تحرير الفرد لإنقاذ المجموع.. لماذا لم يفرج طغاة العرب عن المساجين؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في ظل القلق من جائحة كورونا، التي أودت بحياة الآلاف حول العالم، يتسم الوضع في بعض البلاد العربية، كالسعودية ومصر والإمارات، بقلق من نوع آخر، فالسجون مكتظة بأعداد هائلة من المعتقلين، في ظل ظروف احتجاز سيئة وتمثل خطرا على حياتهم.

تلك الأماكن غير الآدمية التي يقبع فيها عشرات إن لم يكن مئات الآلاف من البشر بعضهم لقي حتفه بالبطيء على مدار سنوات، تنذر بكارثة في حالة تفشي فيروس كورونا داخل هذه السجون والمعتقلات.

منظمات حقوقية دولية طالبت تلك الأنظمة الاستبدادية بتقديم دوافع الإنسانية فوق الدوافع السياسية، والإفراج عن المعتقلين، وتأمين حياتهم، واستشهدوا بالعديد من الدول التي بادرت باتخاذ هذه الخطوة، وأطلقوا سراح المعتقلين، كان آخرهم الرئيس الأفغاني الذي أصدر قرارا في 27 مارس/آذار 2020، بإطلاق سراح 10 آلاف سجين لمواجهة تفشي فيروس كورونا.

قبلها وفي 17 مارس/ آذار 2020، أعلنت إيران السماح لنحو 85 ألف سجين، بينهم سياسيون بالمغادرة، كما أفرجت الولايات المتحدة عن آلاف السجناء، حيث أعلن عمدة نيويورك "بيل دي بلاسيو" في 20 مارس/ آذار 2020، قائلا: "المدينة ستطلق سراح سجناء معرضين للخطر، بعد أيام من الإفراج عن مئات السجناء في لوس أنجلوس وكليفلاند". 

وكذلك فعلت السودان وأطلقت سراح نحو 4 آلاف معتقل، وأفرجت الأردن عن 1500 معتقل، كما أطلقت إيطاليا سراح مئات السجناء.

عرضة للخطر

في 25 مارس/ آذار 2020، وعلى لسان المفوضية الأممية ميشيل باشيليت، طالبت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، الحكومات إلى اتّخاذ إجراءات عاجلة، لاحتواء تفشي فيروس كورونا، وحماية صحة وسلامة الأشخاص المحتجزين في السجون والمرافق المغلقة الأخرى.

باشيليت قالت: "بدأ فيروس كورونا يجتاح السجون ومراكز احتجاز المهاجرين، ودور الرعاية السكنية ومستشفيات الطب النفسي، ويهدد بالانتشار بين سكان هذه المؤسسات الأكثر عرضة للخطر".

كما حذرت من "خطورة مراكز الاحتجاز في العديد من البلدان والتي غالبا ما تكون مكتظة وفي ظروف غير صحية، والخدمات الصحية غير كافية، ما يعني أن العزل الذاتي في هذه الأماكن مستحيل عمليا"، محذرة من عواقب إهمال المعتقلين والضعفاء في المرافق الصحية المغلقة.

المفوضية الأممية قالت: "مع تفشي المرض وارتفاع عدد الوفيات المبلغ عنها في السجون وغيرها من المؤسسات في عدد متزايد من البلدان، على السلطات أن تتحرك فورا لمنع المزيد من الخسائر في الأرواح في صفوف المحتجزين والموظفين".

غوانتانامو ابن سلمان

الحساب الرسمي لـ "معتقلي الرأي" على تويتر، طالب في 14 مارس/ آذار 2020، بالإفراج الفوري "عن المعتقلين في السجون السعودية مع تزايد المخاطر من تفشي فيروس كورونا". 

ولا يفصح النظام السعودي عن أعداد المعتقلين داخل السجون، لكن حساب "معتقلي الرأي" المتخصص في رصد المعتقلين السعوديين، يقدرهم بالآلاف. 

المثير للقلق في الخطر المحدق إذا انتشر فيروس كورونا داخل السجون السعودية المكتظة، وجود معتقلين كبار في السن ومرضى، مثل الداعية البارز سلمان العودة، وعوض القرني، وناصر العمر، وسفر الحوالي، وغيرهم ممن يواجهون خطر الإصابة بالفيروس، خصوصا أن معظمهم واجه أمراضا سابقة، وبعضهم كان على حافة الموت. 

