المستقيلون من المجلس الانتقالي باليمن.. لماذا اتهموا أبوظبي بالخداع؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

استقالات بالجملة شهدها مؤخرا المجلس الانتقالي الجنوبي الذي أنشأته الإمارات في مدينة عدن جنوبي اليمن، ما يعكس مدى المأزق السياسي والعسكري الذي آل إليه المجلس، بعد انقلاب أغسطس/آب 2019، بدعم من أبوظبي، وتقديم نفسه كممثل حصري ووحيد للجنوب، مستبعدا كل المكونات السياسية الأخرى.

فخلال ديسمبر/كانون الأول 2019، شهد المجلس استقالة أكثر من 30 عضوا وقياديا، 24 منهم قدموا استقالاتهم في أسبوع واحد، في حدث عصف بالمجلس منذ إنشائه منتصف 2017.

تأتي تلك الاستقالات في وقت يقاتل فيه الانتقالي الجنوبي من أجل الحفاظ على استقراره وتجنب أي تفككات أو تصدعات في بنيته السياسية، كي يتمكن من الحصول على مقاعد ضمن تشكيل الحكومة القادمة التي نص عليها اتفاق الرياض.

انحراف البوصلة

مستشار رئيس الجمعية العمومية للمجلس الانتقالي نديم حسن النقيب أعلن أن سبب استقالته هو "اتجاه بوصلة المجلس الانتقالي الجنوبي ومشروعه نحو اتجاهات أخرى، غير التحرير والاستقلال".

أما القيادية في المجلس الانتقالي عن محافظة حضرموت ليلى بنت بريك فكتبت في نص استقالتها أنها "قررت وبعد دراسة متأنية، الانحياز لحضرموت دون غيرها".

وقالت بنت بريك: "كنت أعتقد يقينا أن واجب أي حزب أو مكون مجتمعي كان أو سياسي يعمل بالتراب الحضرمي أن تكون أجندات عمله مسخرة لخدمة حضرموت، وأن يكون هذا الحزب أو المكون أداة خادمة لحضرموت لا أن تكون حضرموت خادمة لولاءاته وتوجهاته".

وعن أسباب الاستقالات الجماعية يقول الكاتب والمحلل السياسي ياسين التميمي في حديث لـ"الاستقلال": "هناك عوامل عديدة، تقف خلف خيبة الأمل التي دفعت بعدد من أعضاء الانتقالي الجنوبي إلى الانسحاب من المجلس الذي أنشأته الإمارات في مايو/ أيار 2017".

أول هذه العوامل، حسب التميمي، الفشل الذريع للمجلس الانتقالي في حسم معركة السيطرة على المحافظات الجنوبية، في ضوء التراجع الكبير لهذا النفوذ وانحساره من مساحات شاسعة وتتركز فيها الموارد مثل محافظة شبوة.

ومن أسباب هذه الاستقالات تضاؤل طموح الانتقالي الذي اقتصر على المشاركة الرمزية في حكومة مركزية وتحت سقف الجمهورية اليمنية بحقيبتين ضمن حقائب عدة ستتقاسمها مكونات جنوبية، وفق التميمي.

أما السبب الثالث فيتجلى في الفشل الكبير الذي مني به الانتقالي على صعيد إدارة العاصمة المؤقتة، وانحسار الموارد التي كان يوفرها التحالف للتشكيلات العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي.

وعن السبب الأقوى يقول التميمي: "هو تزايد النقمة المجتمعية ضد المجلس الانتقالي والكوارث التي جلبها للمحافظات الجنوبية وبالأخص عدن، وتراجع مناخ التأييد لمشروع الانفصال الذي لم يعد خيارا جنوبيا، فضلا عن خيبة الأمل من التحالف الذي وضع الجميع في منتصف الطريق بين الدولة الموحدة والانفصال وأبقى على الفشل عنوانا لمرحلة تثير الكثير من المخاوف لدى عموم الجنوبيين ونخبهم السياسية".

خداع أبوظبي

قائد ما يعرف بـ"الحزام الأمني" في محافظة أبين، عبد اللطيف السيد، سبق أن أعلن عن هزيمة قواته التي تدعمها الإمارات، مؤكدا أن أبوظبي مارست "الخداع"، وأن لديه الكثير ليقال بعد عودة أهاليهم من أبوظبي، حد قوله.

وفي تغريدة عبر "تويتر" حذفها لاحقا لأسباب غير معروفة، حمّل "السيد"، هاني بن بريك نائب ما يعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، المسؤولية عن "انهيار" المشروع الجنوبي، وقال: "الأشقاء في الإمارات أوهمونا بأنهم خلفنا ومعنا واتضح أنهم مع مصالحهم. أدخلونا في قتال ودم وصراعات وثأر لن يمحى". 

وطالب "السيد"، قادة مليشيات أخرى مرتبطة بالإمارات بـ"التفاهم مع الشرعية أو مغادرة المشهد"، وأن "يتعظوا مما حصل في الجنوب"، وأضاف: "من ربط مستقبله بالآخرين انتهى.. خدعتنا الإمارات وغرتنا بالأماني وتركونا للموت والمواجهة".  

