طالبة تونسية لـ"الاستقلال": هكذا نعيش في الحجر الصحي بالصين (حوار)

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أعلنت منظمة الصحة العالمية، أن فيروس كورونا أصبح يمثل حالة طوارئ دولية، مع ظهور حالات إصابة في دول أخرى غير الصين. وفي مؤتمر صحفي بجنيف، قال المدير العام للمنظمة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس: "السبب الرئيسي ليس ما يحدث في الصين، وإنما ما يحدث في دول أخرى، مبعث القلق هو انتقال الفيروس إلى دول ذات أنظمة صحية ضعيفة".

حتى كتابة هذه السطور بلغ عدد الوفيات بسبب الإصابة بالفيروس في الصين 259 حالة، وقالت منظمة الصحة العالمية: إن هناك 98 حالة إصابة في 18 دولة غير الصين، لكن لا حالات وفاة بينها حتى الآن.

مدينة ووهان عاصمة مقاطعة هوبي (56 مليون نسمة) الصينية، معقل فيروس كورونا، التي كانت تعج بالحياة، تحولت فجأة إلى مدينة معزولة عن العالم بسبب انتشار الفيروس، لتشكل هي والمدن المحيطة بها أكبر حجر صحي عبر التاريخ البشري.

ووهان، هي المدينة الصينية الأكثر تطورا في مجال التعليم العالي، وتعتبر ثالث مركز تعليمي صيني بعد بكين وشنغهاي، كما أنها تضم أكبر عدد من الطلبة حول العالم، بينهم جالية عربية كبيرة.

خلود بن مسعود (27 عاما) طالبة تونسية تستكمل الدراسات العليا منذ العام 2017، في هندسة البناء بأحد أكبر الجامعات بمدينة ووهان، تحدثت في اتصال هاتفي مع الاستقلال عن جوانب من الحياة اليومية التي تعيشها الجالية التونسية هناك في المدينة التي دخلت تحت الحجر الصحي.

  • كيف هو الوضع الآن في ووهان؟

الآن كل شيء في المدينة مغلق، يوجد حظر تجول على جميع وسائل النقل من سيارات خاصة ودراجات نارية وكهربائية، وكذلك الحافلات والمترو لا يعمل منذ بداية فرض الحظر الصحي على المدينة.

هنالك فقط السيارات الحكومية تجوب الشوارع وتقوم بدوريات في مختلف أحياء المدينة، ومن فترة لأخرى نستمع لأصوات سيارات الإسعاف، كما أن مطارات المدينة مقفلة.

الإجراءات المتخذة من قبل السلطات مشددة جدا، لأن السلطات التجأت إليها بشكل متأخر نسبيا، أول الحالات بدأت تظهر آواخر ديسمبر/ كانون الأول 2019، بينما اتخذت الإجراءات يوم 21 يناير/كانون الثاني 2020، وهو ما تسبب للأسف في انتشار الفيروس في المدينة وخارجها، خاصة وأنها جغرافيا تقع وسط الصين، وشهدت المدينة خلال الأيام الماضية حركة كبيرة بالتزامن مع أعياد الربيع الصينية.

  • كم عدد التونسيين الموجودين في المدينة، وكيف هو وضعهم الصحي؟

مع تطور الأزمة حاولنا التواصل مع بعضنا البعض كجالية تونسية في المدينة، كنا نحسب فقط أننا 14 تونسيا، إلا أننا اكتشفنا أيضا وجود سيدة تونسية متزوجة من فلسطيني ولها طفلان، ويقيمون جميعا هنا في ووهان.

يوجد تونسيون غادروا المدينة قبل فرض الحظر الصحي عليها، ولم يتمكنوا من العودة رغم انتهاء عطلتهم، من بينهم سيدة تونسية مازالت في باكستان، مجموع التونسيين الآن الموجوديين تحت الحظر الصحي 11 شخصا، بعد مغادرة السيدة التونسية المتزوجة من فلسطيني رفقة زوجها وأبنائها مع الجالية الأردنية.

  • هل ظهرت أي حالات اشتباه بين التونسيين المقيمين بالمدينة حتى الآن؟

الحمد لله الجميع بخير وبصحة جيدة، ولم تظهر عليهم أي أعراض اشتباه بالإصابة، أقمنا مجموعة للتواصل الافتراضي بين بعضنا البعض لمتابعة الوضع الصحي للجميع والتفاعل مع البيانات الرسمية التي تطلقها السلطات الصينية من وقت لآخر، خاصة أن البعض منا لا يتقن اللغة الصينية.

  • كيف تحصلون على احتياجاتكم الأساسية من مأكل ومشرب وأدوية وغير ذلك؟

الوضع مختلف من شخص لآخر، فأنا مثلا موجودة وسط السكن الجامعي، وهو مغلق بشكل كامل ومعزول منذ أيام عن الخارج، لا يسمح لنا سوى بالتنقل وسط هذا الفضاء والتزود بالطعام من المحلات الموجودة داخله فقط.

في السابق كنا نتسوق إلكترونيا، وكانت المشتريات تصلنا إلى مساكننا، الآن كل ذلك غير متوفر، لكن إلى الآن كل شيء موجود داخل المحيط الجامعي، يوم 30 يناير/كانون الثاني 2020، تم اكتشاف أحد المصابين، فقررت الجامعة إغلاق المحلات للحد من التنقل والتواصل بين الأفراد بشكل مباشر.

