رغم أزمة كورونا.. من يقف وراء دعوات إسقاط الحكومة في تونس؟

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أطلق عدد من الناشطين السياسيين في تونس دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي للاعتصام في الساحة المقابلة للبرلمان التونسي من أجل إسقاط الحكومة، في تحرك مشابه لما حصل في العام 2013، بعد اغتيال النائب المعارض محمد البراهمي.

هذه الدعوات التي تأتي في وقت تعيش تونس كما كل بلدان العالم مواجهة مفتوحة غير معلومة النتائج مع جائحة كورونا، إلا أن الداعين لها يحيطون دعوتهم بحجج اجتماعية في بعض الأحيان، كالحديث عن "ثورة جياع"، وسياسية في حين آخر بالمطالبة بتعديل الدستور وإرساء نظام رئاسي بدل البرلماني المعدل الذي يحكم البلاد منذ سن الدستور الجديد في العام 2014. 

ويرى عدد من المتابعين أن هذه الدعوات تفتقر للبراءة في طرحها وتوقيتها، حيث أن أسبابها الداخلية مفقودة بسبب حداثة الانتخابات التي جرت قبل أشهر قليلة وكذلك تشكيل الحكومة الجديدة التي تولت أياما قليلة قبل تسجيل أول حالات الإصابة بفيروس كورونا في تونس.

ويرى متابعون وجود تداخل بين مواقف الخاسرين في الانتخابات الأخيرة، وبين الداعين لهذا التحرك الذين يتخذون مواقف معادية للربيع العربي بشكل عام والحالة الديمقراطية في تونس، كما يؤيدون جميع رموز الثورات المضادة في المنطقة من قائد الانقلاب العسكري في مصر عبد الفتاح السيسي إلى اللواء المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا.

دعوات مريبة 

أطلقت خلال الأيام القليلة الماضية وبشكل شبه منظم، دعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى "ثورة جياع" وإلى تنظيم "اعتصام رحیل 2 في ساحة باردو" وإلغاء نتائج الانتخابات وحل الحكومة والبرلمان وتعطيل العمل بالدستور وتشكيل مجلس وطني للإنقاذ، ودعوة المؤسسات الأمنية والعسكرية إلى التحرك.

وجاء في البيان المتداول على حسابات الداعين للتحركات ومجموعاتهم في فيسبوك أنه "علينا تصعيد التظاهرات السلمية وتنظيم ملتقيات للتنديد بالفساد وعرض البديل مع حضور خبراء مختصين في الميادين المعنية بما في ذلك القضاة والمحامون الشرفاء المضطهدون".

وأضاف البيان: "يجب التوجه لأعوان الشرطة والحرس والجيش الوطني بوجوب مساهمتهم في تحرير الوطن والانضمام لحركة التحرير والثورة، لأن دولة الصبايحية والقوادة والعملاء يستعملونها في هدم بلادكم، فكونوا عونا لبلادكم وأمنا، لا عصى تقمع إخوانكم في حقهم في عيش الحرية والكرامة"، وفق تعبيره.

أما عن أهداف هذه المجموعة المجهولة، فهي حل الأحزاب الحاكمة والبرلمان والمطالبة بمحاسبتهم، وتعليق العمل بالدستور ومراجعة قوانين ما بعد الثورة وإعادة صياغتها والمصادقة عليها باستفتاء شعبي وتحرير الإعلام من هيمنة اللوبيات والولاء السياسي. 

وبدت هذه الدعوات مكررة منذ فترة طويلة، خاصة في الجانب الذي يحرض على الانقلاب عسكريا في سيناريو مشابه لما حدث في مصر في العام 2013، حيث يعتبر النموذج الأفضل للثورة المضادة في المنطقة العربية.

إلا أن اختيار التوقيت هذه المرة بدا مريبا، حيث تزامن مع أزمة انتشار فيروس كورونا ومرور وقت قصير على تشكيل الحكومة الجديدة، وكذلك انتخاب رئيس جديد للبلاد حظي بثقة واسعة من الناخبين.

