العتبة والقاسم الانتخابي في المغرب.. هل تحرم "المصباح" من الصدارة؟
.jpg)
2021 سيكون عاما انتخابيا بامتياز في المغرب، وفق ما أعلنته وزارة الداخلية في بيانها الصادر يوم 8 يوليو/تموز 2020، قائلة: "سيتم خلال 2021 تجديد كافة المؤسسات المنتخبة الوطنية والمحلية والمهنية، من مجالس جماعية وإقليمية وجهوية وغرف مهنية، وانتخابات ممثلي المأجورين (العمال)، ثم مجلسي البرلمان".
بعدها انطلقت مرحلة تبادل الرؤى حول القضايا الأساسية المرتبطة بالتحضير للاستحقاقات المقبلة، والتشاور حول القوانين المنظمة للانتخابات.
وفي هذا الإطار تطالب بعض القيادات الحزبية بتعديل القوانين الانتخابية والعودة إلى نظام الاقتراع الفردي عوضا عن نظام اللائحة المعمول به حاليا، في حين تختلف مكونات حزبية أخرى حول ما يعرف بـ "العتبة الانتخابية"، قبل أن يبرز للسطح خلاف أعمق حول ما بات يعرف بقضية "القاسم الانتخابي".
استشعر حزب العدالة والتنمية "المصباح" الذي يقود الحكومة في المغرب منذ عام 2012، أنه المستهدف من هذه التعديلات والتي قد تفقده عددا كبيرا من مقاعده النيابية، كما أنها ستخلق مشهدا مشتتا في البرلمان المقبل
مراجعة القانون
في 24 يناير /كانون الثاني 2020، فتحت وزارة الداخلية ورش مراجعة الترسانة القانونية المتعلقة بالانتخابات وكذلك عملت على تنظيم مجالس الجماعات الترابية (البلديات)، قبل إعداد مشاريع قوانين تتعلق بتعديل القوانين التنظيمية للجهات والجماعات والأقاليم.
وشملت التعديلات المقترحة نمط الاقتراع وكذلك تقسيم الدوائر وتمويل الأحزاب السياسية، وتقدمت الأحزاب السياسية بمقترحاتها التي تتضمن مطالب بإدخال تعديلات جوهرية على مدونة الانتخابات وكذلك مراجعة التقطيع (تقسيم الدوائر) الانتخابي، قبل حلول الموعد المقرر للانتخابات في 2021.
وتطالب العديد من الأحزاب السياسية بمراجعة نمط الاقتراع المعمول به حاليا، من خلال تنظيم الانتخابات المقبلة وفق نمط الاقتراع الفردي عوضا عن الاقتراع باللائحة، إلا أن هذا المقترح لم يحظ بتأييد واسع من الأحزاب.
وكان رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، قد عقد اجتماعا يوم 5 مارس/آذار 2020 بالرباط، مع رؤساء الأحزاب السياسية غير الممثلة في البرلمان، حضره كل من وزير الداخلية، ووزير العدل، والوزير المنتدب لدى وزير الداخلية.
واندرج هذا الاجتماع، في إطار إطلاق ورش المشاورات حول الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وفتح نقاش وطني بين الأحزاب، من أجل تكريس توافق يمكن من مواصلة وتعزيز الإصلاحات التي باشرها المغرب، وإضفاء دينامية جديدة على العمل السياسي والمؤسسات، بما يستجيب لتطلعات المواطنين.
انقسام حزبي
يخوض حزب العدالة والتنمية المغربي صراعا مفتوحا، ضد الائتلاف الحزبي الذي يضم كلا من التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري والحركة الشعبية وحزب الاستقلال، الداعي إلى تغيير طريقة احتساب القاسم الانتخابي من مجموع الأصوات المدلى بها إلى مجموع الناخبين المسجلين في الكشوف الانتخابية.
وكشف نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال المغربي المعارض، في حديث لقناة "ميدي 1 راديو" المغربية مساء 30 أيلول/سبتمبر 2020، عن نتائج المشاورات التي تقوم بها وزارة الداخلية مع الأحزاب السياسية حول تعديل القوانين الانتخابية.
