تطبيع الإمارات.. كيف أنهى حلم السيسي في تحويل مصر إلى مركز للطاقة؟

محمد السهيلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عندما تحدث رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، عن جول (هدف) أحرزه إثر توقيع اتفاق استيراد الغاز من الكيان الإسرائيلي لمدة 15 عاما، تكون إحدى نتائجه تحول مصر إلى مركز إقليمي للطاقة، لم يكن يعلم المصريون أن هذا الهدف تم إحرازه في شباكهم.

ففي الوقت الذي لم يحقق السيسي من هذا الأمر شيئا لأسباب عديدة تتعلق بمصالح شركائه الإقليميين إسرائيل واليونان وقبرص، جاء قرار التطبيع الإماراتي الإسرائيلي بما ينتج عنه من اتفاقيات ومشاريع اقتصادية عملاقة ليكون هدفا آخر في مرمى مصر على يد السيسي، ينهي حلم تحويل القاهرة إلى مركز إقليمي للطاقة.

ورغم تدشين منتدى غاز شرق المتوسط في القاهرة  16 كانون الثاني/ يناير 2020، بمشاركة مصر وقبرص واليونان وإسرائيل وإيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية، إلا أن إسرائيل واليونان وقبرص تخلو عن مصر ودشنوا خط أنابيب EastMed لربط أوروبا بمكامن غاز حوض بلاد الشام.

صورة خط أنابيب EastMed

جول إماراتي

القصة بدأتها مجلة أميركية، بقولها: إن مشاريع التطبيع الإماراتى بمجال النفط والغاز تهدد قناة السويس شريان الملاحة الأهم في العالم، وهو ما أكده أيضا تقرير لصحيفة إسرائيلية كشف عن خطوات إماراتية إسرائيلية لمد خط بري أو بحري لأنابيب البترول والغاز بينهما يمر عبر السعودية لتصدير نفط الخليج إلى أوروبا بعيدا عن قناة السويس.

مجلة "فورين بوليسي" قالت في تقرير لها يوم 4 سبتمبر/ أيلول 2020: إن اتفاقية التطبيع التي أبرمتها الإمارات مع إسرائيل في 13 أغسطس/ آب 2020، تهدد وجود قناة السويس المصرية أهم القنوات والمضائق حول العالم، وأقصر طرق الشحن بين أوروبا وآسيا، وأهم المصادر الرئيسية للعملة الصعبة لمصر.

وأوضحت المجلة الأميركية أن خط أنابيب النفط الصحراوي، الذي يربط بين ميناء إيلات ومحطة ناقلات النفط بعسقلان، سيكون المستفيد الرئيسي من الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي وسيجعل تل أبيب تلعب دورا أكبر بكثير في تجارة الطاقة وسياسات البترول والأعمال الكبيرة واستثمارات النفط، بالمنطقة.

وأضاف التقرير أن الخط الإسرائيلي يتميز عن قناة السويس بقدرة المحطات في (عسقلان- إيلات) على استيعاب ناقلات البترول العملاقة التي تهيمن على شحن النفط، لكنها أكبر من أن تسعها قناة السويس.

وأكدت "فورين بوليسي"، أن عمل الشركة (Europe Asia Pipeline Co) لطالما كان أحد أسرار الكيان الإسرائيلي الذي يخضع لحراسة مشددة، فيما قال الرئيس التنفيذي للشركة إيزيك ليفي: إن "خط الأنابيب​، يمكن أن يقضي على حصة كبيرة من شحنات النفط التي تتدفق الآن عبر قناة السويس القريبة".

وقالت المجلة: إن قناة السويس التي يبلغ عمرها 150 سنة، ليست عميقة وواسعة بما يكفي للتعامل مع ما يسمى بسفن سويس ماكس، حيث لا تتجاوز سعة هذه القناة نصف سعة ناقلة النفط العملاقة، وبالتالي يتعين على تجار النفط استئجار سفينتين عبر القناة مقابل كل سفينة يرسلونها عبر إسرائيل.