وإذ يرى عدد كبير من المتابعين أن هذه الدعوات لا تتجاوز العالم الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنها تحاول الرهان على أطروحات الرئيس التونسي قيس سعيّد الرافضة للأحزاب السياسية والنظام البرلماني الحالي، والداعي إلى تأسيس سلطة محلية تقوم على مبدأ الحكم المباشر.

وجوه قديمة

مع الإعلان عن هذا الاعتصام، برز نجم المحامي عماد بن حليمة، وهو أحد المحامين المحسوبين على النظام البائد ، والذي عرف طيلة السنوات الماضية بمواقفه السلبية من الانتقال الديمقراطي في تونس.

وغرد ابن حليمة الذي اعتاد طيلة أيام على نشر مقاطع فيديو للدعوة للاعتصام، وتشويه الحكومة الحالية وخاصة حركة النهضة الطرف الرئيسي المكون لها، محذرا من اغتيال سياسي سيقع خلال الأيام القادمة، في مشهد مشابه للوضع الذي عاشته تونس في العام 2013 حين تم اغتيال النائب محمد البراهمي والذي كان سببا مباشرا للاحتجاجات واسعة مطالبة باستقالة الحكومة حينها.

رئيس “حركة شباب تونس” ثامر بديدة، بدوره، قال في تدوينة: إنه سيتم اغتيال رئيس مجلس نواب الشعب علنا، كما تحدث في تدوينة أخرى عن اكتمال تنسيقيات “ثورة الجياع” بعدد من الأحياء الشعبية في العاصمة ومدن داخلية ،واعتبر في نفس الوقت أن الديمقراطية في تونس مزيفة ومعطوبة وأن نتائج الانتخابات غير نزيهة ولا بد من تغييرها، وفق تعبيره.

وادعى بديدة في وقت لاحق أن صفحته على فيسبوك جرت قرصنتها، إلا أنه لم يحذف أي تدوينة وهذا ما فهم منه أنه حاول التراجع عندما شعر أنه تورط بعد أن فشلت دعوات الفوضى التي كانوا يمنون النفس بنجاحها.

الراسبون انتخابيا 

لم يتأخر حزب العمال (شيوعي) كثيرا ليصدر موقفه من الدعوات للإطاحة بالحكومة وحل البرلمان ويعلن انخراطه فيها، والدفاع عنها وإدانة الحكومة التي وصفها بـ"الفاشية التي كشرت عن أنيابها".

واعتبر الحزب أن أوساطا متنفذة في ائتلاف الحكم شنت هجوما إعلاميا وسياسيا لاستهداف الدعوات التي أعلنها نشطاء من مشارب مختلفة والتي انتشرت انتشارا واسعا في وسائل التواصل الاجتماعي وتدعو إلى تنظيم حركة احتجاجية تستهدف منظومة الحكم.

وأضاف الحزب في بيان له صدر يوم 5 مايو/أيار 2020: "لم يتوقف الهجوم على التصريحات الإعلامية لمسؤولين ونواب، خاصة من حركة النهضة وائتلاف الكرامة وحركة الشعب الذين هددوا فيها هذه الدعوات والواقفين وراءها وداعميها".

ويذكر أن حزب العمال كان منخرطا في جميع التحركات المعارضة بعد العام 2011، خاصة تلك التي عرفت أوجها في 2013، خاصة بعد اغتيال النائب محمد البراهمي، حين دعت ضمن ما سمي حينها بجبهة الإنقاذ لاعتصام الرحيل للمطالبة بالإطاحة بحكومة الترويكا وحل المجلس التأسيسي بقيادة الراحل الباجي قائد السبسي. 

وكذلك دعا النائب السابق عن الجبهة الشعبية، الجيلاني الهمامي يوم 4 أيار/مايو 2020 إلى حل البرلمان.

وقال في تدوينة نشرها على صفحته بالفيسبوك: "كنت بعد أيام قليلة من الإعلان عن نتائج الانتخابات ناديت بإسقاط البرلمان الرجعي الذي لا يمثل طموحات الشعب التونسي بالنظر إلى فساد الانتخابات الكثير لم يستسغ هذا الموقف، اليوم أجدد الدعوة إلى حله".  

