بنزاعه الحدودي مع مصر وإثيوبيا.. كيف يناور السودان في ملف سد النهضة؟

محمود سامي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

بصورة غير مسبوقة وفي تطور مفاجئ، تصاعد التوتر بين السودان وإثيوبيا بشأن منطقة "الفشقة" الحدودية المتنازع عليها، في وقت يسعى فيه البلدان لاحتواء الأزمات والتقارب في ملفات عدة، أبرزها أزمة سد النهضة الإثيوبي (قيد الإنشاء) على نهر النيل.

والفشقة هي إحدى المحلیات الخمس المكونة لولایة القضارف (شرقي السودان)، وتحتل إثیوپیا نحو ملیون فدان منها، رغم اعترافها بسودانية المنطقة محل النزاع.

وبعد تصعيد عسكري متبادل، خطت الخرطوم وأديس أبابا في أبريل/نيسان 2020، خطوات في عملية ترسيم الحدود، خاصة المرتبطة بالفشقة.

وتعد الحدود المتداخلة والمشتركة بين البلدين، من أطول الحدود في القارة الإفريقية، حيث تقدر بـ727 كلم والأقدم نزاعا، وفق تقارير.

ورغم ذلك، يبقى من المستبعد، نشوب حرب بين البلدين، لأسباب عدة أبرزها الأزمات الاقتصادية والنزاعات والتوترات الداخلية التي يشهدها البلدان، بخلاف تقارب وجهات النظر في ملف السد الذي تتخوف من تداعياته مصر على حصتها المائية.

وجدد ملف الفشقة، الحديث عن النزاع الحدودي بين القاهرة والخرطوم في مثلث حلايب وشلاتين، وسط مساعي إثيوبية مصرية لكسب ود السودان في أزمة السد.

ومنذ انطلاق المشاورات بشأن السد قبل ثلاث سنوات، لم يغادر السودان نقطة المنتصف بين مصر وإثيوبيا، وظل يؤكد على تقديمه رؤية تخدم الأطراف الثلاثة، من حيث سنوات ملء السد وتشغيله.

وعادة ما يعرب مصريون عن استيائهم مما يقولون إنه دعم سوداني لإثيوبيا في ملف السد، فيما تقول الخرطوم إنها تبحث عن مصالحها دون الإضرار بمصالح القاهرة.

وتتخوف مصر من تأثير سلبي محتمل على تدفق حصتها السنوية من مياه نهر النيل، فيما تقول أديس أبابا إنها لا تستهدف الإضرار بمصالح مصر، وإن الهدف من بناء السد هو توليد الكهرباء بالأساس.

وأكد السودان، في أكثر من مناسبة، أنه يرى الحل في الاتفاق الشامل، بحيث تكون المصلحة من قيام السد الإثيوبي لصالح الدول الثلاثة.

ونهاية فبراير/ شباط 2020، وقعت مصر بالأحرف الأولى، على اتفاق ترعاه أميركا لملء وتشغيل سد النهضة، بمشاركة البنك الدولي، معتبرة الاتفاق "عادلا"، وسط رفض إثيوبي، وتحفظ سوداني.

توظيف الأوراق 

يرى عباس محمد صالح، الباحث السوداني والمختص في الشأن الإفريقي، أن النزاعات الحدودية السودانية مع مصر وإثيوبيا "قد لا تؤثر بشكل مباشر علي مواقف الأطراف حول سد النهضة".

وفي حديث لـ"الاستقلال"، أوضح أن "النزاع حول مصير منطقة الشفقة لا يمكن أن يخدم موقف السودان ولا حتى منطقة حلايب"، مضيفا: أنه "منذ عشرات السنين تتنازع القاهرة والخرطوم على المثلث الحدودي، ويرى كل طرف أن تلك المنطقة جزء من أراضيه".

وعن الموقف المصري قال: إن "القاهرة تعمل بشتى الطرق على توظيف عدة أوراق ضد إثيوبيا، فهناك دوائر مصرية تحاول إعادة إنتاج محاولات فاشلة جربتها سابقا بهدف إعاقة تشغيل السد الإثيوبي".

وأشار إلى أن مصر "هذه المرة تحاول عرقلة بناء السد، من خلال توظيف مجموعات سودانية محلية تعارض إنشاءه كقوميات بني شنقول، أو جر السودان وإثيوبيا إلى مربع نزاع حدودي يمكن أن يباعد مواقف البلدين بخصوص مفاوضات سد النهضة".

ويقع إقليم بني شنقول، الذي يشهد تمردا في الوقت الراهن، غربي إثيوبيا، وفيه يقام مشروع سد النهضة على النيل الأزرق، على بعد نحو 40 كيلومترا من الحدود السودانية، ويقطنه قرابة 4 ملايين نسمة، معظمهم من أصول وعادات سودانية، رغم محاولات إثيوبيا الدفع بسياسات التغيير الديمغرافي. 

