صفقة تبادل الأسرى مع حماس.. لماذا باتت إسرائيل أكثر انفتاحا؟

خالد كريزم | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تلقفت أوساط إسرائيلية، مبادرة حركة المقاومة الإسلامية حماس، بشأن إبرام صفقة تبادل للأسرى، بكثير من التفاؤل، تحت وطأة ضغوط محلية بسبب عجز "تل أبيب" عن صد فيروس كورونا الآخذ بالانتشار، وبعد فراغ سياسي في "إسرائيل" استمر نحو عام.

وقال رئيس حركة حماس في غزة يحيى السنوار، في 2 أبريل/نيسان 2020: "يمكننا أن نقدم تنازلا جزئيا في موضوع الجنود الأسرى لدينا، مقابل إفراج الاحتلال عن الأسرى كبار السن والمرضى كمبادرة إنسانية في ظل أزمة كورونا".

واستدرك قائلا في مقابلة مع فضائية الأقصى المحلية: "لكن المقابل لصفقة تبادل الأسرى هو ثمن كبير يجب أن يدفعه الاحتلال"، مضيفا: أن "قيادة كتائب القسام (الجناح العسكري لحركة حماس) ترقب موضوع دخول فيروس كورونا للسجون الإسرائيلية بقلق كبير".

ويتفشى فيروس كورونا بسرعة في "تل أبيب"، حيث أعلنت وزارة الصحة هناك في 4 أبريل/نيسان عن ارتفاع عدد الوفيات إلى 43 شخصا، فيما ارتفع عدد المصابين بالوباء إلى 7589 بينهم 113 حالة بوضع صحي خطير.

نافذة فرص

في اليوم التالي من تصريحات السنوار حول صفقة التبادل، علقت صحيفة معاريف العبرية على المبادرة بالقول: "إنها قد تفتح نافذة فرص للتقدم بمسألة استعادة الأسرى من قطاع غزة".

"كتائب القسام" سبق أن أعلنت في 2 أبريل/نيسان 2016، أن في قبضتها 4 من جنود الاحتلال، ونشرت أسماءهم وصورهم، مؤكدة على أن أي معلومات جديدة، لن يحصل عليها الاحتلال إلا عبر دفع استحقاقات وأثمان واضحة قبل المفاوضات وبعدها.

وتمكنت المقاومة الفلسطينية في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2011، من الإفراج عن أكثر من 1000 أسير فلسطيني من أصحاب الأحكام العالية وقدامى الأسرى، بعد مفاوضات غير مباشرة مع دولة الاحتلال، برعاية مصرية استمرت 5 سنوات متواصلة، مقابل إطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط، إلا أن قوات الاحتلال أعادت اعتقال العشرات منهم في الضفة الغربية، ما اعتبرته الحركة خرقا لشروط الصفقة.

ونقلت صحيفة معاريف عن مصادر عسكرية وسياسية قولها: إنه بالإمكان محاولة السير قدما في خطوات، على أمل شق الطريق بمسألة استعادة الأسرى، ضمن نافذة الفرص الحالية التي ستبقى مفتوحة، طالما لم ينتشر فيروس كورونا في قطاع غزة.

ومبادرة السنوار، جاءت في الأساس ردا على تصريحات لوزير الجيش الإسرائيلي نفتالي بينيت التي قايض فيها إدخال المساعدات الطبية للقطاع بالتقدم في مسألة استعادة الجنود الإسرائيليين قائلا: "نحن منفتحون على أفكار كثيرة". 

بينيت قال للصحفيين في 1 أبريل/نيسان 2020: "عندما يكون هناك نقاش حول المجال الإنساني في غزة، فإن إسرائيل لها أيضا احتياجات إنسانية تتمثل أساسا في استعادة من سقطوا (في الحرب)". وكان بينيت يشير إلى ضابط مشاة ومجند قتلا في حرب عام 2014 وما زالت حماس تحتفظ برفاتهما.

لكن رئيس حركة حماس في غزة، علق على تلك المقايضة بالقول: "إذا وجدنا أن مصابي كورونا في قطاع غزة لا يقدرون على التنفس، سنقطع النفس عن 6 مليون صهيوني، وسنأخذ ما نريده منكم خاوة (بالقوة). في الوقت الذي نكون فيه مضطرين إلى أجهزة تنفس لمرضانا أو طعام لشعبنا، فإننا مستعدون أن نرغمك على ذلك، وستجد أننا قادرون".

