كورونا والحجر المنزلي.. فرصة للترابط الأسري أم باب للطلاق؟​​​​​​​

12

طباعة

مشاركة

"بعد انتهاء الحجر الصحي سيتم تكريم آخر 10 متزوجين وصلوا للنهائي مع بعضهم"، "بسبب ظروف كورونا والبقاء في المنزل دار الإفتاء: تعديل يمين الطلاق من 3 مرات إلى 30 مرة يوميا"، "إلى زوجتي.. تذكري جيدا أن اتفاقية جنيف تحث على حسن معاملة الأسرى".

جمل ساخرة من بين عشرات ومئات النكات التي تعج بها مواقع التواصل الاجتماعي منذ بداية الحجر الصحي المنزلي عالميا، خوفا من تفشي فيروس كورونا، ورغم أنها قد تأتي في سياق ساخر، إلا أنها قد تعبر عن واقع فعلي متحقق في الكثير من البيوت.

وبينما يرى متخصصو علم النفس أن بقاء الزوجة والزوج والأبناء في منزل واحد لمدة طويلة، دون الاضطرار إلى الالتهاء بالحياة الاجتماعية الخارجية، فرصة ذهبية لتوطيد العلاقات الأسرية، لا يكف مستخدمو المواقع الاجتماعية عن الترويج للعكس.

حالات الطلاق

السؤال الذي يتبادر إلى الذهن فور الاطلاع على هذا الكم الهائل من النكات التي أصبحت "ترند" على مواقع التواصل، هو هل تزيد أزمة كورونا الترابط الأسري كما يوصي بذلك الخبراء، أم أن محاكم الأسرة ستمتلئ بعد انجلائها؟.

مع بداية الخروج من الحجر الصحي في مارس/ آذار 2020، بالصين، سُجل ارتفاع في عدد حالات الطلاق، فمباشرة بعد خروجهم من منازلهم التي أبقوها مغلقة عليهم لمدة شهرين توجه الأزواج الصينيون إلى البدء في معاملات الطلاق.

سُجل أيضا تضاعف في حوادث العنف المنزلي، ما جعل مجلة "بلومبرج" الأميركية تحذر الأزواج في باقي بقاع العالم من السيناريو الذي مرت به الأسر في الصين.

التقرير رصد أبرز أسباب هذه الخلافات الأسرية، التي تمثلت في مشاهدة الزوج للتلفاز لساعات طويلة، في حين يقع حمل أشغال المنزل على عاتق الزوجة زيادة على الاعتناء بالأولاد. 

قبل الحجر كان الأزواج إما في مقرات عملهم أو في تجمعات أصدقائهم أو في المقاهي، ما كان يجعل الزوجة تقوم بكل الأشغال بشكل اعتيادي وطبيعي، ومع وجود الزوج الدائم في المنزل دون القيام بأي دور، جعل الزوجة تنتبه إلى أنها تتقاسم المنزل والأكل مع شخص آخر وبالتالي يمكن تقاسم الأشغال أيضا.

سجلت كل من مدينة شيان وسط الصين ودازو في مقاطعة سيتشوان أعدادا قياسية من طلبات الطلاق في أوائل مارس/آذار 2020، ما أدى إلى تراكم الطلبات في المكاتب الحكومية، التي "كافح" موظفوها، بحسب المجلة، من أجل مواكبة الرقم القياسي في يوم واحد.

ونقل عن مدير مركز التسجيل في مدينة يي شياو يان قوله: "الأمور التافهة في الحياة أدت إلى تصاعد النزاعات، وتسبب ضعف الاتصال في خيبة أمل الجميع في الزواج ثم اتخاذ قرار الطلاق".

محامي الطلاق في شنغهاي، ستيف لي، قال للمجلة: "الحجر جاء بعد عطلة رأس السنة القمرية في الصين أواخر يناير/ كانون الثاني 2020، ليضطر الأزواج إلى البقاء شهرين إضافيين تحت سقف واحد، قبل أن يعقب: "يحتاج الناس إلى مساحة، ليس الأزواج فقط".

عنف منزلي

وفي مقاطعة هوبي الوسطى، قرب ووهان موطن الجائحة بالصين تلقت الشرطة 162 تقريرا عن العنف المنزلي في فبراير/ شباط 2020، أي أكثر بثلاث مرات من الحالات التي تم الإبلاغ عنها خلال الشهر نفسه من عام 2019.