وقال صالح: "حاليا إثيوبيا ومصر تتصارعان من أجل التأثير على موقف السودان تجاه سد النهضة؛ فالقاهرة تسعى لاستغلال حالة الفوضى والاضطراب التي تمر بها الخرطوم حاليا، خاصة السيولة في عملية اتخاذ القرار، لاستمالة السودان لجانبها أو على الأقل المباعدة بينها وبين أديس أبابا".

 وفي المقابل، وفق صالح "تسعى إثيوبيا إلى الإبقاء على موقف السودان المحايد في مفاوضات السد".

وتابع: "ربما تشعر بقلق حقيقي من هشاشة النظام السياسي الحالي في السودان، واحتمالات حدوث تغيير في مواقفه بسبب تحركات مصرية أو اندلاع صراع بين مكونات الحكم الحالي والتي قد تلجأ لتوظيف مواقف سد النهضة لتعزيز حظوظها في مواجهة منافسيها".

تطور مفاجيء

في 30 مارس/ آذار 2020، أعاد الجيش السوداني، انتشاره بعد غياب يزيد عن 25 عاما، في منطقة الفشقة الحدودية مع إثيوبيا والمتنازع عليها بين البلدين.

وجاء الانتشار السوداني بعد توغل الجيش الإثيوبي في منطقة شرق سندس بالفشقة الصغرى، في مساحة تقدر بحوالي 55 ألف فدان وهي منطقة مشاريع زراعية تخص مزارعين سودانيين، بحسب صحف سودانية.

فيما أجرى رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، في 8 أبريل/ نيسان 2020، بصحبة ضباط هيئة العمليات ومدير المخابرات العسكرية، زيارة غير عادية للمنطقة محل الخلاف.

وشدد البرهان من الفشقة أن بلاده لن تسمح بأي تعد على الأراضي السودانية، ولن تتراجع عن حماية حدودها.

وقابل الحشد السوداني، تهدئة إثيوبية؛ للحيلولة دون التصعيد العسكري، فيما تعاطت قيادات البلدين مع الأزمة بشكل إيجابي ساهم في احتواء الخلاف.

واتفق البلدان في 12 أبريل/ نيسان 2020 على تسوية الخلاف بشكل ودي بموجب خطة تقر بعودة قوات البلدين لحدودها الدولية في غضون أسبوعين وذلك بعد استقبال السودان لرئيس الأركان الإثيوبي مبعوث آبي أحمد لمناقشة وضع العلامات الحدودية واحتواء الخلاف.

نزاع الفشقة

يتنازع السودان وإثيوبيا حول منطقة الفشقة المتاخمة للحدود المشتركة، وتقع المنطقة بين عوازل طبيعية مائية كالأنهار والمجاري المائية، وتبلغ مساحتها نحو 250 كم مربعا.

وتتمتع المنطقة بمزايا عديدة تجعلها دائما محل أطماع خارجية لا سيما في ظل غياب أمني حدودي لسنوات تعادل ربع قرن، حيث تتميز بالخصوبة وترويها أنهار عذبة، وتتساقط عليها الأمطار في الخريف، وتشتهر بإنتاج الصمغ العربي والقطن والذرة والسمسم إلى جانب الخضروات والفواكه.

وتشهد المنطقة أحداث عنف بين مزارعين من الجانبين خصوصا في موسم المطر، كما أن عصابات "الشفتة" الإثيوبية تنشط في المنطقة، وتستولي على أراضي المزارعين السودانيين بعد طرد السكان منها بقوة السلاح.

وتعود جذور أزمة النزاع الحدودي لعقود بعيدة، فتاريخ الخلاف على الفشقة يرجع للقرن الـ19، والذي كان قد انتهى إلى حل قانوني دبلوماسي بتوقيع معاهدة أديس أبابا في مايو/ أيار 1902 والتي تم بمقتضاها ترسيم الحدود الشرقية للسودان مع إثيوبيا ما أدى إلى حدوث استقرار مؤقت.

وسرعان ما تجدد الخلاف عندما تجاوزت مجموعة من المزارعين الإثيوبيين حدود بلادهم  والدخول إلى الأراضي السودانية وزراعة المنطقة الحدودية المعروفة بخصوبتها والتابعة للسودان، ليعود الوضع لنقطة الخلاف القديمة.

لكن التصعيد الأكبر الذي شهدته المنطقة، حين استغل الجيش الإثيوپي، محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك والتي اتهمت بها الحكومة السودانية، وسيطرت على المنطقة مجددا عام 1993. 

ورغم التصريحات الرسمية لمسؤولي البلدين الحريصة على تسوية النزاع الحدودي عام 2013، إلا أن الخلاف تجدد ثانية عام 2014 لدرجة الاشتعال بعد أن قتلت قوة إثيوبية مجهولة جنديا سودانيا بالمنطقة لتقوم القوات السودانية بالرد على مصدر النيران.

وعام 2016، تم الإعلان عن عملية ترسيم 725 كم من الحدود بواسطة لجنة فنية معنية تحت مظلة تعاون ثنائي مشترك من السودان وإثيوبيا لمواجهة أنشطة العصابات المعروفة باستغلالها للخلافات الحدودية في تلك المنطقة.

