أمر بملاحقته قضائيا.. هل ينجح ترامب في تجريد "تويتر" من الحصانة؟

واشنطن - الاستقلال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

11 ألفا ويزيد هو عدد التغريدات التي دونها رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب على حسابه الخاص بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر" منذ توليه الرئاسة في يناير/ كانون الثاني 2017.

لكنها المرة الأولى التي يحجب فيها الموقع تغريدة للرئيس في 28 مايو/ أيار 2020، علق فيها على الاضطرابات التي بدأت من مدينة مينابوليس إثر مقتل جورج فلويد الأميركي من أصول إفريقية لدى توقيفه من قبل الشرطة، حيث رأت إدارة "تويتر" أن التغريدة "تدعو إلى العنف" عقب تهديده باسخدام القوة ضد المحتجين ووصفه لهم بـ"الرعاع".

في 29 من الشهر نفسه وقع ترامب، أمرا تنفيذيا يهدف إلى إلغاء بعض جوانب الحماية القانونية الممنوحة لشركات التواصل الاجتماعي. وتتيح الخطوة للجهات التنظيمية سلطة الملاحقة القضائية لشركات مثل "فيسبوك" و"تويتر" بسبب سياسة مراقبة المحتوى على منصاتها.

وقال ترامب، أثناء توقيع الأمر: إن منصات وسائل التواصل الاجتماعي تتمتع بـ "سلطة لا حدود لها".

مضمون القانون

نص الأمر التنفيذي على توضيح قانون آداب الاتصالات، وهو قانون أميركي يتيح لمنصات على الإنترنت، مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب، حماية قانونية في مواقف معينة.

بموجب القسم 230 من القانون، لا تعتبر شبكات التواصل الاجتماعي مسؤولة بشكل عام عن المحتوى المنشور من قبل مستخدميها، لكن يمكنها المشاركة في "الحجب لأغراض محافظة"، مثل إزالة المحتوى الفاحش أو المزعج أو العنيف.

الأمر التنفيذي شدد على أن هذه الحصانة القانونية لا تنطبق إذا قامت شبكة تواصل اجتماعي بتحرير محتوى نشره مستخدموها، ودعا إلى إصدار قانون من الكونجرس "لإزالة أو تغيير" القسم 230.

ترامب قال بعد توقيع الأمر التنفيذي: إن وزير العدل، وليام بار، سيبدأ "على الفور" في صياغة مشروع قانون يقدم للكونجرس للتصويت عليه في وقت لاحق.

واعتبر أن الحجب "المضلل" للمشاركات، بما في ذلك إزالة منشور لأسباب أخرى غير تلك الموضحة في شروط خدمة موقع إنترنت، يجب ألا يتيح الحصانة.

من جهته رأى السناتور الجمهوري، ماركو روبيو، أن المنصات تأخذ دور "الناشر" عندما تضيف توصيف "بحاجة لمراجعة الحقائق" إلى مشاركات معينة.

وقال روبيو: "لا يزال القانون يحمي شركات وسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر، لأنها تعتبر منتديات وليست دور نشر". وأضاف: "لكن إذا قررت الآن ممارسة دور تحريري مثل الناشر، فيجب عدم حمايتها من المسؤولية ومعاملتها كناشرين بمقتضى القانون".

تهديد الريادة

امتنعت إدارة "تويتر"، التي ذُكرت أكثر من مرة في مسودة الأمر التنفيذي، عن التعليق. في حين رد الرئيس التنفيذي لتويتر، جاك دورسي، على انتقاد سياسات الموقع بشأن مراجعة الحقائق، قائلا: "سنواصل التنبيه إلى المعلومات الخاطئة، أو الخلافية بشأن الانتخابات".

وقالت شركة "جوجل"، التي تمتلك موقع "يوتيوب": إن تغيير القسم 230 "سيضر الاقتصاد الأميركي وريادتها العالمية لحرية الإنترنت".

وأضافت الشركة في بيان نشرته "بي بي سي": "لدينا سياسات واضحة للمحتوى، نطبقها بعيدا عن وجهة النظر السياسية، لقد مكنت منصاتنا مجموعة كبيرة من الأشخاص والمنظمات من مختلف الأطياف السياسية، ومنحتهم صوتا وطرقا جديدة للوصول إلى جمهورهم".

الرئيس التنفيذي لشركة "فيسبوك"، مارك زوكيربيرغ، دخل على الخط وقال في مقابلة مع شبكة "سي إن بي سي": إن فرض رقابة على منصة للتواصل الاجتماعي ليس "الرد السليم" من حكومة قلقة بشأن الرقابة.

وأضاف زوكيربيرغ: "أعتقد بشدة أن فيسبوك لا ينبغي أن تكون بمثابة الحكم على حقيقة كل ما يقوله الناس على الإنترنت. أعتقد عموما أنه لا ينبغي أن تكون الشركات الخاصة على الأرجح، لاسيما منصات التواصل هذه، في وضعية تمكنها من عمل ذلك".

