بدأ صراعا مع مليشيات إيران وأذرعها.. هل يستعيد الكاظمي هيبة العراق؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

وجهت الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي، ضربة موجعة للمليشيات الشيعية الموالية لإيران، باعتقال خلية تابعة إلى "كتائب حزب الله" كانت تنوي إطلاق صواريخ تستهدف المنطقة الخضراء ببغداد في 25 مايو/ أيار 2020، والتي تضم مقر السفارة الأميركية.

الخطوة اعتبرت سابقة في تاريخ حكومات العراق ما بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، وأثارت جدلا واسعا عما إذا كانت بداية لاستهداف المليشيات، وحصر السلاح المنفلت واستعادة هيبة الدولة التي وعد بها الكاظمي لحظة تشكيل حكومته في مايو/ أيار 2020.

مرحلة جديدة

الحكومة العراقية أعلنت على لسان الناطق العسكري باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية العميد يحيى رسول أنه سيتم "استعادة هيبة العراق" وفقا للقانون، في إشارة إلى العملية الأمنية الخاطفة ضد ورشة لتصنيع صواريخ الكاتيوشا ومنصات إطلاقها في منطقة البوعيثة في بغداد تديرها "كتائب حزب الله" في العراق.

وأكد رسول خلال تصريحات صحفية في 27 يونيو/ حزيران 2020 أن العملية أسفرت عن اعتقال 14 مسلحا مع منصات إطلاق صواريخ. وأضاف أن  عملية توقيف مطلقي الصواريخ "تهدف لاستعادة هيبة الدولة العراقية".

وقال المتحدث باسم القائد العام في العراق: "سيتم استعادة هيبة الدولة وفقا للقانون. لن نسمح بأي فوضى في العراق وسيتم تنفيذ القانون، ولن نسمح بأي عمليات لاستهداف هيبة الدولة".

وفي تعليق على العملية الأمنية التي تعتبر الأولى من نوعها ضد أقوى المليشيات الشيعية والأقرب لإيران، قال الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي عمر العادل: إن "النظام السياسي في العراق بدأ بالفعل يتغير منذ وصول الكاظمي إلى السلطة".

ورأى العادل أن "القوى والمليشيات الشيعية وضعهم اختلف منذ غياب الجنرال الإيراني قاسم سليماني، وسكوت طهران يبدو أنها مرغمة عليه، كونه يعبر عن ضعفها اليوم في الملف العراقي".

وحسب معلومات الباحث العراقي، فإن "الكاظمي بات اليوم هو الأقوى، لأنه يدرك الضعف الإيراني الذي تستند إليه المليشيات الشيعية، وما يدور في اللقاءات الخاصة بين الزعامات الشيعية عن تعاظم سلطة رئيس الحكومة، حسبما وصلتنا من تسريبات".

كما أن العملية الأمنية لها أهمية أخرى كونها جاءت قبل اللقاء المرتقب في واشنطن بين الكاظمي ورئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب في يوليو/ تموز 2020، لاستكمال جولات الحوار الإستراتيجي بين البلدين، بحسب العادل.

ونقلت وكالة "رويترز" في 26 يونيو/ حزيران 2020 عن مسؤول حكومي (لم تذكر اسمه) قوله: إن العملية الأمنية طالت 3 زعماء من "كتائب حزب الله" وأن أحد الزعماء المحتجزين في المداهمة إيراني الجنسية. 

الإنذار الأول

العملية الأمنية حظيت بتأييد شعبي واسع، ولا سيما في ساحة التحرير مركز المظاهرات وسط بغداد، إذ خرجت مجاميع من المتظاهرين تؤيد ما قامت به قوات مكافحة الإرهاب من اعتقال لعناصر "حزب الله" في العراق، واصفين الأخير بأنه ظهر ضعفه، ولا يقوى على فعل شيء.

وخلال ساعات عقب العملية الأمنية، تصدر وسم "#مع_جهاز_المكافحة_ضد الأحزاب"، وأيد الكثير من الناشطين إعادة هيبة الدولة والتصدي للمليشيات الموالية لإيران كونه يمثل بداية الصراع بين الدولة واللادولة، مشيدين بشجاعة القوة التي اعتقلت عناصر "كتائب حزب الله" في العراق.

وفي السياق ذاته، رأى الكاتب مصطفى فحص المختص في الشأن الإيراني والجماعات الشيعية المسلحة خلال مقال نشره موقع قناة "الحرة" الأميركية في 27 يونيو/ حزيران 2020، أن الدولة في العراق بالرغم من ضعفها إلا أنها حاضرة، لكنها كانت تحتاج إلى من يبادر من أجل إعادة فرض سيادتها.

وأشار إلى أن "ما جرى ليل الخميس وفجر الجمعة وضع الجميع أمام امتحان صعب، فالحكومة ورئيسها والقوات المسلحة أمام مفترق طرق، التراجع يمثل نهايتهم، والتمسك بموقفهم يأخذهم إلى مواجهة لم تكتمل شروطها".

في المقابل- يضيف فحص- : "كان الحشد الشعبي وفصائل المليشيات التابعة له أمام اختبار القوة، فهل هي قادرة على تحمل كلفة المواجهة، وهي تعلم أن تراجعها خطوة واحدة إلى الوراء سيكسر هيبتها الوهمية ويضع حدا لاستقوائها على العراقيين، وما بينهما شارع منحاز كليا لسيادة الدولة لا يمكنه أن يتقبل فكرة أي تراجع قد يُقدم عليه الكاظمي".

