الحوثيون يغتنون على حساب تجويع اليمنيين.. هذه مصادر ثرائهم

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رفع انقلاب جماعة الحوثي على الحكومة الشرعية في اليمن من وضعهم الاقتصادي بشكل لافت، في وقت يهدد فيه الجوع ملايين اليمنيين بالموت؛ جراء استمرار الحرب التي تشهدها البلاد منذ خمس سنوات، وفقا لإحصائيات الأمم المتحدة.

كانت إحدى المطالب الرئيسية التي رفعها الحوثيون في احتجاجاتهم، قبل انقلابهم على الدولة، هي إسقاط الجرعة (رفع التسعيرة)، حيث حشد الحوثيون أنصارهم في عام 2014، وطالبوا بإلغاء 500 ريال (دولاران ونصف)، كانت حكومة محمد سالم باسندوة قد أضافتها على جالون البترول سعة ( 20 لترا).

ولما سيطر الحوثيون على الدولة واكتملت فصول الانقلاب، لم تنخفض الجرعة ولم تلغّ الزيادة السعرية، بل تضاعفت معاناة المواطنين وبلغت مستويات قياسية، وباع الحوثيون البترول بعد ذلك بخمسة أضعاف ما كان عليه قبل الانقلاب، والغاز المنزلي بثمانية أضعاف سعره الأساسي، وانهارت العملة المحلية خلال سنوات الانقلاب لأكثر من 300 بالمئة، وانقطعت المرتبات، و زادت أسعار المواد الأساسية، وساء الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطنين على نحو قياسي لم يسبق له مثيل في التاريخ اليمني الحديث.

في المقابل، برزت ظاهرة الثراء لدى الحوثيين، بشكل لافت للغاية، حيث حازت عناصر حوثية، كانت معروفة بعوزها وفاقتها، سيارات فارهة، وامتلكت مراكز تجارية ضخمة، وشهدت صنعاء والمدن الخاضعة لسيطرة الحوثيين، مثل إب وذمار وغيرهما، حركة عمرانية غير معهودة، وامتلك أفراد معروفون بانتمائهم لجماعة الحوثي محلات صرافة وقاعات حفلات زفاف، ومطاعم فخمة.

ويقول وليد يحيى، من سكان مدينة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، في تصريح لـ"الاستقلال": إن "بعض الحوثيين الذين أعرفهم في منطقتنا، كانوا يعانون العوز والفاقة، كبقية المواطنين، لكنهم بعد الانقلاب بنحو سنة بدأت حياتهم في التغير تماما، فشيدوا بنايات عالية، وامتلكوا سيارات حديثة، حتى أن بعضهم انتقل للعيش في الأحياء الراقية".

واضاف: "بالطبع لم يكن الموضوع مكشوفا بهذا الشكل، فقد عمدوا إلى امتهان بعض الأعمال التجارية خلال تلك الفترة، كغطاء لذلك الثراء المفاجئ الذي بدا عليهم".

من البنك وحتى شركات النفط

كانت البداية عندما نهب الحوثيين الاحتياطي النقدي  الأجنبي في البنك المركزي، الذي بلغ حوالي  5.2 مليار دولار، فضلا عن العملة المحلية التي تجاوزت ترليون ريال، حيث بنى الحوثيون بتلك المبالغ إمبراطورية مالية غيرت حياتهم المعيشية، وكانت سببا رئيسيا لتمسكهم بالسلطة وإطالة أمد الحرب. أتى ذلك على حساب الاقتصاد الوطني، الذي تم تدميره، بعد انهيار الريال جراء انعدام النقد الأجنبي.

بعد ذلك، فرض الحوثيون قيودا على التوريدات و مارسوا أصنافا شتى من المضايقات على الأنشطة والأعمال التجارية، من بينها فرض أتاوات مالية باهظة على التجار ورجال الأعمال، بذريعة ما يسمونه "المجهود الحربي"، ما تسبب بعزوف التجار عن ممارسة بعض تلك الأنشطة، وبالتالي خلق فراغا في النشاط التجاري، قام الحوثيون على الفور بملئه، واستأثروا بعدها بكثير من الأنشطة التي شغرت، بدءا من الاستيرادات الضخمة للمشتقات النفطية، والقمح والمواد الأساسية، ووصل الأمر حتى لنقاط البيع الصغيرة وتجارة التجزئة، أصبح الحوثيون أربابا لشركات ضخمة، وملاكا لأنشطة تجارية متعددة.

وكان فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة المعني باليمن، قد كشف في تقريره الذي رفعه لمجلس الأمن في يناير/كانون الثاني الماضي، عن وقوف الحوثيين خلف اغتيال الصحفي الاستقصائي محمد العبسي، إثر تقرير كشف فيه عن فساد هائل تمارسه ثلاث شركات نفطية ضخمة يمتلكها حوثيون، إحدى تلك الشركات تعود ملكيتها للناطق الرسمي باسم الحوثيين محمد عبد السلام فليته.

السوق السوداء  

انعدمت المشتقات النفطية من أماكن بيعها الرسمية، وتوفرت بكميات هائلة في السوق السوداء، وبيعت بعشرة أضعاف سعرها الأصلي، حتى لكأنَّ اليمن تحولت برمَّتها إلى سوق سوداء.

يقول جابر عبده، أحد تجار السوق السوداء، في تصريح لـ"الاستقلال": إن "معظم بائعي المشتقات النفطية في السوق السوداء بصنعاء هم من جماعة الحوثي، أو من الموالين لهم، ويعملون في بيع كل المشتقات النفطية من البترول إلى الديزل واسطوانات الغاز المنزلي، حتى اسطوانات الأوكسجين الخاصة بالمستشفيات والمرضى يتم بيعه في السوق السوداء".