ونقلت مؤسسة منظمة المساواة (غير حكومية في بكين)، عن المواطنة فنغ يوان قولها: "الحجر أظهر نزعات كامنة للعنف كانت موجودة من قبل لكنها لم تكن تظهر".

ووصفت المتحدثة الوضع بـ"الصعب"، فمع تزايد عدد الشكايات كانت الشرطة مشغولة بفرض الحجر الصحي ولم تكن قادرة في كثير من الأحيان على الرد على مكالمات الطوارئ من ضحايا العنف المنزلي، كما لم تكن النساء اللواتي يتعرضن للعنف قادرات على مغادرة البيوت، والمحاكم التي تصدر أوامر الحماية كانت مغلقة.

الشكايات الكثيرة جعلت الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، يدعو في 5 أبريل/ نيسان 2020، إلى اتخاذ تدابير لمعالجة "الطفرة العالمية المروعة في العنف المنزلي" ضد النساء والفتيات، المرتبطة بحالات الإغلاق التي تفرضها الحكومات نتيجة جائحة كورونا.

وفي إشارة إلى نداءاته المتكررة لوقف إطلاق النار في النزاعات حول العالم، للتركيز على النضال المشترك ضد فيروس كورونا، قال الأمين العام: إن العنف لا يقتصر على ساحة المعركة. "فبالنسبة للعديد من النساء والفتيات، إن أكثر مكان يخيم فيه خطر العنف هو المكان الذي يُفترض به أن يكون واحة الأمان لهن: منزلهن".

وأضاف: "الجمع بين الضغوط الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن كورونا، وكذلك القيود المفروضة على الحركة، أدت كلها إلى زيادة كبيرة في عدد النساء والفتيات اللواتي يواجهن الإساءة، في جميع البلدان تقريبا".

وفي تركيا، أعلن وزير الداخلية أن بلاده تشهد ارتفاعا في حالات العنف والخلافات داخل العائلات بسبب الوضع الحالي قائلا: "سنعمل بإصرار لإيقاف التعديات".

مواجهة صعبة

حتى عندما يختفي الفيروس لن تعود الحياة إلى طبيعتها، فمن المتوقع أن يواجه الناس ضغوطا نفسية واقتصادية لشهور.

دراسة أجريت على أشخاص في هونج كونج في أعقاب وباء "سارس" عامي 2002-2003، كشفت أنه "بعد مرور عام على تفشي المرض، استمر الناجون منه يعانون من مستويات ضغط مرتفعة ومستويات مقلقة من الاضطراب النفسي، بما في ذلك الاكتئاب والقلق".

في أميركا الوضع مشابه، إذ يتلقى محامو الطلاق بنيويورك سيلا من الاتصالات يوميا للاستفسار عن الإجراءات، ومن المتوقع أن تتلقى المحاكم آلاف الطلبات فور فتح أبوابها، حسب صحيفة "نيويورك بوست".

المحامية في مانهاتن، سوزان كيمبرلي براكر، أكدت أن فيروس كورونا سيرفع من حالات الطلاق، قائلة: "أدرك الكثير من الأزواج أنه لا يمكنهم تحمل بعضهم، وأنه لا لا يوجد بينهم شيء مشترك سوى الأطفال".

وأوضحت أن أغلب الشكايات التي توصلت بها تستنكر خلالها الزوجة كيف أن زوجها لا يعرف شيئا عن الأطفال وعن أمور البيت.

وبالإضافة إلى الضغط النفسي الذي يسببه البقاء في المنزل والخوف من المرض ومشاهدة الأرقام وهي تتزايد والعالم ينهار دون توقف، رصد المحامون من خلال الشكايات الضغوط المادية.

وقال أحدهم: "إلى جانب احتجاز الأشخاص في مكان واحد، فقد الناس 30 بالمائة من صافي ثرواتهم أو فقدوا وظائفهم".

مجلة "فاست كومباني" الأميركية تحدثت عن أشخاص يشعرون بالضغط والذعر والصدمة العاطفية إضافة إلى مرورهم بضائقة مالية، وزادت مشاكل الإدمان أيضا، كل هذه أسباب من الطبيعي أن تؤدي إلى ارتفاع عدد قضايا الطلاق.