ويقول ليفي لـ"فورين بوليسي": إنه مع وصول رسوم الرحلة أحادية الاتجاه عبر السويس من 300 إلى 400 ألف دولار، فإن خط الأنابيب يسمح لإسرائيل بتقديم خصم كبير.   

حديث المجلة أكد أن الخاسر سيكون مصر، التي ستشهد تقليلا لأعمال القناة وستكون لديها سيطرة أقل على الأسعار مع ظهور المنافسة، وذلك بعد 5 سنوات من إنفاق السيسي مبلغ 8 مليارات دولار على إنشاء تفريعة للقناة.

إسرائيل تعترف

وفي نفس السياق، قالت صحيفة إسرائيلية: إن إسرائيل تعتزم مناقشة مقترح مع أبوظبي لإقامة ممر بري يربط بينها وبين دول الخليج العربي، بما فيها السعودية. 

وأكدت صحيفة "غلوبس" الإسرائيلية الخاصة المختصة بالشأن الاقتصادي، على موقعها الإلكتروني، الأربعاء 16 أيلول/ سبتمبر 2020، أن "تل أبيب ستعرض على أبوظبي بناء ممر بري يربط بين إسرائيل ودول الخليج، ليكون حلقة وصل لنقل نفط وغاز الخليج إلى دول أوروبا وأميركا الشمالية".

وأوضحت الصحيفة أن "السعودية سيكون لها محطة ضمن الممر، رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية علنية بينها وبين إسرائيل". 

وأشارت إلى "أن نقل النفط والغاز الطبيعي سيتم عبر الأنابيب من دول الخليج إلى مدينة إيلات (جنوبا)، ومن ثم إلى مدينة عسقلان (جنوب غرب)، لنقلها إلى أوروبا وأميركا الشمالية".

وأوضحت أن هذا "المشروع يهدف إلى تقليل وقت نقل النفط والغاز الطبيعي ونواتج التقطير من المملكة السعودية ودول الخليج إلى الغرب، كما يوفر سداد رسوم عبور السفن بقناة السويس".

عبور الناقلات

وحول هذا الملف، نشر موقع "أويل برايس دوت كوم" الأميركي، تقريرا في 15 أيلول/ سبتمبر 2020، لافتا إلى أن "شركة خطوط الأنابيب الأوروبية الآسيوية (EAPC)، تتوقع الاستحواذ على ما بين 12 و17% من تجارة النفط التي تمر عبر قناة السويس"، مشيرا إلى أنه يؤثر على دخل مصر الكبير من رسوم عبور ناقلات النفط بقناة السويس.

وكشف الموقع أنه "حتى الآن، قامت شركة EAPC بتشغيل خط الأنابيب في سرية لرغبة بعض العملاء العرب في الحفاظ على سرية صفقاتهم التجارية نظرا لسمعة إسرائيل في العالم الإسلامي. 

وتمر ناقلات النفط الخليجية حاليا والمتجهة إلى الغرب، من خلال مضيق هرمز بالخليج ومنها إلى مضيق باب المندب جنوب البحر الأحمر، وصولا إلى قناة السويس ومنها لأسواق أوروبا والأميركيتين.

وكالة الأناضول قالت: ليس فقط خط الأنابيب المقترح، سيكون عقبة أمام زيادة وهج قناة السويس تجاريا، بل إن شراكات أعلن عنها مؤخرا، بطلها مجموعة موانئ دبي العالمية.

وفي 15 سبتمبر/أيلول 2020، وقعت "موانئ دبي العالمية"، عددا من مذكرات التفاهم مع شركة "دوڤرتاوار" الإسرائيلية، بشأن تعزيز الحركة التجارية في المنطقة.

وتغطي مذكرات التفاهم مجالات تعاون، تشمل قيام "موانئ دبي العالمية" بتقييم تطوير الموانئ الإسرائيلية، وكذلك تطوير مناطق حرة، وإمكانية إنشاء خط ملاحي مباشر بين ميناء إيلات وميناء جبل علي في دبي.

ورغم ما تم صرفه في حفر تفريعة قناة السويس الجديدة عام 2015 والذي بلغ نحو 8 مليارات جنيه مصري، لم تحقق القناة ما أعلنه النظام حينها من إيرادات متوقعة، بل إن الإيرادات في تراجع دائم.