صفقة التبادل

بدأ الحديث عن الصفقة بعد إعلان الحكومة الفلسطينية في رام الله، عن إصابة شاب فلسطيني بفيروس كورونا، بعد ساعات من الإفراج عنه من سجن عوفر الإسرائيلي مطلع أبريل/نيسان 2020، الأمر الذي عمق من المخاوف على صحة وحياة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.

وبعدها، قررت إدارة سجن "عوفر"، حجر 6 أسرى فلسطينيين، كانوا قد خالطوا الأسير المحرر المُصاب بفيروس كورونا، نور الدين صرصور.

ووفق إحصائيات رسمية لهيئة شؤون الأسرى (تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية)، وصل عدد المعتقلين الفلسطينيين إلى نحو 5700 أسير في أواخر عام 2019.

ونقلت صحيفة معاريف عن مصادرها أن الأجهزة الأمنية والسياسية الإسرائيلية عقدت "اجتماعات مهمة" حول موضوع صفقة التبادل مع مسؤولين رفيعي المستوى في وزارة الأمن.

ووفقا للصحيفة، فإن الفكرة الأساسية هي محاولة التقدم في ملف الأسرى عبر "رزمة مساعدات إنسانية لقطاع غزة ومبادرات أخرى"، حيث ترغب "تل أبيب" باستغلال أزمة كورونا التي أصيب بها 12 مواطنا فقط بالقطاع المحاصر منذ 14 عاما.

وألمح السنوار خلال حديثه إلى أن الفراغ السياسي في "تل أبيب" كان أحد أسباب جمود ملف الصفقة، حيث اتفق رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو، وزعيم حزب "أزرق-أبيض" بيني غانتس، أخيرا في 4 أبريل/نيسان 2020، على تشكيل حكومة طوارئ، بعد ثالث انتخابات للكنيست (البرلمان).

وأعلن بنيامين نتنياهو أكثر من مرة أنه طلب من مصر وألمانيا التوسط لدى حركة حماس من أجل استعادة الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة، لكن الحركة نفت أن يكون قد حدث أي تقدم في هذا الملف.

تهديد لإسرائيل

بدورها، قالت صحيفة جيروزاليم بوست العبرية في 2 أبريل/نيسان 2020: إن "حماس لا تملك أدوات للتعامل مع فيروس كورونا الذي يمثل انتشاره في غزة مشكلة كبيرة وتهديدا إستراتيجيا لإسرائيل".

وقال الكولونيل المتقاعد مايكل ميلشتين الذي يرأس مركزا للدراسات في جامعة "تل أبيب": "إذا شعرت حماس أن نظامها في غزة مهدد، فلن تواجه مشكلة في ممارسة بعض الضغط على إسرائيل حتى بالوسائل العسكرية".

وأكد ميلشتين للصحيفة أن إسرائيل تتعرض بالفعل لضغوط من الداخل لاستغلال فيروس COVID-19، للحصول على تنازلات من حماس، خاصة فيما يتعلق بعودة أسيرين من غزة وبقايا جنديين آخرين من الجيش الإسرائيلي هما هدار غولدين وآورن شاؤول، قتلا في الحرب على غزة عام 2014.

في المقابل، دعا مسؤولون آخرون في حديثهم للصحيفة إلى فك الضغط الذي فرض على غزة منذ عام 2007، لمساعدة القطاع في التخفيف من الآثار المحتملة لانتشار الفيروس، دون ربط الأمر في ملف الجنود أو الوضع الأمني الذي قد يتدهور حال تفشى الوباء هناك.

وما يترجم إمكانية تدحرج الوضع الأمني بسرعة، إطلاق صاروخ من قطاع غزة مساء 27 مارس/آذار 2020، باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، مما أدى إلى انطلاق صفارات الإنذار في مدينة سديروت الجنوبية والمنطقة المحيطة بها. ورد الاحتلال بقصف مواقع للمقاومة، دون إصابات من الطرفين. وكان هذا أول صاروخ ينطلق من غزة بعد وصول الفيروس إليها.

