بطالة وديون وكورونا.. ما الحلول أمام الأردن ليتنفس الشعب الصعداء؟

طارق الشال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يواجه الاقتصاد الأردني العديد من الأزمات، وفي مقدمتها ارتفاع إجمالي الدين العام والبطالة، إضافة إلى تراجع حجم الناتج المحلي الإجمالي، وسط توقعات بحدوث موجة ثانية من فيروس كورونا، ما يضيف مزيدا من الأعباء على المجتمع الأردني.

وتوقعت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني، ارتفاع إجمالي الدين العام (بما فيها الديون المضمونة والبلديات والمتأخرات المورقة) إلى 112٪ من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2020.

كما تنبأت الوكالة انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للأردن بنسبة 5.5٪ هذا العام، مبينة أن انهيار صناعة السياحة الدولية منذ مارس/ آذار، وضعف الطلب العالمي والمحلي، وانخفاض التحويلات المالية من دول مجلس التعاون الخليجي، أدى إلى تفاقم الاختلالات الخارجية وتراجع النشاط الاقتصادي. 

وقالت الوكالة: إن الضغوط المرتبطة بأزمة فيروس كورونا المستجد ستؤدي إلى تقييد النشاط الاقتصادي في عام 2020، ولكن بالمقابل توقعت انتعاشا تدريجيا من عام 2021، بمتوسط نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بمعدل 2.5٪ خلال الأعوام 2021-2023.

وأعلنت دائرة الإحصاءات العامة الأردنية، أن معدل البطالة في المملكة بلغ 23 % في الربع الثاني من العام 2020، مرتفعا بمقدار 3.8 نقطة مئوية، مقارنة بنفس الفترة من عام 2019.

تتوقع الوكالة أن يتسع عجز الحكومة العامة إلى 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020 من 0.6٪ في عام 2019 بسبب تراجع الإيرادات، وسيتم تمويل احتياجات التمويل الأعلى من خلال مزيج من الديون الخارجية الميسرة والدين المحلي بالعملة المحلية والعملات الأجنبية وإصدار سندات دولية حديثا.

 وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع عجز الحساب الجاري وانخفاض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر على احتياطيات العملات الأجنبية في 2020-2021.

تأزم اقتصادي

وبحسب الخبير الاقتصادي، حسام عايش، فإن الأوضاع الاقتصادية في الأردن يرثى لها، مشيرا إلى أن نسبة البطالة معرضة للزيادة عما هي عليه الآن، بالإضافة إلى أن إيرادات البلاد تراجعت بنحو 850 مليون دينار أردني خلال أول خمسة شهور من العام 2020، مع ارتفاع عجز الموازنة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.

وأضاف عايش، لـ"الاستقلال"، أن كورونا أضاف أعباء وأثقالا للاقتصاد الأردني أكبر من أي أزمات أخرى مرت بها البلاد على مدار التاريخ، وبالتالي، فإن النتائج الاقتصادية ومن ثم الاجتماعية لهذه الأوضاع الاقتصادية ستكون صعبة جدا.

وأضاف: أنه "من غير مساعدة حقيقية لعمان من جهة وتغيير النموذج الاقتصادي السائد من جهة أخرى وصولا إلى أن يواجه الأردن بشكل معقول الآثار الناجمة عن كورونا فإن ذلك سيدفع لمزيد من التأزم الاقتصادي، وبخاصة أن الدخل السياحي يكاد يكون توقف، وحوالات المغتربين تتراجع وأكثر من ذلك أن هنالك آلافا من هؤلاء ربما يعودون إلى الأردن".

وتابع: "وبالنتيجة، توقف الاستثمار لأسباب موضوعية تتعلق بكورونا ومع ذلك هي لم تكن استثمارات ذات قيمة مضافة كبيرة في السنوات الماضية بل انخفضت عن أعلى مستوياتها في عام 2014 و2015 إلى ربما تلت تلك الحصيلة من الاستثمارات".

وواصل: "نتحدث الآن عن 300 أو 400 مليون دينار من الاستثمارات، لا يمكن لها سواء على مستوى الحجم أو النوع أن تعوض توقف الكثير من الشركات والمنشآت عن العمل أو عن تعويض العمالة التي فقدت وظائفها".

وأردف: "لذلك نحن نتحدث عن أوضاع صعبة وخطيرة، والأهم الآن هو معدل دخل الفرد وقدرته على الإنفاق والذي تراجع بشكل كبير وأيضا الحماية الاجتماعية التي تكاد تكون أمرا من الصعوبة بمكان أن تتمكن الحكومة من القيام به في ظل كل تلك المعطيات".

