منبعها سوريا والعراق.. تغييرات محتملة بالمنطقة بعد رحيل سيلماني

12

طباعة

مشاركة

لم تهدأ الأوضاع منذ إقدام القوات الأمريكية بقرار رئاسي على اغتيال قاسم سليماني الرجل الإيراني الأول في المنطقة، إذ تتواصل الردود الإيرانية على هذه الخطوة تتواصل من تحذيرات وتهديدات، كما أن برلمان العراق قرر "إخراج القوات الأجنبية من البلاد".

وفي مقال نشرته صحيفة "خبر ترك" تساءلت الكاتبة نيجيهان التشي، ما إذا كان هذا القرار ملزما أو سيشهد تنفيذا على الأرض؟ وأجابت: هذا القرار ليس له أي قيمة، موضحة "تقريبا وبشكل يومي ثمة قرارات مشابهة يتخذها البرلمان العراقي دون أن يكون لها أثر عملي على الأرض، ويكون مصيرها الأرشيف وهذا القرار لن يختلف كثيرا".

غضب شيعي

ونقلت الكاتبة عن السفير التركي في العراق فاتح يلدز، أن ما لفت انتباهه في اتصال أجرته معه أن "الحاضرين من نواب البرلمان كانوا كلهم تقريبا من الشيعة، وسط مقاطعة شبه تامة من النواب السنة الكرد، وهذا معناه واضح، رغم أن العراقيين غاضبون من الولايات المتحدة ويرون أنها محتلة، إلا أنهم ما زالوا لا يثقون في الحكومة العراقية المركزية".

وتابع السفير: "إنهم يريدون صماما خارجيا ضد التهديدات في البلاد، وخاصة تنظيم الدولة، وهم بحاجة إلى ضمان حقيقي مثل الذي قدمته الولايات المتحدة، ومع ذلك لو أراد العراق إخراج القوات الأمريكية، فهو ليس بحاجة الى قرار برلماني".

والخلاصة هنا بحسب الكاتبة، أن "ما حدث هو مجرد تنفيس عن غضب شيعي، ولكن داخل أروقة البرلمان العراقي".

وتطرقت الكاتبة إلى نقطة غاية في الأهمية، بالقول: "ففي وقت لا تجد تقريبا خارج المنطقة الخضراء شديدة التحصين وسط بغداد أي مقر لسفارة أو مبنى دبلوماسي لدولة ما، تقع تركيا خارج هذه المعادلة، وبما أن سفارتي فرنسا وألمانيا كانتا خارجها، ولكن بعد الهجوم على سليماني مباشرة عقب رأس السنة الجديدة، لم يعد هؤلاء السفراء؛ إذ أن غبار هذه النيران لم تنقشع بعد".

وتابعت: "بمعنى آخر، أحد السفراء القلائل الموجودين حاليا في العراق السفير التركي" مشددة على أن "هناك أمن معنوي يتمتع به الأتراك في العراق نتيجة لسمعتهم الطيبة في البلاد، غير أنه جدير بالذكر التأكيد على أن موقف تركيا في هذه الأزمة ليس بالسهل؛ ومن الضروري أن نقف بمسافة واحدة من الجميع سواء إيران أو الولايات المتحدة، خاصة وأن تركيا لديها العديد من التشعبات في علاقاتها سواء في الملف السوري أو العراقي مع بقية الأطراف الفاعلة في المنطقة".

انقسام كردي

وذكرت الكاتبة أنه وعلى الرغم من أنهم لم يتوجهوا إلى البرلمان لتفادي الظهور ضد الولايات المتحدة، إلا أن مقتل قاسم سليماني قسّم الأكراد العراقيين بشكل أساسي إلى قسمين وفي وقت نعى الحزب "الاتحاد الوطني" الكردستاني"، المقرب من إيران، سليماني، فإن "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بقيادة البارزاني "يحتفل" بموته.

والاتحاد الوطني الكردستاني هو أحد الأحزاب السياسية العلمانية الليبرالية التي تأسست في منتصف السبعينيات وحملت شعار حق تقرير المصير والديمقراطية وحقوق الإنسان للشعب الكردي في العراق، زعيم الحزب كان الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني، ونائباه هما كوسرت رسول علي، والرئيس الحالي للبلد برهم صالح.

أما "الحزب الديمقراطي الكردستاني" هو حزب قومي ليبرالي وأحد الأحزاب الكردية الرئيسية في العراق، ومؤسس الحزب هو الزعيم الراحل مصطفى البارزاني. خلّف مصطفى البارزاني في رئاسة الحزب عام 1979 نجله مسعود الذي يترأس الحزب إلى الآن وترأس إقليم كردستان في فترة ما بين 2005-2007.

وتنقل الكاتبة عن عدد من المصادر أن "سليماني كان شخصية قوية وذات تأثير كبير، ورغم أن الراحل الطالباني كان مقربا منه، لكن سليماني يتعامل معه كما لو أنه غير موجود".

وأضافت: أنه وعلى الرغم من ذلك، فإن دعم سليماني للجيش العراقي خلال نزاع البيشمركة في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2017 ، خلق رد فعل خطيرة على جبهة "الاتحاد الوطني الكردستاني"، إلا أنه وبسبب قربه من إيران لم يكن رد الفعل هذا ذا تأثير كبير.

