"إيكواس".. ما خطط دول غرب إفريقيا للتخلص من هيمنة فرنسا؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"أنا موظف فرنسي في رئاسة الجمهورية السنغالية"، كلمة قالها ليوبولد سيدار سنغور، أول رئيس للسنغال بعد الاستقلال عن فرنسا عام 1960، عبر من خلالها عن مدى الانسياق والتبعية التي كانت تسيطر على الأنظمة في منطقة الغرب الإفريقي، لوقوعها تحت وطأة الاستعمار الفرنسي.

لكن اليوم غير البارحة، فبعد قرابة 7 عقود من محاولات التحرر، والتخلص من الهيمنة والسيطرة الكولونية الفرنسية، باتت خطط إعادة التموضع السياسي والاقتصادي لشعوب غرب إفريقيا، بارزة على الساحة الإقليمية والدولية.

بدا ذلك واضحا من خلال خطط طموحة بإنشاء منظمات صاعدة مثل "الإيكواس"، وأحلام العملة الجديدة المعروفة باسم "إيكو"، ومحاولات سعي دؤوبة للتخلص من بقايا الاستعمار، وبناء مستقبل مختلف للأجيال الإفريقية القادمة في تلك المناطق.

هيئة "إيكواس"

في 15 مايو/ أيار 1975، تم تأسيس المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "الإيكواس"، وتضم حاليا (بنين- بوركينا فاسو- الرأس الأخضر- غامبيا- غانا- غينيا- غينيا بيساو- ساحل العاج، ليبيريا- مالي- النيجر- نيجيريا، السنغال، سيراليون وتوغو) ويمثل مجموع سكان الإيكواس، قرابة 385 مليون نسمة.

يقع مقر المنظمة في مدينة أبوجا النيجيرية، وتتعدد اللغات الرسمية للمنظمة، حيث يتحدث سكانها الإنجليزية، الفرنسية والبرتغالية، بالإضافة إلى اللهجات المحلية لكل بلد على حدة.

كما تتميز دول الإيكواس بالاشتراك في جواز سفر موحد يطلق عليه "ECOWAS "Passport، بدأ العمل به في ديسمبر/ كانون الثاني 2000، وأعفى حامله من متطلبات التأشيرة لدخول ل دول الهيئة، وهو بمثابة وثيقة سفر دولية، تتيح لمواطني الدول الأعضاء حرية التنقل داخل المنطقة لفترات لا تزيد عن 90 يوما دون تأشيرة.

لم يتوقف دور الإيكواس على التكامل الاقتصادي، والتنوع العرقي والثقافي، بل تعزز نجاحها في مبادراتها السياسية المتعددة التي شملت عمليات حفظ الأمن والسلام في بعض الدول الأعضاء في أوقات الصراع السياسي والاضطرابات، كأدوارها في كل من ساحل العاج وليبيريا عام 2003، وغينيا بيساو عام 2012، ومالي عام 2013، وغامبيا عام 2017.

عملة "إيكو"

الحلم الأكبر لهذه المنظمة كان متمثلا في إطلاق عملة موحدة، تتحرر بها رويدا رويدا من سيطرة فرنسا، وهو ما حدث في 29 يونيو/ حزيران 2019، عندما أعلنت "إيكواس"، في بيان، أنها وافقت على اسم "إيكو" للعملة الموحدة المراد استخدامها للدول الأعضاء في الكتلة، وأنها وضعت نظام سعر صرف مرن للعملة الجديدة. مؤكدة أن "هذا يصب في صالح خطط زعماء القارة لتحقيق التكامل في غرب إفريقيا".

وسبق أن عملت "إيكواس" مع وكالة غرب إفريقيا النقدية "واما"، والمعهد النقدي لغرب إفريقيا "وامي"، والبنوك المركزية في الدول الأعضاء لتسريع تنفيذ خارطة طريق العملة الموحدة.

وحثت الإيكواس الدول الأعضاء على بذل المزيد لتحسين أدائها الاقتصادي، قبل الموعد النهائي لإصدار العملة، حيث من المنتظر بناء على تلك الخطوات تحرير التجارة الإقليمية، وتوحيد الاتحاد الجمركي، وإنشاء منطقة تجارة حرة داخل الكتلة.

وفي العام 1999، قامت نيجيريا وغانا بإحياء فكرة إنشاء عملة موحدة في منطقة الإيكواس، والتي كانت تعود إلى 3 عقود ماضية بهدف تحقيق التكامل النقدي، وتطوير اقتصاد تلك الدول، وتحررها من الهيمنة الفرنسية، ووضع معهد غرب إفريقيا النقدي، معايير التقارب للعملة الجديدة، وقسمها على مجموعة من الشروط تضمنت:

  • الحفاظ على إجمالي الاحتياطيات الخارجية التي تكفي لتوفير غطاء الاستيراد لمدة لا تقل عن 3 أشهر. 
  • تحقيق استقرار الأسعار والحفاظ عليه بتسجيل معدل تضخم من رقم واحد نهاية كل عام. 
  • الحد من تمويل البنك المركزي للعجز في ميزانية الحكومة إلى ما لا يزيد عن 10 في المئة من إيرادات الضرائب في العام السابق.
  • ضمان استدامة الوضع المالي الحكومي من خلال خفض نسبة العجز المالي والالتزام بما لا يزيد عن 4% من الناتج المحلي الإجمالي. 
  • أن تكون الإيرادات الضريبية مساوية أو تزيد عن 20% من الناتج المحلي الإجمالي.
  • حظر حدوث متأخرات محلية جديدة وسداد المتأخرات القائمة.
  • أن تساوي نسبة فاتورة الأجور/ الإيرادات للضريبة 35% أو تقل عنها.
  • أن تساوي نسبة الاستثمار العام/ الإيرادات للضريبة 20% أو تزيد عنها. 
  • الحفاظ على سعر صرف حقيقي مستقر. 
  • الحفاظ على سعر فائدة حقيقي إيجابي.

