لوفيجارو: اليمنيون يفضلون الموت بالمنزل على حجر كورونا في المستشفى

12

طباعة

مشاركة

نشرت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية تقريرا عن الكارثة التي لحقت باليمن جراء فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19)، في ظل نظام صحي مزري، حيث جرى تدمير أكثر من نصف المستشفيات وتفضيل العديد من المرضى الموت في المنزل.

وبحسب الكاتب جورج مالبرونو، فمن خلال الاستماع إلى شكاوى الأطباء في اليمن، يتضح أنه حتى في أسوأ حالات انتشار الوباء، كان الفرنسيون محظوظون (بالمقارنة مع حال البلد الذي يتعرض للحرب والنزاع).

وكدليل على هذا الوضع المأساوي نقل مالبرونو عن تييري دوران، رئيس عمليات منظمة أطباء بلا حدود في عدن، المدينة الكبيرة الواقعة جنوب البلاد القول: "اتصل بي نائب وزير الصحة في الواحدة والنصف صباحا، وأخبرني أنه يوجد مريضة موضوعة على جهاز تنفس في مستشفى الصدقة، لكن لا يوجد أحد، لا أطباء ولا أطباء تخدير".

وتابع: "توجهنا لرؤية هذه المريضة التي كانت تعاني من ضيق في التنفس، وبالطبع، لم يكن هناك معدات واقية، وكان علينا العثور عليها. ثم تعطل جهاز التنفس الصناعي، وأمضينا ساعتين قبل وضع هذه المريضة على جهاز آخر، لكن لم يكن هناك طاقم لمرافقتها، وتوفيت المرأة بعد ساعات قليلة".

أرقام صادمة

وأوضح الكاتب الفرنسي أنه خلال الأسبوع الماضي (منتصف مايو/أيار 2020)، توفي 385 شخصا على الأقل كانوا يعانون من أعراض مشابهة لأعراض كوفيد-19 في عدن، وفقا لمنظمة بريطانية غير حكومية. 

ويقدر تييري دوران أن الرقم يجب أن يؤخذ بحذر، لأن هناك أيضا بين كل هؤلاء الموتى قليل توفوا جراء الإصابة بالملاريا والكثير من حمى الضنك.

كما أعادت الفيضانات التي شهدتها البلاد في أبريل/ نيسان عودة الشيكونغونيا، وهو مرض فيروسي ينتقل إلى البشر عن طريق حشرات البعوض الحاملة لعدوى المرض ويسبب حمى وآلاما مبرحة في المفاصل.

لكن، بحسب دوران، فإن "وباء كورونا آخذ في الاتساع، وهناك عدة آلاف من الحالات في عدن، وهذا الأمر كان متوقعا مع شهر رمضان ووجبات الإفطار".

وفي 21 مايو/أيار 2020، نشرت الجزيرة نت أرقاما صادمة تؤكد وفاة نحو ألف شخص في عدن جراء الإصابة بموجة من الفيروسات والأمراض مؤخرا، ومن بينها كورونا.

إضافة إلى نحو مئتين في صنعاء، أما تعز -التي تعاني من الإهمال من السلطة الشرعية، وهجمات الحوثيين- فإن معركتها مع كورونا باتت مفتوحة على مصراعيها، وسط مخاوف من أن ينتصر الوباء على مدينة صمدت في وجه الحرب والخذلان.

وتبدو النتيجة الأبرز التي وصل لها فريق مراسلي الجزيرة نت في اليمن أن السلطة الشرعية والحوثيين لا يفصحان عن الأرقام الفعلية للإصابات بالفيروس، وهو ما تؤكده منظمات دولية.

ويذكر مسؤول منظمة أطباء بلا حدود أنه بينما تم الإعلان رسميا عن حالات الإصابة الأولى بكوفيد-19 في 29 أبريل/ نيسان بمنطقة المنصورة بعدن، سيطر الذعر على السكان والعاملين الصحيين في فبراير/ شباط، حيث قالوا: "إذا وصل الفيروس التاجي إلى اليمن، فسنموت جميعا"، وذلك عندما رأوا أن أوروبا لا تستطيع السيطرة على هذا الوباء.

ويتابع تييري دوران: "في ظل خوفهم، هرب الطاقم الطبي من المستشفيات العامة، وبدأ الأطباء في الإضراب، كانوا يطلبون معدات واقية من الحكومة أو منظمة الصحة العالمية، وإلا لن يقوموا بعملهم، وهذا ما حدث". 

وأكد أن المستشفيات لم يكن بها أقسام طوارئ وقت ظهور الحالات الأولى في المستشفيات الخاصة، وعندما أقامت السلطات في أبريل/ نيسان مكانا لحجر المرضى المشتبه بهم، أراد سكان الحي حرق المستشفى وقتل المدير، لأنهم لا يريدون الفيروس في حيهم.

