ما هي أوراق ملك الأردن لمواجهة قطار صفقة القرن؟

محمد العربي | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

تشير تحركات العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، خلال الأيام الماضية، على الصعيد الداخلي والخارجي، إلى أن قطار صفقة القرن بدأ يقترب بشدة من محطته الأخيرة، وهو ما دفع بالملك للخروج عن هدوئه المعهود، بالإعلان صراحة عن تعرضه وبلاده لضغوط لم يسمها من أجل تمرير الصفقة.

الملك الهادئ، خالف كذلك سياسته التي انتهجها منذ توليه الحكم بالأردن، بالابتعاد عن جماعة الإخوان المسلمين، وقام بعقد لقاء موسع مع الكتلة البرلمانية لحزب جبهة العمل الإسلامي التابعة للإخوان المسلمين، بما يطرح العديد من التساؤلات عن فحوى هذا التطور في شكل العلاقة بين الملك والإخوان بعد اللقاء الذي خرج إيجابيا للطرفين.

التساؤلات عن لقاء الملك بالإخوان، لم تقف عن حد تأثيراتها في الوضع الداخلي المتأزم الذي تعيشه المملكة، وإنما امتد للقضية الفلسطينية، التي تعد الاختبار الأكبر الذي يواجه الأردن وملكها بعد إعلان عراب صفقة القرن ومستشار الرئيس الأمريكي وصهره جاريد كوشنير، بأنه سيتم الكشف عن الصفقة بعد انتهاء شهر رمضان، أو بشكل أدق بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو مطلع يونيو/ حزيران المقبل.

رسائل اللقاء

المتابعون للشأن الأردني ربطوا بين لقاء الملك بكتلة الإصلاح الإسلامية، وبين تصريحاته التي سبقت اللقاء، بالأخرى التي صاحبته، وتلك التي جاءت بعده، والتي تركزت جميعها على القضية الفلسطينية والقدس الشريف، وموقف المملكة من صفقة القرن.

واعتبر المتابعون، أن لقاء الملك بكتلة الإصلاح والذي تأخر لأكثر من عامين منذ الانتخابات التشريعية في الأردن، حمل في طياته رسائل عدة لكل من أمريكا، والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات وكذلك لمصر، وفي الخلف منهم إسرائيل، بأن خيارات الملك متعددة، وأنه لن يجد مانعا من أن يضع يده في يد الإخوان، إذا ما أصرت الأطراف المعنية بالصفقة في تمريرها والضغط على الأردن للقبول بها.

وبحسب وصف الملك خلال لقائه بكتلة الإصلاح، فإن بلاده لن تقبل بأن يمارس عليها أي ضغط بسبب مواقفها من القضية الفلسطينية والقدس، وأنه لا حل للقضية الفلسطينية إلا من خلال حل الدولتين الذي يضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من يونيو/ حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

الملك أشار كذلك إلى أن زياراته الخارجية التي شملت دولا عربية وأوروبية ركزت على موقف الأردن الواضح والمعروف تجاه القضية الفلسطينية، وكذلك الجهود المبذولة مع الأطراف الفاعلة من أجل تحقيق السلام العادل والدائم.

نواب كتلة الإصلاح، اعتبروا من جانبهم، أن اللقاء كان فرصة لإظهار العديد من الرسائل السياسية التي أراد الملك عبد الله الثاني أن يبعث بها، فمن ناحية أن هذه اللقاء هو الأول بين الملك والإخوان في القصور الملكية، وهو ما دفع شبكة "سي أن أن" الأمريكية لوصفه بالتاريخي، كما بث الديوان الملكي خبرا رسميا عن اللقاء وما دار فيه، وهي رسالة أخرى أرادها الملك أن تصل لجهات بعينها

وقد نقلت "سي أن أن" عن النائب في كتلة الإصلاح صالح العرموطي، قوله إن اللقاء كان "إيجابيا وتاريخيا"، ويشكل مرحلة جديدة من العلاقة بين الحركة والقصر، مشيرا إلى أن ملف القدس وصفقة القرن و"شرعية جماعة الإخوان المسلمين"، كان ضمن القضايا التي تمت مناقشتها على الطاولة مع الملك، الذي تلقى شكرا خاصا من الجماعة؛ لأنه لم يقم بإدراجها على قوائم الإرهاب.