وتوقع البنك الدولي أن يزيد عدد الفقراء في الأردن خلال العام الحالي جراء تأثيرات فيروس كورونا. وكشف أن عدد الأشخاص الذين يعيشون في الأردن على أقل من 1.3 دينار يوميا (خط الفقر المدقع عالميا) سيزيدون بنسبة 27% خلال العام الحالي مقارنة بالعام الذي سبقه.

كما توقع البنك أن عدد الأشخاص الذين يعيشون على أقل من 2.25 دينار يوميا في الأردن سيزيدون 19% فيما سيزيد عدد الأشخاص الذين يعيشون على أقل من 3.9 دينار يوميا بنسبة 13.2%.

من جانبه، يرى رئيس الوزراء الأردني للشؤون الاقتصادية سابقا، جواد العناني، أن تلك المؤشرات التي طرحتها وكالة ستاندر آند بورز متوقعة.

وأشار في حديث لـ"الاستقلال" إلى أن السبب أن كل الاقتصاد العالمي ارتفعت فيه نسبة المديونية، نتيجة تعطل الحياة، مما سيؤدي إلى تراجع إيرادات الدولة وزيادة الإنفاق وبالتالي يزيد العجز الذي يمول بالديون، وبالتالي ارتفعت المديونية التي تزامنت مع تراجع الناتج المحلي الإجمالي.

وأكد العناني، أن ارتفاع نسبة البطالة بسبب تعطل الأعمال أدى إلى تراجع دخول الأسر التي أعادت النظر في استهلاكها ليشمل فقط السلع الضرورية، مما سيؤدي إلى تراجع الدخل الحكومي عن طريق القيمة المضافة كما ستقل أرباح الشركات، وبالتالي، فإن ضريبة الدخل على أرباح الشركات ستقل أيضا.

إلا أنه رغم كل تلك المؤشرات التي تدعو إلى تخفيض التصنيف الائتماني إلا أن وكالة ستاندرد آند بورز لم تخفض من قابلية الأردن على الاقتراض واكتفت بتثبيته عند B+/B "كون تلك الأزمة متوقعة عالميا.

وأشار المسؤول السابق، إلى أن أكبر مشكلة سيواجهها الأردن هي البطالة وليس تفاقم العجز، وذلك نظرا إلى أن الشعب الأردني يتمتع بنسبة كبيرة جدا من الشباب بالإضافة إلى قدوم اللاجئين بأعداد كبيرة من مختلف الدول العربية، مما يؤدي مشكلة بطالة واضحة لدى الشباب.

ولفت إلى أن علاج تلك المشكلة يتمثل في تعزيز الدولة للاستثمار "ولو على حساب زيادة العجز الحكومي لأن مشكلة حل العجز في الموازنة أو المديونية أسهل من حل مشكلة البطالة وآثارها الاجتماعية"، بالإضافة إلى تحسين المناخ الاستثماري.

اتساع المديونية

ووفقا لمنهجية الأردن التي يتبعها في الاستدانة، بينت وكالة ستاندرد آند بورز، أن إستراتيجية التمويل الحكومية في الاعتماد على الدين المحلي من البنوك وصندوق الضمان الاجتماعي، والديون الخارجية مستمرة.

ولسداد سندات دولية مستحقة الدفع بقيمة 1.25 مليار دولار في تشرين الأول/أكتوبر 2020 ودعم احتياطيات العملات الأجنبية، أصدر الأردن سندات دولية بقيمة 1.75 مليار دولار في تموز/ يوليو، وتم تجاوز الاكتتاب في السندات بمعدل 6.25 مرة.

وأضافت الوكالة: "أصدرت الحكومة أيضا 400 مليون دولار من ديون العملات الأجنبية للبنوك المحلية، وتخطط لإصدار 400 مليون دولار أخرى خلال الفترة المتبقية من عام 2020، وبينما تكون البنوك على استعداد لاستيعاب المزيد من الديون الحكومية، فإننا نتفهم أن الحكومة لا تنوي إصدار ديون إضافية بالعملة المحلية خلال بقية عام 2020 لمنع مزاحمة القطاع الخاص ونظرا لانكشاف البنوك الأردنية المرتفع للحكومة".

