من مدريد إلى كوالالمبور.. هكذا أفسد النظام السعودي حكاما وساسة

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 3 أغسطس/ آب 2020، أبلغ الملك الإسباني السابق خوان كارلوس، نجله الملك (الحالي) فيليبي، بأنه قرر مغادرة البلاد، على خلفية فضيحة فساد مالي، بتلقيه أموالا من المملكة العربية السعودية.

كارلوس فضل الهروب نحو الدومينيكان، بعد اشتعال الرأي العام الإسباني احتجاجا على تلك الفضيحة التي مست سمعة العرش الملكي في مدريد بشكل مباشر.

السعودية التي لعبت الدور الأبرز في الفضيحة، تورطت خلال السنوات الأخيرة في العديد من قضايا الفساد الكبرى التي مست بعض الأنظمة الحاكمة، وأسقطت ساسة من فوق سدة الحكم، وهو ما حدث في ماليزيا، والفضيحة الكبرى التي هوت برئيس وزرائها السابق نجيب عبد الرزاق، الذي ينتظر صدور أحكام بالسجن المشدد لسنوات.

رشوة ملكية

الضربة التي تعرض لها القصر الملكي في مدريد، بدأت من يونيو/ حزيران 2020، عندما فتحت المحكمة العليا الإسبانية تحقيقا في ضلوع ملك إسبانيا السابق خوان كارلوس (82 عاما)، في عقد لخط سكك حديدية فائق السرعة للربط بين مكة والمدينة في السعودية، وذلك بعد أن ذكرت صحيفة "لا تريبيون دي جنيف" السويسرية أنه تسلم 100 مليون دولار من ملك السعودية الراحل عبد الله بن عبد العزيز آل سعود.

في البداية أعلن خوان كارلوس من خلال محاميه، رفض ما أطلق عليه "المزاعم" واتهامات الفساد، لكن مع استفحال القضية وتداولها على نطاق واسع وانشغال الرأي العام بها، بدأت التداعيات تتكشف.

الأحزاب الإسبانية بدأت التحرك مسبقا، بداية من 5 مارس/ آذار 2020، عندما طالب حزب "بوديموس" المشارك في الائتلاف الحاكم في إسبانيا، بضرورة تشكيل لجنة تقصي حقائق حول الأخبار المتداولة بشأن تورط الملك الأب خوان كارلوس في رشاوى ضخمة بقيمة 100 مليون دولار مصدرها السعودية.

النيابة العامة في سويسرا، أعلنت أنها تتبعت مبلغ 100 مليون دولار، وضعت في حساب بمؤسسة في بنما، ثم جرى تحويل معظمها إلى بنك في سويسرا لصالح "كورينا" التي يفترض أنها كانت عشيقة الملك خوان كارلوس طيلة السنوات الماضية.

بعد استجوابها من طرف القضاء السويسري، صرحت العشيقة السابقة للملك الإسباني بأنها تلقت مبلغ 65 مليون دولار كهدية من خوان كارلوس.

وكشفت تسجيلات سرية نشرت مضمونها الصحف السويسرية، لكورينا أكدت خلالها أنها احتجت على ملك إسبانيا لأنه استعملها للتستر على بعض الأموال التي جاءت إليه من الرياض.

هروب الملك

أموال السعودية غير الشرعية التي ذهبت إلى الملك السابق، ظلت تطارده، وفي 3 أغسطس/ آب 2020، قال القصر الملكي في بيان: إن "ملك إسبانيا السابق خوان كارلوس أبلغ نجله الملك فيليبي بأنه قرر مغادرة البلاد". 

وفي رسالته التي بعث بها إلى نجله وخليفته، الملك فيليب السادس، لم يفصح الملك السابق عن البلد الذي سينتقل إليه، لكنه أشار إلى أنه يهدف بقراره إلى عدم التأثير على ممارسة ابنه لعمله كملك "نظرا للتأثيرات العامة التي سببتها بعض الأحداث الماضية"، في إشارة إلى التحقيقات القضائية بحقه بشبهات فساد. وقال: "إنه قرار اتخذه بمشاعر عميقة لكن بهدوء كبير".

وأمام حجم الفضيحة وانتشار الوثائق التي تؤكد وقوع رشاوى، أعلن حزب بوديموس ضرورة إنشاء لجنة برلمانية تحقق في هذه الوقائع التي اعتبرها مشينة وتمس صورة إسبانيا بما في ذلك امتداد التحقيق البرلماني والقضائي إلى السعودية نفسها. 

ونشرت صحيفة "بوبليكو" الإسبانية أخبارا تفيد بقلق الحزب الاشتراكي (الحزب الرئيسي في الحكومة) من هذه الفضيحة، بسبب انعكاساتها السلبية على المؤسسة الملكية.

