حركة تمرد أم بداية حرب أهلية.. ماذا يجري في السودان؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

فجر الثلاثاء 14 يناير/ كانون الثاني 2020، استيقظ السودانيون على وقائع اشتباكات عنيفة، وإطلاق نار كثيف، وقوات أمنية تغلق طرقات رئيسية، وسقوط قتلى وجرحى، في قاعدتين تابعتين لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، أحدهما في منطقة كافوري بالعاصمة الخرطوم، والأخرى في ضاحية الرياض شرقي العاصمة.

سرعان ما تبين، حسب التصريحات الرسمية، أن تلك الأحداث وراءها عناصر من قوات هيئة العمليات، الجناح المسلح لجهاز المخابرات، رافضة لخطة إعادة هيكلة الجهاز، الذي يقدر عدد أفراد هيئة العمليات فيه بـ 13 ألف عنصر، منهم قرابة 7 آلاف في ولاية الخرطوم فقط.

يستهدف نظام الهيكلة الجديد، نزع الجناح العسكري للمخابرات، وصبغها بلباس جديد يقوم على جمع المعلومات وتحليلها فقط، دون أن يكون لها أي بعد أمني أو حركي، كما كان في السابق.

البعض ربط بين أحداث التمرد وزيارة حميدتي للإمارات قبلها بـ 4 أيام فقط، إضافة إلى أنه قبل اندلاع الأحداث بيوم واحد فقط، كان وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش في زيارة إلى الخرطوم، فهل ثمة علاقة بين هذه الزيارة المكوكية وحركة التمرد؟

تسريح العمليات

في اليوم التالي مباشرة لحركة التمرد، خرج رئيس المجلس السيادي السوداني عبدالفتاح البرهان، في مؤتمر صحفي برفقة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك ليطمئن الشعب قائلا: "المجال الأمني للعاصمة بات مفتوحا، والأمور عادت إلى طبيعتها".

البرهان أكد أن جميع مقرات هيئة العمليات التابعة لجهاز المخابرات التي شهدت ما وصفه بـ"التمرد"، باتت تحت سيطرة الجيش وقوات الدعم السريع". بينما وصف حمدوك الأحداث التي قتل فيها 5 أشخاص بينهم جنديان، بأنها "فتنة كانت تهدف إلى قطع الطريق على بناء الديمقراطية".

سلطة الطيران المدني أعلنت "إغلاق الملاحة الجوية بمطار الخرطوم لمدة 5 ساعات اعتبارا من الثالثة بعد ظهر الثلاثاء، بتوقيت السودان، على أن ينتهي الإغلاق الثامنة مساء". وشمل الإغلاق هبوط وإقلاع الطائرات.

لم تقف الأمور عند هذا الحد، فسرعان ما تقدم أبا بكر مصطفى مدير جهاز المخابرات باستقالته، وقال البرهان في مقابلة مع التلفزيون الرسمي: "اتصل (مصطفى) تلفونيا للإبلاغ باستقالته وطلبنا منه أن يأتي بها مكتوبة وهي الآن قيد النظر".

وفي نفس اليوم قال الناطق باسم الحكومة فیصل محمد صالح، في بيان: "بعض مناطق العاصمة شهدت تمردا لقوات هيئة العمليات، التابعة لجهاز المخابرات العامة، وذلك بخروج وحدات منها إلى الشوارع، وأقامت متاريس وأطلقت زخات من الرصاص في الهواء".

وأشار البيان إلى "إصدار جهاز المخابرات، قرارا بتسریح هيئة العملیات بعد التعدیل الذي حدث لقانون الجهاز وتحویله لجهاز أمن لجمع المعلومات". ولفت إلى أنه "في إطار هيكلة الجهاز وما نتج عنها من دمج وتسريح حسب الخيارات التي طرحت على منسوبي هيئة العمليات، اعترضت مجموعة منهم على قيمة المكافأة المالية وفوائد ما بعد الخدمة".

زيارات مريبة

في ذات يوم اشتعال الأحداث، اتهم نائب رئيس المجلس السيادي الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، المدير السابق لجهاز الأمن والمخابرات الفريق أول صلاح عبدالله قوش، بالتخطيط لـ"إحداث تمرد أفراد هيئة عمليات جهاز المخابرات".

وقال حميدتي: "لا يستبعد وقوف أياد خارجية (لم يذكرها) خلف هذا المخطط، نحن لا نتهم الدولة الموجود بها صلاح قوش (لم يحددها)"، وسمى حميدتي ما يجري "بفرفرة المذبوح من النظام البائد" على حد تعبيره، وفق وكالة الأنباء الرسمية.

