اصطفاف أحزاب اليسار مع الحوثيين باليمن.. كيف انعكس على الأرض؟

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

شكل اصطفاف أحزاب اليسار بفكرها العلماني، إلى جانب جماعة الحوثي ذات التكوين العقائدي الشيعي، في انقلاب الأخيرة على الشرعية باليمن، انعطافة كبيرة على الأرض، ربما لم تشهدها البلاد من قبل.

وقال الكاتب عامر السعيدي، أحد أبناء حجور، عن المعركة الأشرس التي يشنها الحوثيون حاليا على قبائل حجور في محافظة حجة اليمنية،: إن "هذا الانتصار ليس انتصارا للحوثي، وإنما للحزب الاشتراكي في حجة. لقد حاول الحوثي لأكثر من شهر أن يدخل العبيسة من الشرق لكنه لم يستطع إحراز أي نصر يذكر، وعندما يئس من دخول العبيسة من الشرق، قام خالد القاضي سكرتير أول الحزب الاشتراكي وعضو لجنته المركزية بإدخال المقاتلين الحوثيين من الغرب".

في 20 فبراير/شباط المنصرم، أصدرت جميع الأحزاب والقوى السياسية اليمنية والحكومة اليمنية وقوات الجيش الوطني بيانا تستنكر فيه ما يقوم به الحوثيون من حصار وهجوم شرس على قبائل حجور، وتدعو فيه بالتحرك الفوري والعاجل لدعم ومساندة قبائل حجور بكل ما تحتاجه، واتخاذ ما يلزم لفك الحصار المفروض عليها ودحر الحوثيين، وقّعت كل الأحزاب على ذلك البيان باستثناء الحزب الاشتراكي.

التقاء النقيضين

في حين أن جماعة الحوثي تقوم على إيديولوجية دينية لا تحتكم لمشروع سياسي، إلا أن بعض أحزاب اليسار السياسية قد تماهت بشكل واضح معها، من بداياتها، وتراوح ذلك التصالح بين التأييد الكامل للحركة الحوثية وانقلابها على الدولة، وبين الإشادة برموز الحركة الحوثية في مرحلة حرجة وحساسة، وانسحبت تلك المواقف على عدة قضايا سيادية كـ"الاحتلال" الإماراتي لجزيرة سقطرى والمحافظات الجنوبية، وقضايا أخرى مع الكتائب التي أنشأتها الإمارات في تعز، وكذلك النخب والتشكيلات العسكرية التي أنشأتها في المحافظات الجنوبية.

وقال الكاتب والصحفي محمد اللطيفي، في تصريح لـ"الاستقلال"، العلاقة بين اليسار في اليمن والحركة الحوثية هي جزء من تماهي اليسار العربي بشكل عام مع كل ما له علاقة بأي شيء ضد ما يسمي بالإسلام السياسي، والإصلاح في اليمن يصنف ضمن الإسلام السياسي، أو يحسب عليه، وأن اليسار العربي بشكل عام وقف مع الأنظمة العربية ضد الإسلام السياسي، وضد الإخوان المسلمين، وأي حركات أخرى تابعة للإخوان المسلمين في الوطن العربي".

وأعرب عن اعتقاده أن هذا التماهي، جزء من الصراع السياسي، الذي تحول إلى ما يمكن أن نسميه "حقد اليسار"، حيث تحول العداء للإصلاح في اليمن إلى حقد لدى بعض اليساريين الذين يمكن أن يتحالفوا مع أي حركة متطرفة، مثل الحوثيين، ولو على حساب القيم اليسارية التي يتم ادعاؤها.

من جهته، قال الكاتب خالد شاكر: إن "كثيرا من أبناء منطقتنا اليساريين تحولوا إلى مجندين لمليشيا الحوثي، في تناقض صارخ، لا يمكن استيعابه".

"البعث الاشتراكي"

كان لافتا، أن حزب البعث العربي الاشتراكي اليمني (قُطْر سوريا)، من أوائل الأحزاب التي أيدت الحوثيين إثر إنقلابهم على الدولة، وقد أصدر بيانا يؤيد فيه الإعلان الدستوري الذي أعلن فيه "الحوثي" انقلابه على السلطة الشرعية، معتبرا الانقلاب  "خيارا ثوريا من حقوق الشعب".

ووصف يوم انقلاب الحوثيين على الرئيس هادي فيما سمي بـ" ثورة 21 سبتمبر"، بأنها كانت "ردا طبيعيا لكل تلك الارهاصات التي مارستها القوى السياسية والتدخلات الخارجية في المرحلة الماضية، وامتدادا لكل الثورات السابقة وتعبيرا عن إرادة شعبية طامحة للتغيير"، بحسب نص البيان.

لم يبدأ الأمر مع انقلاب الحوثي، بل سبقه بفترات عاصرت الربيع العربي في اليمن، فعندما كان الحوثيون منذ 2011 في ساحة التغيير، كان الكثير من اليساريين يتحدثون عن قوة مدنية فتية أصبحت جزءا من ثورة الشعب ومن الثورة المضادة في فبراير/شباط، ليقوموا بعد ذلك بالضغط من أجل إشراك الحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني.

"التنظيم الناصري"

من جانبه، أشاد الأمين العام للتنظيم الوحدوي الناصري (اليساري)، عبد الله نعمان، في لقاء متلفز على قناة "اليمن" الخاضعة لسيطرة الحوثيين، بقائد الحركة عبد الملك الحوثي، إثر انقلابه على الدولة.

