"إستراتيجية التواصل".. هكذا يسعى تبون لاستعادة ثقة الجزائريين

زياد المزغني | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

منذ توليه الحكم في 19 ديسمبر/كانون الأول 2019، والرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون يحاول بناء جسر من الثقة بين نظام حكمه الجديد والشعب، يسعى تبون للظهور في دور الأب لكل الجزائريين، فيغازل الحراك، ويحاور المعارضين، ويجلس مع المنتقدين.

العديد من المراقبين يرون أن السلطة الجديدة في الجزائر تتجه فعليا نحو إحداث عدد من التغييرات في النظام السياسي، محاولة دفع البلاد نحو التهدئة، بإطلاق سراح جل معتقلي الحراك، وتقديم وعود بإصلاحات دستورية وتنظيم انتخابات نيابية حرة ونزيهة.

لكن يبدو أن الرئيس تبون لا يعتمد فقط على هذه الإجراءات السياسية، إذ يلتجئ لإجراءات وتصريحات ومواقف، تتزامن مع حضور الكاميرا من أجل الترويج لها، في إطار سياسة تواصلية جديدة يعتبرها الكثيرون جزءا من خطة لخلق شعبية واسعة لشخصه الذي ما زالت التظاهرات في الشارع تطعن في شرعيته.

استرجاع الثقة

في لقاء له رفقة الحكومة الجديد بالولاة (المحافظين)، بثه التلفزيون الرسمي وعدد من القنوات، دعا تبون، ولاة الجمهورية إلى تكثيف الزيارات الميدانية للمناطق التي تعرف معاناة للمواطنين والحرص على إعادة توزيع الأموال العمومية تحقیق التنمیة.

كما طلب الرئيس الجزائري من الولاة تغيير السلوكيات القديمة والقرب من المواطن لكسر الحاجز الذي بناه العهد البائد لاسترجاع الثقة المفقودة، كما دعاهم إلى الكف عن الوعود الكاذبة للمواطن، والالتزام بالمواعيد التي أعطوها للمواطن لحل مشاكلهم، لأن عهد الوعود انتهى.

وقال تبون: "يتعين على جميع المسؤولين المحليين تكثيف الزيارات المیدانیة إلى المناطق التي كثرت فیها معاناة المواطن إعادة توزيع الأموال العمومية تحقیق التنمیة بدل التجمیل والتبذير، تغییر الأرصفة بينما يعاني المواطن".

وفي قرار اعتبر مفاجئا للجميع قرر الرئيس وقف ما وصفه بمظاهر "الزردة والبهرجة" التي ترافق تنقلات الوزراء والولاة، في إشارة إلى مواكب المسؤولين، واستقبالهم في المناطق التي يزورونها بمظاهر احتفالية.

كما شدد تبون على ضرورة التقليل من عدد سیارات البرتوكول والشخصیات المشاركة في الزيارات، داعیا إلى استغلال الحافلات بدلا عن "فخفخة" السیارات وتعقید حركة سیر المواطن التي هي معقدة في الأساس.

ليست محمية

خلال مقابلة صحفي بداية فبراير /شباط 2020، قال تبون: "الجزائر بجيلها الجديد وقيادتها لا تقبل بأي تدخل، أو أن تمارس عليها وصاية، كانت هناك مرحلة فتور في علاقات البلدين بعد أن تيقن الجزائريون أن هناك تدخلا في شؤون بلادهم عقب تصريحات للجانب الفرنسي في بداية الحراك الشعبي".

تناقل رواد مواقع التواصل الإجتماعي في الجزائر تصريح الرئيس تبون الذي اعتبره غير مسبوق للرئيس تبون تجاه فرنسا خلال لقائه بمسؤولين من وسائل الإعلام المحلية.

وقال تبون: "الجزائر ليست محمية لفرنسا ولا غير فرنسا" ردا على سؤال من أحد الإعلاميين عن "الفتور" في العلاقات الجزائرية الفرنسية.

وأضاف تبون: "فرنسا عرفت أن الجزائري حساس لما يأتي من فرنسا، خاصة بعد الحراك الشعبي، الجزائر ستتعامل الند بالند مع فرنسا وغيرها من الدول، من يحترمنا سنحترمه ومن لا يحترمنا لن نحترمه".