كثير من المعتقلين السعوديين، يقبعون في سجن "الحائر" سيئ السمعة، الذي يوصف بـ "غوانتانامو ابن سلمان"، نظرا للوضع الحقوقي والإنساني المتدهور بداخله.

السجن الذي يقع على بعد 40 كم جنوب العاصمة السعودية الرياض، افتتح عام 1983، وفي عام 2017 أكدت منظمة العفو الدولية "أمنستي"، أن "السلطات السعودية تتبع أساليب وحشية للتعذيب، داخل ذلك السجن، وغيره من ضروب سوء المعاملة لانتزاع اعترافات من المحتجزين لاستخدامها دليلا ضدهم في المحاكمات". 

وهو ما أكدته منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية، عندما ذكرت "أساليب وحشية تنتهجها السلطات السعودية لتعذيب المعارضين داخل سجن الحائر". 

ويشرف على عمليات القمع داخل السجن كتيبة "السيف الأجرب"، إحدى قوات الحرس الملكي التي يستخدمها ابن سلمان لتقليم أظافر المعارضين.

لم يقتصر الأمر داخل السجون السعودية، على المواطنين، فبداخله أجانب أيضا، وفي 23 مارس/ آذار 2020، وجه أبناء وعائلات المعتقلين الأردنيين في سجون السعودية عن مخاوفهم على مصير ذويهم بسبب تفشي فيروس كورونا، ووجهوا مناشدات للملك سلمان بن عبد العزيز للإفراج عنهم.

كما وجه رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إسماعيل هنية، نداء عاجلا إلى الملك السعودي لاتخاذ قرار بالإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين، وقال في بيان عاجل: "إطلاق سراح الفلسطينيين ضرورة إنسانية وقومية في ظل وباء كورونا".

سجن حائل بالسعودية

"أبو غريب" ابن زايد

في 18 مارس/ آذار 2020، طالبت النائبة الدانماركية "أوغن مارغريت" عضو لجنة الالتماسات في البرلمان الأوروبي كُلا من "السعودية والإمارات بإطلاق سراح جميع معتقلي الرأي في سجونهما بسبب المخاوف الحقيقية على حياة المعتقلين جراء الجائحة العالمية المنتشرة حاليا.

وكتب المعارض الإماراتي عبدالله الطويل، عبر تويتر قائلا: "ينبغي على الحكومة الإماراتية أن تفتح السجون لتفتيشها من قبل منظمات محلية ودولية مستقلة للاطمئنان على معتقلي الرأي وخاصة سجن الرزين، حيث أن الرعاية الصحية معدومة، وأن تعمل على الإفراج الفوري للمعتقلين". 

ويقبع آلاف المعارضين الإماراتيين في سجن "الرزين"، الشديد التحصين وسيئ السمعة، والذي يقع في صحراء الإمارات على بعد 110 كلم من العاصمة أبوظبي، وتصنفه المنظمات الدولية ضمن أسوأ سجون العالم. 

كما يطلق عليه "أبو غريب" الإمارات، و"غوانتانامو" الإمارات، ويتصدر قائمة السجون العشرة الأسوأ سمعة في الوطن العربي، حسب تصنيف المركز الدولي لدراسات السجون.

وعلى نحو خاص تعرف السجون الإماراتية بالاكتظاظ وعدم مراعاة كاملة لظروف السجن، فضلا أن معتقلي الرأي في الإمارات، يواجهون أوضاعا وظروفا وحشية وقاسية.

تقرير وزارة الخارجية الأميركية لحقوق الإنسان لعام 2020، الصادر في 3 مارس/ آذار 2020، كشف أن مسؤولين حكوميين في أبوظبي عذبوا معتقلي الرأي وهددوهم بالاغتصاب والقتل، وأن كثيرا منهم يقضي حبسه في زنزانات انفرادية بلا ماء وبلا أسرة نوم.

وفي 19 مارس/ آذار 2020، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش، الحقوقية الدولية، في تقرير لها، عن سجناء الإمارات: "في ظل الأزمة الراهنة، ينبغي لسلطات السجون الإماراتية النظر في الإفراج المشروط والمُلائم عن السجناء حاملي فيروس نقص المناعة البشرية الذين حُرموا من الحصول بانتظام على الأدوية المُنقذة للحياة، مع زيادة عدد حالات مرض (كوفيد-19) الذي يسببه فيروس كورونا في البلاد".

