تروج صورة مضللة.. هكذا فشلت الأنظمة العربية في تغيير قناعات شعوبها

الدوحة - الاستقلال | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

حسب القول المأثور؛ تبدو الشعوب العربية لأول وهلة أنها "على دين ملوكها"، تسير حيثما ساروا وتتوقف أينما أرادوا لهم؛ إلا أن استطلاع رأي هو الأكبر عربيا خلال (2019/ 2020)، رفضت فيه تلك الشعوب توجهات أنظمتها في ثلاثة من أهم قضايا الحكم والسياسة العربية.

نتيجة استطلاع آراء المواطنين في 13 دولة عربية تحت مسمى "المؤشر العربي" عن الفترة (2019/2020)، جاءت لتؤكد أن 76% من الشعوب العربية تؤيد الديمقراطية، و58% منهم يعتقدون بأن ثورات الربيع العربي إيجابية، و88% منهم يرفضون الاعتراف بالكيان الإسرائيلي المحتل. 

المثير أن نتيجة استطلاع آراء 28 ألف مواطن عربي تمت عبر مقابلات شخصية مباشرة بدت معظمها رافضة لتوجهات الأنظمة والحكام العرب بمعظم الدول العربية حول الملفات الثلاثة، وكاشفة عن أن الشعوب لم تتأثر بتلك الآلة الإعلامية التي دشنها الحكام العرب.

وأظهر الاستطلاع أن آلة البطش التي يستخدمونها والأموال التي تنفق على تغيير مواقف الشعوب عن قيم الديمقراطية ودور الربيع العربي والحق الفلسطيني؛ جميعها ذهبت أدراج الرياح.

وأعلن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، بقطر، في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، عن نتائج المؤشر العربي (2019/2020)، الذي نفذه بدول المغرب العربي والخليج، ومصر والسودان، وفلسطين والأردن ولبنان والعراق، للوقوف على اتجاهات الرأي العام العربي بموضوعات سياسية، واقتصادية، واجتماعية.

ثلاثة موضوعات

وفي الموضوعات الثلاثة "الديمقراطية"، و"ثورات الربيع العربي"، و"القضية الفلسطينية"، أيد المستطلعة آراؤهم من العرب الحكم الديمقراطي على عكس ما يحدث من حكم ديكتاتوري بمعظم الدول العربية، ورأوا أن لتلك الثورات صورة إيجابية برغم سيطرة الثورات المضادة على الحكم بأغلب البلدان، فيما دعموا الحق الفلسطيني بشكل كبير وذلك على عكس ما تنحو الحكومات والأنظمة العربية بملفات التطبيع.

القائمون على الاستطلاع طرحوا التساؤل: "كيف يفهم الرأي العام الديمقراطية؟"، لتأتي الإجابات مؤكدة أن "الأغلبية يؤيد النظام الديمقراطي بنسبة 76 % مقابل معارضة 17%، كما أنه ووفق المؤشر، ترفض أغلبية مواطني المنطقة العربية مقولات ذات محتوى سلبي نحو عبارة أن "مجتمعنا غير مهيأ لممارسة النظام الديمقراطي".

واعتبر الأغلبية أن النظام الديمقراطي الأشد ملاءمة لبلدانهم بتوافق 74% مقارنة بأنظمة أخرى، فيما ترفض أغلبية الرأي العام نظام الحكم السلطوي، ونظاما سياسيا يتولى فيه الحكم العسكريون، والأنظمة التنافسية التي تقتصر على أحزاب بعينها، وكذلك النظام القائم على الشريعة من دون انتخابات وأحزاب سياسية.

 نتائج التقرير العربي أظهرت أيضا؛ أن أكثرية الرأي العام العربي بنسبة 58% ما زالت تعد ثورات الربيع العربي ظاهرة إيجابية، مقابل 28% عدتها سلبية.

التقرير أوضح أنه "وبغض النظر عن تقييمهم للثورات ومآلاتها، سئُل المستجيبون عن الأسباب التي دفعت الناس في عام 2011 للمشاركة في الثورات العربية وحركات الاحتجاج، وأفادوا أن دوافعهم كانت الوقوف ضد الاستبداد والظلم، ومن أجل الديمقراطية والمساواة بنسبة 29 % وضد الفساد بنسبة 30 %".

 

"كيف يتعامل المواطن العربي مع القضية الفلسطينية؟"؛ كان هذا هو السؤال الذي طرحه التقرير العربي، ولاقت نتائجه التأثير الأكبر بالشارع العربي، حيث دللت نتائج الرأي العام العربي الذي أتى شبه متوافق بنسبة 78% وبشكل واضح أن الشعوب العربية مازالت تعتبر فلسطين "قضية العرب جميعا وليست قضية الفلسطينيين وحدهم".

   

وفي تساؤل ثان طرحه التقرير تحت عنوان: هل يقبل العرب أن تعترف بلدانهم بإسرائيل؟، أعلن 88%، من المستجيبين رفضهم، مقابل 6 % أفادوا بالقبول، فيما اشترط نصف الذين وافقوا أن يتم إنشاء دولة فلسطينية مستقلة.

