كورونا ليس البداية.. كيف كانت إفريقيا حقل تجارب للغرب طبيا ونوويا؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مقطع مصور لطبيبين فرنسيين، على قناة "LCI" أثار موجة عارمة من الغضب والاستياء في أنحاء العالم، لما حمله من عنصرية مقيتة واستفزاز شديد.

وفي التسجيل يضع الدكتور كاميل لوكت وهو مدير عام للمعهد الوطني للصحة والأبحاث الطبية، مقترحا باختبار فعالية لقاح السل BCG على الأفارقة لمعرفة قدرته على الوقاية من الإصابة بفيروس كورونا.

لوكت قال: "لو أستطيع أن أكون استفزازيا، ألا يمكننا اختبار هذا العمل أولا في إفريقيا التي لا توجد فيها كمامات ولا علاج ولا عناية مركزة ؟". ليوافقه الدكتور بول ميرا وهو رئيس طوارئ مستشفى كوشان باريس، قائلا: "أنت على حق.. نعتزم إجراء دراسة حول BCG في إفريقيا. سنطلق هذه الدراسة".

تسبب المقطع بحالة غليان واسعة، وكشف في ذات الوقت عن ذهنية عنصرية مقيتة، وانتهاك سافر لا يضع أي اعتبار لآدمية الإنسان، بل يعتبر الفقراء فئران تجارب، بحسب متابعين.

ومع أن الطبيبين قدما اعتذارهما لاحقا، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لإطفاء حالة الغليان لدى كثيرين رأوا هذا الأمر مثيرا للاشمئزاز،  وأنه استمرار لسجل الانتهاكات الفرنسية بحق أبناء القارة السمراء، سواء في التجارب الدوائية، أو النووية.

أطفال تونس

إبان احتلال العراق أصيب بالليشمانيا 3 آلاف جندي أميركي، وحصلت هناك مضاعفات وانعكاسات سيئة على الجنود جراء المرض الطفيلي الذي تنقله البعوض.

ذلك الوضع مثل أمرا مقلقا لدى وزار الدفاع الأميركية، خصوصا، في ظل منع أداء التجارب الخطيرة داخل الولايات المتحدة الأميركية، وبناء عليه، بدأ البحث عن رقعة جغرافية خارج الولايات المتحدة لتجريب دواء لعلاج الليشمانيا.

وبالتواصل مع معهد باستور، وهو مؤسسة فرنسية متخصصة بدراسة الأمراض المعدية في تونس، تم الاتفاق على إجراء الدواء الجديد على أطفال من محافظة زيدي بوزيد التونسية، حيث يحمل بعض أطفالها الليشمانيا.

كان الدواء من تصنيع شركة تيفا الإسرائيلية، وهي شركة لها فروع في الولايات المتحدة وتمد أذرعها في العالم عبر لوبي يتحكم بالدواء في الكثير من البلدان، وقام معهد والتر ريد للأبحاث العسكرية التابع لوزارة الدفاع الأميركية بالتنسيق مع المعهد الفرنسي لتجريب الدواء الجديد.

50 دينارا

تم بدء التجربة في عام 2002، ورغم أن القانون التونسي يمنع إجراء تجارب على القاصرين، لكن القائمين على البرنامج المشترك بين معهد باستور الفرنسي ومعهد والتر ريد الأميركي، قاموا بإدراج الأطفال في قائمة من يتم تجريب الدواء الجديد عليهم، بالإضافة إلى عدد من الكبار، بتجاهل متعمد من وزارة الصحة الفرنسية.

كان الاتفاق مع الضحايا أن تتم التجربة عليهم بسرية تامة، لقاء مبلغ مالي يساوي خمسين دينارا (يعادل حينها 35 دولارا)، وكان يتم جلبهم من البيوت للمعامل بصفة متكررة لإجراء الدواء عليهم.

الجزيرة الوثائقية أنتجت فيلما بعنوان "هل يصنع القتلة الدواء؟" كشف المستور عما خفي من ملابسات التجارب الطبية المخالفة للقانون الأخلاقي في تونس، وما رافقها من فساد أو تجاهل حكومي لتلك التجارب التي تم تطبيقها.

ونقلت الجزيرة عن بعض أولئك الضحايا تصريحات، قالت إحداهن وهي ربيعة الغنيمي: "لقد قبلنا بالخمسين دينارا، وسعدنا بها لأننا فقراء ومحتاجون"، في حين قال مبروك الغنيمي وهو أحد الخاضعين للتجربة: "لم نُمض على وثائق، ولم نحصل على أي أوراق، وإنما أخذوا عينات الدم، ووزعوا 50 دينارا علينا".

