شيوعيو السودان ليسوا مناضلي الأمس.. كيف انقلبوا على إرثهم القديم؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"قوم مارقون يدوسون كل القيم والأخلاق في سبيل وصولهم إلى السلطة"، وصف شهير من الرئيس السوداني السابق جعفر النميري للشيوعيين، قبل دخولهم في صدام حتمي مع السلطة.

قبل عقود، وتحديدا في فترة الستينيات من القرن الماضي، كان الحزب الشيوعي السوداني يصنع الحدث داخل مسرح الحياة السياسية والاجتماعية.

فشل الحزب في محاولته تنفيذ انقلاب عسكري على النميري عام 1971، فأعدم قادتهم وطورد الآلاف منهم، وضربت الحركة الشيوعية في مقتل، فأضحت أثرا بعد عين.

الآن وبعد نحو 50 عاما، يعود الشيوعيون إلى واجهة السلطة في السودان مرة أخرى، عبر رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وممثلين في المجلس السيادي برموز من "إعلان قوى الحرية والتغيير"، الذي قاد الثورة ضد حكم عمر البشير.

الحركة الشيوعية

بدأت الحركة الشيوعية السودانية عام 1946، وكانت امتدادا للحزب الشيوعي المصري من خلال الطلبة السودانيين المبتعثين في جامعات مصر، وتركزت مطالب الحركة الشيوعية السودانية في الاستقلال خلال العهد الملكي، ثم الجمهوري، في مصر، وكان لهم الفضل في إنشاء أول نقابة عمالية في السودان عام 1948، وهي "رابطة الشؤون العمالية".

أما القاعدة الأساسية التي عمل عليها الحزب الشيوعي السوداني، تمثلت في مقاومة "الإمبريالية الغربية"، وناضل من خلال حزب الجبهة المعادية للاستعمار التي أسسها الشيوعيون سنة 1953 بقيادة عبد الخالق محجوب، لمناهضة الاستعمار والتدخل الأجنبي.

وعندما سيطر الضباط الأحرار في مصر على السلطة، وأنهوا الملكية في يوليو/ تموز 1952، رفض الشيوعيون الوحدة مع مصر واعتبروا حركة الضباط الأحرار وقيادة الثورة "عملاء للإمبريالية الأميركية البريطانية"، كما اتجهوا للتحالف مع حزب الأمة، وطالبوا بالانفصال عن مصر وإنشاء جمهورية سودانية مستقلة.

ذلك الإرث من الماضي، ورفض الإمبريالية الغربية، بدده رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، في 27 يناير/ كانون الثاني 2020، عندما أرسل خطابا إلى الأمين العام للأمم المتحدة طالب مجلس الأمن بإرسال قوات أممية للمراقبة وحفظ السلام في بلاده.

أخطر ما تضمنه طلب حمدوك تمثل في أن هذه البعثة الدولية تقوم بـ"تقديم الدعم التقني في وضع الدستور والإصلاح القانوني والقضائي، وإصلاح الخدمة المدنية، وقطاع الأمن".

وهو ما دعا بعض السودانيين لتوجيه اتهامات بالخيانة لـ"حمدوك"، حيث حركت المحامية أمل فايز الكردفاني، في 5 مارس/ آذار 2020، أول بلاغ للنائب العام لجمهورية السودان، ضد حمدوك، تتهمه فيه بـ"الخيانة العظمى" تحت بند المادة (50) من القانون الجنائي لسنة 1991.

"لاء التطبيع"

في 12 أبريل/ نيسان 2018، نشرت مجلة مداد الآداب (عراقية) ورقة بحثية بعنوان "الحزب الشيوعي السوداني ونشاطه السياسي في السودان حتى عام 1971".

الورقة قالت: إن "رؤية الحزب الشيوعي السوداني، كانت تدعم القضايا العربية والاتجاه الوحدوي ومعارضة للتدخلات الأجنبية، ورغم العلاقات المتوترة مع النظام الجديد في مصر، إلا أن الحزب وقف مع الجانب المصري خلال العدوان الثلاثي عام 1956، ودعا كل وطني سوداني قادر على حمل السلاح، للوقوف إلى جانب مصر".

كما جند الحزب مجموعة من الشباب السودانيين المتطوعين، من أجل المشاركة في الحرب ضد إسرائيل، وفرنسا، وإنجلترا، مع الجانب المصري. 

وانطلاقا من النظرة الشيوعية الشاملة لإسرائيل، كونها رمزا "للإمبريالية العالمية"، والدولة التي تحتل الأرض العربية فلسطين، فإن الشيوعيين في السودان رفضوها رفضا مطلقا، ومع تبدل الحال ووصول الشيوعي السوداني إلى السلطة، تخلى عن مبادئه ورفضه المطلق للتطبيع، وبدأ يخضع ويساوم ويناور بلاءاته السابقة، متنازلا عن قناعاته وأفكاره.

في 3 فبراير/ شباط 2020، التقى نتنياهو، بالفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس السيادي السوداني في أوغندا، وقال حينها البرهان: "أؤكد على أن بحث وتطوير العلاقة بين السودان وإسرائيل مسؤولية المؤسسات المعنية بالأمر وفق ما نصت عليه الوثيقة الدستورية". 

وجاء موقف الحكومة الانتقالية برئاسة الشيوعي حمدوك، متوافقا مع تطبيع البرهان، وفي 5 فبراير/ تشرين الثاني 2020، رحب حمدوك، بالمقابلة والتعميم الصحفي الصادر عن البرهان بشأن اجتماعه مع نتنياهو.