لكن المجلة أشارت في تقريرها إلى أنه وبسبب إغلاق المحاكم لأبوابها، فإن عدم التمكن من الوصول إلى حل في الفترة الحالية يولد العنف، مؤكدا أنه كما في الصين زاد عدد الشكايات عن العنف المنزلي بشكل كبير.

دراسة أخرى لفتت إلى أن العزلة في المنزل لفترة طويلة تجعل الناس يواجهون أنفسهم، ليس فقط من يعيشون معهم.

مخاوف أخرى

إذا كان ارتفاع عدد قضايا الطلاق إحدى المخاوف التي تواجه عددا كبيرا من الأزواج عبر العالم، فإن مجموعة من الخبراء تساورهم مخاوف من نوع آخر. ففي ولاية مَين الأميركية حرصت منظمة غير ربحية لتنظيم الأسرة على مد الأسر بوسائل تحديد النسل الكافية لمدة 3 أشهر.

المنظمة كما أخرى غيرها عبر العالم تخاف من طفرة مواليد ما بعد جائحة كورونا، وتؤدي فترات العزلة غير المتوقعة للسكان في المنازل، حسب صحيفة "اي بي سي نيوز" الأميركية، إلى طفرة مواليد بعد 9 أشهر. وحدثت مثل هذه الصدمة في ولايتي مَين ونيوهامشير بعد عاصفة الجليد عام 1998 التي أغلقت أجزاء من شمال شرق البلاد.

ولا تقتصر الخدمات التي تقدمها هذه المنظمات على مد الأزواج بحبوب منع الحمل فقط، بل عبر خدمة للتخطيط تقدم جدولة مواعيد للمستخدم عبر الإنترنت. وذهبت "منظمة مَين" إلى حد التفكير في ابتكار وسائل أكثر تطورا لمراقبة الحد من النسل، نظرا لأن لا أحد يعرف إلى متى سيستمر الحجر الصحي.

تلقت طفرة المواليد لعام 1920 اهتماما أقل من تلك التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وكان يُعتقد لفترة طويلة أنها مجرد اللحاق بقطار الزواج والإنجاب الذي عطلته الحرب، كجزء من العودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية.

لكن طفرة المواليد هذه حدثت بكثافة مماثلة في بلدان لم تدر فيها الحرب، وبالتالي كانت هناك حاجة إلى استكشاف أسباب أخرى. قبل أن يستخلص إلى أن جائحة الإنفلونزا كانت السبب الرئيسي في طفرة المواليد في العام نفسه.

محبو النكتة على مواقع التواصل، قرروا إطلاق اسم "جيل الحجر الصحي" على مواليد هذه الفترة، فيما اقترح آخرون اسم "جيل التاجيات"، بحسب صحيفة "ديلي ميل" البريطانية التي رصدت عددا من هذه التدوينات الساخرة التي يعبر عبرها أصحابها عن مخاوفهم حول شكل العالم بعد الجائحة. 

ترابط أسري

إذا كان الغرب متخوفا من ارتفاع نسبة المطلقين أو من طفرة ولادات، فإن الزوجة في دول العالم العربي تتباهى عبر مواقع التواصل الاجتماعي بتمكنها من جعل زوجها يساعدها في الأشغال المنزلية، والشواهد على ذلك كثيرة.

بعد أن وجد الزوج العربي نفسه محروما من الخروج إلى المقهى وجلسات الأصدقاء، قرر مساعدة زوجته تجنبا "للزن" ولشَغل وقته الذي لا يمكن أن يمضي بسهولة أمام شاشة التلفزيون أو الهاتف. 

ومن الواضح أن الجائحة في العالم العربي ستساهم في زيادة الترابط الأسري كما نصح بذلك خبراء علم النفس، باستثمار وقت الحجر الصحي في ممارسة نشاطات مع الأسرة والأبناء ومحاولة جعل الوقت أمتع. مع زيادة التواصل مع أفراد الأسرة الواحدة عبر قضاء مزيد من الوقت بالقرب منهم، وكذا التواصل الدائم مع العائلة الكبيرة عبر وسائل الاتصال.