بركة قال: إن 80 ٪ من اقتراحات حزبه جرى قبولها، وأبرزها إجراء الانتخابات الجماعية والجهوية والتشريعية في يوم واحد، مع تغيير يوم الاقتراع من الجمعة إلى الأربعاء، إضافة إلى التوافق على التسجيل الإرادي للشباب البالغ 18 سنة في الكشوف الانتخابية.
كما أكد بركة على الاتفاق على رفع القاسم الانتخابي من أجل تعزيز المشاركة والتعددية، وهي إشارة من الحزب أن المقصود بها قبول حزب الاستقلال باحتساب القاسم الانتخابي، بناء على عدد المسجلين في الكشوف الانتخابية.
وفي نفس السياق، ما زال موضوع رفع القاسم الانتخابي يثير جدلا بين الأحزاب السياسية، لأنه يؤثر سلبا على نتائج الأحزاب الكبرى، فيما يدعم حظوظ الأحزاب الصغرى.
إذ يرى متابعون للشأن السياسي في المغرب أن حرب القوانين الانتخابية التي كان قد شنها منذ صيف العام 2019 نحو 20 حزبا في الأغلبية الحكومية والمعارضة، هدفت إلى محاصرة حزب العدالة والتنمية في تشريعيات 2021، وإنهاء هيمنته على المشهد السياسي.
ويراهن حزبا الاستقلال والأصالة والمعاصرة (أكبر حزبين معارضين) وأحزاب (التجمع الوطني للأحرار، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والاتحاد الدستوري، والحركة الشعبية)، فضلا عن أحزاب غير ممثلة في البرلمان، على الضغط من أجل مراجعة القوانين التنظيمية الخاصة بالانتخابات، والحصول على العضوية في مجلسي النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان) والمستشارين (الغرفة الثانية)، والمجالس المحلية، والغرف المهنية.
العتبة الانتخابية
وتطالب أحزاب المعارضة (الأصالة والمعاصرة، الاستقلال، التقدم والاشتراكية) بتخفيض أو إلغاء العتبة الانتخابية المحددة منذ انتخابات 2016، بـ3 % من نسبة أصوات الناخبين في كل دائرة.
وتحدد العتبة الانتخابية الحد الأدنى من الأصوات المطلوب من أي حزب الحصول عليه حتى يمكنه التمثيل في البرلمان والحصول على مقاعد.
وتعتبر هذه الأحزاب مطلبها ضروريا في الديمقراطيات التي تتيح لجميع الأحزاب المشاركة في الانتخابات البرلمانية من دون سقف محدد أو عتبة تضع شروطا للمشاركة وقبول الأصوات.
وفي حال إلغاء العتبة، فإن ذلك سيمكن من تمثيل مكونات سياسية لم تنجح في الانتخابات الماضية من العودة للبرلمان ولو بعدد محدود من المقاعد، وفي المقابل، طالب حزب العدالة والتنمية برفع العتبة الانتخابية إلى 6 % لـ"ترشيد وعقلنة الخريطة السياسية".
الكاتب الأول (الأمين العام) لحزب الاتحاد الاشتراكي "البيجيدي" إدريس لشكر، هاجم بشدة، حليفه في الحكومة حزب العدالة والتنمية، بسبب الخلاف القائم حول العتبة والقاسم الانتخابي.
وقال لشكر في حديث على القناة الثانية المغربية مساء يوم 30 أيلول/سبتمبر 2020: "المظلومية والبكاء ليس لهما أي معنى"، مخاطبا العدالة والتنمية بالقول: "لا يمكن أن تعزل نفسك عن الإجماع".
واعتبر لشكر أن 99 بالمائة من الأحزاب السياسية تريد اعتماد القاسم الانتخابي وفق عدد المسجلين في الكشوف وليس وفق عدد المصوتين كما يريد حزب العدالة والتنمية، مشيرا إلى أن هذا النظام الأخير "غير عادل وغير نزيه"، وفق تعبيره.
"فيتو المصباح"
سارعت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية إلى عقد اجتماع عاجل يوم 30 أيلول /سبتمبر 2020، أسفر عن اتخاذ موقف رسمي من القضية ويتمثل في الرفض القاطع لهذا التغيير المزمع إدخاله على القانون الانتخابي وذلك لكونه مخالفا للمقتضيات الدستورية والتجارب الديمقراطية وفق تعبير الحزب.
