86 عاما على وفاته.. لماذا يطالب المغاربة بإسقاط تمثال "هوبير ليوطي"؟
.jpg)
في ساحة فسيحة وسط مدينة الدار البيضاء (العاصمة الاقتصادية)، وبالضبط عند مدخل السفارة الفرنسية بالمغرب، ينتصب تمثال الجنرال الفرنسي هوبير غونزالف ليوطي، أول مقيم عام في البلاد.
ممتطيا جوادا عربيا أصيلا يقف ليوطي منتصب القامة يحرس مدخل المدينة بنظراته العسكرية، ويطل من أعلى برجه على أول معسكر للقوات الفرنسية التي هاجمت سكان مدينة الدار البيضاء سنة 1907 بعدما دمرتها البوارج الحربية.
وفرضت "الحماية الفرنسية" على المغرب في 30 مارس/ آذار 1912 بعد توقيع معاهدة من طرف السلطان عبد الحفيظ وامتدت تلك الفترة حتى حصول المغرب على استقلاله سنة 1956. هذه الفترة قضى الجنرال الفرنسي نصفها على رأس الدبلوماسية المغربية.
ورغم نهاية عهد الحماية ورحيل ليوطي، فإن القرارات التي اتخذها النظام الفرنسي حينها، وأشرف عليها الرجل لا تزال صامدة وكتب لها الاستمرار إلى اليوم، إذ إنه وضع قوانين "إسلامية" كتجريم الإفطار العلني خلال شهر رمضان، أو منع بيع الخمور لغير المسلمين، كما أن العلم المغربي بقي كما هو، والرباط هي العاصمة الحالية للبلاد.
تمثال الجنرال
خلف حادث مقتل المواطن الأميركي من أصول إفريقية، جورج فلويد في 25 مايو/أيار 2020 بالولايات المتحدة، ثورة جديدة ضد رموز الاستعباد والإبادة والاستعمار عبر العالم، إذ اتجه عدد من المواطنين إلى إسقاط تماثيل لشحصيات يخلدها التاريخ بذكرى العار.
بدأ الأمر في مدينة بريستول البريطانية، حيث تم تحطيم تمثال تاجر العبيد إدوارد كولستون خلال تظاهرات الغضب على مقتل فلويد، قبل أن يضرم محتجون أميركيون النار في تمثال كريستوفر كلومبوس بولاية فيرجينيا، ثم جرى استهداف تمثال لملك بلجيكا الأسبق ليوبولد الثاني المتورط في إبادة الملايين من الأفارقة خلال الحملات الاستعمارية لبلده وخاصة في الكونغو.
ريح إسقاط تماثيل "أباطرة" الاستبداد في العالم هبت على المغرب، حيث ارتفعت أصوات المطالبين بإزالة تمثال ليوطي من وسط الدار البيضاء، وإسقاط اسم ارتبط بالاستعمار والاستغلال، واعتبروا أن وجود نصب المارشال الفرنسي غير مبرر لا شعبيا ولا رسميا ولا دبلوماسيا.
ووجه أكثر من 100 مغربي، منتصف يونيو/ حزيران، عريضة إلى القنصلية العامة الفرنسية من أجل إزالة تمثال ليوطي من مدخلها والمستقر هناك منذ خمسينيات القرن الماضي.
وتورط هذا الجنرال في إخماد عدة انتفاضات وإخضاع جزء واسع من الأراضي المغربية للسيطرة الاستعمارية لبلاده. وحملت العريضة عبارات شديدة اللهجة في حق المقيم العام الفرنسي إذ وصفته بـ"القبيح".
من هو الجنرال؟
هو لوي هوبير غونزالف ليوطي ولد في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 1854 في مدينة نانسي الفرنسية في أسرة متأثرة بالعسكر، وتوفي في 21 يوليو/ تموز 1934 ودفن في المغرب قبل أن تتم إعادة دفنه في ليزانفاليد بباريس عام 1961.
انخرط ليوطي في الجيش فعمل أولا في الهند الصينية ثم في الجزائر، وتأثر بهزيمة فرنسا أمام ألمانيا خلال حرب 1870، ويحكى أنه كان رجلا صارما وجديا في عمله ولا يميل لحياة الراحة والنزهة، كما أنه لم تسجل فرنسا سرقة أو نهبا بل جد وإخلاص في خدمة الأهداف الإستعمارية لبلاده.
خدم ليوطي المغرب بطريقة تخدم بالشكل الأساسي مصالح بلاده، لكن سجل له أنه هو من أسس العلم المغربي والبنك المركزي، والعملة، ونظام البريد، ورتب الجيش والشرطة، وغيرها من مستلزمات الدولة الحديثة من طرق ومباني ومدارس وجسور وغيرها.
أبدى هوبير ليوطي، منذ أن كان ضابطا صغيرا في الجيش، كرها شديدا للأسلوب الفرنسي في إدارة المستعمرات، وعلق عليه قائلا: "الإدارة المباشرة تجري في عروق الفرنسيين مجرى الدم".
لكنه فضل الأسلوب الإنجليزي المبني على الإدارة غير المباشرة، الأمر الذي جعله يضع تصورا استعماريا خاصا به والمسمى "حماية" والمبني على فكرة "الشراكة" في الحكم مع الهيئات الأهلية وفق تقاليدها وعادتها، وبالتالي نهج سياسة إسلامية عمادها احترام العادات والتقاليد المحلية.
