يمتلك "إف 16".. لماذا يصرّ العراق على شراء مقاتلات سوخوي الروسية؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يشهدها العراق على إثر أزمة كورونا التي اجتاحت العالم، فإن السلطات العراقية تنوي عقد صفقة ضخمة مع موسكو لشراء مقاتلات سوخوي الروسية "سو-"57، الأمر الذي أثار قلق الولايات المتحدة.

اندفاع العراق نحو طلب الحصول على الجيل الخامس من الطائرات الشبحية الروسية، يعكس رغبة لدى سلطات هذا البلد في التكيف سريعا مع تبعات الانسحاب العسكري الأميركي، والتخلص تدريجيا من الهيمنة الإيرانية، حسبما يرى عدد من المراقبين الغربيين.

لكن العراق سبق أن أنفق 4 مليارات دولار على أسطول مقاتلات "إف 16" الأميركية في أوائل عام 2010، إذ وصلت أول دفعة مكونة من 16 طائرة في منتصف عام 2015 خلال الحرب ضد تنظيم الدولة، وهي أقوى طائرات حربية يمتلكها العراق منذ حكم صدام حسين.

"نهاية مرتقبة"

وبعد إنفاق مليارات الدولارات ومرور عقد من الزمن تقريبا، كشف قسم من الطيارين العراقيين لموقع "فوكس نيوز" في 26 أغسطس/ آب 2020، أنه لم يبق شيء من استثمارهم وأنهم يخشون من أن يبقى طيارون معدودون فقط جاهزين لقيادة هذه الطائرات لكبح أي موجة أخرى من تهديدات تنظيم الدولة أو أي تهديد آخر.

وعن الأسباب التي أوصلت العراق إلى هذه الحالة، أفاد الموقع الأميركي بأنه بعد وقوع هجمات صاروخية على عدد من القواعد التي يشغلها الأميركيون ردا على مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ببغداد، انسحب الجنود الأميركيون وبعض المتعاقدين من عدة مواقع عسكرية من ضمنها قاعدة بلد شمال بغداد التي تضم أسطول طائرات "إف- 16" العراقي.

وأكدت وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" في حينها انسحاب متعاقدي شركة "لوكهيد مارتن" من قاعدة بلد في يومي 4 و8 يناير/كانون الثاني 2020، وذلك بعد تعرضهم لهجمات صاروخية غير مباشرة من قبل فصائل مسلحة مجهولة.

واستنادا إلى حديث اثنين من الطيارين العراقيين (لم يكشفا عن اسميهما) للموقع الأميركي، فإن مشاكل برزت عبر الأشهر القليلة الماضية، إذ يقول أحدهما: إن "المشكلة تكمن في سحب شركة لوكهيد مارتن لمنتسبيها من القاعدة. مع ذلك، فإن جميع هذه الطائرات بحاجة لخدمات صيانة وإشراف".

وتابع الطيار الحربي العراقي: "وزارة الدفاع العراقية بدأت بتهيئة قطع غيار وأشياء أخرى بنفسها (بسبب الافتقار لها)، وهو شيء لا يسمح به والقطع خالية من الضمان. في إحدى الحالات تم ترك قطعة داخل أحد المحركات".

وأفاد بأن "الطائرات الآن جاثمة لأنهم- أي الطيارين- لا يعرفون ماذا يفعلون فيما يتعلق بخصوص الصيانة، والذي يعني بالمقابل أن الطيارين العراقيين لا يمكنهم إصدار شهادة مصادقة طلعاتهم الجوية كل شهر وهذا ما يجعلهم غير مهيئين لطلعة قتالية".

وقال طيار عراقي ثان: "اعتدنا في السابق تسيير 16 طلعة جوية قتالية في اليوم مع إبقاء طائرتين كاحتياط. أما الآن فنحن نسير طلعتين إلى أربع طلعات باليوم فقط. يرجع ذلك للافتقار إلى الصيانة المناسبة وقطع الغيار للطائرات".

وتابع: "تم هدر الكثير من المال، لكن صيانة الطائرات الآن رديئة، وبعد أن كانت 20 طائرة جاهزة كاملا لطلعة قتالية انخفضت الآن إلى سبعة فقط".

لم تتفاقم احتياجات السلطات في بغداد إلا بعد قرار الإدارة الأميركية تقليص وجودها العسكري بشكل كبير في عدد من المناطق المهمة إستراتيجيا في العراق وتقليص الالتزامات تجاه الجمهورية بشكل كبير بسبب القضاء على تهديد تنظيم الدولة.

"رغبة عراقية"

بخصوص بدائل العراق المتاحة لإنهاء أزمة سلاح الجو، أكد المفتش العسكري لوزارة الدفاع العراقية، اللواء عماد ياسين الزهيري، أن بلاده تخطط بشكل مستمر إلى توسيع التعاون والتنسيق العسكري مع وزارة الدفاع الروسية، في تخصصات عدة، أبرزها الدفاع الجوي وما يخص القوات البرية.

وقال اللواء الزهيري لوكالة "سبوتنيك" الروسية في 23 أغسطس/ آب 2020 على هامش منتدى "الجيش 2020": إن "وزارة الدفاع العراقية تخطط بشكل مستمر لتوسيع التعاون والتنسيق مع وزارة الدفاع الروسية في مجالات الدفاع الجوي، والقوات البرية، وعربات المشاة".

وأضاف: أن "مجال التعاون بين البلدين يركز أيضا بشكل مستمر في مجال التدريب، وعلى تطوير الخبرات المتراكمة لدى الجيش العراقي مع عوامل مراعاة ظروف مقاتلة الإرهاب، إضافة إلى بعض العوامل الاقتصادية التي على ضوئها سوف يتم تحديد حجم ونوع التسليح وتبادل الخبرات".

وأوضح الزهيري أن "العراق مهتم بشراء مركبات مشاة قتالية ومقاتلات سو-57 الروسية".

وأشار إلى أن "بغداد لديها الكثير من طائرات الهليكوبتر الروسية، مثل مي-35، مي-28، مي-17، موضحا أنها "تشكل القوة الرئيسية الجوية العراقية، لكن في الوقت نفسه نحتاج إلى مقاتلات حديثة".

وتعليقا على اهتمام عدد من الدول بأحدث المقاتلات من الجيل الخامس من طراز سو-57، أكدت ماريا فوروبيوفا المتحدثة باسم الهيئة الاتحادية الروسية للتعاون العسكري التقني أن مسألة تصدير هذا النوع من المقاتلات لا تزال قيد الدراسة، حسبما نقل موقع "نيوز ري" الروسي في 28 أغسطس/آب 2020.

وأكدت فوروبيوفا أن العديد من الدول المهتمة بشراء هذا النوع من المقاتلات أرسلت طلبات رسمية بهذا الشأن، موضحة أن موسكو تنظر حاليا في هذه الطلبات.

وشددت على أن الشركة المصنعة لطائرات "سو-57" تركز حاليا على تلبية حاجيات الجيش الروسي، وهو ما يجعل احتمالات تصدير هذه المقاتلة في الوقت الراهن مستبعدة إلى حد كبير.

ونشرت في وقت سابق وسائل إعلام روسية لقطات لطائرة "سو-57" من الجيل الخامس، متعددة الوظائف، وهي مصممة لتدمير جميع أنواع الأهداف الجوية والأرضية والسطحية، وقادرة على التغلب على أنظمة الدفاع الجوي للعدو، ومراقبة المجال الجوي على مسافات كبيرة من القاعدة، وكذلك تدمير أنظمة التحكم في طيران العدو.

ويوجد على متن هذه الطائرة المجمع الأكثر تقدما من المعدات الإلكترونية. ويسمح بتبادل البيانات في الوقت الفعلي مع أنظمة التحكم الأرضية وداخل مجموعة الطيران، وكذلك أداء المهام بشكل مستقل. ويمكن لـ "سو-57" استخدام الأسلحة الموجهة وغير الموجهة، وأقصى حمل قتالي للمقاتلة 10 أطنان.

عقوبات أميركية

من جهتها، تحدثت مجلة "فوربس" الأميركية في 28 أغسطس/ آب 2020، عن "نهاية مرتقبة" لأسطول الطائرات العراقي نتيجة انسحاب الفنيين الأميركيين المتعاقدين مع العراق لصيانة تلك الطائرات.

وأشارت إلى أن بغداد حاليا تفتقر إلى الدفاعات الجوية الجادة ولا تمتلك أي صواريخ أرض - جو بعيدة المدى، مبينة أن طائراتها من طراز "إف- 16" مجهزة فقط بصواريخ جو- جو قصيرة المدى، لذا فإن قدرتها على فرض أي إغلاق لمجالها الجوي محدودة إلى حد كبير.

لكن تقرير الموقع الأميركي أكد أنه من المحتمل أن يكون هذا هو السبب الرئيسي الذي جعل العراق يفكر بشكل متقطع في شراء صواريخ الدفاع الجوي الروسية طويلة المدى "إس 400" أو "إس 300" في السنوات الأخيرة.

ورجحت "فوربس" أن شراء سوخوي "سو-57" سيدفع الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات اقتصادية جديدة على العراق بموجب قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال قانون العقوبات (جاستا) الفيدرالي لأن مثل هذا الشراء سيشكل "صفقة مهمة" مع قطاع الدفاع الروسي.

ولفت التقرير إلى إن اختيار "سو-57" من قبل العراق، فضلا عن كونه استثمارا باهظ التكلفة، فإنه من المرجح أن يكون خيارا مكلفا غير مبرر بالنسبة للعراق".

وسيكون إرسال طائرات روسية أكثر صعوبة بالنسبة لبغداد من طائرات "إف 16" بدون مساعدة تقنية روسية مستمرة في شكل مستشارين وفنيين، ناهيك عن تدريب الطيارين العراقيين على قيادة الطائرة الحربية المتطورة للغاية.  

وإذا كانت أسوأ التقارير حول الحالة الحالية لأسطولها من طراز "إف 16" دقيقة، فإن الحصول على "سو-57" قد ينتهي في نهاية المطاف بما يزيد قليلا عن مجرد هدر ضخم بمليارات الدولارات للعراق لا يستطيع ببساطة تحمله، وفقا للتقرير.

التقرير الأميركي يقول: "لماذا تعتقد بغداد أنها بحاجة إلى "سو-57". على سبيل المثال، 4.5 أرخص من مقاتلات "سو- 35" متعددة المهام، والتي من شأنها أن تزود القوات الجوية العراقية بمقاتلة عالية القدرة للقتال الجوي والهجوم الأرضي الذي من شأنه أن يكون أسهل بكثير في الصيانة".

ونقلت مجلة "ميليتري ووتش" الأميركية في 28 أغسطس/ آب 2020، عن  خبراء قولهم: إن العراق يرغب في تعزيز قدراته الجوية التي تعاني من نقص كبير في المعدات، إذ لا يملك جيشه حاليا سوى نوعين من المقاتلات، هما إف-16 الأميركية و"تي-50 العقاب الذهبي" الكورية الجنوبية، وكلاهما ينفذ هجمات على أهداف أرضية فقط.

وحسب المجلة الأميركية، فإن العراق أصبح أكثر حرصا على الاستثمار في قدراته الدفاعية الجوية للحفاظ على أمن المجال الجوي وتقليص اعتماده على إيران "التي نجحت في بسط نفوذها بشكل كبير على البلاد".