مجموعة تناقضات.. اللعبة الغامضة لمقتدى الصدر في العراق

قسم الترجمة - الاستقلال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

نشرت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية تقريرا سلطت فيه الضوء على الدور الغامض للزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر بعد خروج أنصاره في احتجاجات حاشدة ضد الوجود العسكري للولايات المتحدة الأمريكية بالبلاد، في يوم الجمعة 24 يناير/كانون الثاني الجاري.

وقالت الصحيفة: إنه بدعوة ملتبسة من الزعيم الشيعي المثير للجدل مقتدى الصدر، تعالت صيحات عشرات الآلاف "برا، الاحتلال برا" و"نعم لسيادة العراق"، يوم الجمعة الماضية في حي الجادرية ببغداد؛ من أجل رحيل نحو 5 آلاف جندي أمريكي من بلادهم.

تناقضات الصدر

وأضافت: "هذه التظاهرة جاءت بعد ثلاثة أسابيع من اغتيال الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، في بغداد بنيران طائرة أمريكية بدون طيار، حيث يعرف العراق موجة جديدة من العداء لأمريكا، وهي المعركة المقدسة لمقتدى الصدر منذ الغزو الأمريكي الذي أطاح بنظام صدام حسين عام 2003".

لكن في الوقت نفسه، تضيف الصحيفة، يتظاهر الكثير من مؤيدي الصدر منذ أربعة أشهر في بغداد وكذلك في الجنوب، ضد عدم كفاءة وفساد قادتهم وسيطرة طهران على بلادهم، وبعبارة أخرى، ضد إيران المجاورة حيث يسافر الصدر بانتظام، وضد الطبقة الحاكمة التي يعتبر رجل الدين ذو العمامة السوداء جزءا منها.

ونقلت الصحيفة عن الخبير في مركز "كارنيجي" للشرق الأوسط حارث حسن، قوله: "وضع الزعيم الشيعي مربك، فمن ناحية، كان مقتدى الصدر يحاول أن يضع نفسه كزعيم إصلاحي، ومن ناحية أخرى، أراد أن يحتفظ بصورته كزعيم لمقاومة الاحتلال الأمريكي وكذلك محاباة إيران".

ونوهت "ذي هيل" إلى أنه بعد وفاة سليماني، أعاد الصدر تنشيط مليشيا جيش المهدي الذي قاتل الجنود الأمريكيين بين عامي 2003 و2011. وأصدر عبر حسابه على "تويتر" أمرا يدعو فيه إلى "جهوزية المجاهدين" ولا سيما "جيش الإمام المهدي" وغيره من الفصائل العراقية المسلحة المتحالفة معه بهدف "حماية العراق".

و"جيش المهدي" مجموعة مليشيات مسلحة تتكون من متطوعين ليسوا عسكريين، شُكل في يوليو/ تموز 2003 بأمر من الصدر، بهدف أساسي معلن هو حماية المراقد الشيعية في أعقاب سقوط نظام صدام حسين.

وبدأ "جيش المهدي" كمجموعة صغيرة من حوالي 500 طالب مرتبط بمقتدى الصدر في مدينة الصدر، وعام 2007 قدرت "مجموعة دراسة العراق"، والمعروفة أيضا باسم "لجنة بيكر هاملتون"، أن عدد أفراد التنظيم بلغ 60 ألف فرد، إلا أن كثيرين كانوا يرون حينها أن العدد أكبر من ذلك بكثير، بسبب انتشاره في كل مدينة وبلدة، من بغداد إلى الجنوب.

وفي 3 يناير/ كانون الثاني الجاري، أدى قرار دونالد ترامب باغتيال قاسم سليماني، "الحاكم الحقيقي" لإيران في العراق، إلى تغيير الوضع ببغداد، حيث أجبر المتظاهرون المناهضون للنظام على تخفيف مطالبهم بتغيير النظام، حتى لا يبدوا أنهم داعمون لواشنطن، بحسب الصحيفة.

اجتماع قم

لكن في مواجهة الجمود المستمر – إذ لا يزال رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي يسيطر على الحكومة – تقول "لوفيجارو": صعّد المتظاهرون الشباب احتجاجاتهم، وعرّضوا أنفسهم من جديد لقمع المليشيات الشيعية الموالية لإيران، المليشيات التي يسعى الصدر الآن إلى حشدها، والذين دعوا إلى تظاهرته إلى جانب مؤيديه.

وبينت الصحيفة الفرنسية أنه خلال الأسبوع الماضي، في منفاه الإيراني بقم، استقبل الصدر قادة هذه التشكيلات شبه العسكرية العراقية الرئيسية، التي تنسجم بشكل كبير مع إيران منذ القضاء على أبو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي في العملية الأمريكية ضد سليماني.

وقال خبير عراقي مطلع من بغداد (لم تذكر اسمه) للصحيفة: "إنه خلف الصورة الجماعية التي تم نقالها عبر الشبكات الاجتماعية، كانت الرسالة واضحة؛ الصدر والمليشيات الأخرى يريدون أن يشكلوا مركزا وحيدا للعمليات المناهضة للولايات المتحدة".

ولفتت الصحيفة إلى أن أحد الأسئلة الرئيسية المجهولة بعد مقتل سليماني هو: ماذا سيكون موقف التشكيلات الشيعية شبه العسكرية الموالية لإيران؟ من أجل طرد الجنود الأمريكيين من العراق حسب رغبة طهران، هل سيشنون حرب عصابات ضد القواعد العراقية التي تؤوي الجنود الأمريكيين، كما كان الحال في الخريف، مما تسبب في تصاعد التوترات منتصف ديسمبر/ كانون أول حيث قتل أمريكي؟

وتابعت "لوفيجارو": أم هل أعطتها طهران إرشادات للاعتدال، كجزء من إستراتيجية الانتظار والترقب الإيرانية لـ"إفساد" الأشهر الأخيرة من حملة دونالد ترامب الانتخابية؟

ونقلت الصحيفة الفرنسية عن مسؤول إيراني (لم تذكر اسمه) قوله: "مصلحتنا ليست أن العراق يتحول إلى ساحة معركة مع الولايات المتحدة اليوم". كما نقلت عن مقرب من الزعيم العراقي الشيعي مقتدى الصدر، قوله: إن قاسم سليماني مازح الصدر خلال مقابلة بينهما، قائلا: "أنت أفضل أعدائنا" .

ورأى "لوفيجارو" أن "الزعيم العراقي الذي لا يمكن التنبؤ به، محور القوة الإيرانية الناعمة في بغداد، ولكن انحرافه المفاجئ يحير أنصاره، أي عداءه لطهران وعدم الثقة في آرائه". وأوضحت أنه "في عام 2016، شجعهم الصدر بالفعل على شل البلاد، قبل التخلي عنها دون تحقيق أي مكاسب".

وخلصت الصحيفة الفرنسية إلى أن "الصدريين يستنكرون مشاركة الزعيم الشيعي في نظام يريدون الإطاحة به، لكن رغم ذلك للصدر العديد من الحلفاء بين الوزراء، وقبل كل شيء يرأس الكتلة البرلمانية الأكثر أهمية، مما يمنحه نفوذا في تعيين رئيس الوزراء المقبل بالاتفاق مع عرابيه في إيران".