وقال حمدوك: "لا شك أن الطريق إلى التغيير الحقيقي في السودان مليء بالتحديات والعقبات، ومع ذلك يجب أن نعي بأن الالتزام بالأدوار والمسؤوليات المؤسسية أمر أساسي لبناء دولة ديمقراطية حقيقية".

تأييد الانقلابات 

من المفترض أن ديباجة الحزب الشيوعي رافضة للانقلابات العسكرية بشكل كامل، وتؤمن بالعملية الديمقراطية، لكن نزعه الخصومة السياسية ضد الإسلاميين تبدو طاغية، وتتخطى الأقطار والحدود. 

في يوليو/ تموز 2013، وعقب انقلاب عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع على الرئيس المصري المنتخب ديمقراطيا محمد مرسي، سارع الشيوعيون في السودان لتأييد الانقلاب.

أصدر الحزب الشيوعي وقتها بيانا اعتبر فيه الانقلاب نتيجة لـ"المقاومة لديكتاتورية الإخوان الفاشية الدينية"، على حد زعمه، مبررا تأييده الانقلاب بأنه "لم يكن هناك من خيار أمام الجيش المصري غير الإطاحة بمرسي، بدلا من الانزلاق لحرب أهلية".

المفترض أن الحزب الشيوعي في السودان ضد الهيمنة وتنامي نفوذ العسكر، ومتوجسا خيفة من  قوات الدعم السريع، ورافضا للتدخل في حرب اليمن، وضد المشروع الأميركي والتطبيع مع إسرائيل، ومع ذلك سقط الحزب الشيوعي، في كل تلك المحاذير، وألقى بشعاراته ومبادئه عرض الحائط.

استبداد مطلق

يشارك الحزب الشيوعي السوداني، في السلطة عبر واجهات مختلفة منها تجمع المهنيين، والقوى المدنية، ومعظم الوزراء والوكلاء يدينون للحزب بالولاء.

حمدوك أحد أعضاء ذلك التيار النافذ حاليا، إلى جانب وزير شؤون مجلس الوزراء السفير عمر مانيس، أحد أقوى الشخصيات في هذه الحكومة، وكان ضمن أعضاء الجبهة الديمقراطية في الجامعة، الفصيل الطلابي للحزب الشيوعي. 

تلك المكونات اليسارية هي من تحالفت اليوم مع المكون العسكري لتصفية تيارات الإسلام السياسي من الخارطة السودانية، عبر قانون تفكيك الدولة العميقة أو "إزالة التمكين".

في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، أصدرت مفوضية العون الإنساني بالسودان التابعة للحكومة، قرارها بإلغاء تسجيل 24 منظمة، من المنظمات الأهلية والشبابية والنقابية، وجمدت أرصدتها وحساباتها داخل البلاد وخارجها.

قبلها طالب تجمع المهنيين السودانيين، الذراع اليساري، وأبرز مكونات قوى "إعلان الحرية والتغيير"، بحل هذه الاتحادات والمنظمات والجمعيات، والحجز على حساباتها المصرفية والأصول والممتلكات.

مراقبون اعتبروا أن القرار جاء ضمن سياق إقصاء الإسلاميين، وتحييد دورهم في المفوضية، والعمل الطوعي الإنساني بشكل عام.

وبالعودة إلى قانون "تفكيك نظام الإنقاذ"، تنص المادة التاسعة في الفصل الرابع، على إلغاء وحل النقابات والاتحادات المهنية واتحاد أصحاب العمل. وأعطى القانون لمسجل تنظيمات العمل حق إلغاء تسجيل نقابة المحامين السودانيين ومجلسها ولجنة قبولها.

وفي 11 أبريل/ نيسان 2020، وخلال مؤتمر صحفي عقدته لجنة إزالة التمكين، التابعة للمجلس السيادي السوداني، وبثته وكالة الأنباء السودانية الرسمية عبر مواقعها، ونقلته بعض القنوات المحلية، إلغاء تسجيل "منظمة الدعوة الإسلامية"، وحجز واسترداد جميع أموال وأصول المنظمة، داخل السودان وخارجه لصالح وزارة المالية.

منظمة الدعوة الإسلامية التي تأسست عام 1980، واتخذت من العاصمة السودانية الخرطوم مقرا لها، نص قرار حلها على إلغاء سجل كل الشركات المملوكة للمنظمة ومشاريعها الاستثمارية.

وحسب موقعها الرسمي، تتمحور معظم أنشطة المؤسسة، على "رعاية وتنمية المجتمعات المسلمة كافة، وبالأخص المجتمعات الناطقة بغير العربية، ونشر الإسلام بين الوثنيين واللادينيين، وإشاعة روح التسامح بين أهل الملل، بالإضافة إلى رعايتها للأرامل والأيتام والمساكين وإغاثة المحتاجين والمكروبين، وعملها على كفالة الدعاة وطلاب العلم والمهتدين إلى الإسلام".

وهو ما جعل الصحفي السوداني عزمي عبد الرازق يشير في دراسة له، إلى القول: "الحزب الشيوعي السوداني يختبئ في أكثر من جلباب سياسي، أحيانا في الواجهات الطلابية، وأحيانا داخل تحالفات الحركات المسلحة، وفي كثير من الأحيان عبر هيئات ديمقراطية تتلقى الدعم الغربي".

وأضاف عبدالرازق، في الدراسة التي نشرها مركز الجزيرة للدراسات في 18 فبراير/ شباط 2020: "ربما ليتجنب بذلك وطأة الصراعات التاريخية، وتحامل المجتمع الدولي الرأسمالي، لكنه في الأخير لا يبدو أنه يعرف ماذا يريد، أو على الأقل لا يريد أن يعرف الناس ما يقوم به في الخفاء".