مناطق "ج" بالضفة.. كيف تساهم سلطة رام الله في تسليمها لإسرائيل؟

عدنان أبو عامر | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

في الوقت الذي يترقب فيه الفلسطينيون تبعات إعلان صفقة القرن على واقع الضفة الغربية المحتلة، وتزامنها مع التوجه الإسرائيلي بإعلان ضم بعض مناطقها، فإن تل أبيب ماضية في فرض سياسة الأمر الواقع هناك، وسط إهمال وتقصير واضحين من السلطة الفلسطينية.

آخر هذه السياسات الإسرائيلية تتمثل فيما كشفته صحيفة "هآرتس" العبرية، من أن الإدارة المدنية الإسرائيلية صادقت على واحد بالمئة فقط من الطلبات التي تقدم لها الفلسطينيون للبناء في المناطق المصنفة بالحرف "ج" في الضفة الغربية، بواقع 21 طلبا من أصل 1485 طلبا بين عامي 2016-2018، كما تم إصدار قرارات بهدم 2147 منشأة سكنية خلال الفترة نفسها، بزعم انتهاكها لقوانين التخطيط والبناء.

تأتي هذه المعطيات في ظل الحديث عن اعتزام رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، منح إسرائيل الضوء الأخضر لضم المناطق "ج" وغور الأردن لسيادتها، في إطار صفقة القرن الأمريكية لإنهاء "الصراع الفلسطيني_ الإسرائيلي".

تقسيم "الضفة"

قسّم اتفاق أوسلو الموقع بين "منظمة التحرير" الفلسطينية، وسلطة الاحتلال الإسرائيلية عام 1993، الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق، وهي: "أ، ب، ج" والأخيرة هي أكبر قسم إداري، وتشكل 61 بالمئة من مساحة الضفة الغربية بواقع 3500 كيلو متر مربع، وهي خاضعة لسيطرة أمنية وعسكرية ومدنية إسرائيلية كاملة، مما يجعلها مرشحة لفرض القانون الإسرائيلي عليها في قادم الأيام".

أما المنطقة "أ" فهي تشكل 18 بالمئة فقط من مساحة الضفة الغربية، وتخضع لسيطرة أمنية وإدارية فلسطينية بشكل كامل، أما المناطق "ب" التي تشكل 21 بالمئة من الضفة المحتلة، فتخضع لسيطرة مشتركة إداريا للسلطة الفلسطينية، وأمنيا للاحتلال الإسرائيلي.

جمال عمرو، الباحث الفلسطيني في شؤون القدس والاستيطان، قال لـ"لاستقلال": إن "التمادي الإسرائيلي في عمليات تهويد المناطق (ج)، جاء ضمن مخططات أعدتها إسرائيل منذ احتلالها للضفة الغربية عام 1967، لكن ارتفاع مستويات التهويد مؤخرا جاء ترجمة لتقصير السلطة الفلسطينية تجاه سكان هذه المناطق، والنظر إليهم على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، خشية من ردة فعل إسرائيل في حال قررت الدخول في مواجهة معها".

مع اندلاع انتفاضة الأقصى أواخر عام 2000، نسفت إسرائيل ما جاء في اتفاق أوسلو الذي كان ينص على نقل تدريجي للمناطق المصنفة "ج" لسيطرة السلطة الفلسطينية، وقامت باتخاذ العديد من الإجراءات لتهويد هذه المناطق، من بينها إقامة جدار الفصل العنصري الذي بدأ تشييده، والعمل به مطلع عام 2002.

أدى إقامة جدار الفصل العنصري إلى تمزيق الجغرافيا الفلسطينية في الضفة الغربية، وعزل مناطق الجنوب والشمال والوسط فيها، إضافة إلى تشييد المئات من البؤر الاستيطانية، وتهجير عشرات الآلاف من الأسر الفلسطينية إلى المدن الداخلية كرام الله ونابلس والخليل.

الخرائط الهيكلية

يقطن في المناطق المصنفة "ج" قرابة 150 ألف مواطن فلسطيني، يعيشون في قرى على هيئة تجمعات بدوية في بيوت بدائية مبنية من الألواح الخشبية أو الكرفانات (البيوت المؤقتة)، ويعمل غالبية سكانها في مهنة الزراعة، ولكن تفتقر هذه المناطق للمرافق الخدماتية كالمستشفيات والمدارس، وحتى البنى التحتية كمشاريع الصرف الصحي ومياه الشرب.

إحدى المشكلات الرئيسية التي تواجه الفلسطينيين في المناطق "ج" هي افتقارها للخرائط الهيكلية التي تسمح بتخطيط البناء ومنح التصاريح، وتحتاج دائما إلى موافقة من المستوى السياسي الإسرائيلي لتنفيذها، مما يجعلها عرضة للدخول في دوامة الإجراءات الروتينية والبيروقراطية المتعمدة.

وفي ظل وجود 240 قرية فلسطينية تم تعريفها بالكامل كجزء من المناطق "ج"، فإن الجانب الفلسطيني يمتلك خرائط هيكلية معتمدة لـ27 قرية فقط، وبذلك يمكن للفلسطينيين البناء على 0.5 بالمئة من إجمالي المناطق "ج"، مقابل امتلاك الجانب الإسرائيلي لخرائط هيكلية للبناء على مساحة 26 بالمئة من هذه المناطق.

تقصير السلطة

رغم ما تواجهه مناطق "ج" من استهداف إسرائيلي موجه ومتعمد، فقد كان متوقعا أن تحظى هذه المناطق برعاية واهتمام خاصين من السلطة الفلسطينية، سواء في موازناتها المالية أو مشاريعها التعميرية.