وقال نعمان: إن "عبد الملك بدر الدين الحوثي، استطاع أن يصنع قوة صاعدة، حيث تحرك الحوثيون حركة لافتة وذكية جدا، استفاد عبدالملك الحوثي من قرار رفع الدعم عن المشتقات، ورفع شعارات مقبولة جماهيريا وتمكن من تحقيقها".

وأضاف: "أستطيع أن أقول: أنه حقق منجزات ربما ستساهم أو تشكل خطوة أولى في طريق بناء الدولة في التخلص من مراكز القوى، لكن هناك ملاحظات وملاحظات كثيرة جدا، عليه أن يترك السلاح ويتحول إلى حزب سياسي".

ولفت نعمان إلى أنه "تحرك عبد الملك الحوثي بإيجابية والتقط اللحظة المناسبة، تمنينا له كل التوفيق والنجاح، واعتبرنا خياراته هي خياراتنا الوطنية، ونحن لازلنا نلتقي معه في بعض الخيارات المطروحة، مع عدم وجود ملاحظات على الممارسات التي حصلت في الفترة السابقة، وهي ملاحظات تتعلق بالانتهاكات التي يقوم بها بعض الأفراد المحسوبين على أنصار الله، بحسب قوله، وقد لا يكون لأنصار الله علاقة بها.

تلك التصريحات، وإن كانت قد تغيرت فيما بعد، إلا أنها كان لها أثرها، حينذاك، في تقوية شوكة الحوثي، وفي الدعم المعنوي الذي تلقته الحركة، في لحظة حساسة وحرجة، كانت تتطلب أصواتا شجاعة تحد من تمدد الحوثي، وتنشر وعيا رافضا لدى أعضاء التنظيم لما قام به الحوثيون.  

وتعليقا على الموضوع، قال اللطيفي: إنه "في الوقت الذي كان الحوثي يقوم بالانقلاب، ابتداء من عمران، كان بعض السياسيين في الحزب الاشتراكي والناصري يصدرون المشهد للآخرين ويصورنه كصراع بين قوى سياسية، أو بين قوى قبلية، وليس بين الدولة وميلشيا انقلابية، وكانت النتيجة أن تفرج الجميع على انقلاب الدولة".

الموقف تجاه سقطرى

في مايو/ أيار 2018، أصدرت الأحزاب اليمنية بيانا موقعا، استنكرت فيه الاحتلال الإماراتي لسقطرى واتهمت الإمارات باختراق السيادة اليمنية، وتنفيذ أجندة لا علاقة لها بمواجهة الانقلاب واستعادة الشرعية، ودعت الأحزاب في بيانها الإمارات إلى سحب قواتها من سقطرى بشكل فوري بدون شرط.

وقع على البيان ثمانية أحزاب هي المؤتمر الشعبي العام (جناح هادي)، والتجمع اليمني للإصلاح، والحراك الجنوبي السلمي، واتحاد الرشاد اليمني، وحزب العدالة والبناء، وحركة النهضة للتغيير السلمي، واتحاد القوى الشعبية، وحزب السلم والتنمية،  لكن الحزبين: الاشتراكي والناصري، لم يوقعا على البيان، رغم أنهما داعمين للشرعية، ومشاركين في الحكومة. 

ويرى الكاتب والإعلامي محمد الضبياني، أن "بيان الأحزاب السياسية المؤيدة للشرعية بشأن ‎سقطرى باستثناء حزبين لهما مواقف مريبة منذ الوهلة الأولى لعملية اختطاف الدولة، يؤكد أن ‎الناصري كائن لزج يسيل يتواجد في أي وسط، إلا أن يكون وسطاً شريفاً نقياً خالصا من المصالح الأنانية الضيقة والانتهازية".

وكان سياسيون قد تحدثوا للمرصد بوست، اعتبروا  تخلف الأحزاب عن المشاركة في إصدار البيان، موقفا غير وطني، يضع علامات استفهام, ويؤكد ارتباطها بأجندات خارجية.

اليسار والتشكيلات الإماراتية

لم يقتصر تماهي عناصر اليسار مع الحوثيين، بل امتد ليشكل تماهيا آخر مع تشكيلات مسلحة تتبع الإمارات كالنخب الجنوبية، التي تعمل خارج إطار الدولة، أو تشكيلات أخرى متطرفة، ككتائب "أبي العباس" المدعومة من الإمارات، والمدرجة على قائمة الإرهاب، والعلة التي تجمع بين هذين السلوكين هو محاولة تقويض نفوذ حزب الإصلاح في تعز والمناطق المحررة.

ويرى الكاتب والصحفي محمد اللطيفي، أن الفوبيا من حزب الإصلاح دفعت اليساريين باتجاه دعم الحوثيين كقوة لإضعاف الجناح العسكري والقبلي لحزب الإصلاح ، وتصادف أن إضعاف القوة القبلية والعسكرية للإصلاح  رغبة  يسارية تتقاطع مع رغبة إقليمية ورغبة دولية.

وكان عدد من العناصر الاشتراكية واليسارية قد عملوا لصالح الحركة الحوثية، وأوضح مثال على ذلك المتحدث الرسمي باسم الحركة الحوثية علي البخيتي، حيث كان يتبوأ عضوية الحزب الاشتراكي، في الوقت الذي كان فيه ناطقا رسميا باسم الحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني.