"التطبيع خيانة".. هل كان الرئيس قيس سعيد يدغدغ مشاعر التونسيين؟

زياد المزغني | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

"التطبيع خيانة عظمى.. مايحدث في فلسطين هو مظلمة القرن.. الحق الفلسطيني لا يسقط بالتقادم ومن يكن له علاقة مع الكيان الصهيوني هو خائن''، كان هذا هو موقف الرئيس التونسي قيس سعيد من التطبيع وصفقة القرن، خلال حملته الانتخابية الرئاسية في 2019.

لكن يبدو أن قيس سعيد قد عدل كثيرا من مواقفه الصلبة التي رافقته قبل وصوله لقصر قرطاج، لتظهر الدبلوماسية التونسية في المحافل الإقليمية والدولية بمواقف متحفظة ومتماهية مع النظام الرسمي العربي، مما خيّب توقعات التونسيين الذين لا زالوا يطالبون في أكثر من مناسبة بسن قانون لتجريم التطبيع مع إسرائيل.

شعار انتخابي!

مساء 15 أيلول/سبتمبر 2020، نقلت شاشات العالم حفل توقيع اتفاقية تطبيع العلاقات بين دولتي الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، في مقر البيت الأبيض بواشنطن تحت إشراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

هذا الاتفاق الذي خرج للعلن، بعد سنوات من تتالي الحديث حول وجود علاقات سرية بين عدد من الدول الخليجية وإسرائيل في سياق التمهيد لصفقة القرن، التي يسعى عرابوها لتصفية قضية فلسطين من خلالها، فجّر غضبا واسعا في الشارع العربي.

في تونس شارك العشرات في وقفة احتجاجية لإدانة الاتفاق، بالإضافة إلى حملة واسعة دشنها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، تزامنا مع إصدار الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني بيانات رافضة ومستنكرة.

إلا أن جزءا كبيرا من الرسائل التي توجه بها التونسيون في الشارع أو على مواقع التواصل أو عبر المنظمات والأحزاب، كانت موجهة لرئيس الجمهورية قيس سعيد مذكرة إياه بشعاره خلال الحملة الانتخابية الذي اعتبر أنه لا وجود لمصطلح التطبيع إنما هو "خيانة عظمى".

خلال الحملة الانتخابية، وجه أنصار سعيد اتهامات لمنافسه رجل الأعمال المعروف وصاحب قناة "نسمة" نبيل القروي، بالتعاون مع إسرائيليين، وأنه قد يجر البلاد إلى التطبيع مع إسرائيل في حال وصوله للحكم.

بعد أيام قليلة، سأل المرشحان للانتخابات الرئاسية في مناظرة تلفزيونية مباشرة، عن الموقف من التطبيع، فظهر القروي مرتبكا ومتلعثما، معلنا أن الموقف التونسي يجب أن يكون ملتزما بقرارات الأمم المتحدة، واتباع ما تختاره القيادة الفلسطينية.

أما قيس سعيد فكان حازما في إجابته ليؤكد أن "التطبيع خيانة عظمى، ويجب أن يحاكم من يطبع مع كيان شرد ونكل شعبا كاملا"، واعتبر سعيد حينها أن "كلمة تطبيع هي كلمة خاطئة أصلا، نحن في حالة حرب مع كيان غاصب". 

بعد نجاحه في الانتخابات وتوليه المنصب ووصوله لقصر قرطاج، ورغم امتلاكه كرئيس للجمهورية صلاحية تقديم مشاريع قوانين، إلا أن التونسيين ما زالوا ينتظرون من سعيد ترجمة شعاره إلى واقع عملي من أجل إنهاء جدل مكرر في كل مناسبة حول التطبيع مع إسرائيل.

تونس مازالت تشهد سنويا زيارة عدد من السياح اليهود القادمين من مختلف دول العالم، ومن بينها الأراضي المحتلة لمعبد الغريبة في جزيرة جربة، كما كشفت تقارير صحفية قيام فنانين تونسيين بإقامة حفلات غنائية في مدن إسرائيلية، وتورط عدد من التجار في تصدير السلع إلى الأراضي المحتلة.

إجراء عملي

من جهته، أكد منسق "الحملة التونسية لمقاطعة ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني"، غسان بن خليفة أن الحملة استبشرت خيرا بتصريحات قيس سعيد خلال حملته الانتخابية، التي اعتبرت التطبيع جريمة "خيانة عظمى".

