أبو قاسم.. مزارع مصري لم يروِ أرضه منذ بدء ملء سد النهضة

قسم الترجمة - الاستقلال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

أكدت صحيفة واشنطن بوست الأميركية، أن سد النهضة الإثيوبي يهدد الأمن المائي لمصر ومستقبل قطاع الزراعة وكذلك المزارعين المصريين الذين بدؤوا يستشعرون بالفعل آثار شح المياه بسبب بدء أديس أبابا، ملء خزان السد الضخم.

وتذكر الصحيفة قصة مخلوف أبو قاسم، وهو مصري ولد في شتاء عام 1964، في إحدى المناطق الزراعية التي تم إنشاؤها حديثا في الطرف البعيد من واحة الفيوم، وكان والداه من أوائل من سكنوا ذلك المكان، حيث انتقلا إلى هناك ليدشنا حياة جديدة كمزارعين.

كانت بداية مشرقة ومزدهرة، حيث كانت المنطقة خصبة، وكانا يكسبان قوتهما على مدى أربعة عقود من زراعة الذرة والقطن والقمح.

أما الآن وبعد أن بلغ 55 عاما، ينظر أبو قاسم إلى ما تبقى من مزرعته الآخذة في التقلص، المحاطة بأرض قاحلة كانت ذات يوم أراضا زراعية لجيرانه، ضحايا الري المتناقص في السنوات الأخيرة.

ويشير أبو قاسم في هذا السياق "كان هناك ما يكفي من المياه لجعل كل هذه المنطقة خضراء. الآن، كما ترى".

وفي الماضي، كان أبو قاسم وغيره من القرويين يروون مزارعهم من خلال القنوات المرتبطة بنهر النيل، شريان الحياة لمصر منذ العصور القديمة.

لكن سنوات من سوء الإدارة والفساد وزيادة عدد السكان أدت إلى خسارة ما لا يقل عن 75٪ من الأراضي الزراعية في القرية والمناطق المحيطة بها، حسب عبد الفتاح العويدي، رئيس جمعية غزة الزراعية.

ويخشى أبو قاسم الآن، من أن السد الذي تبنيه إثيوبيا على النيل الأزرق، الرافد الرئيسي لنهر النيل، يمكن أن يزيد من النقص الحاد في المياه الذي يضرب قريته بالفعل إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق لضمان استمرار تدفق المياه، حيث قال: "السد يعني موتنا".

تأثير مدمر

وفيما لا يزال التأثير الدقيق للسد على دول المصب مثل مصر والسودان غير معروف فإن التوقعات المخيفة بالنسبة للمزارعين المصريين تزيد قلقا جديدا على رأس قائمة الأسباب الأخرى لتفاقم ندرة المياه. 

وتتحكم مصر في مواردها المائية بشكل سيئ، ذلك أن عدد سكانها المتنامي، الآن أكثر من 100 مليون نسمة، لديه واحد من أدنى حصة للفرد من المياه في العالم، الذي يبلغ حوالي 550 مترا مكعبا في السنة، مقارنة بمتوسط ​​عالمي يبلغ 1000.

وتقول إثيوبيا: إن الكهرباء التي سيولدها سد النهضة الكبير هو شريان حياة حاسم لإخراج ما يقرب من 110 مليون مواطن من الفقر.

وتخشى مصر التي تعتمد على النيل في أكثر من 90٪ من إمداداتها المائية، بما في ذلك مياه الشرب والاستخدام الصناعي والري، من تأثير مدمر إذا تم تشغيل السد دون أخذ احتياجاتها في الاعتبار.

وتريد القاهرة ضمان حد أدنى من المياه سنويا بما يصل إلى 40 مليار متر مكعب من المياه من النيل الأزرق بينما تملأ إثيوبيا الخزان العملاق للسد، وفقا لمسؤول الري.

وسيكون هذا أقل من 55 مليار متر مكعب تحصل عليها مصر عادة، ومعظمها من النيل الأزرق. وسيتم سد هذا النقص بالمياه المخزنة في السد العالي في بحيرة ناصر في أسوان، والذي تبلغ طاقته الإجمالية 169 مليار متر مكعب من المياه، وفق الصحيفة الأميركية.

وقال وزير الري المصري السابق محمد نصر علام: "إذا تم ملء سد النهضة وتشغيله دون تنسيق بين مصر وإثيوبيا، فإن تأثيره سيكون مدمرا للمجتمع المصري بأسره ولن تتمكن الدولة من معالجة تداعياته".

وأشار إلى أنه من المقدر أن يؤدي فقدان مصر لـ 5 مليارات متر مكعب من مياه النيل بشكل دائم إلى خسارة مليون فدان من الأراضي الزراعية أو 12٪ من إجمالي الأراضي الزراعية في البلاد. 

وفي سياق متصل يقول السودان: إن المشروع الإثيوبي قد يعرض سدوده للخطر، على الرغم من أن الخرطوم ستحصل على فوائد من سد النهضة، بما في ذلك الكهرباء الرخيصة والتقليل من خطر الفيضانات.