 من ناحية أخرى، تضيف الكاتبة، فإنه على عكس "الاتحاد الوطني الكردستاني"، لم تكن علاقة سليماني مع "الحزب الديمقراطي الكردستاني" جيدة، لكن التقارب الذي حدث وقت سيطرة تنظيم الدولة على مساحات واسعة في العراق والدعم الإيراني له، ترك أثرا جعل من مسعود البارزاني يرسل برسالة إلى سليماني يعزيه بوفاة والده بيد أنه وحاليا الفرق بين الجبهتين الكرديتين واضح، فالقريبة من إيران  تعرب عن حزنها، فيما الأخرى لديها الأمل في إعادة النفوذ الأمريكي للتقليص من النفوذ الإيراني بالعراق.

خط نفطي

بدوره، رأى الكاتب سليمان سيفي أوغون في مقال له بصحيفة "يني شفق"، أن مقتل سليماني إلى جانب أبو المهدي المهندس نائب قائد الحشد الشعبي في غارة أمريكية ليس صدفة، لكن يبدو أن ورقته قد انتهت إلى هنا".

وأضاف: "يمكن القياس بتدخل أمريكي بعد عملية تركيا العسكرية ضد قوات حزب العمال الكردستاني (بي كاكا) حيث عمدت واشنطن على سحبها من أماكن سيطرتها من أجل استخدامها في مهمات أخرى، ثم جاءت الأنباء عن أن جزءا من حزب الاتحاد الديمقراطي (الوحدات الكردية) قد تم سحبه من الرقة وأعاد انتشاره في العراق".

وبحسب الكاتب، "قد يفهم من الحراك الأمريكي في المنطقة وخاصة على الحدود العراقية السورية هو توحيد المناطق التي تكتنز بها كميات من البترول والنفط، حيث في الخطة الأمريكية الجديدة، ثمة محاولات لتدشين خط نفطي بين سوريا والعراق؛ يتمثل طرفيه بين الرقة السورية وأربيل العراقية وهذا يفسر تصريح ترامب والذي قال بعيد الإعلان عن إنهاء نبع السلام: "من الآن فصاعدا، سنهتم بمناطق النفط".

وأشار أوغون إلى أنه "يمكن فهم هذه النقطة حين نعلم أن خط الرقة – أربيل يحتوي أيضا على خط الموصل - كركوك وصولا إلى إسرائيل حيث امتداد هذا الخط مع خط حيفا داخل إسرائيل (الأراضي الفلسطيني المحتلة عام 1948)".

وتم تأسيس خط أنابيب "كركوك- حيفا" عام 1932 من الانتداب البريطاني، وتمد نفط كركوك من خلال أنابيب طولها "942/كم" عن طريق الأردن إلى حيفا، إلا أنه تم إيقاف العمل بهذه الأنابيب منذ عام 1948 من الحكومة العراقية بعد أن إعلان دولة الاحتلال الإسرائيلي.

وتابع الكاتب: "هذا الخط (الرقة- أربيل) سيكون تحت إرادة كردية بحتة، ويبدو أنه سيكون هناك ميل لتوحيد دولة البيشمركة مع منظمة وحدات حماية الشعب الكردي بسوريا، في وقت تشهد فيه العلاقات الامريكية مع أربيل متانة كبيرة، وبالتالي، لا عجب أن مشروع الاستقلال (استفتاء 2017) الذي تم اجراؤه مسبقا، سيتم إعادة إحيائه وفي الحقيقة مشروع إنشاء دولة كردية ليست حلما كرديا وليس له علاقة بالأكراد، بقدر ما هو حلم إسرائيلي واضح المعالم".

صدامات محتملة

ولفت أوغون إلى أن "أكبر عقبة أمام تحقيق الرؤية الجديدة هي بالطبع وجود إيران في كل من سوريا والعراق، في وقت لم تتخل الولايات المتحدة عن فكرة تفتيت البلدين عكس الموقف الروسي الذي يتمسك بوحدة الأراضي السورية، وهذا بالطبع لمنع تدفق النفط من خط أربيل - حيفا للقاء شرق البحر المتوسط وأوروبا، وبالتالي تحافظ موسكو على امتياز احتكار الطاقة على أوروبا".

من زاوية أخرى، أوضح الكاتب أن "إسرائيل تعيش أياما مرتاحة لاغتيال سليماني في وقت عزز فيه ترامب من فرص فوزه بالانتخابات المزمع تنفيذها هذا العام".

ورجح الكاتب "وقوع الكثير من الأحداث الدامية لكن مسرحها سيكون في العراق وفي إيران، دون الوصول إلى مواجهة كبرى، ومن المتوقع أن يحدث اشتباكات بين الحشد الشعبي الموالي لإيران وحزب العمال الكردستاني عبر الوحدات الكردية، الموالي لواشنطن، أو عبر حزب العمال مع تنظيم الدولة".

وتابع: "قد يدفع أن تعيد أمريكا حسابتها وتدخل العراق مرة أخرى بتعاون بريطاني، حيث الأجواء مهيأة لذلك، ما يعني أن يتحول الخليج بالفعل إلى قطعة من الجحيم؛ فالعراق 2003 ليس هو العراق اليوم، حيث الأسلحة النووية ستكون حاضرة وفي الصدارة، هذا عدا عن تدخلات من كل من لبنان وجنوب سورية ليكتمل المشهد الجهنمي المخيف بالفعل".