يُفسد عملية الصهينة التي يقومون بها".

من جانبه قال الصحفي عز الدين أحمد: "قناة مصرية ممولة إماراتيا وأخرى إماراتية تحذفان مقطعا غناه الفنان المصري أحمد السقا لفلسطين من مقابلة معه، وMBC تحذف من خدمة (شاهد) مسلسل التغريبة الفلسطينية من قائمتها".

وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، وصف الموقفين بأنهما: "سقوط حر نحو الدرك الأسفل من الخسة وانكشاف لحقيقة الأنظمة التي تمثلونها"، وفق تعبيره.

قناة مصرية ممولة إماراتيا وأخرى إماراتية تحذفان مقطعا غناه الفنان المصري ⁧‫#أحمد_السقا‬⁩ لـ ⁧‫#فلسطين‬⁩ من مقابله معه، و...

Posted by Izzadeen Ahmad on Monday, October 12, 2020
 

حذف مقطع السقا، لم يكن هو الحدث الوحيد خلال الأيام الماضية الذي يشير إلى تواصل عمليات التطبيع الإعلامي والفني مع الكيان الإسرائيلي المحتل، والذي تسبب في حالة من الغضب العربي عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

التغريبة وعساف

ففي نفس السياق، حذفت إدارة مجموعة "إم بي سي" السعودية التي تبث من دبي، حلقات مسلسل "التغريبة الفلسطينية" من منصة "شاهد" التابعة لها، رغم أنه أهم الأعمال الفنية التي تصور أزمة الشعب الفلسطيني وتهجيره. وإزاء ردود الفعل الغاضبة أعادت القناة المسلسل مجددا إلى موقعها.

وأطلقت الممثلة الأردنية جولييت عواد "رسالة شكر لكل من وقف ضد حذف مسلسل التغريبة الفلسطينية".

وبعد أيام قليلة من حذف منصة "شاهد نت" التابعة لمجموعة mbc مسلسل التغريبة الفلسطينية، تفاجأ متابعو موقع "يوتيوب" بحذف قناة برنامج "عرب آيدول"، أغنية "علي الكوفية" التي أداها الفنان الفلسطيني محمد عساف قبل 7 سنوات.

الأغنية الفلسطينية حازت على 91 مليون مشاهدة عبر قناة البرنامج، قبل حذفها. وفاز عساف في نسخة برنامج "عرب آيدول"، التي أنتجتها قناة mbc السعودية عام 2013، وكان لتلك الأغنية الوطنية إسهام كبير في فوزه.

خطوة "mbc" جاءت بعد ساعات من حديث عضو الكنيست الإسرائيلي، رئيس الشاباك الأسبق، آفي ديختر، عن قرار بسحب تصريح دخول عساف إلى الأراضي الفلسطينية بدعوى "التحريض" ضد "إسرائيل".

وحصل عساف على التصريح، بصفته سفير الشباب لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ونقلت "معاريف" عن ديختر قوله: إن القرار جاء "بعد اكتشاف مقاطع فيديو (لعساف) يدعو فيها إلى النضال ضد إسرائيل".

وقال المسؤول الإسرائيلي: إنه "سيتم العمل مع الإمارات (يقيم فيها الفنان الفلسطيني) من أجل منع أنشطة عساف".

مهرجان الجونة 

وفي خطوة تطبيع فنية عربية أخرى، قرر مهرجان الجونة السينمائي بدورته الرابعة في مصر برعاية رجل الأعمال نجيب ساويرس، تكريم الممثل الفرنسي جيرارد ديبارديو، المؤيد لإسرائيل بشدة، وقام بتمثيل وإنتاج فيلم دعائي يدعو يهود العالم "لإعادة اكتشاف جذورهم التاريخية في أرض الميعاد (فلسطين)".

وأثار ذلك التكريم غضب رافضي التطبيع من المثقفين والفنانين المصريين والعرب عبر بيان كان أهم من وقعه المخرجون علي بدرخان، ومحمد فاضل، وعرب لطفي، وأحمد عاطف درة، والفنانة فردوس عبد الحميد، والفنان عبد العزيز مخيون، والناقد السينمائي مالك خوري، ومدير التصوير مصطفى عز الدين، والكاتب والقاص أحمد الخميسي.

وعبر ناشطون ومتابعون عن رفضهم تكريم ممثل يعشق الصهيونية عبر هاشتاغ #لا_لتطبيع_مهرجان_الجونة_السينمائي، والذي دشنته صفحة "اللجنة الوطنية لمقاومة التطبيع" على موقع فيسبوك.

بيان للتوقيع السادة شعب مصر...السادة فناني ومثقفي ومواطني الأمة العربية. بعد أن حاول أعوان الكيان الصهيوني منذ...

Posted by ‎عبد العزيز مخيون‎ on Wednesday, October 14, 2020
 

وفي موقف رابع، أثار اختيار الممثلة الإسرائيلية جال جادوت، والمجندة السابقة بالجيش الإسرائيلي، للقيام بدور الملكة "كليوباترا" آخر ملوك الأسرة المقدونية التي حكمت مصر، بعمل سينمائي كبير في هوليود، حالة من الجدل في الأوساط المصرية.