يذكر أن ائتلاف الجبهة الشعبية لم ينجح في أن يوصل أيا من مرشحيه إلى البرلمان الجديد، حيث خسر جميع مقاعده ومن بينها المقعد الذي نافس عليه الهمامي. 

رفض الفرقاء

في الجهة المقابلة أدانت حركة "النهضة" ما اعتبرتها "حملات مشبوهة تستهدف برلمان البلاد ورئيسه" راشد الغنوشي.

وقالت في بيان أصدرته في وقت متأخر مساء 1 أيار/مايو 2020، عقب انعقاد الاجتماع الدوري لمكتبها التنفيذي: إن تلك الحملة "تسعى إلى إرباك المسار الديمقراطي التونسي، وإضعاف مؤسسات الدولة في ظل تحديات صحية واقتصادية استثنائية".

وعبرت عن استنكارها لما وصفتها بـ"التصريحات السياسية والممارسات التي تغذي الخلافات وتضعف جهود الدولة في السيطرة على وباء كورونا وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي".

وقال رئيس كتلة "ائتلاف الكرامة" في البرلمان سيف الدين مخلوف: إن الدعوات إلى حل البرلمان "حملة سخيفة".

وكتب رئيس الكتلة المحسوبة على الثورة التونسية على فيسبوك: "حملة سخيفة يقودها عدد من المستشارين من اليسار الستاليني المنتهي الصلاحية ممن تحالفوا سابقا مع ابن علي علنا منذ 1991".

وأضاف: "يحرضون اليوم عبر صفحات مجهولة على التمرد ضد المؤسسات المنتخبة و يتمترسون لأجل ذلك وراء شرعية رئيس الجمهورية".

ونادى مخلوف بمعاقبة القائمين على هذه الدعوات، قائلا: إن "الفصل 72 من المجلة الجزائية ينص على أنه يعاقب بالإعدام مرتكب الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة وحمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والسلب في التراب التونسي".

من جهته، نشر النائب عن حركة الشعب (قومية عروبية) خالد الكريشي تدوينة خاطب فيها من أسماهم بدعاة الانقلاب على الشرعية الدستورية والقانونية وعلى نتائج الصندوق الانتخابي بأنهم لن يمروا ولن يتمكنوا من افتكاك السلطة.

وقال: "دعاة الانقلاب على الشرعية الدستورية والقانونية - المجهولين اسما وصفة- وعلى نتائج الصندوق الانتخابي يستغلون الحرب على كورونا لافتكاك السلطة ولم يمر على مباشرة الحكومة مهامها سوى شهرين فقط قضتها في محاربة الفيروس ومعالجة تداعياته الاجتماعية والاقتصادية المدمرة".

وأضاف الكريشي: "هؤلاء عبيد للاستبداد والحنين لنظام حكم شمولي وهم أعداء الانتقال الديموقراطي الذي قبلوه عن مضض مكرهين بمقتضى الإرادة الشعبية التي عبر عنها في محطات انتخابية متتالية..آخرها انتخابات أواخر 2019".

في الجهة المقابلة، تبرأت رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي من الدعوات التي وصفتها بـ"المجهولة" التي تدعو إلى حل البرلمان وإلى اعتصامات وما يسمى "هيئة إنقاذ" التي نعتتها بأنها "مجهولة المصدر"، مؤكدة أن حزبها لا ينساق وراء تحركات مجهولة وأن مثل هذه التحركات لا تعني حزبها في شيء.

إلا أنها خرجت بقراءة غير متوقعة، إذ اتهمت حركة النهضة صاحب الأغلبية النيابية والحزب الأول في الحكومة بالوقوف وراء هذه الدعوات.

وقالت موسي في بيان مصور نشرته عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك: إن "الجهة التي تحرك هذه الدعوات هي حركة النهضة عبر بيادقها وعصاباتها، في خطة تستهدف نشر الفوضى والفتنة في البلاد وتحجيم دور الحزب الدستوري الحر"، مضيفة أن هذا السيناريو أصبح مكشوفا ولن ينطلي مرة أخرى على التونسيين.