ولم تقف التداعيات الغاضبة على الأحزاب ووسائل الإعلام، بل امتدت إلى المواطنين، ووصلت الاحتجاجات إلى الجماهير، حيث احتج آلاف الإسبان من خلال المظاهرات والتجمعات، واستجاب سكان وسط العاصمة مدريد إلى دعوة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مطالبين خوان كارلوس بالتبرع بملايين الدولارات التي حصل عليها من السعودية، لصالح قطاع الصحة الإسباني الذي يعاني صعوبات.

وكان خوان كارلوس ملكا على إسبانيا طوال 4 عقود حيث تولى السلطة بعد وفاة الدكتاتور الإسباني فرانسيسكو فرانكو في عام 1975، واضطر إلى التخلي عن العرش في يونيو/حزيران 2014 لصالح نجله على خلفية فضائح فساد، وبينما كانت الصحف تنتقد سلوكه، جاءت قضية الأموال السعودية لتكون بمثابة "القشة" التي قصمت ظهره.

"فضيحة عبد الرزاق"

لم يكن ملك إسبانيا فقط هو من طاله غبار الفساد السعودي، وسقط رهن إغراء أموال المملكة، بل سبقه على الطريق نجيب عبد الرزاق رئيس وزراء ماليزيا السابق.

مطلع 2016، شهدت ماليزيا واحدة من أكبر فضائح الفساد المالي في تاريخ البلاد، وذلك بعد أن أعلن المدعي العام الماليزي أن "681 مليون دولار حولت إلى حساب مصرفي شخصي لرئيس الوزراء (آنذاك) نجيب عبد الرزاق، كانت هدية من الأسرة الحاكمة في السعودية.

وشنت أحزاب المعارضة في ذلك الوقت حملة ضارية ضد عبد الرزاق، داعية إياه إلى الاستقالة جراء هذه الفضيحة، خاصة مع إدخال الأسرة السعودية الحاكمة في الأمر.

العجيب أن في ذات الوقت الذي أثيرت فيه قضية التحويلات المريبة لعبد الرزاق من الرياض، كان صندوق تنمية ماليزيا (1 إم دي بي) المملوك للدولة يواجه مشكلات جمة، ومثقل بالديون وكان يرأس عبد الرزاق، مجلس مستشاريه.

في 29 مارس/ آذار 2016، أعلنت صحيفة "الجارديان" البريطانية، أن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أكد في قمة منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول أن المبالغ السعودية المحولة لرئيس الوزراء الماليزي "تبرع حقيقي ولا يوجد شيء متوقع في المقابل".

وبما أن عبد الرزاق كان وقتها ما يزال على رأس الحكم في ماليزيا، فقد برأه المدعي العام محمد أباندي علي، على اعتبار أن مبلغ 681 مليون دولار الذي تم اكتشافه في حسابه الشخصي كان "هبة ملكية سعودية"!.

وحسب تقرير "بي بي سي" في أغسطس/ آب 2017، تحت عنوان "بيت آل سعود: عائلة في حرب"، فإن "عبد الرزاق اختلس ما لا يقل عن 1.2 مليار دولار من صندوق تنمية ماليزيا، وذلك بعد قيامه كممثل للحكومة الماليزية آنذاك بإقراض شركة سعودية وهمية اسمها (بترو سعودي) من أموال الصندوق، ثم بعد ذلك اختفت 700 مليون دولار من هذا المبلغ.

أسقطت حكمه

قضية الفساد الكبرى التي تسبب فيها النظام السعودي في ماليزيا، أودت بحكم عبد الرزاق إلى الهاوية في انتخابات مايو/ أيار 2018، حينما وضع منافسه مهاتير محمد، ملف الفساد على قائمة معركته الانتخابية، ليسقط نجيب، ويعجل رئيس الوزراء الجديد حينها مهاتير محمد بملاحقة المشتبه بهم في هذه القضايا.

سرعان ما بدأت حكومة مهاتير في الكشف عن أكبر فضيحة فساد في تاريخ ماليزيا، بطلها نجيب عبد الرزاق، وبدأت مصادرة أموال ومقتنيات ثمينة قيمتها 273 مليون دولار تعود لعبد الرزاق، بينها مبالغ نقدية من 26 عملة قدرت بـ28.8 مليون دولار، و12 ألف قطعة مجوهرات بينها عقد قيمته 1.5 مليون دولار، ومئات حقائب اليد الفاخرة، وأكثر من 400 ساعة تقدر قيمتها بـ19.3 مليون دولار.

وفي 28 يوليو/ تموز 2020 أدانت المحكمة العليا في ماليزيا رئيس الوزراء السابق، في 7 تهم موجهة إليه، وحسب وسائل الإعلام الماليزية يتوقع أن يواجه عبد الرزاق السجن لعشرات السنين.

القاضي محمد نزلان محمد غزالي بالمحكمة العليا في كوالالمبور قال: "بعد دراسة جميع الأدلة في هذه المحاكمة، عرفت أن الادعاء نجح في إثبات قضيته بما لا يدع مجالا للشك".