ورأى الكاتب أن "الكاظمي نجح في توجيه إنذاره الأول وسهل الطريق أمام حكومته لتحقيق ما وعد به من حزمة إصلاحات توقف تسلط الأحزاب المسلحة على مقدرات الدولة، وبات بإمكانه استعادة وظائف الدرجات الخاصة والوكلاء من هيمنة أحزاب السلطة، وتحرير المعابر الحدودية من يد المليشيات، وهو يستند الآن إلى ثلاثية ذهبية متمثلة في الجيش والشعب والمرجعية، معادلة باتت تشكل غطاء مؤسساتيا واجتماعيا وروحيا لخطواته، فالثقة تعززت بإمكانية فرض التغيير التدريجي".

وتابع: "مما لا شك فيه أن قناعة مكونات المجتمع العراقي بإمكانية التغيير، حتى لو كانت حذرة، جاءت نتيجة قراره الصارم، ليس في تغطيته السياسية للعملية الأمنية التي نُفذت ضد مليشيات الكاتيوشا، بل أيضا لرفضه المساومة وإصراره على نقل القضية إلى القضاء".

تهديد الكاظمي

وبخصوص ردة فعل المليشيات والقوى السياسية الموالية لإيران، فإنها عبرت عن غضب كبير وصل إلى درجة تهديد الكاظمي، بالرد على مواجهة من وصفوهم بـ"المقاومة"، ناعتين الكاظمي بـ"عميل الأميركيين".

وفي خطاب شديد اللهجة بثته قنوات عراقية، وجه زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، تحذيرا لرئيس الوزراء من الدخول في مواجهة مع الحشد الشعبي، واصفا اعتقال عناصر من الحشد بأمر من رئيس الوزراء بأنه "فوضى عارمة".

وقال الخزعلي: "ما من مسؤول عراقي قبل الكاظمي تجرأ على استهداف فصائل المقاومة العراقية. أوجه لرئيس الوزراء نصيحة أخيرة، الأفضل له عدم الدخول في مواجهة مع الحشد الشعبي لأنهم يمثلون الشعب".

وأضاف: "لا أحد يستطيع منع المقاومين من قتال القوات الأميركية لإخراجها من العراق إذا لم تنسحب بالطرق السلمية"، مؤكدا أن حكومة الكاظمي مؤقتة هدفها إجراء انتخابات نيابية مبكرة والعبور بالبلاد "أمنيا وصحيا، لا أكثر".

من جهته، قال رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي المقرب من إيران: إن "الحشد الشعبي قائد النصر وعنوان لقوة الشعب والدولة وعلينا احترامه وحفظ هيبته ولا يجوز الاعتداء عليه أو الانتقاص منه، والدولة دولتنا وقوات مكافحة الاٍرهاب أبناؤنا الذين نعتز بجهادهم وبسالتهم ولا يجوز الانتقاص منه ومن كل قوة وطنية للدولة".

وعبر سلسلة تغريدات على "تويتر" في 26 يونيو/ حزيران 2020، دعا المالكي الجميع إلى "ضبط النفس والحرص على حل المشاكل بنفس وطني مسؤول بعيد عن الأحقاد والتدخلات الخارجية، وأدعو جميع إخواننا المقاتلين والحكومة إلى الحذر من الذين يريدون الإيقاع بين شركاء الهم والوطن".

وتوعد المسؤول الأمني في "كتائب حزب الله" أبو علي العسكري بالرد على الكاظمي، واصفا إياه بـ"المسخ" الذي أراد أن يخلط الأوراق ويضيع قضية مشاركته مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في غارة أميركية مطلع يناير/ كانون الثاني 2020.

وزعم العسكري في تغريدة على "تويتر" في 26 يونيو/ حزيران 2020، أن عناصر الحشد الشعبي تمكنوا في "صولة حيدرية حسينية" من تحرير المعتقلين، متعهدا بالرد على الحكومة دائما والتربص بها.

أما زعيم مليشيا "النجباء" أكرم الكعبي، فأصدر بيانا في 27 يونيو/ حزيران 2020، قال فيه مخاطبا الكاظمي دون ذكر اسمه: "كشفتم اتجاهكم فلا تتوهموا، فإن الحشد الشعبي برجاله ومقاومته وكل القوات الأمنية شركاء الدم والجهاد ولن توقعوا بينهم".

وأضاف: "ثم بعد أن وقانا الله الفتنة، لا تزجوا البلد بالديون التي تسلب سيادته واستقلاله، فإن معنى الاقتراض الخارجي الذي تسعون إليه وفق مفهوم الاستعمار الحديث، هو أن تقترض المال من مستعمر محترف، ثم تشتري بهذا المال بضائع من المقرض نفسه".

وتابع الكعبي قائلا: "سيبيعك هذا المستعمر من فائض إنتاجه، الذي لا سوق له، فتتراكم عليك الديون لتصبح بعد ذلك بلادك رهينة بيده، ليكون محتلا بطريقة غير مباشرة، هذه سياسة قديمة، وتتكرر اليوم للأسف في بلد رفع شعار السيادة".

الأمين العام لمليشيا "كتائب سيد الشهداء" أبو آلاء الولائي قال: "من غير الحكمة أن يسلط الإنسان يده اليمنى على يده اليسرى لتنهش بها وتقطعها، الحشد الشعبي وجهاز مكافحة الإرهاب ذراعا العراق القويان، فلمصلحة من محاولة الإيقاع بينهما؟".

وأشار عبر تغريدة على "تويتر" في 26 يونيو/ حزيران 2020، أن "حفظ سيادة العراق وتوفير قناني الأوكسجين، أهم بكثير من استعراض خائب بعد منتصف الليل"، في إشارة إلى العملية الأمنية.