صفقة القرن.. هل يقدم الأردن تنازلات تحت ضغط المساعدات الأمريكية؟

خالد كريزم | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قاومت المملكة الأردنية الهاشمية، بحذر شديد وبأقل الخسائر، جميع المحاولات الأمريكية والإسرائيلية لإقناعها بقبول خطة السلام المعروفة بـ"صفقة القرن"، رغم تعرضها لضغوط اقتصادية وسياسية كبيرة، يرى البعض أنها قد تخضع لها في النهاية.

كان موقف الأردن هو الأكثر صراحة في رفض الصفقة، بالمقارنة مع دول عربية باركتها وأخرى لم تتشدد في التعبير عن عدم قبولها. 

وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن الخطة في 28 يناير/كانون الثاني الماضي، بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو.

وتتضمن الصفقة إقامة دولة فلسطينية في صورة "أرخبيل" تربطه جسور وأنفاق، وعاصمتها "في أجزاء من القدس الشرقية"، مع جعل مدينة القدس المحتلة عاصمة مزعومة لإسرائيل، وضمان حق الأخيرة في ضم غور الأردن.

موقف الأردن

بعد الإعلان عن الصفقة، قال ملك الأردن عبدالله الثاني في اتصال هاتفي مع رئيس السلطة محمود عباس: إن بلاده ستستمر بالسعي لتحقيق السلام الشامل والعادل، الذي ترضى عنه شعوب المنطقة، طبقا للشرعية الدولية.

وقال في مارس/آذار 2019، إن "القدس خط أحمر، كلا للتوطين، كلا للوطن البديل". وأعرب الملك عن استغرابه من تشكيك البعض بمواقف الأردن.

وفي 23 يناير/كانون الثاني الماضي، حذر وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، من أن قيام إسرائيل بضم وادي الأردن وشمال البحر الميت، سينسف أسس العملية السلمية، ويقتل حل الدولتين.

لكن بدت كلمة الصفدي في الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب، في مقر الجامعة العربية بالقاهرة، الذي أعقب الإعلان عن الصفقة، أكثر اتزانا ودبلوماسية، حيث أكد على ثوابت السلام العادل وخيار حل الدولتين على أساس قرارات الشرعية الدولية، دون التطرق إلى ما قد يهدد العلاقات بين البلدين.

لذلك، هناك فريق يرى أنه من الممكن أن يتراجع الأردن عن رفض الصفقة المطلق، كما تراجع عن موقفه من عدم المشاركة بورشة البحرين الاقتصادية في يونيو/حزيران 2019، والتي مهدت للصفقة، بسبب الضغط الذي وقع عليه.

ويصعب على عمّان الاستغناء عن المساعدات الأمريكية التي تصل إلى ما يزيد عن مليار دولار سنويا، ولذلك فهي تحاول مسك العصا من المنتصف، دون تغيير فاضح في الهوية السياسية للأردن وموقفه من القضية الفلسطينية.

ولذا فالأردن يحرص على رفض الصفقة بحذر شديد، على اعتبار أن المرحلة القادمة تتطلب التعامل بحكمة معها، وفق الباحث أحمد الرجوب، الذي يرى أن عمّان لن تسير في اتجاه تمرير صفقة القرن، ولن تشارك فيها "ولكنها ستكون حذرة في التعبير عن رفضها لها، على أمل أن تمر رياح الصفقة بأقل خسائر ممكنة".

وقال الرجوب في مقال له على صحيفة "رأي اليوم"، إن "المسألة لم تعد تحتمل التسويفات الرسمية، في بلد ينوء تحت ثقل الديون الخارجية، ومكشوف للعواصف السياسية الإقليمية، حيث بدأت تطرأ على المجتمع الأردني في الآونة الأخيرة تحولات نوعية وكمية، وذلك في ظل صخب تسارع الأحداث والمُتغيرات الإقليمية والدولية".

الأردن والتحديات

صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية أفادت في 28 يناير/كانون الثاني الماضي، بأن صفقة القرن تهدد بإضعاف المملكة الهاشمية، فهذا البلد الذي يحتوي على الكثير من اللاجئين الفلسطينيين يخشى خططا لضم غور الأردن إلى "إسرائيل".