يوجد كذلك من بين التونسيين عائلة تونسية لها رضيع عمره عاما، تقيم في ضواحي ووهان، أي بعيدة عن وسط المدينة بقرابة 30 كيلومتر، وهي منطقة لا تتوفر فيها محلات كبرى وأسواق، ويجدون صعوبة في توفير احتياجاتهم خاصة الحليب الخاص لابنهم، لكن القنصل التونسي تمكن من الحصول على رقم رجل صيني يقوم بالتنقل لتوفير احتياجات سكان المنطقة، وقام هذا الرجل بشراء احتياجاتهم جميعها وإيصالها إلى منزلهم.

ومثلا الطالب سيف الدين حاج عثمان والذي نشر قصته على حسابه بفيسبوك، يخرج بنفسه لقضاء حاجاته، في بعض الأحيان يجد محلات مفتوحة وفي غالب الأحيان لا يجد، وهو طالب جديد في المدينة ولا يعرفها بشكل جيّد، كما أن تدابير جامعته مختلفة عن التدابير التي اتخذتها الجامعة التي أدرس بها.

الطعام والمتابعة

  • ألا تخافين من الإصابة بالفيروس أثناء الخروج؟

هذا الخروج هو المخيف بالنسبة لنا، أنا عندما أضطر لشراء الحاجيات أشعر بخوف شديد، مباشرة بعد العودة للمنزل أقوم بغلي الملابس وغسلها بالكلور وأستحم بمياه شديدة الحرارة لأكثر من نصف ساعة، رغم أنني أرتدي القفازات والكمامة وغطاء الرأس أثناء الخروج.

الجامعة بدأت منذ يوم 31 يناير/كانون الثاني 2020، بتوزيع وجبات طعام علينا 3 مرات في اليوم، ويتم توصيلها إلى بيوتنا، إلا أن هذا الإجراء غير موجود في بقية الجامعات.

  • هل هناك متابعة صحية لكم بشكل دوري؟

المبيت الجامعي الذي أقيم فيه، يوميا يتم قياس درجات الحرارة لجميع الطلبة، كما يتم يوميا في الساعة الثالثة ظهرا تسجيل الحضور في غرفنا، والتأكيد على أن وضعنا الصحي سليم، ولا توجد أي أعراض، كذلك فإن المقيمين في مبان خاصة يتم التثبت من حرارة جسمهم عبر حراس المباني الذين يسجلون دخول وخروج السكان منها.

كما وضعت السلطات الصينية أرقاما خاصة لأي اشتباه بأعراض الإصابة بفيروس كورونا، تأتي الإسعافات، ويتم الفحص الأولي في المنزل، وفي حالة الاشتباه يتم النقل إلى المستشفى وإجراء الفحوصات الخاصة للتأكد، وفي حالة أن المشتبه به سليم أو أنه مصاب بإنفلونزا عادية يتم إعادته لبيته.

أما إن تأكد إصابته بفيروس كورونا، فيتم تحديد المرحلة التي هو فيها، إما يتم الاحتفاظ به في المستشفى، أو يتم وضعه تحت الإقامة الإلزامية في منزله، وتتم متابعة وضعه الصحي بشكل دائم.

  • كيف كان تعامل البعثات الدبلوماسية التونسية في الصين؟

في البداية قامت السفارة التونسية في بكين بالتواصل مع الذين يحملون بطاقة قنصلية ومسجلين لديها، وتم إنشاء مجموعة إلكترونية للتواصل مسجل معنا فيها القنصل عادل دعدوش، ويتم التواصل فيها بشكل دوري.

أول مرة جاءني اتصال من القنصلية كان في يوم 29 يناير/ كانون الثاني 2020، وحينها كنت في حالة هستيريا بعد أن تم اكتشاف مصاب بفيروس الكورونا في جامعتي، وعاودت القنصلية التواصل معي أكثر من مرة بعدها.

طلبنا من السلطات في بلادنا التنسيق مع الجالية المغاربية في الجزائر والمغرب للقيام بإجلائنا معا في طائرة واحدة، والسفارة أجابت بأن هنالك تواصل مع الجهات الرسمية، وأكدوا أخذ إذن من السلطات الصينية لإجلاء الرعايا.

تم بالفعل إجلاء رعايا لعدد من الجاليات، لي أصدقاء وزملاء من حاملي الجنسية الأمريكية تم إجلاؤهم بالفعل من ووهان، وأرسلوا لي صورهم من الطائرة، اليابان كذلك أجلت رعاياها منذ أيام، وكذلك باكستان، كما وصلت طائرة أردنية بالفعل إلى مطار ووهان، وتقوم الآن بإخراج الرعايا الأردنيين والفلسطينيين، وأؤكد لك أن السيدة التونسية المتزوجة من فلسطيني غادرت رفقة زوجها وأبنائها مع الجالية الأردنية.

نحن نشعر أن السلطات التونسية لم تأخذ وضعيتنا بكامل الجدية، لا أدري ماهو السبب؟ ربما لأن عددنا قليل جدا، وربما لغياب تواصل فعلي مع السلطات الصينية، حقيقة لا أدري.

  • ماذا تتوقعين في المستقبل القريب؟

الوضع الآن تغيّر خاصة بعد إعلان حالة الطوارئ الصحية عالميا، لا أدري إن كان سيتم فرض حظر على السفر من وإلى الصين، نحن فقط الآن نريد المغادرة، لا يمكن أن نعيش أكثر تحت هذا الضغط والخوف الدائم وانتظار المجهول.

لا يوجد أي حديث للتوصل للقاح أو أدوية للفيروس، وربما الوضع سيستمر بهذا الشكل لأشهر، نحن فعليا أصبحنا نعيش في سجن، ولا يوجد حديث إلا عن الموت في هذه المدينة.

لازلنا جميعا نطالب من السلطات التونسية، وفي مقدمتهم رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية بالتوصل لحل عاجل لإنقاذ التونسيين الموجودين هنا، والقيام بما فعلته الدول الأخرى في أقرب وقت ممكن.