بينما قال ثالث وهو  فؤاد الغنيمي، أحد القاصرين الذين خضعوا للتجربة: "إنهم لا يقدمون أي إجابة عند سؤالهم بخصوص أمر ما، ولا يمدوننا بأية تفاصيل بخصوص مكونات الدواء".

جريمة ثلاثية

كشفت تلك الملابسات عن جريمة مركبة ارتكبها ثلاثي (أميركا فرنسا وإسرائيل)، فإلى جانب كونها انتهكت آدمية الأطفال، وانتهت القانون بعدم جواز تجربة الدواء على قاصرين، لم تقم بتوفير أي علاج لهؤلاء بعد إجراء التجارب الطبية عليهم.

أما الشركة الإسرائيلية التي أنتجت الدواء فأنكرت تصنيعها للدواء، وعندما تم مواجهتها بوثيقة رسمية، من قبل فريق التحقيق الاستقصائي التابع للجزيرة تثبت قيامها بتصنيع الدواء، اعترفت وقالت: إنه أنتج لصالح الجيش الأميركي ولكنهم توقفوا بعد ذلك عن إنتاجه، ورفضوا عقب ذلك إجراء أي حوار حول هذا الأمر.

4 تجارب

وبالقدر الذي كان الأفارقة بالنسبة للفرنسيين فئرانا للتجارب، كانت أراضيهم أيضا حقلا للتجارب، حيث أجرت فرنسا على مدار 36 سنة، أي من 1960 وحتى 1996 سلسلة تجارب نووية راح ضحيتها الآلاف من الأشخاص بالصحراء الجزائرية وبعض مناطق بولينيزيا بالمحيط الهادي.

اعترفت فرنسا بأربع تجارب نووية في منطقة رقان، لكن الباحث وأستاذ الفيزياء والكيمياء النووية في جامعة وهران كاظم العبودي مؤلف كتاب "يرابيع رقان" أفاد بأن فرنسا أجرت 57 تجربة نووية بالجزائر، وأن المنطقة الصفرية بين تفجير وآخر كانت مسافتها أقل من 150 كلم، مما جعل الجو مشبعا بالإشعاع النووي.

كانت أول قنبلة نووية بالصحراء الجزائرية أطلقتها فرنسا في 13 فبراير/شباط 1960 تحت اسم "اليربوع الأزرق"، وضاهت في قوتها 4 قنابل لهيروشيما مجتمعة، سقطت على منطقة رقان التي كانت آهلة بالسكان، بحسب فرانس 24.

ومطلع مايو/آيار 1962، قامت بإجراء تجربة نووية أخرى بمنطقة رقان بالصحراء الجزائرية، وأدى ذلك لحصول حادث نجم عنه تسرب إشعاعات نووية في المنطقة.

 وفي 24 أغسطس/آب 1986 انفجرت أول قنبلة نووية هيدروجينية فرنسية بمنطقة فنغاتوفا ببولينيزيا، وضاهت قوتها 170 قنبلة هيروشيما مجتمعة.

وفي 27 يناير/ كانون الثاني 1996، أطلقت فرنسا آخر سلسلة من التجارب النووية وكانت بمنطقة فانغاتوفا.

كانت أول 3 قنابل نووية ألقتها فرنسا في إفريقيا، تصدر منها أضواء ساطعة تخطف أبصار الأفارقة لمسافة أميال، كانت القنبلة الأولى في فبراير/شباط 1960 ساطعة باللون الأبيض، ثم القنبلة الثانية مطلع أبريل/نيسان من نفس العام باللون الأحمر، ثم القنبلة الثالثة نهاية أبريل/نيسان باللون الأزرق، وهي الألوان التي تمثل العلم الفرنسي.

الغبار النووي

طال الغبار النووي أرجاء واسعة من منطقة الساحل الإفريقي وصولا إلى إفريقيا الغربية والوسطى، ووصل الإشعاع إلى السنغال وتشاد وموريتانيا بعد أربعة أيام من التجارب، أما مالي فوصلها بعد أقل من 24 ساعة من التفجير.

وغزت المنطقة الأمراض السرطانية مثل سرطان المعدة والكبد والقصبة الهوائية والدم والجلد والغدة الدرقية والكبد والثدي والمخ والمثانة وغيرها"، وما زالت منتشرة حتى الآن.

كما تعرض الرضع للوفاة المبكرة، والأجنة للتشوهات الخلقية الحادة، كالولادة بعين واحدة أو رأس كبير مملوء بالماء.  

أما على المستوى البيئي، خلفت التجارب المتكررة، آثارا غاية في السوء، حيث فقد الفلاحون ماشيتهم، وانقرضت بعض الزواحف، وتصحرت الأراضي الزراعية، وتدمرت الكائنات الحية في وقت صرح فيه باحثون في الهندسة النووية أن تلك الآثار سوف تستمر آلاف السنوات، وأن المواد التي استخدمتها فرنسا أغلبها من البلوتونيوم شديد الإشعاع، بالإضافة إلى مادة اليورانيوم التي يستمر إشعاعها إلى أكثر من 24 ألف سنة.