وعن أهم الرسائل التي أراد الملك، إيصالها من الاجتماع، أكد العرموطي أن موقف الملك من صفقة القرن، كان من أبرز هذه الرسائل، حيث أكد الملك أنه "لا قيمة لها"، معلنا أن جميع الدول الأوروبية تقف إلى جانب الأردن في الموقف الثابت من ملف القضية الفلسطينية المؤمن بحل الدولتين والرافض للتوطين والوطن البديل والمتمسك بالوصاية الهاشمية على المقدسات والقدس.

لماذا الآن؟

المراقبون والمتابعون لخطابات الملك عبد الله الثاني وتحركاته السياسية خلال الفترة الماضية، اعتبروا أن هناك العديد من الأسباب هي التي دفعت الملك لهذا التحرك في اتجاه الإخوان، منها أن الإخوان مؤيدون لموقفه من القضية الفلسطينية، وهو ما يمثل له قوة دعم شعبي خاصة مع تزايد الحديث عن نية الجماعة تنظيم مسيرة داعمة للملك في هذه القضية.

إلا أن هناك أمور أخرى اعتبرها المراقبون دافعا للتقارب بين الطرفين، وهو ما يتعلق بالوضع الداخلي، حيث استقبل الملك رسالة الإخوان برفضها المشاركة في الحراك الشعبي الذي شهده الأردن قبل أشهر عدة بسبب غلاء المعيشة، كما اعتبر غياب كتلة الإصلاح عن جلسة التصويت البرلمانية الخاص بمناقشة موازنة الحكومة، دليل على أن الجماعة لا تبحث عن الصدام مع حكومة الملك، حتى لو كانت ترفض ممارساتها.

وأشار أصحاب هذا الرأي إلى أن الملك من جانبه استجاب لاعتراضات الإخوان على أداء الحكومة، ومنح موافقته لرئيس الحكومة عمر الرزاز، بإجراء تعديل وزاري موسع، يساعد في تهدئة الحراك الشعبي الرافض للأداء الاقتصادي والأمني للحكومة، مع توقعات بأن يكون التعديل المقترح قبل شهر رمضان المقبل.

وبعيدا عن الوضع الاقتصادي، فقد اعتبر الكاتب السياسي الأردني محمد أبو بكر في مقال له على موقع "جفرا نيوز"، أن "اللقاء يأتي في إطار فهم الملك لطبيعة المرحلة الراهنة التي لا تستدعي المناكفات، أو تصفية الحسابات، فكلّنا أردنيون دفاعا عن القضية وعن الوطن، في وجه الأخطار القادمة المحدقة، ليس بنا فقط، وإنّما بالمنطقة بأجمعها، وهذا يستدعي رصّ الصفوف، ومن جميع الجهات والفئات، والقوى السياسية والاجتماعية المختلفة، للوقوف والتصدّي لما هو قادم من مؤامرات وما يجري خلف الكواليس".

ورأى أبو بكر، أن "المحاولات التي جرت قبل ثلاثة أعوام للإطاحة بالجماعة بحجة أنّها لم تقم بتصويب أوضاعها بعد سبعين عاما من وجودها، كانت واهية ولم تقنع أحدا، ورغم أنه جرى الترخيص لجماعة أخرى تحت مسمّى جمعية الإخوان المسلمين، إلا أن الجماعة التاريخية ظلت هي المسيطرة على الشارع بدليل كتلتها النيابية الكبيرة داخل مجلس النواب".

رسائل أخرى

وبحسب رصد المتابعين، فإن رسائل الملك للأطراف الخارجية لم تقف عند حد استقباله لكتلة الإصلاح الإخوانية، حيث استقبل الملك في الوقت نفسه، وزير الدفاع القطري خالد بن محمد العطية، والذي عقد لقاءات موسعة مع كبار المسؤولين بالأردن من بينهم رئيس هيئة الأركان المشتركة محمود الفريحات.