وأكد أن "المواد الغذائية كذلك تباع في السوق السوداء، وخاصة تلك التي تمنح من المنظمات الدولية كمواد غذائية ومساعدات إنسانية".

اللافت في الموضوع، أن الحوثيين يبررون انعدام المشتقات النفطية بالحصار المفروض من التحالف العربي، غير أن تلك المشتقات متوفرة في السوق السوداء بكميات ضخمة، تغطي احتياجات المؤسسات الصغيرة و الكبيرة، وتباع بالحاويات الكبيرة، بأسعار تصل لثمانية أضعاف قيمتها الرسمية، ما يدفع للتساؤل: كيف تسبب الحصار بانعدام المشتقات النفطية من المحطات الرسمية، ولم يتسبب بانعدامه من السوق السوداء؟

المساعدات الإنسانية

مثلت سرقة ونهب المساعدات الإنسانية التي يفترض أن تعطى للجائعين، موردا مهما من الموارد التي اعتمد عليها الحوثيون في درجة الثراء التي وصلوا إليها، حيث نشرت صحيفة "الجارديان" البريطانية، تقريرا عن قيام الحوثيين بتحويل المساعدات الغذائية إلى المناطق التي يسيطرون عليها، عن طريق التلاعب بالكشوفات وتزوير سجلات حصر مناطق سوء التغذية التي اعتمدتها الأمم المتحدة، وقالت الصحيفة نقلا عن مسؤولين أن "التلاعب الذي حصل ليس إلا رأس جبل الجليد". 

ووثقت تقارير محلية ودولية، في وقت سابق، حالات كثيرة من النهب الحوثي المنظم للمساعدات الإنسانية والاستيلاء عليها، ومنع وصولها إلى المستحقين، فكتبت وكالة "الاسوشيتد برس" تقريرا في ديسمبر/كانون الأول الماضي، كشفت فيه عن حملات نهب وسرقة للمساعدات الغذائية والإنسانية التي تصل إلى اليمن في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.

وأضافت الوكالة: إن "ذلك يأتي في الوقت الذي يموت فيه الأطفال من الجوع، في عدة مناطق باليمن، على وجه الخصوص مديرية أسلم في حجة".

وكان المتحدث باسم برنامج الأغذية العالمية، قد قال إنه "رصد سبعة مراكز لتوزيع المواد الغذائية يعتقد أنها كانت تختلس المخزون الغذائي الخاص بالبرنامج، حيث يشرف على هذه المراكز، التي تقع في صنعاء، منظمات محلية شريكة مع الحوثي".

وأضاف أن "المقابلات أظهرت أن 60 بالمئة من المستفيدين الذين يحق لهم الحصول على الغذاء من تلك المراكز السبعة لم يتلقوا المساعدات التي يستحقونها".

وبمجرد نهب تلك المساعدات، يقوم الحوثيون ببيعها لتجار مواد غذائية، أو بتصريفها في السوق السوداء التي أنشأوها في المدن الخاضعة لسيطرتهم، وكانت وكالة "الاسوشيتد برس"، قد نقلت عن رئيس الجمعية اليمنية لحماية المستهلك فضل مقبل، قوله إن "هناك متاجر كاملة مكتظة بمساعدات الأمم المتحدة".

نهب الأراضي

منذ اجتياح العاصمة اليمنية صنعاء، نهب الحوثيون أراضي وعقارات الدولة، ووزعوها على قادتهم، وأتباعهم الموالين لهم، حيث يقول أيمن علي، وهو من سكان منطقة المطار، المجاورة لقاعدة الديلمي الجوية، في تصريح لـ"الاستقلال": إن "عناصر جماعة الحوثي تقاسموا الأراضي التابعة للقاعدة الجوية وباعوا للمواطنين.

وكانت وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" قد تحدثت أن "جماعة الحوثي نهبت وثائق أراضي الأوقاف، وقامت بإحراق أرشيف الوزارة، للاستحواذ على الوثائق وتحرير وثائق ملكية بديلة بأسمائهم". 

قطع المرتبات

مع أن الحوثيين يسيطرون على مؤسسات الدولة، ويستغلون مواردها، ويجنون الضرائب والجمارك، وعائدات شركات الاتصالات والانترنت ومبالغ مالية أخرى من المواطنين والتجار والملاك وأرباب الأعمال، إلا أنهم لا يدفعون المرتبات ولا الأجور المستحقة على الدولة للموظفين، فنحو مليون موظف في الجهاز الإداري للدولة، يعيلون ستة ملايين فرد، لا يتقاضون مرتباتهم منذ سبتمبر 2016، ما تسبب بمضاعفة معاناة اليمنين.

في المقابل، زادت تخمة جماعة الحوثي، بعدما صادرت مرتبات الموظفين لصالحها، ومولت بها حربها، حيث يقول الراصد والناشط الحقوقي محمد الأحمدي، في تصريح لـ"الاستقلال": يتربع الحوثيون على مليارات الدولارات التي "نهبوها من مستحقات الموظفين، حيث لا يقومون بدفع أي مرتبات للموظفين منذ أكثر من عامين، وفي المقابل يجبرون الموظفين على العمل، ومن يتغيب يقومون بفصله، ومن يطالب براتبه يتهمونه بالعمالة والخيانة والوقوف مع العدوان".

من جهته، قال الكاتب الصحفي شاكر خالد: "لم يتوقف الأمر عند قطع المرتبات، بل يلزم الحوثيون المواطنين والتجار وأصحاب المحلات الصغيرة وحتى الباعة الذين يفترشون الأرصفة بدفع مبالغ مالية بشكل دائم، تحت مسمى المجهود الحربي، ودعم مناسبات دينية كالمولد النبوي ويوم الغدير، وكلها تضيف للمواطن معاناة إلى معاناته".