الحملة طالبت رئيس تونس بعدها القيام بإجراء عملي بتقديم مبادرة تشريعية لسن قانون لتجريم التطبيع في تونس وعرضه على البرلمان وفق الصلاحيات التي منحها إياه الدستور.

وأضاف ابن خليفة في حديث للاستقلال: "قمت شخصيا بعد ذلك باللقاء بأحد مستشاري الرئيس، ودعوناه إلى التفاعل الإيجابي مع مطالب طيف واسع من القوى الوطنية بسن قانون لتجريم التطبيع".

وتابع: "صحيح أن الرئيس له موقف من مسألة التطبيع، لكن يبدو أنه موقف شخصي لم يتحول بعد وصوله إلى الرئاسة إلى موقف يمثل الدولة التونسية ومؤسساتها".

وأردف: "في فبراير/شباط 2020، وقعت حالة تطبيع علنية بمشاركة لاعب تنس إسرائيلي في دورة دولية للتنس احتضنتها تونس، ولم يتم اتخاذ أي إجراء في حق المسؤولين على هذا التجاوز، كما أن الموقف الأخير للدبلوماسية التونسية في اجتماع الوزراء العرب لم يكن في حجم الشعارات التي رفعتها تونس، لكن رغم ذلك لا يمكن مساواة الموقف التونسي بمواقف عدد من الأنظمة العربية الأخرى".

صمت مريب

منذ الكشف عن التحالف الإماراتي الإسرائيلي الجديد، الذي يتجاوز التطبيع بخطوات، ينتظر التونسيون على الأخص موقف رئيسهم قيس سعيد، الذي يعتبر التطبيع خيانة ويجرّم التعامل مع المطبعين.

تصاعدت حدة المطالبات الحزبية والشعبية بموقف رسمي معلن وصريح، حيث طالب حزب "القطب" اليساري، في بيان له، بـ"الرجوع الفوري لسفير تونس من الإمارات إلى تونس بقصد المشاورات، وذلك قبل تفعيل قرارات حازمة إزاء هذه الخيانة التطبيعية مع دولة العدو".

كما طالب بـ''إعلان موقف رسمي للسلطات التونسية، تدين فيه الاتفاق التطبيعي الذي يمس المصلحة الوطنية الفلسطينية بطريقة مباشرة".

وقال حزب "الوطنيين الديمقراطيين الموحد" اليساري، في بيان له: "النظام الحاكم في دولة الإمارات أعلن حصول اتفاق سلام مع حكومة الكيان الصهيوني بمباركة من الطغمة العسكرية المصرية الحاكمة، وتواطؤ من الجامعة العربية التي تحولت الى أداة لتصفية القضية الفلسطينية ووكر للتآمر على ثروات الشعب العربي وأمنه".

ودان الحزب "الأنشطة التخريبية لسفارة الإمارات بتونس، وسعيها إلى إجهاض مسار الثورة، والرجوع بالبلاد إلى أتون الاستبداد، معتمدة في ذلك على مشتقات حزب التجمع المنحل وأعوان الديكتاتور المخلوع".

واستنكر "صمت رئاسة الجمهورية إزاء هذه الخطوة، بما يعتبر تنكرا واضحا لمنطوق خطاب الرئيس خلال الانتخابات السابقة"، محملا "الدبلوماسية التونسية واجب استدعاء السفير الإماراتي، وإلزامه بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، وإبلاغه موقف شعب تونس الرافض لخيار التطبيع مع العدو الصهيوني، والمتمسك بالحقوق التاريخية لشعب فلسطين كاملة غير منقوصة".

شأن داخلي

أول موقف رسمي في تونس تجاه اتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي جاء على لسان رئاسة البرلمان التي أصدرت بيانا بعد اجتماع مكتب مجلس نواب الشعب، اعتبرت فيه أن "تطبيع دولة الإمارات مع إسرائيل يعتبر تعديا على حقوق الشعب الفلسطيني، وتهديدا صارخا لحالة الإجماع العربي والإسلامي على المستوى الشعبي الرافضة للتطبيع".

وندد البيان بـ"المآلات السيئة لهذه الخطوة (التطبيع الإماراتي)، خاصة في هذا الظرف الذي تتوالى فيه مظاهر الاعتداء على الشعب الفلسطيني ومضي الكيان الصهيوني في سياسة التوسع وضم المزيد من الأراضي، بما يُكرس واقعا جغرافيا وديموغرافيا جديدا يُهدد الوجود الفلسطيني مرة واحدة".