بدورها، قالت صحيفة يديعوت أحرونوت: إن تفشي كورونا في غزة، قد يؤدي إلى اندلاع مواجهة أخرى على الحدود، مضيفة: "تبدو تكهنات المسؤولين العسكريين مروعة، حيث تتنبأ بحدوث إطلاق صاروخي كبير للغاية على إسرائيل لم يشاهد منذ سنوات".

سيناريوهات محتملة

وقالت الصحيفة في 29 مارس/آذار 2020: "السيناريوهات تشمل الهجمات الصاروخية وقذائف الهاون على البلدات والمدن الإسرائيلية، من أجل إجبار إسرائيل والمجتمع الدولي على مساعدة حماس في مكافحة انتشار الفيروس، إضافة إلى إمكانية هجوم جماهير فلسطينية نحو السياج الحدودي".

فيما ذكرت قناة "آي 24 نيوز" الإسرائيلية أن حماس تحتجز في قطاع غزة حاليا، الجنديين أبرا منغيستو وهشام شعبان السيد، إضافة إلى جثماني العسكريين الإسرائيليين السابق ذكرهما، مبينة أن تل أبيب ترفض معادلة "أسرى مقابل أسرى"، وتحاول استبدالها بـ"مساعدات إنسانية مقابل أسرى"، لكن حماس ترفض ذلك.

وقالت حركة حماس، في 3 أبريل/نيسان 2020: إن المبادرة التي طرحها رئيس الحركة في قطاع غزة بخصوص ملف الأسرى، تضع إسرائيل "أمام اختبار جديد، لمعرفة مدى جديتها".

وفي تقرير آخر لها، قالت صحيفة "يديعوت": إن تفشي الفيروس التاجي في السجون الإسرائيلية، يمكن أن يؤدي إلى اضطراب التهدئة مع الفصائل الفلسطينية وربما إطلاق الصواريخ، مؤكدة أن "تل أبيب" ليس لديها مصلحة في حدوث هذا السيناريو.

وحذر مسؤولون أمميون مرارا من انتشار الفيروس في واحدة من أكثر المناطق اكتظاظا في العالم، حيث يعيش 2 مليون فلسطيني في منطقة تبلغ مساحتها 365 كيلو مترا.

ولا يوجد حتى الآن سوى عدد قليل من الحالات المؤكدة لـ COVID-19 في غزة، لكن مسؤولا في منظمة الصحة العالمية حذر في 2 أبريل/نيسان 2020، من أن 80-90٪ من أجهزة التنفس في قطاع غزة قيد الاستخدام بالفعل.

وأفادت صحيفة جيروزاليم بوست في 21 مارس/آذار 2020: أن "إسرائيل تحاصر غزة، ومع ذلك، سمحت بدخول مساعدات إنسانية في شكل غذاء ودواء إلى القطاع"، مبينة أنها سلمت معدات خاصة لإجراء الفحص المخبري لفيروس كورونا.

بدوره، قال المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، أليكس فيشمان، إنه فهم مبادرة قائد حماس في قطاع غزة على النحو التالي؛ "المرحلة الأولى: إطلاق سراح أسرى صفقة وفاء الأحرار الذين أعاد الاحتلال اعتقالهم في العام 2014.

المرحلة الثانية: "إطلاق سراح حوالي 800 أسير من المرضى وكبار السن والأشبال والنساء". وبيّن أن المرحلة الثالثة تشكل تنازلًا من حماس، التي لم توضح برأيه ماذا ستعطي بالمقابل.

وتساءل: "هل ستسلّم (حماس) جثث جنود من العملية العسكرية في 2014، أم إعادة اثنين من المواطنين الإسرائيليين (الأحياء)؟!".

وأضاف فيشمان أن "إسرائيل" غير ملزمة بقبول شروط السنوار المخففة، لكنها أكد أن مبادرته كسرت الجمود المستمر منذ سنتين وخفّضت الأثمان.

وكشف النقاب عن أن مصادر من غزة أوضحت لإسرائيليين مدى جدية حماس العالية بهذا الشأن، مؤكدا أن "كورونا" تعرض لـ"إسرائيل" وحماس سلما للنزول عليه في مسألة الأسرى والمفقودين، وعلى "إسرائيل" أن تتعامل مع الأمر بجدية، وفق تعبيره.