حديث تبون اعتبره البعض ردا على تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع بداية الحراك في فبراير /شباط 2019، حين أشاد بقرار الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة عدم الترشح لولاية خامسة، ودعا ماكرون إلى "مرحلة انتقالية في آجال معقولة"، وهو ما اعتبره الجزائريون "تدخلا في شؤون البلاد".

كما أن الحراك الشعبي تمسك بمجموعة من الشعارات التي ترفض التدخل الفرنسي في شؤون الجزائر، داعين إلى استقلال حقيقي لبلادهم عبر إقصاء اللوبيات الفرنسية من التحكم في الحياة السياسية والاقتصادية وإيقاف جميع أشكال التدخل الفرنسي في الشؤون الداخلية.

بكاء على الهواء

في نفس اللقاء الذي جمع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون والحكومة بالولاة (المحافظين)، بدا التأثر إلى حد البكاء ظاهرا على رئيس الحكومة عبدالعزيز جراد بعد بث تقرير تلفزيوني بطلب من تبون تضمن مشاهد فقر وحياة قاسية يعيش فيها جزائريون في الجبال ومناطق الريف والداخل، ومعاناة التلاميذ في هذه المناطق وغياب أدنى الخدمات وشروط العيش، حيث نقلت كاميرات التلفزيون انهمار الدموع على وجه جراد.

أثار بكاء رئيس الحكومة جدلا وتعليقات مختلفة على مواقع التواصل، استغرب بعضها أن يكون رئيس الحكومة قد اكتشف جيوب الفقر في الجزائر لأول مرة.

وعلق مدير صحيفة "أخبار الوطن" رياض هويلي على بكاء رئيس الحكومة وكامل المشهد، معتبرا أنه من العجب أن يتسبب المسؤولون في كوارث أدت إلى هذه المشاهد ثم يحاولوا التباكي على الشعب.

ودون هويلي على فيسبوك قائلا: "من عجائب الحكم في الجزائر يفقرك، يهينك، من ثم  ينجز عليك ربورتاج ويبكي أمام الكاميرا، هذا ما يسمى بالسياسة؟ المهم نحن متفطنون لكم".

بكاء الوزير الأول، ذكر الناشطين بما أثار الانتباه والسخرية خلال الحملة الانتخابية التي سبقت رئاسيات كانون الأول/ديسمبر 2019، حين تداولوا مشاهد بكاء المرشحين الخمسة، من دون استثناء، تفاعلا منهم مع مواقف عاشوها أو تمريرا لرسائل إنسانية معينة.

انتصار للعمال

في 19 فبراير/شباط 2020، نشرت وسائل إعلام محلية أن الرئيس تبون أمر بطرد مدير عام شركة أوريدو، وهو ألماني الجنسية، وترحيله فورا، وذلك بسبب إصرار الشركة على طرد 900 عامل جزائري.

وقالت صحيفة "النهار": إن الرئيس تبون تحرك بناء على رسالة تلقاها من نقابة عمال شركة أوريدو، يشتكون فيها من قيام إدارة شركتهم بطرد قرابة 1000 موظف، رغم أن "أوريدو" لا تعاني من أية مصاعب مالية، وما تزال تحقق بالجزائر أرباحا كل سنة، غير أن مسؤوليها أصروا على المضي في سياسة طرد العمال.

وأكدت الصحيفة أن سياسة الشركة في خفض تعداد اليد العاملة، تستهدف  الموظفين الجزائريين فقط، في حين تحافظ الشركة على مناصب الموظفين الأجانب رغم أن أجورهم تستنزف أموالا ضخمة بالعملة الصعبة.

فرقة مختصة من مصالح الأمن، نفذت على الفور قرار الرئيس، حيث جرى اقتياد مدير عام أوريدو وهو ألماني الجنسية من داخل مكتبه ومرافقته إلى المطار وترحيله.

وبينما تحفظت الشركة في التعليق على حادث طرد وترحيل مديرها العام، تداولت وسائل إعلام محلية أن السبب الحقيقي وراء ترحيل المدير الألماني بسبب مخالفات مالية، لازالت الجهات القضائية المختصة في الجزائر تحقق فيها.