وأضافت: "قد تكون مناعة هؤلاء السجناء ضعيفة، ما يعرّضهم للعدوى السارية ومزيد من تطور المرض، وينبغي للسلطات أيضا الإفراج غير المشروط عن المُحتجزين بشكل غير قانوني، بمن فيهم المسجونون بسبب معارضتهم السلمية". 

وذكر التقرير أنه "خلال عام 2019، تزايدت المخاوف بشأن تدهور صحة الناشطَين الحقوقيَّين المسجونَين ظلما مثل أحمد منصور وناصر بن غيث، المحتجزَين في ظروف مزرية ومحرومَين من الرعاية الصحية في سجنَي الصدر والرزين، على التوالي".

وتابع: "يقضي مئات النشطاء والأكاديميين والمحامين الآخرين عقوبات طويلة في سجون الإمارات في ظروف مماثلة وبتهم غامضة وفضفاضة يبدو أنها تنتهك حقوقهم في حرية التعبير وتكوين الجمعيات". 

ولم تستجب الإمارات حتى الآن للمناشدات الإنسانية، والحقوقية، للإفراج عن المعتقلين، وحمايتهم من خطر التعرض لفيروس كورونا، كما الحال في مع معظم الأنظمة العربية.

أبرز المعتقلين في سجون الإمارات

معتقلات السيسي

مثله مثل ابن سلمان وابن زايد، تجاهل رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، وحكومته، كل المناشدات الداعية لإطلاق سراح آلاف المعتقلين، خشية إصابتهم بفيروس "كورونا" في ظل أوضاع سيئة من الأساس، وسبق وأن قضى عشرات المعتقلين نحبهم جراء الإهمال الطبي، وإصابتهم بأمراض فتاكة داخل المعتقلات. 

ومنذ ظهور كورونا بمصر في فبراير/ شباط 2020، تواترت الدعوات والمناشدات لإطلاق سراح المعتقلين بالسجون المكتظة، وحسب تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان "حكومي"، الذي قال في مايو/ آيار 2015: إن "التكدس بغرف الاحتجاز تجاوز 300%، وبالسجون 160%". 

وقال محمد البرادعي نائب الرئيس المؤقت بعد الانقلاب عدلي منصور، عبر تويتر في 16 مارس/ آذار 2020: "ستكون خطوة إنسانية فارقة إذا تم الإفراج عن سجناء الرأي، والمحبوسين احتياطيا، وغيرهم ممن تستدعي حالاتهم ذلك".

كما حذرت المفوضية المصرية للحقوق والحريات من "خطورة الأوضاع الصحية داخل السجون وأماكن الاحتجاز المليئة بأعداد كبيرة  من السجناء والمحتجزين احتياطيا في ظروف احتجاز قاسية، وأنها قد تسهم في تفشي وباء كورونا وتهديد أرواح آلاف الأفراد المحرومين من حريتهم".

وفي 17 مارس/ آذار 2020، طلبت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان النائب العام المصري باستخدام سلطاته الممنوحة له بقوة القانون في "إطلاق سراح سجناء الرأي المحبوسين احتياطيا، والذين لم يرتكبوا جرما سوى التعبير عن رأيهم بشكل سلمي، حتى لا يصابوا بفيروس كورونا". 

رسالة الأطباء من داخل المعتقلات المصرية

وعبر رسائل مسربة في 25 مارس/ آذار 2020، ناشد أطباء مصريون معتقلون في السجون السلطات باتخاذ قرارات عاجلة للإفراج عنهم لمواجهة ما وصفوه بـ"عجز الكوادر الطبية إزاء الوباء القاتل فيروس كورونا، الذي يهدد الشعب المصري والإنسانية جمعاء، للقيام بالدور الذي يمليه علينا ديننا وإنسانيتنا وضميرنا الوطني وأخلاقيات المهنة".

ومن بين نحو 50 إلى 60 ألف معتقل سياسي في مصر، وفق إحصاءات لمنظمات حقوقية، يقبع مئات من الأطباء، وأعضاء المهن الطبية في السجون المصرية كمعتقلين سياسيين، منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013.