ورسميا، بلغت إيرادات القناة 5.72 مليارات دولار بالعام المالي 2019-2020 المنتهي يونيو/ حزيران 2020، مقابل 5.75 مليارات دولار بالسنة المالية السابقة، فيما بلغ عدد السفن العابرة للقناة نحو 70.679 ألفا.

خطورة الموقف

الأكاديمي المصري عادل دوبان، حذر القاهرة من خطورة الموقف على قناة السويس، وقال عبر فيسبوك: "يجب أن يأخذ المسؤولون المصريون هذا الموضوع بجدية وتتم دراسة تأثيره على حركة الملاحة بالقناة".

دوبان، طالب، بـ"ألا نتعامل معه باستخفاف كما حدث مع مشاريع إقليمية أخرى مثل، مقترح خط السكك الحديدية من ميناء حيفا على البحر المتوسط إلى جبل علي فى دبي على الخليج العربي، أو مشروع الممر الإيراني، لأن هذا المشروع تحديدا يهدد حركة الملاحة وخاصة ناقلات النفط العابرة لقناة السويس".

الخبير الاقتصادي المصري نايل الشافعي، رصد المشروع المثير للجدل قائلا: "إسرائيل بصدد الطلب من الإمارات إقناع السعودية أن تسمح بمد أنبوب إيلات- عسقلان إلى مصفاة ينبع، برا أو بحرا، لنقل النفط ومشتقاته".

الشافعي، أوضح عبر فيسبوك، أن الاقتراح يخفض مدة الشحن وكلفته ومتطلبات تأمينه (المالية والعسكرية)، لأنه يتفادى الشحن عبر مضيق هرمز بالخليج العربي وباب المندب بالمدخل الجنوبي للبحر الأحمر، وقناة السويس شمالا.

ولفت إلى انعقاد لقاءات بين كبار مسؤولي وزارتي الدفاع والخارجية الإسرائيليتين مع مسؤولي شركة الأنابيب، وذلك نقلا عن مجلة جلوبس الإسرائيلية.

منافس حقيقي

وفي رؤية اقتصادية، قال الخبير الاقتصادي المصري الدكتور أحمد ذكر الله: إن "الدور الإماراتي لم يكن أبدا مكملا للدور المصري أو معضدا له، بل كان دوما يخضع لرؤية أبوظبي للقاهرة كمنافس حقيقي للأنشطة الخدمية التي تقدمها الإمارات سواء بخدمات الموانئ والسياحة والعقارات".

رئيس قسم الدراسات الاقتصادية بأكاديمية العلاقات الدولية، أكد في حديثه مع "الاستقلال"، أن "الإمارات ترى أن مصر لديها من الإمكانات بالموانئ والعقارات والسياحية التي تجعلها وجهة منافسة لها".

وتابع: "لعلنا نرى هذا التنافس بالعديد من الأمور، وعندما تم إسناد ميناء العين السخنة على البحر الأحمر لإدارة موانئ دبي، عطلت الإمارات تطوير الميناء والذي كان يستوعب نحو 570 ألف حاوية سنويا ليصل استيعابه بعد 10 سنوات من سيطرة الإمارات عليه إلى حوالي 500 ألف حاوية فقط، وكان من المقرر له استيعاب نحو 1.2 مليون حاوية".

الأكاديمي المصري، قال: "التقارب الإماراتي الإسرائيلي الآن لن يكون للتكامل مع مصر بل لمنافستها بمجالات عدة بينها خطوط النفط التي تمر عبر الأراضي الفلسطينية المحتلة من الخليج إلى أوروبا لتصبح إسرائيل معبرا للنفط الخليجي للقارة العجوز".

وأكد أنه "بالطبع هذا سيضيع الكثير من الأموال على قناة السويس التي يمثل عبور الناقلات البترولية القادمة من الخليج ومن شرق آسيا لأوروبا لها جزءا كبير امن دخلها"، مضيفا: "ولا نقول إن الإيرادات ستتوقف، لكنها ستتراجع مع الكم الكبير من المنافسين الذين برزوا على السطح لقناة السويس وآخرهم الإمارات".