واعتبرت الأمانة العامة للحزب أن أي مراجعة للقانون الانتخابي يجب "أن تكون مناسبة لتعزيز الاختيار الديمقراطي، وصيانة المكتسبات المحققة في هذا المجال، خاصة ما يتعلق بنظام اللائحة الذي يعزز التصويت على أساس البرامج السياسية، ويقلص من حدة الفساد الانتخابي".
في انتخابات عام 2016، فاز حزب "العدالة والتنمية" بالمرتبة الأولى بحصوله على 125 مقعدا من أصل 395، يليه حزب "الأصالة والمعاصرة" بـ102 مقاعد، وجاء حزب "الاستقلال" ثالثا بـ46 مقعدا، يليه حزب "التجمع الوطني للأحرار" بحصوله على 37 مقعدا، وحزب "الحركة الشعبية" بـ 27 مقعدا.
كما حاز حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" على 20 مقعدا، وحزب "التقدم والاشتراكية" على 12، وحزب "الاتحاد الدستوري" على 19 مقعدا.
لكن في صورة الاعتماد على نفس نتائج التصويت إذا تغير القانون وفق اعتماد القاسم الانتخابي، قد يخسر العدالة والتنمية عددا من مقاعده حيث يستحيل حصوله على أكثر من مقعد في الدائرة الواحدة مثلما حدث في 2016 عندما حصد 98 مقعدا في 92 دائرة.
كذلك الأمر سيكون في نتائج الدوائر الانتخابية الوطنية، التي تضم 90 مقعدا (60 للنساء و30 للشباب أقل من 40 عاما، والتي حصل فيها الحزب على 27 مقعدا في الانتخابات الماضية.
مراقبون يخشون من أن تأثير هذه التعديلات على المشهد البرلماني الذي سيصبح أكثر تعقيدا ويصعب على الحزب الفائز تجميع أغلبية برلمانية تمكنه من تشكيل الحكومة في وضع أسوأ مما حدث عام 2016، عندما عجز رئيس "المصباح" السابق عبد الإله بن كيران في الوصول لتوافق حول تشكيل حكومة ما أدى إلى تخليه عن منصبه لرئيس الحكومة الحالي سعد الدين العثماني.
تقليص قسري
الكاتب والمحلل السياسي المغربي بلال التليدي اعتبر أنه "بعد انتهاء فترة جس النبض حول فكرة التداول السياسي لإنهاء قيادة العدالة والتنمية للحكومة، وبعد اليقين أن ذلك لن يتحقق بإرادة طوعية باتخاذ الحزب قرار تقليص حجم مشاركته الانتخابية، بدأت الخيارات الأخرى تشتغل، وفي مقدمتها الخيار التقني، المرتبط بطريقة احتساب القاسم الانتخابي".
وأضاف التليدي في حديث لـ"الاستقلال": "إذا اعتبرنا انتخابات 2016 هي المرجع في استلهام فكرة القاسم الانتخابي، وطبقنا نتائجه على نتائجها، فإن العدالة والتنمية سيخسر 30 مقعدا أو أكثر، وسيكون السيناريو هو استحالة حصول أي حزب على أكثر من مقعد واحد في الدائرة الواحدة".
وتابع: "استحضار الخصائص الانتخابية التي تميز نتائج حزب العدالة والتنمية، ومنها صعوبة حصوله على مقعد واحد في بعض دوائر القرى، أو الصحراء، أو المناطق المعروفة بزراعة الكيف (المخدرات) والمتاجرة فيه، فإن القاسم الانتخابي المعتمد سينتهي إلى تقليص حجم العدالة والتنمية بما يزيد على الثلث، ومنعه في الوسط الحضري من الفوز بالمقاعد التي حصل عليها، هذا دون اعتبار لأثر تراجع الشعبية من عدمه".
المصادر
- تشريعيات 2021 في المغرب.. مطالب بالإصلاح الانتخابي وانتقادات لأداء الأحزاب
- أكبر الأحزاب المغربية تعارض اعتماد القاسم الانتخابي حفاظا على حظوظها السياسية
- مقترح انتخابي يتجه إلى تقليص مقاعد "البيجيدي والبام" في البرلمان
- وهبي: سنخسر 20 برلمانيا في انتخابات 2021 .. و10 نقاط اختلفت حولها الأحزاب : إقرأ المزيد على العمق المغربي