وأوضح عايش، أنه على الأردن التخلص من هذا النموذج الذي ينتهج ثنائية الحصول على ديون من الخارج وفرض ضرائب في الداخل والعمل على زيادتها، مشيرا إلى أن هذا لا يمكن أن يخلق اقتصادا بل يسيير نحو مزيد من الريعية من خلال الاعتماد على الإيرادات من ديون ومنح ومساعدات خارجية دون دون أن يكون هناك إنتاج حقيقي.

وبالتالي، فإن هذا النموذج يعني مزيدا من التدهور وتحميل القطاعات الاقتصادية أعباء إضافية تدفع كثيرا منها إلى الإغلاق.

وأضاف: أنه "لولا كورونا لربما شاهدنا كثيرا من الهجرة لمؤسسات وشركات إلى دول أخرى تقدم مزيدا من المساعدات والإعفاءات للمستثمرين، لذلك لا بد من نموذج جديد يؤسس لاقتصاد حقيقي يعتمد على الصناعة والزراعة والأمن الغذائي وعلى التقنية الرقمية وتكنولوجيا المعلومات".

وارتفع إجمالي الدين العام (الداخلي والخارجي) المستحق على الأردن، بنهاية أبريل/ نيسان، بنسبة 8.4 ٪ على أساس سنوي، مقارنة بنفس الفترة من 2019.

 وبحسب بيانات وزارة المالية الأردنية، بلغ الدين العام 31.39 مليار دينار (44.2 مليار دولار)، صعودا من 28.956 مليار دينار (40.82 مليار دولار).

فيما اعتبر العناني، أنه لا يزال لدى الأردن مجال للتوسع في المديونية الخارجية في حال كانت من أجل زيادة الاستثمار وخلق الفرص، وبخاصه أن الديون الخارجية تمثل نحو 40% فقط من حجم الدين العام والتي وصفها بالديون السهلة نسبيا.

بينما يمثل الدين المحلي نحو 60% من حجم الدين تم اقتراضها من البنوك الداخلية والضمان الاجتماعي مما يعد إنفاقا داخليا.

حلول واجبة

في خضم تلك التداعيات، دعا المنتدى الاقتصادي الأردني، إلى الإسراع في تفعيل قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص لإنجاز المشاريع وفق أسس تنموية شاملة، واستغلال تأثيرات جائحة كورونا المستجد على الاقتصاد العالمي ومن أهمها التغيرات على سلاسل التوريد والتزويد العالمية والبحث عن مواطن بديلة لهذه السلاسل.

ويرى المنتدى أن التوجه نحو تعزيز مشاركة القطاع الصناعي، وخاصة تحت مظلة اتفاقيات التجارة الحرة، سيساهم في خلق فرص عمل جديدة، داعيا الى إدخال مفهوم جديد للتدريب المهني.

وشدد على أهمية إعادة النظر في آليات عمل ديوان الخدمة المدنية، ومراجعة تصنيف الوظائف في نظام الخدمة المدنية (الفئات الأولى والثانية والثالثة)، مناديا بتأسيس أكاديميات متخصصة لكل قطاع، مع ضرورة  فتح أسواق عمل غير تقليدية للأردنيين في الخارج.

وأوضح المنتدى أن تشجيع إنشاء المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر والريادية يسهم بشكل كبير في تخفيض نسبة البطالة، معتبرا أنه لإنجاح ذلك، يجب إعادة النظر في بيئة التمويل الأصغر وفق أسس شفافة وعادلة، وعمل الترابطات الأمامية والخلفية لهم مع المشاريع الكبرى.

ويرى عايش، أن الانتقال إلى اقتصاد حقيقي سيكون الضمانة لتوظيف المزيد من العمالة، ويزيد الصادرات ويقلل من فاتورة الواردات ويسمح بإيرادات حقيقية وليست وهمية.

وأشار إلى أن الإيرادات المعتمدة على الضرائب والمنح والمساعدات الخارجية يتم إنفاقها على نفقات جارية أو لسداد الديون، وبالتالي فإن قيمتها الاقتصادية تكاد تكون صفرا.  

بيمنا طالب العناني، بضرورة السيطرة على انتشار كورونا أولا لأنه المحرك الأساسي والسبب الرئيس في تراجع النمو الاقتصادي وزيادة المديونية، بالإضافة إلى ضرورة وضع خطة لما بعد كورونا للقطاعات الأكثر أهمية وبخاصة القطاعات التي يمتاز بها الأردن.

ودعا إلى أن يكون هناك نوع من المصالحة الإقليمية للخروج من إطار الحروب والخلافات، والتوصل إلى تهدئة، حتى يتمكن الأردن من التفاعل اقتصاديا مع دول الجوار، خاصة سوريا والعراق.