البعض ربط بين وقوع أحداث التمرد وزيارة حميدتي للإمارات، في 10 يناير/ كانون الثاني 2020، أي قبل الأحدث بـ 4 أيام فقط، مشيرين إلى أن "عددا محدودا من مرافقيه وجدوا معه في زيارته إلى العاصمة أبوظبي". 

وأكدت صحف ومواقع سودانية، من بينها صحيفة "آخر لحظة" أن "حميدتي أمضى 3 أيام بدولة الإمارات في زيارة غير معلومة الأهداف والأغراض، وعاد قبل اندلاع الأحداث مباشرة".

قبل اندلاع الأحداث بيوم واحد فقط، أي في 13 يناير/ كانون الثاني، أجرى وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، زيارة إلى السودان، وقالت الخارجية السودانية، في بيان: "وكيل الوزارة، الصديق عبد العزيز، أجرى مباحثات مع وفد إماراتي، برئاسة وزير الدولة للشؤون الخارجية، أنور قرقاش".

وحسب البيان، "الإمارات أعربت عن التزامها التام بتقديم دعم للسودان في شكل برامج تنموية ومشاريع، ضمن برنامج الدعم السعودي الإماراتي".

صحيفة الأخبار اللبنانية كشفت عن السبب الحقيقي وراء زيارة قرقاش بقولها: "الهدف من هذه الخطة التوسع في قطاع النفط والغاز، وزيادة النفوذ الإماراتي في المنطقة". وكان مقررا أن يعود قرقاش في نفس اليوم، قبل أن يرجئ عودته، بسبب اندلاع التوترات وهو ما أثار التساؤلات عن دور أبوظبي فيها.

سيناريوهات مدمرة

الباحث في الشؤون الأمنية أحمد مولانا قال لـ"الاستقلال": "الاشتباك الأخير الذي حدث بين هيئة العمليات التابعة لجهاز المخابرات، ووحدات من الجيش والدعم السريع، يأتي في إطار صراع إحكام السلطة الكاملة على المؤسسات من قبل المجلس السيادي، الذي يسعى إلى تفكيك الأجهزة التي لا تعطي الولاء الكامل للنظام الجديد، بالإضافة إلى خطة الإقصاء المتتالي للإسلاميين وعزلهم، مع إبعاد الدوائر الأقل ارتباطا، وإعادة دمجها".

وأضاف مولانا: " (قحت) أو قوى الحرية والتغيير، ليست بمعزل عن الحدث، لكنها تعمل بشكل مواز، إذ تقوم بعملية التفكيك، والإقصاء أيضا، ولكن في المؤسسات المدنية والحكومية، كالوزارات والنقابات والمحافظات، وذلك عن طريق فرض الحراسة بشكل مباشر، فهم لا يثقون في نتائج الانتخابات، ويعلمون أنها لن تكون في صالحهم، فيلجؤون إلى تلك الأساليب المستبدة". 

وأكد الباحث السياسي "السودان بلد مهيأ بقوة للانفلات في أي لحظة، فهناك توتر مجتمعي شامل، بداية من الغرب، والنزاعات القائمة على أسس عرقية، وتحديدا في دارفور، وكذلك في بورتسودان، والنزاعات القبلية المشتعلة هناك، والاشتباكات التي تقع بشكل متتالي في العاصمة وما حولها، وبين الأجهزة الأمنية وبعضها البعض، مع وجود سلطة ضعيفة ورخوة، وإن حاولت أن تظهر بمظهر آخر، فكل تلك العوامل تنذر بسيناريوهات مدمرة".

واختتم مولانا حديثه: "الإمارات ليست بمعزل عن الاضطرابات في السودان، ويدها حاضرة في كل الأزمات الواقعة هناك، خاصة وأن حميدتي كان في زيارة سريعة إلى أبوظبي، قبل اندلاع أحداث قوات هيئة العمليات، وابن زايد يعتبر أن حميدتي هو فرس رهانه في مواجهة الإسلاميين والنظام السابق، خاصة وأن حميدتي يميل إلى من يدفع أكثر، بحكم تاريخه، وتاريخ قوات الدعم السريع، كونهم مجموعات من المرتزقة".

تصفية متعمدة

كانت بداية التغيير الحقيقية في أروقة الجهاز الأمني العتيد، يوم 30 يوليو/ تموز 2019، عندما قرر المجلس العسكري السوداني، تغيير اسم "جهاز الأمن والمخابرات الوطني"، إلى اسم "جهاز المخابرات العامة".