لم يتأخر قيس سعيد طويلا، ليستقبل السفير الفلسطيني في تونس هايل الفاهوم ليجدد أمامه التأكيد على موقف تونس الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني.

سعيد ألمح للتطبيع الإماراتي مع إسرائيل بقوله: "إننا لا نتدخل في اختيارات الدول ولا نتعرض لها، ونحن نحترم إرادة الدول، فهي حرة في اختياراتها وأمام شعوبها، ولكن لنا أيضا مواقفنا التي نعبر عنها بكل حرية، بعيدا عن إصدار بيانات للتنديد بهذا الموقف أو ذاك. من المفارقات اليوم هو أن يندد البعض بالشيء ونقيضه".

دبلوماسية عاجزة

في بداية فبراير/ شباط 2020، أعلنت رئاسة الجمهورية إقالة مندوب تونس لدى الأمم المتحدة بنيويورك منصف البعتي بشكل مفاجئ، في وقت كان مجلس الأمن يستعد للتصويت على مشروع قرار يدين إعلان الرئيس الأميركي عن خطته للسلام في الشرق الأوسط والمعروفة بـ"صفقة القرن". 

حينها اعتبرت الخارجية التونسية في البيان الذي أصدرته وقت القرار، قرار إعفاء السفير، "يعود لاعتبارات مھنیة بحتة تتعلق بضعف الأداء وغياب التنسيق والتفاعل مع الوزارة في مسائل ھامة مطروحة للبحث في المنتظم الأممي خاصة".

واعتبرت رشيدة النيفر المستشارة لدى الرئيس التونسي المكلفة بالإعلام والاتصال "أن هذا خطأ دبلوماسي جسيم"، وتابعت: "أخطاء مهنية قام بها وتتمثل أساسا في غياب التنسيق والتشاور أولا مع وزارة الخارجية ومع بقية أعضاء المجموعة العربية التي رشحت تونس لعضوية مجلس الأمن".

إلا أن صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" الإسرائيلية قالت في تقرير لها: إن الرئيس التونسي استبعد منصف البعتي لأنه "يخشى أن يضر دعم السفير للفلسطينيين بالعلاقات مع الولايات المتحدة".

وأضافت: أن الولايات المتحدة "قدمت مجموعة من الاعتراضات على النص التونسي، وأشارت إلى أنها ستستخدم حق النقض (الفيتو) ضد القرار إذا لم تتم إعادة صياغته".

العلاقات التونسية الأميركية

وهو ما أكدته صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية نقلا عن مصادر دبلوماسية بأن إقالة البعتي لها علاقة بمشروع قرار فلسطيني لإدانة الخطة الأميركية للسلام أو ما يعرف بصفقة القرن وأن السفير التونسي قد يكون ذهب بعيدا في دعمه للفلسطينيين وبأكثر ما يريد رئيس الجمهورية قيس سعيد وأن ذلك قد يُهدد العلاقات التونسية الأميركية.  

وفي 9 أيلول/سبتمبر 2020، لم ينجح وزير خارجية السلطة الفلسطينية رياض المالكي في طرح مشروع قرار بجامعة الدول العربية يدين الاتفاق التطبيعي بين الإمارات وإسرائيل برعاية الولايات المتحدة، بسبب تحفظ عدد من الدول على مشروع القرار الفلسطيني.

كانت تونس برفقة عدد من الدول العربية احتفظت بصوتها معلنة عدم تأييد أو رفض طرح مشروع القرار الفلسطيني ما دفع الفلسطينيين لسحبه.

وعلق الأمين العام للحزب الجمهوري التونسي عصام الشابي في تدوينة على فيسبوك بقوله: "أسقط اليوم أعضاء في جامعة الدول العربية مشروع قرار فلسطيني يدين الخطوة التطبيعية التي قطعتها دولة الإمارات بعلة عدم التدخل في القرارات السيادية للدول الأعضاء".

مضيفا: "أذكر أني استمعت في تونس لمن استعمل نفس الحجة للتنصل من مسؤولياته القومية في الوقت الذي صدع فيه آذاننا بمفردات حربية استعملت في غير محلها" في إشارة إلى موقف الرئيس قيس سعيد.