تعويض النقص

ويعتقد الخبير الاقتصادي المصري، أن "الإدارة المصرية تستوعب حجم دور الإمارات وأنه لم يكن مكملا بل يستخدم مصر كأداة ودولة وظيفية وليست دولة مناظرة، وما يشهد على ذلك تحول الدور المصري بالملف الليبي إلى دور أشبه بالوساطة بعدما كان أحد أطراف الصراع بدعم الإمارات لمساندة مليشيات خليفة حفتر".

وجزم بأن "الدور الإماراتي في مصر خطير للغاية لأنه يقوم بدور أساسي على احتكار بعض القطاعات، ودليل ذلك تملك الإمارات ثلث القطاع الصحي المصري بالإضافة إلى مشتريات شركات الإمارات الكبيرة بالقاهرة الفاطمية ومصر القديمة". 

ذكر الله ختم بالقول: إن "الإمارات ترى نفسها دويلة صغيرة مساحة وسكانا، ولذا فإن مطامعها في مصر كبيرة وبأن تدفع بالقاهرة لأدوار وظيفية وتكون ذيلا لها وليست دولة حقيقية تتمتع بكامل سلطاتها".

ومن وجهة نظر سياسية، قال رئيس المكتب الإعلامي للمجلس الثوري المصري الدكتور محمد صلاح حسين، بحديثه لـ"الاستقلال": "الدول تبحث عن مصالحها أينما وجدت، ولكن التاريخ علمنا أن الكيان الصهيوني والكيان الإماراتي يبحثان عن مصلحتهما من دماء الشعوب وتدمير الدول".

وأضاف: أن "الكيان الصهيوني قائم على سرقة دولة وأراضي ومقدرات شعب فلسطين، والكيان الإماراتي لا توجد دماء تسيل أو فساد سياسي أو دعم لانقلابات بدونه"، مشيرا لدوره في "انقلاب مصر، وتدمير اليمن، ودعم حفتر بليبيا"، لافتا لهذا العامل المشترك بين الكيانين "الصهيوإمارتي".

وأكد السياسي المصري، أن "مشروع الرئيس محمد مرسي بمحور قناة السويس كان أحد أسباب الانقلاب عليه، واعتبرته أبوظبي ضربة لميناء جبل علي، لذا كان التمويل الإماراتي للانقلاب ودعم الجنرال الموالي للكيان الصهيوني لتنفيذ  مخططه".

أشار إلى أن أخطر تلك الخطط "التنازل عن (تيران وصنافير) الجزر الإستراتيجية بخليج العقبة مما حول تيران لممر دولي أصبح بديلا لقناة السويس لنقل البضائع لميناء أم الرشراش المحتل ثم للبحر المتوسط عبر سكك حديدية، وهو المشروع الذي يضر بقناة السويس ويحرم مصر من أهم مصادر الدخل".

وتابع حسين: "لكن يتبقي هنا ناقلات البترول العملاقة، ومع تشكيل الكيان المنتظر (الصهيو إماراتي سعودي) قد تتحول موانئ النفط بالمنطقة الغربية بالإمارات والشرقية بالسعودية لموانئ لضخ النفط والغاز عبر أنابيب نحو موانئ إسرائيل لتصبح المصدر الأول للنفط والغاز بالشرق الأوسط".

رئيس المكتب الإعلامي للمجلس الثوري المصري أضاف: "ولا ننسى أنه بعد الغزو الأميركي للعراق تم تحويل خط أنابيب (كركوك، والموصل- اللاذقية)، للخط القديم قبل قيام الكيان الصهيوني إلى ميناء حيفا".

ويعتقد أن "الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي يحول قناة السويس لمجرد ترعة ينهار معها الدخل الاقتصادي"، منتقدا عجز "المخابرات والحكومة المصرية بالحفاظ على مصادر الدخل وتواطئها مع قائد الانقلاب والتغاضي عن خيانته بالتنازل عن آبار الغاز  المصرية بشرق المتوسط".