لماذا فشلت محادثات "جنيف 2" بين المغرب وجبهة البوليساريو؟

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بنفس مصير سابقتها، فشلت الجولة الثانية من محادثات جنيف حول الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو، وحديث عن جولة ثالثة.

الجولة الثانية جاءت في وقت تعيش فيه الجارة الجزائر والداعم الرئيسي لجبهة البوليساريو حراكا شعبيا في الشارع وأزمة سياسية كبيرة ربما قد أثرت على سير المحادثات في جنيف وعلى مواقف المتفاوضين من الجهتين.

في 22 مارس/ آذار 2019، أعلن الوسيط الأممي هورست كولر في ختام مشاورات استمرت يومين بين ممثلي المغرب والجزائر وموريتانيا وجبهة البوليساريو بفشل الجولة الثانية من المحادثات.

حراك الجزائر

لا يمكن الفصل بين ما يحدث في الجزائر من حراك شعبي وأزمة داخل النظام على مجريات المباحثات المتعلقة بالصحراء في المغرب، إذ يبدو أن انشغال صاحب القرار فى الجزائر بتدبير أوضاعه الداخلية شغله على ترتيب ملفات المباحثات في جنيف. كما لا يمكن الفصل بين الموقف الجزائري وموقف جبهة البوليساريو التي تتخذ من الأراضي الجزائرية مقرا لها وتتلقى دعما ماديا من النظام.

مثل الجزائر في هذه الجولة من المحادثات بوزير الخارجية رمطان لعمامرة والذي عيّن نائبا للوزير الأول (رئيس الوزراء) إثر الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها البلاد وبعد إقالة حكومة أويحيى، إلا أن العمامرة توجه بعد مباحثات جنيف إلى جنوب إفريقيا لحضور "ندوة تضامن مجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية مع الصحراء الغربية " والتي أثارت غضب المغرب.

المسيرة الخضراء

تعتبر قضية "الصحراء الغربية" بمنطوق الانفصاليين أو الصحراء المغربية بالمسمى الذي تطلقه الرباط على الجزء الجنوبي من أراضيها التي تحررت من الاستعمار الإسباني في العام 1975 من أهم القضايا المعقّدة في منطقة المغرب العربي والتي فاقمت من أزمة الخلافات بين المغرب والجزائر وعطلت جميع محاولات التعاون السياسي والاقتصادي بين دول المغرب العربي.

وتقدر مساحة الصحراء الغربية حوالي 266 ألف كيلومتر مربع، تسيطر المملكة المغربية على نحو 80 في المئة منها والباقي تديره جبهة البوليساريو، أو ما تطلقه على نفسها بالجمهورية العربية الصحراوية.

التقديرات تشير إلى أن عدد السكان يبلغ حوالي نصف مليون نسمة، يتوزعون على المدن الرئيسية في المنطقة التي خضعت للاستعمار الإسباني في الفترة الممتدة من 1884 إلى 1976.

في 16 أكتوبر/تشرين الأول 1975، أعلن العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني تنظيمه "المسيرة الخضراء" باتجاه منطقة الصحراء للتأكيد على وحدة التراب المغربي، وفي يناير/كانون الثاني 1976 أُعلن عن قيام "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" بدعم من الجزائر، لينشب نزاع مسلح توقف باتفاق لوقف إطلاق النار في العام 1991 مهد للدخول في مفاوضات مباشرة.

محاولات فاشلة

تحظى الجمهورية العربية الصحراوية باعتراف 84 دولة حول العالم، ما يعتبر عامل ضغط على المغرب خاصّة مع اعتراف الاتحاد الإفريقي بها، هذا الوضع أجبر المغرب على الدخول في مفاوضات مباشرة مع الجبهة البوليساريو.

في عام 2007 رعت الأمم المتحدة محادثات مباشرة، لكنها انهارت بعد ذلك بخمس سنوات بسبب الخلاف الحاد حول وضع الإقليم ومقترح تنظيم استفتاء لتقرير المصير والذي ترفضه الرباط بشدة.

لم تستسلم الأمم المتحدة لفشل محادثات 2007 وجددت مساعيها لإطلاق جولة جديدة من المحادثات في جنيف انطلقت في ديسمبر /كانون الثاني 2018، لكنها وفي جلستها الثانية اصطدمت بفشل جديد.

أطروحة الحكم الذاتي

إثر انتهاء الجولة الثانية من محادثات "جنيف 2" حول الصحراء، قال وزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي ناصر بوريطة، في مؤتمر صحفي بجنيف إن "تقرير المصير في حالة الصحراء المغربية، لا يمثل أكثر من عنصر واحد من بين عوامل أخرى للحل السياسي الذي حدده مجلس الأمن".