الخبر قوبل بانتقادات واسعة وجدل كبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ استنكر مصريون اختيار هوليوود لممثلة كانت مجندة سابقة بالجيش الإسرائيلي بجانب توجهاتها "المؤيدة للصهيونية".

وتأتي كل هذه المواقف في توقيت تسيطر فيه حالة الغضب على الشارع العربي بسبب توقيع دولتي الإمارات والبحرين في 15 سبتمبر/أيلول اتفاقا للتطبيع مع إسرائيل برعاية أميركية.

أرقام وأسباب

حالة الغضب العربية من خطوات التطبيع العربي بشكل عام، أكدتها دراسة لوزارة الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلية في الفترة من 12 أغسطس/آب- 8 سبتمبر/ أيلول 2020، حيث كشفت عن أن 90%  من العرب الذين يرتادون وسائل التواصل الاجتماعي يرفضون التطبيع ويدعمون الحق الفلسطيني، وأن 95% من الخطاب النقدي كان موجها إلى الإمارات والتي قادت عملية التطبيع.

أيضا كشف تقرير "المؤشر العربي" لعام 2019 – 2020، والصادر في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، أن 88% من المشاركين في استطلاعه بـ 13 دولة عربية أعلنوا رفضهم للتطبيع وإقامة علاقات مع إسرائيل، بينما رأى 79% من المشاركين في الدراسة أن قضية فلسطين ما زالت هي قضية كل العرب. 

وفي رؤيته للأسباب التي دفعت إدارة الفضائيتين المصرية والإماراتية لحذف مقطع (السقا) فيه 13 كلمة ولا يتعدى أداؤه 21 ثانية على الهواء، قال الشاعر المصري عبد الرحمن يوسف: "نحن يحكمنا عصابة مسلحة تعتمد في بقائها في السلطة على إسرائيل بشكل أساسي".

الشاعر الرافض للتطبيع أضاف بحديثه لـ"الاستقلال": "ولولا إسرائيل لما وصلوا (الحكام) إلى السلطة؛ ولولاها لما بقوا فيها".

وحول تحكم أنصار التطبيع في كلا البلدين في وسائل إعلام القاهرة وأبوظبي، أكد أن "هؤلاء الصهاينة العرب؛ إسرائيليون أكثر من إسرائيل، ويفعلون أكثر مما تتجرأ تل أبيب أن تفعله"، مشيرا إلى أن "إسرائيل احتلت سيناء ولم تهدم منازل تذكر، بينما أزال (رئيس النظام المصري عبدالفتاح) السيسي رفح المصرية من الوجود".

‏ويرى الإعلامي والباحث السياسي‏ الفلسطيني رامي كامل، أن "ما حدث يجب أن يكون متوقعا"، مضيفا: أن "حلف التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي يسعى عبر أدوات ووسائل إعلامية مختلفة إلى تغيير الصورة الذهنية للمجتمعات العربية عن فلسطين التي هي القضية المركزية للشعوب العربية والإسلامية".

وفي إجابته على تساؤل: "هل الخوف من ذكر اسم فلسطين أصبح هاجسا مصريا إماراتيا؟ أكد الجندي، في حديثه لـ"الاستقلال"، أن "الأمر يتعدى برامج سياسية تلفزيونية، ويتعدى تشويه المقاومة الفلسطينية، ويتعدى الضغط على السلطة الفلسطينية التي رفضت اتفاقيات تطبيع الإمارات والبحرين مع الاحتلال".

وشدد الباحث على أن "الجهود الآن أصبحت تتركز على الشعوب لفرض (إسرائيل) الغريبة عن المنطقة بإجرامها وباحتلالها وبسرقتها للأرض الفلسطينية، حيث إن الشعوب هي خط الدفاع والمواجهة عن فلسطين وليس الأنظمة الحاكمة".

ويعتقد الباحث أن "الفن هو أحد الأدوات الفاعلة والمؤثرة في المجتمعات لتغيير توجهاتها تجاه قضية ما، وما قامت به جماهير التواصل الاجتماعي من تخفيض تقييم المنصة التي حذفت المقطع يثبت أن منصات التواصل بجماهيرها المتضامنة مع قضية فلسطين يمكنها أن تحقق الكثير ضد التطبيع مع الاحتلال".

ويعتقد الباحث في الدراسات اليهودية هاني عوض، أنه "بعد اتفاقية التطبيع بين الإمارات والكيان الصهيوني لم يعد مستغربا مثل هذه التصرفات الاستفزازية التي ينتهجها النظام الحاكم في دولة الإمارات".

وفي حديثه لـ"الاستقلال"، أكد أن هذه "محاولات للتودد على حساب مشاعر الفلسطينيين والعرب وكل صوت حر في العالم"، مشيرا إلى أن "هذه الأنظمة تسيطر سيطرة تامة على وسائل الإعلام وتتحكم فيما يعرض على شاشاتها".