 ومنتصف فبراير/شباط 2020 قال الطيب زيتوني، وزير الدولة التونسي: "هذه المأساة تندرج ضمن السجل الدموي للمستعمر الفرنسي الحافل بالجرائم والمجازر.. وهي دليل على الجرائم المقترفة في حق الإنسان والبيئة الصحراوية والتي ما تزال إشعاعاتها النووية تلقي بأضرارها الوخيمة على المحيط العام".

القنبلة النظيفة

وإزاء حديث الخبراء عن تلك الأضرار الكارثية، قللت السلطات الفرنسية من خلال ترويج المخابرات الفرنسية لأسطورة القنبلة النظيفة التي أقنعت حتى الخبراء والتقنيين والعسكريين الفرنسيين الذين عملوا في مواقع التجارب، وتجاهلت الاحتجاجات الشعبية والرسمية.

مجلة "الجيش" (التي تصدرها وزارة الدفاع الجزائرية) قالت عام 2010: "150 جزائريا استُخدموا كفئران تجارب في التفجير الأول، حيث عُلقوا على أعمدة في محيط التجربة لدراسة تأثير الإشعاعات على الإنسان".

ووفق الباحث الفرنسي المتخصص في التجارب النووية برينو باريلو، فإن سلطات الاحتلال الفرنسي استخدمت 42 ألف جزائري فئران تجارب في تفجيراتها النووية.

مرض قاتل

إلى جانب فرنسا الدولة التي انتهكت آدمية الإنسان في هذه القارة، كانت شركات الدواء العالمية هي الطرف الآخر الذي جعل الأفارقة فئرانا للتجارب.

تقرير لمجلة "ساينتفيك أميركان" قال: "شركات الأدوية الكبرى هي التي حولت سكان ومواطني القارة السمراء إلى فئران تجارب لأدويتهم الجديدة، التي يتمحور معظمها ليظهر مرضا جديدا غريبا يصبح فيما بعد وباء قاتلا، ومن أبرزها، الكوليرا والحصبة والملاريا والإيدز وإنفلونزا الخنازير والطيور".

مجلة "نيتشر كوميونيكشنز" العلمية كشفت أن تمحور معظم تلك الأوبئة في إفريقيا يجعلها "فتاكة وقاتلة"، ولعل أبرزها تلك التحورات الخطيرة التي طرأت على "الملاريا"، بعد ظهور طفيل جديد مقاوم للعقاقير، لكن تمت السيطرة عليه سريعا.

من جانبها، نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا مطولا، عما أسمته "فضيحة شركات الأدوية الكبرى في المجتمعات الفقيرة"، والتي تكشف عن جعل تلك الشركات المجتمعات الأكثر فقرا فئران تجارب لأدويتها الجديدة.

وبطبيعة الحال، يؤدي ذلك لظهور المزيد من الأمراض، التي تحصل على مناعة أقوى وتصبح أشد فتكا، بسبب تحول البشر لفئران تجارب.

ويرجع التقرير انتشار حالات الحمى والسل وداء السكري وارتفاع ضغط الدم في قارة إفريقيا، إلى تجربة تلك العقاقير على البشر، دون دراسة أعراضها الجانبية بصورة كبيرة، مشيرة إلى أن تلك الأمراض الأربعة لا وجود لها في أوروبا وأميركا، التي يحظر فيهم تناول أي عقاقير قد يكون لها أعراض جانبية غير معلومة.

ونقلت الصحيفة عن مدير أحد الجمعيات التي تدير تجارب طبية، قوله: "جنوب إفريقيا بلد رائع للإيدز، لأن عددا كبيرا من الأشخاص المصابين به لم يحصلوا على أي علاج بواسطة مضادات للفيروس، لذلك يشكل المرضى السذج أو ما يمكن القول إنهم فقراء جدا فرصة ذهبية للتجارب الطبية".

وفي كتابها، "التاريخ المظلم للتجارب الطبية على الأميركيين السود"، تقول المؤلفة هارييت واشنطن: "هناك تاريخ طويل من التجارب  الطبية على السود والسكان الأصليين لأميركا بغرض أن تعود فائدتها على البيض فقط، وبغض النظر عن الألم والشقاء الذي تعرضت له النساء السود خلال مشاركتهن دون خيارهن في تجارب ماريون سيمز، إلا أنه ظل لفترة طويلة مُبجلا بين الأطباء، لما أنجزه بتلك الطريقة القاسية والمظلمة".


المصادر