وشدد على أن "المبادرة المغربية للحكم الذاتي، تظل الحل السياسي الواقعي والقابل للتحقيق، الذي يتوافق تماما مع المعايير التي حددها مجلس الأمن الدولي".

وسبق وأن طرحت المملكة المغربية فكرة إقامة حكم ذاتي لمنطقة الصحراء ولكن تحت السيادة المغربية والحفاظ على الرموز الوطنية من علم ونشيد والعملة المغربية".

وأضاف بوريطة "أن "الالتزام الصادق والقوي من الأطراف الأخرى، هو الكفيل وحده بالابتعاد عن المواقف الجامدة التي عفا عليها الزمن، والتي تتعارض مع الواقعية والبراغماتية".

تقرير المصير

ورغم أن عددا من قيادات جبهة البوليساريو عبروا عن تفاؤلهم بمحادثات جنيف الثانية، إلا أنّ مجريات المفاوضات جاءت مخالفة لدرجة التفاؤل التي حملها وفد الجبهة، الذي جدّد تمسكه بخيار الاستفتاء على تقرير المصير باعتباره الحل الوحيد العادل لقضية الصحراء.

ممثل البوليساريو أمحمد خداد شدد على ضرورة تمكين الشعب الصحراوي من التعبير بحرية، بحسب تصريحات لموقع "أصوات مغاربية". مضيفا أن الجبهة "لن ترضى بأي قرار لا يحترم حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير".

نفس المطلب تقدمت به البوليساريو في محادثات جنيف 1 في 6 ديسمبر /كانون الأول 2018 على لسان رئيس وفدها حينها خضري أدوه قائلا: "كيف يمكن أن نصل إلى هذا؟ نحن نرى أن ليس هناك من طريقة أفضل ولا أكثر ديمقراطية ولا أوضح من إجراء استفتاء حر عادل واضح ديمقراطي يطرح للصحراويين مجموعة من الخيارات وعليهم أن يعبروا عن رأيهم عن طريق الصندوق".

وأضاف "لا يوجد أي فعل آخر يمكن أن يعوض الشعب الصحراوي أو يقرر عن مصيره سوى الاستفتاء لأن هذا حق غير قابل للتصرف أو لحلول أخرى ملتوية"

قمة بريتوريا

احتضنت عاصمة جمهورية جنوب إفريقيا في 25 آذار/مارس 2019 قمة المجموعة الإنمائية لجنوب القارة الإفريقية المعروفة اختصارا بـ (SADC) للتضامن مع "الجمهورية الصحراوية".

هذا المؤتمر التضامني الأول مع الانفصاليين في الصحراء حضره زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي، ووزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، وشخصيات تمثل بلدانا إفريقية وآسيوية وأمريكية تناصر الطرح الانفصالي.

ونقلت الإذاعة الجزائرية عن وزيرة جنوب إفريقيا المكلفة بالعلاقات الدولية والتعاون لينديوي سيسيلو قولها إن بلدها "سيبقى متمسكا بموقفه المبدئي لصالح الحق الثابت للشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال".

كما اعتبر الرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوسا في كلمته الافتتاحية أن قمة التضامن مع البوليساريو هي دعوة إلى تطبيق قرارات وميثاق الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي من أجل تصفية آخر مظاهر الاستعمار من إفريقيا، وممارسة البوليساريو لـ "حقها في تقرير المصير والاستقلال".

مؤتمر مراكش

الرد المغربي لم يتأخر كثيرا، بل كان متزامنا مع هذا المؤتمر الجنوب إفريقي، حيث احتضنت المدينة المغربية "المؤتمر الوزاري الإفريقي حول دعم الاتحاد للمسار السياسي للأمم المتحدة بشأن الخلاف حول الصحراء" والذي شهد مشاركة 37 بلدا إفريقيا.

وأكّد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة أن المؤتمر يأتي للرد على ما وصفه بالمناورات، التي تهدف إلى إبعاد إفريقيا عن مواقفها المعبر عنها في القمة الإفريقية 31 في العاصمة الموريتانية نواكشوط في يوليو/تموز الماضي.

وأعلن المؤتمر في بيانه الختامي على التبني بالإجماع لتقرير رئيس لجنة الاتحاد الإفريقي بخصوص قضية الصحراء، الذي يجدد التأكيد على الاختصاص الحصري للأمم المتحدة في إيجاد حل سياسي وواقعي وبراغماتي ومستدام لقضية الصحراء.

وفي الختام، فإن فشل مباحثات الجولة الثانية يعني تأجيل تسوية الوضع في الصحراء التي تطمح البوليساريو لإقامة جمهورية مستقلة تطلق عليها "الجمهورية العربية الصحراوية" وتحظى بدعم واعتراف جزائري، إلا أن المغرب يبسط سيطرته على غالبية مساحة المنطقة وسط سعي من البوليساريو لتنظيم استفتاء لتقرير المصير.