أكباش فداء

وبين أنه حتى نهاية أبريل/ نيسان، لم يكن كوفيد 19 موجودا في اليمن، لكن المعسكرين، اللذين يشنان حربا بينهما منذ أكثر من خمس سنوات، كانا ينكران الواقع، سواء الحوثيون في الشمال المدعومون من إيران والمنافسون لهم في الجنوب، الانفصاليون الذين تدعمهم الإمارات أو الموالون للحكومة المدعومة من السعودية. 

ويوضح عامل إغاثة آخر في عدن: "أول من سيبلغ عن الحالات سيتهم بعدم القدرة على السيطرة على الوضع".

ففي صنعاء، اتهم الحوثيون الذين يسيطرون على العاصمة، "أكباش فداء" أجنبية، بما في ذلك صومالي، بنشر الوباء.  وقال ناصر، أحد سكان صنعاء، الذي اتصلت به لوفيجارو هاتفيا: "كان من الأفضل إعلام السكان".

ويشير مسؤول منظمة أطباء بلا حدود إلى أنه في الشمال كما في الجنوب "السلطات لا تستطيع السيطرة على الوضع، حاولوا إغلاق الأسواق، لكن وزارة الصحة أخبرتنا بوضوح أنها لم تنجح بالنظر إلى نسيجها الاجتماعي وطريقة العيش في مجموعات، لكن على الأقل كان يجب عليهم حماية كبار السن".

وفي بلد مزقته الحرب والانقسام السياسي، فإن مكافحة الفيروس هي أيضا مشكلة تفاقمها السلطات، ويقول ناصر من صنعاء: "الحكومات في الجنوب وفي الشمال تمنع المنظمات غير الحكومية من متابعة هذا الأمر! يريدون أن يمر كل شيء عبرهم، إنهم يستغلون الفيروس لأغراض سياسية".

وحتى قبل ظهور الفيروس، كان النظام الصحي كارثي، حيث دمرت أو تضررت أكثر من نصف المستشفيات بسبب الحرب الأهلية، ولا يوجد في البلاد سوى حوالي 500 جهاز تنفس و700 سرير إنعاش، ينوه مالبرونو. 

ولفت إلى أن منظمة الصحة العالمية قدمت 6700 اختبار، ليتم تقاسمها بين الجنوب والشمال، ووعدت بإجراء 32 ألف اختبار آخر، فيما بينت منظمة أطباء بلا حدود، التي تدير الآن المبنى الوحيد المخصص لعزل المرضى أنه "في الجنوب، يوجد ثلاثة أماكن فقط للاختبار: عدن والمكلا وتعز".

ويقول تييري دوران: "الناس في حالة ذهول، لدينا مرضى يموتون بسرعة كبيرة في غضون ساعات قليلة، عائلاتهم، الذين يتصلون بنا بعد ذلك، لا يدركون حقيقة الأمر. في بعض الأحيان يتهمون المنظمات غير الحكومية بتسميمهم، هناك الكثير من الشائعات حول وجود مرض سري أو حتى حول عودة الطاعون".

وفي عدن كما في صنعاء، هناك "مشاهد مروعة لحفر قبور دفنت فيها عشرات الجثث دفعة واحدة. ومن بعدها تأتي السلطات لتؤكد لنا أن لا وجود لكورونا في اليمن"، كما يقول ناصر. 

على موقع فيسبوك، تعلن العديد من العائلات عن وفاة أحد أفرادها - دون أن يقولوا غالبا إن السبب كورونا- لكنهم ينتقدون المستشفيات التي تعارض إقامة جنائز للموتى أو تسليم الجثث.

ويؤكد مالبرونو أنه في إب، وهي مدينة في وسط البلاد، حاصرت قبيلة غاضبة مستشفى جبلة، الذي أبقى على العديد من الجثث في المشرحة. 

وقال أحد السكان: "لم تفهم العائلات سبب وفاة بعض أفرادها بهذه السرعة، وبما أن المستشفى لم يرغب في إعادة الجثث لهم، جاءت قبيلة ليلا بأسلحة وهددت باستعادتها بالقوة من أجل إقامة جنازة".

وأضاف: "في النهاية، استولت القبيلة على الجثث، ولم يتم إخبارهم بأنهم ماتوا جراء وباء كورونا، وادعى البعض أنهم تعرضوا لحقن غامض".

ويوضح أنه نتيجة لذلك، في هذا المناخ القريب من الهستيريا، يفضل العديد من المرضى الموت في المنزل بدلا من المستشفى، حيث سيتمكن أقاربهم على الأقل من إقامة جنازة كريمة لهم.