وحاليا أصبح مشروع عملة "إيكو" الحلم القومي لشعوب غرب إفريقيا، غير أن محاولات باريس التأثير على مسار هذا المشروع قد يجعله أمام طريق مسدود بسبب عدم استيفاء دول الإيكواس معايير التقارب الموضوعة في خريطة الطريق الخاصة بالعملة.

فرنك سفا

في عام 1945 أنشأت باريس عملة "فرنك سفا" وربطتها بعملتها "الفرنك"، وكان يسمى في بداية الأمر "فرنك المستعمرات الفرنسية في إفريقيا"، لكن أُعيدت التسمية لتصبح "الفرنك غرب الإفريقي".

8 بلدان من أعضاء إيكواس، وهم "بنين وبوركينا فاسو وغينيا بيساو وساحل العاج ومالي والنيجر والسنغال وتوغو"، تستخدم حاليا عملة "فرنك سفا"، بينما تستخدم البلدان السبعة الأخرى عملاتها الخاصة. 

وترتبط حاليا عملة "فرنك سفا" باليورو، كما تحتفظ فرنسا في خزنتها بـ 50% من احتياطيات النقد الأجنبي لدول "فرنك سفا"، بدعوى ضمان العملة واستقرارها. كما تتمتع الحكومة الفرنسية بقدر كبير من السيطرة على العملة، حتى أنها قامت عام 1994 بإصدار قرار بتخفيض قيمتها. 

وتنظر شعوب وحكومات الإيكواس، لـ "فرنك سفا" على أنه عملة استعمارية، أنشأته فرنسا خلال حقبة الاستعمار لتلك الدول، حيث تسعى شعوب الغرب الإفريقي إلى التخلص من القيود الفرنسية المفروضة على عملتها، التي لا تزال مفروضة عليها حتى ذلك الوقت المعاصر، بعد أكثر من 7 عقود على ربط العملة الإفريقية بالعملة الفرنسية.

وفي سبتمبر/أيلول 2017، خرجت مظاهرات شعبية غاضبة في عدد من العواصم الإفريقية أبرزها بورتو نوفو عاصمة بنين، وداكار العاصمة السنغالية، وأجادوجو عاصمة بوركينا فاسو، للمطالبة بفك الارتباط بين فرنك سيفا واليورو كي تصبح الدول الإفريقية أكثر استقلالية. 

تربص فرنسي

في 25 فبراير/ شباط 2020، نشر "مركز الجزيرة للدراسات"، تقريرا للباحث النيجيري المختص بالشؤون الإفريقية حكيم نجم الدين، قال فيه: إن "إنشاء عملة جديدة داخل الإيكواس، إلى جانب فوائدها الاقتصادية، ستساعد الدول الفرنكوفونية بغرب إفريقيا على الانعتاق من ربقة إحدى السياسات النيوكولونيالية الفرنسية المتمثلة في عملة "الفرنك غرب الإفريقي".

وأكد الباحث النيجيري: أن "هناك شعورا عاما في بعض دول الإيكواس (مثل غينيا ونيجيريا) بأن فرنسا من خلال إصلاحات (الفرنك غرب الإفريقي) تعمق الخلافات بين الكتلتين الفرعيتين داخل الإيكواس، وأنها نسجت الاتفاقية الجديدة حول (الفرنك غرب الإفريقي) لتتواءم مع مصلحتها الاستعمارية". 

وأردف نجم الدين: "إضافة إلى أنها استغلت ولاء بعض الدول الفرنكوفونية داخل الإيكواس لاختطاف المشروع الذي تسعى الكتلة إليه منذ 30 عاما". 

حلم الآباء

في 1 يوليو/ تموز 2019، بدأت وسائل إعلام فرنسية مهاجمة "إيكو"، حيث قال موقع "تي في 5 موند": "إطلاق هذه العملة أمر غير واقعي، الأمر يشبه المثل البوركينابي الذي يقول: حين تحمل طفلا، فهو لا يدرك أن الطريق طويل، وهو ما يعني أن دول المجموعة لا تدرك المخاطر التي قد تواجهها بسبب هذه العملة الموحدة وآثارها على اقتصاد المنطقة".

وفي 2 يوليو/ تموز 2019 قال سليمان جاميرو، نائب وزير الإعلام في سيراليون: إن "العملة الموحدة خطوة إيجابية وتحقيق لحلم الآباء المؤسسين للإيكواس".

وفي 21 ديسمبر/ كانون الأول 2019، أعلن رئيس كوت ديفوار الحسن واتارا "تخلي الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا المؤلف من 8 دول، هي بالأساس من الدول الناطقة بالفرنسية وغينيا بيساو عن استخدام الفرنك الإفريقي لصالح عملة مشتركة جديدة (إيكو)".

وأكد: أنه "سوف يبقي الاتحاد على ربط العملة باليورو، بينما سيتم نقل احتياطات العملة الموجودة حاليا في فرنسا، ولن يكون بعد الآن للسلطة الاستعمارية السابقة أي مقعد في مجلس إدارة البنك المركزي".

بعدها في 30 ديسمبر/ كانون الأول 2019، أبدت الرئاسة الغانية، في بيان عزمها الانضمام إلى العملة الجديدة "إيكو"، وأكد بيان رئاسة غانا: أن "هذه العملة سوف تساعد على إلغاء الحواجز التجارية والنقدية، وتقلل تكاليف المعاملات، وتعزز النشاط الاقتصادي، وترفع مستوى المعيشة لشعبنا".