وقالت: إن الملك الأردني يخشى أن تكون بلاده بعد فلسطين واحدة من الضحايا لخطة ترامب. وقد تعززت مخاوف عبدالله الثاني بوعود بنيامين نتنياهو بضم غور الأردن بمجرد إعادة انتخابه، لاسيما وأن المعارض والجنرال الإسرائيلي السابق بيني غانتس الذي التقى ترامب لا يعارض الفكرة.

ونهاية يناير/كانون الثاني الماضي، قال مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف: إن "ضم الغور سيغلق إمكانية التفاوض والتطبيع مع دول المنطقة".

وتغطي منطقة غور الأردن تقرييا ثلث مساحة الضفة الغربية المحتلة، وستقطع جميع الاتصالات بين المملكة والدولة الفلسطينية المزعومة، ثم يتم تقليصها إلى عدد قليل من المناطق المتفرقة التي ستكون مرتبطة فيما بينها عن طريق مسالك وأنفاق تتجنب المستوطنات.

وبحسب الباحث الرجوب، يواجه الأردن تحديات، منها: تكريس وتأكيد مبدأ توطين فلسطينيي الأردن واللاجئين فيه داخل أراضي المملكة، وضمان عدم مطالبتهم نهائيا بحق العودة، خاصة أن قسما كبيرا منهم يحمل الجنسية الأردنية، مع محاولة تشجيع مزيد من الفلسطينيين للهجرة إلى الأردن.

وهناك تحد آخر ضمن صفقة القرن، يتمثل بإنهاء أو زعزعة الوصاية الهاشمية على المقدسات في الأراضي الفلسطينية، وفق الرجوب. ومنذ العام 1924، كانت السلالة "الهاشمية" هي الوصي "الوحيد" على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس وحتى اليوم.

وبرغم أن الأردن وفلسطين في مركب واحد في مواجهة الصفقة، ولكن ظروف كل منهما مختلفة، فعمّان التي لديها علاقات تاريخية مع عرابي الصفقة سواء الولايات المتحدة أو دول الخليج أو إسرائيل، سيختلف رد فعلها في الأغلب عن رد الفعل الفلسطيني.

فعلى عكس السلطة الفلسطينية التي بدأت في اتخاذ مواقف معلنة في مواجهة الصفقة، يقول الرجوب: إن "الأردن الآن تمارس عليه ضغوط أمريكية بحُكم موقعه الجغرافي" وازدياد نسب البطالة والمديونية.

ووفق بيان أردني رسمي صدر في سبتمبر/أيلول 2019، فقد ارتفع إجمالي الدين العام في الأردن إلى 4.2 بالمئة في الشهور السبعة الأولى، ليصل إلى 29.518 مليار دينار (41.63 مليار دولار). كما قالت دائرة الإحصاءات العامة في ذات الشهر: إن معدل البطالة في الأردن خلال الربع الثاني من عام 2019 بلغ (19.2 بالمئة).

أبرز التوقعات

قال مدير "مركز دراسات الشرق الأوسط"‎ جواد الحمد: إنه "ليس أمام الأردن من خيار إلا رفض الصفقة. وهذا إجماع وطني ورسمي". وأوضح في حديث لـ"الاستقلال": "بخصوص الغور فالأردن موقفه أشد رفضا لأن الأمر يتعلق بالأمن القومي الأردني مباشرة، كما أن ضمه سيحقق سجن الضفة الغربية بلا حدود مع الأردن".

ويتابع: "لذلك، ليس هناك تردد في رفض الصفقة، وهذا الأمر يتطابق مع الموقف الفلسطيني الرافض لها بالإجماع بوصفها خطة تصفية للقضية الفلسطينية وتستهدف الأردن أيضا".

ولفت إلى أنه "بالتأكيد، صدرت مواقف فعلية حتى قبل الإعلان عن صفقة القرن برفض مشروع ضم الغور واعتباره تهديدا للأردن".

وفي حال طبقت بنود الصفقة، فمن الصعب بحسب الحمد، توقع الرد الأردني، إذ يقول: "هذا أمر غير واضح. لكن اطمئن يصعب تنفيذ هذه الصفقة ما دام الفلسطينيون والأردنيون يرفضونها".

الخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور أيمن حنيطي، رأى بدوره أن الموقف الأردني واضح وصريح حتى بالنسبة لغور الأردن، "فهو إجراء مرفوض ويقتل عملية السلام وحل الدولتين".