في 28 أبريل/ نيسان من سنة 1912، عينت فرنسا لوي هوبير غونزالف ليوطي كأول مقيم عام لها بالمغرب، وذلك بعد أسابيع قليلة من التوقيع على معاهدة الحماية بمدينة فاس (الشمال الشرقي)، واستمر ليوطي في مهمته بالمغرب إلى حدود سنة 1925، حيث عاد إلى بلاده بعدما تمت ترقيته سنة 1921 إلى رتبة مارشال التي تعتبر الأعلى في الجندية الفرنسية على الإطلاق.
استعملت الرباط كسابقتها تونس تسمية "المقيم العام" للشخص الممثل الرسمي للحكومة الفرنسية خلال فترة الحماية التي فرضتها فرنسا على كل من تونس والمغرب والجزائر في أوائل القرن 19 وهو ما يقابل المندوب السامي بالمستعمرات البريطانية، وهو الذي أصبح يسمى الآن "السفير" مع فرق كبير في الصلاحيات باعتبار أن دول شمال إفريقيا كانت مستعمرات تابعة لفرنسا.
استمر ليوطي مقيما عاما بالمغرب ما بين 1912 و1925 قادما إليه من تجربة طويلة في كل من مدغشقر ثم وهران بالجزائر، وعمل خلال هذه الفترة على تغيير أنماط الحياة الاقتصادية للدولة المغربية، والاجتماعية للمغاربة.
وفرض التحكم التام في النظام السياسي القائم، ونقل العاصمة المغربية من مدينة فاس إلى الرباط وعين عملاءه في مواقع المسؤولية، والذين ساعدوه على إخضاع العديد من المناطق، وكان ذلك عبر حروب دامية شنت على قبائل الريف والأطلس المتوسط.
قضى ليوطي أطول فترة يقضيها أي مقيم عام في المغرب، إذ استمر مبعوثا للحكومة الفرنسية 14 سنة منذ وصوله إلى عاصمة المغرب آنذاك فاس، إذ إنه اصطدم بثورات القبائل التي حاصرت المدينة احتجاجا ضد توقيع معاهدة الحماية، فواجه المحتجين، حسب ما أوردته رسالة وجهها عندما خمدت المعركة إلى شقيقته.
الرسالة لم تكن الوحيدة في فترة إقامته في المغرب، لكنها كانت الأولى وتلتها العشرات من الرسائل التي وجهها إلى بعض أعضاء البرلمان الفرنسي وعبر لهم عن صعوبة مهمته في المغرب، وحاجته إلى خطة أخرى من أجل فرض استعمار بلاده على المملكة بعيدا عن حرب الجيوش، لكنها ستكون حربا سياسية.
الدين واللغة
اعتمد المقيم العام في سياسته الإسلامية على مبدأ التوقير والاحترام، تجاه كل ما يتعلق بـ"الأهالي": ديانتهم، عاداتهم المحلية، مؤسسات حكمهم، ومؤسساتهم الاجتماعية التقليدية، من قضاء وأحباس وتعليم.
وكان الهدف من ذلك أن "لا يشعروا بأنهم يعيشون، مع الوجود الفرنسي، قطيعة كاملة مع تقاليدهم".
منع ليوطي المغاربة من ولوج الحانات وأمر بتجريم "السكر العلني"، ومنع غير المسلمين من دخول المساجد، وحظر التبشير، فقال في إحدى رسائله: "لم أتمكن حتى الآن من إحكام القبضة على المغرب، إلا بفضل سياستي الإسلامية. إني متأكد من جدواها، وأطلب بإلحاح ألا يفسد علي أحد لعبتي".
نجح ليوطي بفضل سياسته الإسلامية في تجنيد العلماء المغاربة الكبار مثل أبي شعيب الدكالي واستصدر منهم فتاوى تبيح اصطفاف المغاربة مع فرنسا في الحرب العالمية الأولى، علما أنهم سيقاتلون خلال هذه الحرب دولة إسلامية، هي الدولة العثمانية.
أما في الجزائر فقد أصدر أصدر الماريشال ليوطي في 16 يونيو/ حزيران 1921، إلى رؤساء المناطق المدنية والعسكرية التعليمات بمنع تعليم العربية لأول مرة في الجزائر منذ الفتح الإسلامي وأول من طبقت عليهم التعليمات هي التجمعات الناطقة بالأمازيغية.
وأفاد كتاب "مغرب الغد" لمؤلفه، بول مارتي، الصادر بباريس سنة 1925، بأن ليوطي قال آنذاك: "إن العربية هي عامل من عوامل نشر الإسلام، لأن هذه اللغة يتم تعلمها بواسطة القرآن، بينما تقتضي مصلحتنا أن نجعل البربر خارج إطار الإسلام، ومن الناحية اللغوية علينا أن نستعمل اللغة ونعمل على الانتقال من البربرية إلى الفرنسية”.
الماريشال الفرنسي " ليوطي " رفقة قدور بن غبريط ========= في الصورة أدناه الحركي المعروف قدور بن غبريط متحدثا إلى (...
Posted by المنظمة الجزائرية لأساتذة التربية تنسيقية أساتذة العلوم الإسلامية سابقا on Tuesday, August 7, 2018
خلال الفترة القصيرة التي قضاها ليوطي بوهران وعديد المدن الجزائرية، وعقب انتهاء تجربته بالجزائر، عاد إلى العمل بفرنسا، حيث عرض عليه الإشراف على الوجود الفرنسي بالمغرب، وهي المهمة التي تحمس لها كثيرا.
دعوته للعمل في المغرب لم تكن صدفة كما قيل بعد تعيينه مقيما عاما، بل نتيجة تجاربه السابقة وخاصة التي تتعلق بوجوده في جارة المملكة الشرقية الجزائر.