ونقلت شبكة "بي بي سي" البريطانية تحذير مركز أبحاث محافظ من أن يؤدي الأمر التنفيذي إلى عواقب غير مقصودة. وقال ماثيو فيني، من معهد "كاتو": "قد يكون لهذه الحملة المحافظة التي تستهدف شركات التواصل الاجتماعي، على المدى الطويل، تأثير مدمر على حرية التعبير".

وأضاف: أن تغيير قانون آداب الاتصالات من أجل "فرض حياد سياسي على شركات وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يجعل المنصات تعج بالمحتوى القانوني الذي ترغب في إزالته مثل المواد الإباحية والصور العنيفة والعنصرية".

وأضاف فيني: أن مسودة الأمر التنفيذي "فوضى" لكنها قد تحظى بشعبية سياسية خلال الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية.

التدخل في الانتخابات

اتهم ترامب "تويتر" بالتدخل في الانتخابات، بعد تحذير الموقع بشأن مصداقية اثنتين من تغريداته. جاء ذلك بعد ساعات من قيام منصة تويتر بوسم تغريدتين لترامب على أنهما "مضللتين".

وقال الرئيس الأميركي في إحدى تغريدتيه: إن بطاقات الاقتراع بالبريد ستكون "احتيالية إلى حد كبير" وستؤدي إلى "انتخابات مزورة".

ليقدم الموقع على وسم تغريدتي ترامب بعبارة "تحققوا من الوقائع"، وتحذير متابعي الرئيس الأميركي، في سابقة هي الأولى من نوعها، من أن هاتين التغريدتين تتضمنان معلومات قد تكون مضللة بشأن عملية التصويت.

وردا على ذلك، كتب ترامب في سلسلة تغريدات، بأن "تويتر يتدخل بالانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2020".

وقال: "يقولون عن تصريحاتي - بأن عملية الاقتراع عبر البريد ستؤدي إلى فساد وتزوير كبيرين- غير صحيحة، وذلك بناء على تحقق من الوقائع تقوم به مؤسسات الأخبار الكاذبة سي إن إن، وأمازون وواشنطن بوست. تويتر يخنق كليا حرية التعبير، وأنا كرئيس لن أسمح بذلك".

التدخل في الانتخابات تهمة ليست المرة الأولى التي يوجهها فيها ترامب لمواقع التواصل الاجتماعي، إذ اتهم الرئيس الأميركي في 2017 منافسته في الانتخابات الرئاسية هيلاري كلينتون بالاحتيال، مشيرا إلى أن "فيسبوك" انحاز لصالحها.

وقال في تغريدة: "المحتالة هيلاري كلينتون أنفقت ملايين الدولارات على الانتخابات الرئاسية أكثر مما أنفقته أنا. فيسبوك كان في صفها وليس في صفي".

في أغسطس/ آب 2019 عاد ترامب ليوجه اتهاماته هذه المرة إلى "جوجل"، دون دليل، قائلا: إن الشركة عملت على تخريب حملته لانتخابات الرئاسة في عام 2016، وأنها تعمل ضده سرا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية 2020، محذرا من أنه يراقبها "عن كثب".

يخدم الاستبداد

خبراء قانونيون وفي السياسة التقنية لموقع "بيزنس انسايدر" الأميركي، قالوا إنهم يعتقدون أنه من المستحيل تنفيذ ما جاء به ترامب. لكن المتخصص في الإعلام الجديد، هيثم سعد، قال لـ "الاستقلال": "كل شيء متوقع من ترامب إذ لا يمكن التنبؤ بما سيقدم عليه، خصوصا وبعد الاحتجاجات التي تشهدها أميركا".

وشدد سعد على أن الأمر في حال تنفيذه "سيكون ضربة قوية لحرية التعبير في بلد مثل أميركا، التي تعتبر حرية الرأي والتعبير من دعائم حكمها".

أما عن فقدان مواقع التواصل الاجتماعي حصانتها وفتح الباب أمام أنظمة في دول أخرى لمحاربتها، فيقول خبير الإعلام الجديد: "إقرار القانون بالشكل الذي يتحدث عنه ترامب سيفقد هذه المواقع حصانتها بلا شك".

غير أن هيثم سعد يرى أن "مجموعة من الأنظمة لا تحتاج هذا القانون لتحارب مواقع التواصل الاجتماعي، بل هي بالفعل تفعل". 

واستدل الخبير "بما يقدم عليه النظام المصري في حق الناشطين عندما يزج بهم في السجون بسبب تدوينة على فيسبوك أو تغريدة على تويتر. والنظام السعودي الذي يعتقل المواطنين بتهمة نشر تغريدات، والإمارات التي تنتهك حقوق الإنسان من هذا الباب".