وفي تلك الأثناء، جرى التأكيد على أن الفشقة منطقة سودانية تبلغ مساحتها 250 كم مربعا، إلا أن إثيوبيا ورغم اعترافها رسميا بالسيادة السودانية عليها، لكنها تسمح للمزارعين الإثيوبيين بالزراعة في المنطقة بما يتناقض مع الموقف الرسمي.

وفي أغسطس/آب 2019، أعلن السودان وإثيوبيا التوصل لاتفاق ثنائي لنشر قوات مشتركة على حدود البلدين لمنع النزاعات والتوترات.

وينتظر أن ينهي البلدان، النزاع الحدودي بعد أن خطيا خطوات عملية في البدء بعمليات ترسيم الخط الفاصل ووضع العلامات الحدودية، وانسحاب قوات الجانبين، كل إلى حدوده الدولية قبل نهاية أبريل/نيسان 2020.

الفشقة وسد النهضة

ألقت "الفشقة" بظلالها على أزمة ملف سد النهضة، إذ تبحث أديس أبابا كيفية التعامل مع الموقف السوداني الجديد من النزاع على السد بعد أن أظهرت الخرطوم ميلا لصالح القاهرة وإنجاز مصر والسودان مشاريع الربط الكهربائي التي قد تؤثر سلبا على المشاريع الإثيوبية الهادفة لربط مماثل مع الخرطوم بعد إنجاز السد.

وفي 9 أبريل/ نيسان 2020، أجرى مدير المخابرات المصرية عباس كامل ووزير الري في بلاده محمد عبد العاطي، مباحثات بالخرطوم تناولت تطورات مفاوضات سد النهضة، مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وبحثا التطورات المتعلقة بالسد. 

ووفق بيان لمجلس الوزراء السوداني، أكد الطرفان على التمسك بمرجعية مسار واشنطن الخاص بقواعد الملء والتشغيل لسد النهضة وما تم التوافق عليه في هذا المسار وإعلان المبادئ الموقعة بين الدول الثلاث عام 2015.

 كما ناقش البلدان ترتيبات الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء حمدوك إلى القاهرة وأديس أبابا في القريب العاجل، بحسب البيان.

وتحمل التصريحات السودانية تغيرا في الموقف تجاه مفاوضات سد النهضة التي ترعاها الإدارة الأميركية، إذ سبق أن رفض السودان توقيع المسودة المقدمة من وزارة الخزانة الأميركية في فبراير/ شباط 2020، ووقعتها مصر ورفضت إثيوبيا توقيعها.

وسبق أن تحفظ السودان أيضا على مشروع قرار وزاري في الجامعة العربية لمساندة ودعم مصر في مفاوضات السد، قائلا: إن مثل هذا القرار قد يدفع إثيوبيا للجوء للاتحاد الإفريقي وخلق اصطفاف إفريقي معها، بمواجهة الاصطفاف العربي لصالح مصر.

تحركات إثيوبية

وأعقبت المباحثات المصرية بيوم واحد، زيارة لوفد عسكري إثيوبي على رأسه رئيس هيئة الأركان المشتركة آدم محمد، إلى الخرطوم، دون الكشف عن تفاصيل تلك الزيارة.

ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن مصدر إثيوبي (لم تسمه)، قوله: إن الزيارة يهدف جزء منها لمعالجة النزاع بين البلدين على منطقة الفشقة، والتي استولت عليها قوات محسوبة على حكومة إقليم أمهرا الإثيوبي، بعد أن طردت المزارعين السودانيين منها إبان حكم نظام المعزول عمر البشير.

وبحسب المصدر، فإن رئيس الأركان الإثيوبي اتفق مع المسؤولين السودانيين على خطة تعود بموجبها قوات البلدين لحدودها الدولية في غضون أسبوعين، على أن تباشر لجان ترسيم الحدود وضع العلامات الحدودية على الفور.

وفيما يخص الموقف السوداني المؤيد لمصر في سد النهضة، ذكر المصدر أن بلاده تضع "ألف حساب لهذا المتغير الجديد والذي طرأ على الموقف السوداني"، مشيرا إلى أنه "ينتظر أن يقوم مسؤولون إثيوبيون كبار بزيارة قريبة للسودان لبحث الأمر، وكيفية التعامل معه".

وزير الدولة بالخارجية السودانية، عمر قمر الدين قال في تصريحات صحفية منتصف الشهر الجاري: إن بلاده لا ترقص على الموسيقى المصرية أو الإثيوبية، وإن بلاده ترفض محاولات الاستقطاب من البلدين.

وأوضح: "موقف السودان نابع من الأساس من ما توصل إليه المختصون، والخبراء الذين حددوا المكاسب والخسائر من سد النهضة، ووفقا لرأي المختصين فإن المكاسب أكبر". وأضاف: "نحن شركاء حتى في إدارة السد ومن موقعنا هذا واجبنا ضمان حصة مصر".