وكانت قرية أبو قاسم، واحدة من المجتمعات الزراعية المتعددة التي أنشأتها الحكومة الاشتراكية للرئيس جمال عبد الناصر في مصر في الستينيات، فقد بنيت على صحراء مستصلحة، وتعتمد في الري على ترعة يوسف، التي تتدفق من النيل عبر الفيوم من خلال سلسلة من القنوات.

أزمة المزارعين

وبعد أن اعتاد القرويون على زراعة محاصيل مختلفة، بدءا من القطن والخضروات إلى القمح والحبوب، فإن معظم أراضي القرية قاحلة الآن، حيث يقول المزارعون: إن جميع مياه النيل التي كانت تصل إلى القرية تقريبا يتم تحويلها إلى مشاريع زراعية أخرى أو استخدامها لسد احتياجات عدد السكان المتزايد.

وزاد النقص في المياه أكثر في وادي النيل والدلتا، حيث يواجه المزارعون أيضا زيادة في الملوحة. وللري، يعتمد مزارعو القرية الآن على مياه الصرف الصحي من البلدات المجاورة، وهي مزيج من الصرف الزراعي والصرف الصحي.

وفي مزرعة أبو قاسم التي تبلغ مساحتها 16 فدانا، تتم زراعة فدان واحد فقط. وقد حاولت عائلته زراعة الذرة لكن النباتات ماتت. لذلك، قرر المزارع المصري، مثل معظم المزارعين الآخرين في المنطقة، زراعة أشجار الزيتون التي تستخدم كميات أقل من المياه، لكن ذلك لم ينه معاناتهم مع شح المياه.

وقال أبو قاسم، وهو يظهر ثمارا ذابلة: "هذه الأشجار لم تر الماء منذ أكثر من 40 يوما".

وتزامنت بداية شح المياه في مصر، مع بدء إثيوبيا ملء سد النهضة، منذ منتصف يوليو/تموز الماضي، ونشر التلفزيون الإثيوبي "etv"، لقطات تعرض للمرة الأولى، للحظة ملء سد النهضة، وملء بحيرته.

ومع تضاؤل ​​المياه، غادر العديد من سكان القرية البالغ عددهم 12000 نسمة، بمن فيهم أشقاء أبو قاسم الثلاثة وأبناؤه الأربعة. وانتقلت إحسان عبد العظيم التي تبلغ من العمر 53 عاما، زوجة أحد أشقاء أبو قاسم، مع أسرتها للعمل في القاهرة عام 2001.

وقالت أم الخمسة أطفال وهي جالسة بين أبنائها خلال زيارة للقرية في وقت سابق من شهر أغسطس/آب: "لم يكن لدينا خيار في ذلك الوقت.. أصبحت الزراعة غير كافية لإطعام أطفالي".

يأتي ذلك بعد أن فشلت المفاوضات التي استمرت لسنوات بين مصر والسودان وإثيوبيا في التوصل إلى اتفاق بشأن السد. ووصل النزاع إلى نقطة تحول عندما أعلنت أديس أبابا في أغسطس/آب، أنها أكملت المرحلة الأولى من ملء خزان السد البالغ 74 مليار متر مكعب. 

وأثار ذلك الخوف والارتباك في السودان ومصر، حيث أصر البلدان مرارا وتكرارا على أنه يجب على إثيوبيا ألا تبدأ التعبئة دون التوصل إلى اتفاق أولا.

وفي الأثناء قال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد: إن "الملء حدث بشكل طبيعي، من السيول التي غمرت النيل الأزرق، دون إزعاج أو إيذاء أي شخص آخر".

وكانت النقاط الخلافية في المحادثات هي كمية المياه التي ستطلقها إثيوبيا في اتجاه مجرى النهر أثناء الملء وتسببها في حدوث جفاف لعدة سنوات وكيفية حل الدول الثلاث أي نزاعات مستقبلية. ودفعت مصر والسودان نحو التوصل إلى اتفاق ملزم، بينما تصر إثيوبيا على مبادئ توجيهية غير ملزمة.

وفي السنوات الأخيرة، سرّعت الحكومة المصرية جهودها لتحديث أنظمة الري في البلاد، بما في ذلك تبطين القنوات وتشجيع المزارعين على تبني الري بالتنقيط والرش الذي يستخدم كميات أقل من المياه.

كما أوقفت الحكومة زراعة المحاصيل المستهلكة للمياه مثل الأرز، وهددت بفرض غرامة على المزارعين الذين يزرعون هذه المحاصيل في مناطق غير مخصصة لزراعتها.

وقال رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي في تصريحات متلفزة أواخر يوليو/تموز: إن حكومته خصصت أكثر من 62.5 مليار دولار لاستثمارات تهدف للحفاظ على المياه حتى عام 2037. وجدد تحذيراته من أن النيل "مسألة حياة" لمصر وأقر بالقلق الذي يسيطر على البلاد، قائلا: "أنا قلق أيضا".