وقال مدير الجهاز الفريق أبو بكر دمبلاب وقتها: "التعديل المنصوص عليه في المرسوم الدستوري يأتي في سياق هيكلة الجهاز ومواكبته للتغيير السياسي الذي تشهده البلاد"، مضيفا أن "الجهاز بتغيير اسمه صار أكثر مهنية واحترافية".

جاء ذلك في وقت تباينت فيه آراء المعارضة حول جهاز "الأمن والمخابرات" بين المطالبة بحله، أو إعادة هيكلته ليتوافق مع المرحلة الانتقالية، وسط اتهامات له باستمرار الموالاة للرئيس السابق عمر البشير.

وفي 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، في اجتماع بين مجلس السيادة الانتقالي، ومجلس الوزراء، تم إقرار قانون "تفكيك نظام الإنقاذ"، الذي يقضي بحل حزب المؤتمر الوطني الذي كان يتزعمه الرئيس السوداني السابق عمر البشير، ومصادرة أمواله وتعليق النشاط السياسي لرموزه.

أخطر ما استهدفه القانون، هو تفكيك البنية الأمنية، والسياسية، وشبكة علاقات القوى التي بناها بنظام الإنقاذ. فبعدها بأيام، وتحديدا في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني، تمت إحالة نائب مدير جهاز المخابرات الفريق عوض الكريم القرشي، وعشرات من ضباط الجهاز إلى التقاعد، في خطوة قيل إنها في إطار بدء تنفيذ قانون العزل، داخل واحدة من أكبر المؤسسات الأمنية في البلاد.

تأسيس الجهاز 

في عام 2004، بقرار من البشير، تم تشكيل جهاز الأمن الوطني والمخابرات، من خلال توحيد جهازي الأمن الوطني، والمخابرات، بأدوار وصلاحيات تتجاوز جمع المعلومات، وإعطاء التقارير للأجهزة والمؤسسات فقط، إلى كيان محكم واسع الصلاحية، كان بمثابة الحارس الأساسي لنظام البشير، وقاعدة درعه الأمني الواقية، من خلال امتلاكه لجهاز شرطة سري تتوغل عناصره في مفاصل الدولة، بالإضافة إلى وكلاء وعملاء يقومون بعمليات داخل وخارج الحدود، وتحاط مهامه بسياج محكم من السرية.

كان يقع على رأس جهاز الأمن الوطني والمخابرات، الفريق أول صلاح قوش، الأمني المخضرم المتسمة مسيرته بجدليات لا تنتهي، فعلى يديه ولد الجهاز بهيئته الجديدة، وأصبح رئيسه لمدة 5 سنوات بحكم قربه من البشير وثقته المطلقة فيه ونجاحه في إضعاف حزب غريمه حسن الترابي، وكشفه للعديد من المخططات المحيطة بقصر الحكم.

لكن سرعان ما انقلب البشير على قوش وأطاح به عام 2009 بتهمة التخطيط لانقلاب عسكري، وتم وضعه في السجن، قبل أن يعفو عنه لاحقا، لكن قوش الشخص الحاد العارف بطبيعة ومتناقضات المسرح السياسي عاد لتوه مرة أخرى على رأس الجهاز في ديسمبر/ كانون الأول 2018، بقرار من البشير، لمواجهة التظاهرات العارمة، والاضطرابات، التي أدت في النهاية لإنهاء حكمه. 

ومع سقوط البشير، وتولي المجلس العسكري الانتقالي زمام السلطة، أعلن في 13 أبريل/ نيسان 2019، أن رئيس الجهاز صلاح قوش استقال من منصبه.

الذراع الطولى

ما يدلل على مدى قوة وأسبقية ذلك الجهاز، عن بقية الأجهزة الأمنية، خلال العهد السابق، نجاحه في التصدي لمحاولة الانقلاب الأشهر لحركة العدل والمساواة المتمردة في دارفور، في 10 مايو/أيار 2008.

ساعتها استطاعت الحركة الوصول إلى مدينة أم درمان المركزية داخل الخرطوم، وفشل الجيش في رصد قوافل السيارات العسكرية التي انطلقت من الحدود مع تشاد، وتجاوزت صحاري غرب السودان حتى أم درمان وسيطرت على بعض المواقع.

بيد أن قوات الأمن تمكنت من مواجهتها وهزيمتها، فيما يعرف بعملية "الذراع الطولى"، واستخدم جهاز المخابرات والأمن أساليب غاية في العنف طالت الانقلابيين، لقمع الحركات المسلحة في دارفور بعد ذلك، وقام بحملات اعتقال موسعة وإنفاذ اغتيالات وتصفيات جسدية، وأصدر قوش قرارا مباشرا باستبعاد وإخراج كل المنظمات الحقوقية العاملة في إقليم دارفور.


المصادر