وقال حنيطي لـ"الاستقلال": "إذا ضمت تل أبيب الغور ونفذت الصفقة بشكل أحادي الجانب، حتما ستتأثر العلاقات، وأعتقد أن الأردن سيجمد المعاهدة ويرفع من جهوده الدبلوماسية والقانونية في المحافل الدولية ومقاضاة إسرائيل لخروقاتها".

ومن هذا الموقف الذي يعكسه المراقبون عن موقف الأردن، تحضر الإغراءات لإخضاعه للقبول بصفقة القرن، ومنها بحسب الرجوب أن "تقدم دول الخليج مساعدات لإعانته على التخلص من ديونه وأزماته الاقتصادية".

هذا إضافة إلى إنشاء خط السكة الحديدية من الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى الأردن ومنها يتفرع إلى الخليج، وإلى غرب العراق، وإلى جنوب سوريا، ومنها إلى شمال سوريا وكردستان العراق. أي أن الأردن يكون مركز ترانزيت وتوزيع "Hub".

ومن هذه الإغراءات ما يتعلق بمدينة نيوم السعودية التي تغطي مساحة تساوي تقريبا مساحة فلسطين، وتشمل أراضي سعودية شمال غرب المملكة ومصرية في سيناء مع حرية الحركة لسكان غزة للعمل في المشروع وأردنية في منطقة العقبة.

وهنا يتوقع الرجوب بأنّ واشنطن ستستخدم عدة خيارات وسيناريوهات إذا ما أصر الأردن على موقفه، منها قطع المساعدات الأمريكية والتي تقدر بـ 1.275 مليار دولار سنويا، إضافة إلى أن واشنطن تسعى إلى التلويح بخيارات عدة  أخرى تتمثل في مطالبة دول الخليج بعدم تقديم أي مساعدات ومعونات اقتصادية للأردن، وقطع أي حوافز متعلقة به.

أوراق الأردن

يملك الأردن عدة أوراق لمواجهة "صفقة القرن" أبرزها: التوجه إلى دول عربية وأوروبية لتلقي الدعم في مواقفه، إضافة إلى دفع تلك الدول لمساندته في أزمته الاقتصادية، كما نشرت "الاستقلال" في تقرير سابق.

ومن بين الدول التي قد يتوجه الأردن لتلقي الدعم منها، قطر وتركيا، اللتان أعلنتا رفضهما لصفقة القرن، حيث استقبل الملك قبل أشهر مسؤولين من الدولتين، فيما بدا أنه تقارب بين تلك الأطراف، في ذروة الحديث عن الصفقة.

وبرأي الخبير في الشؤون الإسرائيلية صالح النعامي، فإن الأردن بإمكانه تحويل مخاطر إستراتيجية إلى وجودية، وليس أقلها الحدود الطويلة مع فلسطين.

فعلى الرغم مما تروج لها التيارات والأحزاب التي تمثل التيار الديني القومي في إسرائيل، فإن إجماعا يسود النخب الإسرائيلية على أن أي تحول على توجهات الأردن كدولة يمكنه أن يستنزف إسرائيل حتى بدون أي جهد حربي.

وبحسب الوزير والجنرال الإسرائيلي إفرايم سنيه، فإنه "دون تعاون الأردن فإن تأمين الحدود معه يستلزم توظيف كل ألوية المشاة في الجيش الإسرائيلي"، وفق ما قال النعامي في مقال نشره في مايو/أيار 2019.

وأوضح النعامي أنه "من أجل التصدي لمخاطر توريطه في صفقة القرن، على الأردن لفت أنظار ترامب إلى ما يمكن أن تخسره (إسرائيل) في حال كشر عن أنيابه وليس فقط تأمين الحدود".

وتابع: أن الأردن بإمكانه اللعب بورقة "التعاون الأمني وصفقة الغاز، ناهيك عن أن إحداث تحول على تحالفات الأردن الإقليمية، سيمس بمكانة الكيان الصهيوني بشكل كبير".

وأردف النعامي: "بدون تهديد الكيان الصهيوني بالأوراق القوية التي يملكها الأردن، فإنه لا أمل في أن يعود ترامب وفريقه عن مواصلة الابتزاز خدمة لهوامش التيار الديني الصهيوني".