وأشارت تحليلات الإعلام الأردني، إلى أن الزيارة التي لم تكن معلنة، حملت الكثير من الرسائل المشفرة والدلالات المهمة لعلاقات البلدين، بعد أن ظلت طيلة العامين الماضيين توصف بأنها علاقات ود مكتومة، حتى أرسل الملك رئيس مجلس النواب الأردني عاطف الطراونة، مبعوثا خاصا لأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، لتنتقل العلاقات بين البلدين من الود المكبوت إلى الود العلني الذي أخذ أشكالا سياسية وعسكرية واقتصادية.

مخطط متكامل

وربط المراقبون استقبال عمّان لوزير الدفاع القطري، وقبله بيومين وزير الاستثمار التركي، ثم لقائه بكتلة الإخوان النيابية، بما كشفته صحيفة "القبس" الكويتية من أن ملك الأردن نجا من مخطط انقلابي، بسبب موقفه الرافض لصفقة القرن.

الصحيفة الكويتية، أشارت في صدر صفحتها الأولى في عدد صباح الجمعة 19 أبريل/ نيسان الجاري، إلى أن شخصية كبيرة ومقربة من عائلة الملك، كان يتم تلميعها في إطار مخطط مرسوم لزعزعة الاستقرار الداخلي، واستمالة الرأي العام وتأجيج الشارع، والتآمر على الملك بسبب مواقفه الرافضة لصفقة القرن.

ونقلت الصحيفة عن مصادر أمنية وسياسية، بأن هناك جهات أردنية عدة متورطة في المخطط، من بينهم زوج عمة الملك إضافة لرجل أعمال مدان بالفساد، وأحد قيادات الأجهزة الأمنية المعروف بولائه لمدير جهاز المخابرات السابق، وبعض الشخصيات البرلمانية والسياسية والإعلامية داخل البلاد وخارجها.

وأشارت المصادر التي وصفتها الصحيفة الكويتية بالموثوقة، إلى أن "المخطط الجهنمي يتضمن التشكيك بالقدرة على اختيار رؤساء الحكومات، مع برنامج مدروس لإضعاف رئيس الحكومة عمر الرزاز، وتأجيج الرأي العام ضد بعض القرارات، مثل قضية تعيينات أشقاء بعض النواب، وتعيينات في القطاع العام بعقود مرتفعة، والدفع الممنهج لحشود من العاطلين عن العمل من أبناء العشائر للاعتصام أمام الديوان، بهدف خلق حالة غير مسبوقة من الاستنفار والسلبية والمناهضة الشعبية للنظام".

وبحسب المصادر الأمنية، فإن "المتآمرين عمدوا إلى فتح قنوات اتصال مع جماعة الإخوان المسلمين، غير المرخصة، للانضمام إلى الحركات الاحتجاجية، لكن رد الجماعة كان سلبيا".

ووفق تقرير خاص بالأمن الأردني أوردته الصحيفة، فإن "التحقيقات كشفت أن المخطط استهدف أفرادا من الصف الأول في البلاد، ولم تقف حملة التشويه عند الادعاءات بفساد الدوائر القريبة من النظام، بل شملت اتهامات بمنح جوازات سفر أردنية لفلسطينيين، وهذا ما نفاه الديوان الملكي لاحقا".

وخلص التقرير الأمني، إلى أن المخطط هدف إلى إلهاء النظام بالحراك الشعبي والمشهد الداخلي، علما بأن الهدف الأساسي اتخاذ مواقف مفصلية وحساسة خاصة بـ"صفقة القرن" التي رفضها الملك الأردني، مما أثار حفيظة أطراف تآمرت عليه.

دعوة للصمود

ورأى العديد من السياسيين الأردنيين، أن الملك عبد الله الثاني يواجه ضغوطا مختلفة، فقد كشف الملك عن هذه المخططات والحديث عنها صراحة في أكثر من مناسبة، بدأت بالقمة العربية التي عقدت مؤخرا بتونس، ثم في لقائه بالكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين.

ورأى السياسيون الأردنيون، أنه يجب على جميع مكونات الشعب الأردني الوقوف خلف الملك في دعم ولاءاته الثلاثة وهي: رفض فزاعة الوطن البديل التي يتم تريديها بين الوقت والآخر، وعدم التنازل عن الوصاية الأردنية الهاشمية على القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة، وأنه لا بديل عن حل القضية الفلسطينية إلا من خلال حل الدولتين.