رد على الأنظمة

خبراء ومحللون في قراءتهم للتقرير العربي أكدوا أنه ما ورد فيه يمثل خير رد من الشعوب العربية على حكامهم في القضايا الثلاث الأشد أهمية "الديمقراطية"، و"الربيع العربي"، و"قضية فلسطين والتطبيع".

وفي حديثه لـ"التلفزيون العربي"، أكد المدير التنفيذي للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات محمد المصري، أن "المؤشر العربي بخصوص التطبيع مع إسرائيل يحمل نوعا من ردة فعل الشعوب على السياسات التي يتبناها بعض القادة العرب".

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، تداول ناشطون وإعلاميون نتائج المؤشر العربي. وعلقت الإعلامية فرح البرقاوي: "يعني كل ما يقال في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي من تطبيل للديكتاتورية والثورات المضادة والتطبيع هو ببساطة مجرد بروباغندا مضللة، ولا يمثل سوى أقلية ضئيلة جدا". 

المؤشر العربي: 76% يؤيدون الديمقراطية و58% يعتقدون بأن ثورات الربيع العربي إيجابية و88% يرفضون الاعتراف بإسرائيل. ‏يعني...

Posted by Farah AL Barqawi on Tuesday, October 6, 2020

وقالت الإعلامية صبا مدور: إن "نتائج الموشر العربي حول التطبيع ومكانة القضية الفلسطينية والموقف من إسرائيل في الشارع العربي جاءت في وقتها"، مؤكدة أنها "أفسدت على المطبعين زيفهم أن الشارع العربي تعب من القضية الفلسطينية، وعلى نتنياهو أوهامه بأن العداء لإسرائيل تراجع".

الصحفي الفلسطيني أحمد يوسف، أكد أن معطيات المؤشر العربي "تنسف كل جهود الأنظمة وإعلامها لإظهار أن التطبيع مطلب جماهيري عربي"، مبينا أن "الشعوب ما زالت إلى جانبنا (الفلسطينيين)".

وأشاد الإعلامي المصري نور الدين عبد الحافظ، بنتيجة المؤشر القائلة بأن 89 % من العرب يعتبرون إسرائيل "تهدد أمن المنطقة العربية واستقرارها، و88% يرفضون الاعتراف بالكيان الصهيوني".

من جانبها رأت الإعلامية الجزائرية آمال عراب، أن المؤشر العربي كشف "التوجهات الحقيقية للرأي العام العربي تجاه القضايا الأساسية؛ حتى لا نصدق ما تحاول بعض الأنظمة الترويج له".

وعي الجماهير

وفي قراءته لنتائج استطلاع المؤشر العربي حول الديمقراطية والربيع العربي والحق الفلسطيني، قال الباحث صلاح الدين العواودة: "يؤسفني أن النظرة الإيجابية للربيع العربي فقط (58%)"، موضحا أن "هذا دليل على نجاح نسبي للأنظمة المتآمرة كالإمارات والسعودية والكيان الصهيوني والانقلابيين كالسيسي وحفتر، وآلة القتل والقمع كالنظام السوري".

الباحث الفلسطيني في الشأن اﻹسرائيلي لدى مركز "رؤية للتنمية السياسية" في إسطنبول، أضاف في حديثه لـ"الاستقلال": "هذا مرده ربما إلى الإحباط من التخبط والصراعات الداخلية بدول الربيع العربي، وربما السذاجة لدى المعارضة في مصر وسوريا".

وحول دلالات مخالفة آراء الشعوب لتوجهات الأنظمة العربية بالملفات الثلاثة؛ وخاصة الديمقراطية، أكد العواودة، أنه "لم يعد ممكنا طمس الحقائق، وإخفاء الواقع عن أعين الشعوب في عصر الثورة المعلوماتية والإعلام الفضائي والرقمي؛ حيث انتهى عصر قناة النظام وراديو النظام كمصدر حصري للتلقي".

ولفت إلى أن "الجماهير العربية أثبتت أنه لا يمكن تلويث أدمغتها رغم ضخامة الجهد المبذول من الأنظمة والأموال الطائلة التي تنفقها على ذلك"، مؤكدا أن "الشعوب تميز بين الغث والسمين؛ وهي ترى التخلف والفقر والجهل، وتهجير العقول والقمع والفساد في بلادها، مقابل الرفاه والتقدم في البلاد الديمقراطية". 

وعن نظرة العرب للكيان الإسرائيلي بالتقرير، قال الباحث الفلسطيني: "رغم أن هذه حقيقة مسلمة لا يمكن تغييرها منذ نشأة الحركة الصهيونية؛ إلا أن الاستطلاعات تأتي لتؤكدها؛ فالشعوب لا تفرط بحقوقها ولا تستسلم لعدوها، وهذا حال شعوب العالم جميعا، الشعوب تباد ولا تهزم، القادة والعسكر هم من يهزمون".