لكن اللافت رفض السلطة الفلسطينية الإفصاح في بيانات الموازنة العامة عن مخصصاتها المالية لتطوير المناطق "ج" المهددة بالضم إلى إسرائيل، إلا أنها استحدثت في 2014، هيئة مقاومة الجدار والاستيطان كهيئة حكومية تتولى إدارة شؤون المناطق المصنفة "ج"، ويتركز عملها في تبني العمل الشعبي ضد سياسات الاستيطان، وتعزيز صمود المواطنين.

عبد الله أبو رحمة، مدير عام دائرة العمل الشعبي في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، قال لـ"لاستقلال": إن "الحديث الإسرائيلي عن غياب خرائط هيكلية للبناء في المناطق "ج"، يأتي في سياق خلط الأوراق، ووضع السلطة الفلسطينية في موقف المواجهة المباشرة مع الشارع الفلسطيني عبر اتهامها بالتقصير في حماية المناطق الفلسطينية".

وأكد أبو رحمة أن "السلطة الفلسطينية تقدمت خلال العامين الماضيين 2018-2019 بـ110 طلبات لخرائط هيكلية لتطوير 80 قرية وتجمعا في المناطق (ج)، إلا أن إسرائيل رفضت المصادقة على هذه الخرائط".

وتابع: أن "السياسة الإسرائيلية قفزت من مرحلة الضغط على الفلسطينيين في هذه المناطق، إلى الضغط على سفراء الدول الصديقة ونشطاء السلام في فلسطين، في حال أبدوا اعتراضهم على سياسة التهجير التي تقوم بها إسرائيل في المناطق (ج)".

تعزيز الصمود

بعد سنوات من التفوق الديموغرافي الإسرائيلي الواضح في المناطق "ج"، حيث يقطن فيها قرابة 350 ألف مستوطن إسرائيلي، حاولت السلطة الفلسطينية استدراك مخاطر التهويد باتخاذ رزمة من الإجراءات التي من شأنها تعطيل أي محاولة إسرائيلية للضم.

من أهم هذه الإجراءات الفلسطينية: إلغاء التعامل بالتنصيف الإداري للضفة الغربية، واعتبار كل المناطق وفق تصنيف منطقة "أ"، ومنح الخريجين قروضا ماليا تمولها السلطة الفلسطينية في حال قرروا افتتاح مشاريع تشغيلية في المناطق "ج".

وهناك دعوات فلسطينية لأن تمول السلطة برامج تمويل لترميم بيوت الكهوف لإيواء الأسر التي تعرضت للتهجير، بسبب سياسة هدم المنازل، وذلك نظرا لسياسة إسرائيل بمنع إدخال مادة الأسمنت للمناطق ج، فضلا عن ضرورة تشييد العشرات من مدارس التحدي المصنوعة من الكرفانات المؤقتة، لتعميم التعليم الأساسي لكافة الطلبة في هذه المناطق.

ترحيل منظم

ليس بعيدا عن الضفة الغربية، سجلت إسرائيل ما يمكن أن يوصف بسابقة في عمليات تهجير الفلسطينيين، عبر منح 35 عائلة من قبيلة "الجهالين" من سكان حي الخان الأحمر شرق القدس، الذين يقطنون بالقرب من مستوطنة "معاليه أدوميم"، رخصا للبناء في مناطق خارج القدس، دون أن يقدم أصحابها طلبا للرحيل.

يعد الخان الأحمر تجمعا بدويا شرق القدس المحتلة، ويقطنه قرابة 200 نسمة من قبيلة "الجهالين" البدوية، يعيشون في خيام وأكواخ بدائية، وتكتسب القرية أهميتها كونها تربط شمال وجنوب الضفة الغربية، وبدت المحاولات الإسرائيلية لتهويده منذ العام 2010، نظرا لكونها آخر قرية عربية تعيق مشروع إسرائيل بربط مستوطنات القدس بباقي مستوطنات الضفة الغربية.

وفي حديث لـ"الاستقلال" قال عيد جهالين، رئيس مجلس قروي الخان الأحمر: إن "القرار الإسرائيلي يعد واحدا من الإغراءات التي تقدمت بها حكومة تل أبيب لترحيل سكان الحي إلى مناطق مختلفة داخل الضفة الغربية، ومنحهم امتيازات مثل إعطاء كل أسرة مساحة أرض تتعدى 500 متر مربع، وبناء بيوت من الباطون (مادة من الأسمنت والرمل والخرسانة) بدلا من بيوتهم المهترئة، لكن هذا العرض تم رفضه من منطلقات إثبات ملكية الأرض لأصحابها الأصليين، ورفض مخططات التغول الاستيطاني".

وأكد أن "لجوء إسرائيل للأدوات الدبلوماسية الناعمة جاء بعد أن انتزع السكان قرارا من المحكمة العليا الإسرائيلية بوقف هدم الحي، ونحن نعد ذلك انتصارا بعد عجز ثلاث حكومات إسرائيلية متعاقبة على تنفيذ مخطط هدم الحي".

وبحسب المعطيات الحالية، فإن السلطة الفلسطينية ستبقى في دائرة الاتهام والتواطؤ في التقصير في حماية المناطق "ج" المهددة بالضم للسيادة الإسرائيلية، نظرا لعدم وجود إستراتيجيات وخطط لتطوير هذه المناطق، ما سمح لإسرائيل بالتمادي في عمليات تهجير السكان وتدمير القرى والتجمعات الفلسطينية، وتشييد المزيد من البؤر الاستيطانية على أنقاض القرى المهجّرة.