وأشار العواودة إلى أن "مراكز الفكر في الكيان الصهيوني خاصة والغرب عامة تجمع على أن الديمقراطية في العالم العربي تتناقض وجوديا مع الاحتلال، لذلك يتفق الغرب وإسرائيل على ضرورة منعها ودعم الانقلابات العسكرية".

وتابع: "وأيضا؛ التغطية على جرائم الأنظمة العربية حفاظا على إسرائيل وعلى مصالح الغرب الاستعماري الذي ينهب الثورات العربية عبر الصفقات الفاسدة والرشاوى التي تدفع للزعماء عبر شراء أسلحة ومنتجات غربية الهدف منها الحصول على المال العربي لا تقوية العالم العربي".

وفي نقطة أخيرة أكد العواودة، على أن "الآلة الإعلامية العربية وآلة البطش الأمنية لدى الأنظمة والمال السياسي الصهيوني فشلت في التأثير على توجهات الشعوب العربية نحو فلسطين".

وتساءل: "كيف ستكون نجحت و88% من العرب يرفضون التطبيع؟"، مشيرا إلى أن "الكيان الصهيونى يبذل جهودا على الأنظمة وهو يائس من الشعوب العربية؛ وهذه خلاصة تقديرات الموقف لدى الكيان في كل الجهات المهتمة التي تقدم توصياتها لصانعي القرار سواء مراكز دراسات أو مؤسسات أمنية رسمية؛ متفقون أن لا أمل بأن تقبلهم الشعوب".

وفي رؤيته لدلالات أرقام المؤشر، يرى الباحث في منظمة "هيومن رايتس ووتش" عمرو مجدي، أن "الحكام العرب يقولون إنهم راغبون في السلام مع إسرائيل؛ لكن يجب عليهم أولا صناعة السلام مع شعوبهم، ويسمحوا  بحرية الرأي والتعبير والمعارضة السلمية".

وفي حديثه لـ"الاستقلال"، أوضح أنه في الوقت الذي يهرولون فيه نحو التطبيع، "يقومون بملاحقة وحبس الصحفيين والناشطين بتهم معارضة التطبيع وهو للأسف نمط نراه متزايدا في الخليج العربي، ومصر المحبوس لديها الناشط رامي شعث، ومحمد المصري من حركة المقاطعة العالمية (بي.دي.أس)، لأكثر من عام احتياطيا".

وفيما يتعلق بنتائج الاستطلاع حول الربيع العربي وقيم الديمقراطية، قال الحقوقي المصري: "من المفهوم أن هناك ثورات مضادة وهناك صعود للسلطوية بعد الهزيمة القاسية التي تعرضت لها (الثورات) عامي 2011 و2012، وعودة مجددة بوجه أكثر قبحا وشراسة من الماضي لمحاربة كافة قيم  الانتفاضات من الكرامة والحرية والديمقراطية". 

وأشار إلى أن ردود فعل الشارع العربي، مع الديمقراطية والربيع العربي، تأتي في ظل "الإجهاز على كافة مكتسبات يناير من الحرية في مصر مثلا ، حتى أنه تم التراجع عن المستوى الذي كنا نعيشه بعهد حسني مبارك من هامش للحرية".

وأكد وجود "قمع شديد لحرية الرأي والتعبير وهناك محاولة لطمس حقيقة ما حدث وإظهار مطالب الشعوب الشرعية كأنها مؤامرة على الدول التي ليس من حقها استخدام هذه الحجة لوضع الناس في السجون".

وفي قراءته لتلك الأرقام ودلالاتها، قال رئيس منتدى شرق المتوسط للدراسات السياسية والإستراتيجية محمد حامد، في حديثه لـ"الاستقلال": إن تلك الأرقام قد تخضع لتوجه المركز الموجود في الدوحة.

ومع ذلك أكد حامد، أن "كثيرا من الشعوب العربية لا يؤيد التعاون مع إسرائيل أو الدولة العبرية أو الكيان الصهيوني؛ ولديهم نظرة سلبية باعتراف الإسرائيليين أنفسهم بأن الشعوب العربية ما زالت حجر عثرة أمام تطوير السلام أو الحوار والاستثمارات مع الدول العربية".

وحول الأرقام المتعلقة بالربيع العربي، أكد أن "تظاهرات 2011، كان جوهرها الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وهدفها من النزول للشارع تحسين الوضع المعيشي والمجتمعي ورفع معدلات التعليم والصحة والخدمات والتقدم العلمي، والإصلاح والدمج بين المطالب الديمقراطية وتحقيق الأمن والأمان والعيش الكريم، ولكن ارتدادتها لم تؤد إلى هذا".

ويعتقد الباحث المصري أن "النظرة الإيجابية لـ58% من المشاركين حول الربيع العربي تجعل الإحصائية متقاربة متوازنة؛ ولكن في الواقع كثيرون ممن شاركوا فيه كفروا به، لأنهم تضرروا اقتصاديا ونفسيا واجتماعيا، حتى أن التونسي الذي قال: (لقد هرمنا)، أعلن ندمه، تماما كالشرطية التي اشتبكت مع التونسي بوعزيزي مشعل الثورة التونسية والربيع العربي، وكل ذلك له ارتدادات سلبية".