وقدم القيادي العسكري في المجلس الانتقالي العميد طارق علي ناصر هادي اعتذاره للجنوبيين عن مواقفه المؤيدة للمجلس، عقب استقالته، وقال هادي: إنه استقال من المجلس الانتقالي، لأنه "انحرف عن الأهداف التي أنشئ من أجلها وتخلى عن مبادئ الحراك الجنوبي".

إقصاء ومناطقية

عمل الانتقالي منذ تأسيسه على اختزال واحتكار القضية الجنوبية، ومارس إقصاء سياسيا وشعبيا على شركائه الجنوبيين، حتى أصبح الحراك الجنوبي بقيادة حسن باعوم دخيلا على القضية الجنوبية، وفق أدبيات المجلس الانتقالي.

ويرفض المجلس التعاطي مع المكونات الجنوبية الأخرى، حتى تلك التي سبقته في العمل السياسي بسنوات، كالحراك الجنوبي الذي سبقه بالعمل السياسي بأكثر من 10 سنوات، بل إن بعض الناشطين في الحراك الذي نادى بانفصال الجنوب بعيدا عن المجلس، تعرض للاعتقال في سجون الإمارات بعدن.

ولم يتوقف الإقصاء الذي مارسته قيادة المجلس الذي ينتمي معظم أعضائه لمحافظة الضالع، على المكونات السياسية الأخرى، بل استهدف حتى أعضاءه المؤسسين، بشكل يعيد للذاكرة أحداث 13 يناير/كانون الثاني 1986، حيث نشبت خلافات بين الفصائل الجنوبية، أو من يسمونهم "الرفاق" من قادة الحزب الاشتراكي الحاكم.

وتطور الخلاف حينها لحد التصفية الجسدية التي اتخذت شكلا مناطقيا بين ما تم تسميته حينها فصيل (الطُّغمة) وفصيل (الزُّمرة)، والطغمة هم أبناء الضالع ويافع الموالون لعبدالفتاح إسماعيل وعلي سالم البيض الرئيس الأسبق لليمن الجنوبي، في حين أن الزمرة هم أبناء أبين وشبوة الموالون لعلي ناصر محمد والرئيس الحالي هادي، وتمت التصفية بالهوية.

وهذا ما يفسر الاستقالات المتوالية اليوم لأعضاء الانتقالي، الذين ينتمون لعدة محافظات جنوبية، ورحيلهم عنه بشكل جماعي، بعد أن أدركوا أن المجلس الانتقالي لا يرتبط بالجنوب إلا بالقدر الذي يخدم المصالح الإماراتية فقط.


وتر المتناقضات

حاولت الإمارات اللعب على الثنائيات المناطقية في المجلس الانتقالي والاستفادة من ذلك الخلاف، في تقسيم الجنوب إلى دويلات، وعدم بقائه شطرا واحدا، وهو ما أكده القيادي في المجلس الجنوبي عادل الحسني، في حديثه للاستقلال.

الحسني قال: "الإمارات ترفض فكرة دولة جنوبية واحدة، ذلك لأن فكرة الدولة الواحدة ستفضي لدولة متماسكة، وهو الأمر الذي تأباه الإمارات، لأنه يحد من قدرتها على تمرير مشاريعها التي تعتمد في الأساس على إستراتيجية النفس الطويل في إضعاف الدولة، وتقويض سلطاتها، وهي السياسة التي انتهجتها الإمارات منذ تدخلها في الجنوب".

دراسة حديثة نشرت في 25 مارس/آذار الماضي، لـ"مركز أبعاد"، كشفت أن اليمن يواجه سيناريو التقسيم"، وهو الأكثر خطورة، على حد وصف الدراسة التي أضافت: "اليمن يواجه سيناريو التقسيم بسبب تصادم أهداف الفاعلين إقليميا ودوليا ببعضهم البعض، وتناقض أهداف عاصفة الحزم مع المصالح الإستراتيجية للإمارات والسعودية".

وفي أبريل/ نيسان 2016، كشف موقع جلوباليست الأمريكي في تقرير له عن "عزم السعودية تنفيذ ما أسمته (الخطة بي) في اليمن، والتي قال إنها تتضمن تفكيك وتقسيم اليمن، في حال عجزت دول التحالف في فرض سيطرتها على كامل اليمن". 

لكن وحسب متابعين، فإن لعب الإمارات ومحاولتها الاستفادة من تلك التناقضات داخل المجلس، أتت بنتائج غير ما كانت تخطط له أبوظبي، فالمجلس الذي احتكر حق تمثيل الجنوب بدأ بالتفكك وتصدع بنيته السياسية، في وقت أحوج ما تكون للتماسك.

خبراء أكدوا أن المجلس الانتقالي ورث نقمة مجتمعية، وأصبح مزاج الشارع الجنوبي يرفض فكرة الانفصال، ذلك لأن المجلس فشل في تقديم نفسه كصاحب مشروع وطني، وأصبح خيار الانفصال بالنسبة للجنوبيين خيارا كارثيا في ظل سيطرة الانتقالي الذي فشل في إدارة القضية الجنوبية وعمل لأجندة غير وطنية، بحسب نصوص الاستقالة التي  قدمها الأعضاء المستقيلون من المجلس، في إشارة للإمارات.

ومع تراجع الأداء السياسي للمجلس الانتقالي، واستقالة عدد كبير من أعضائه الذين ينتمون لعدة محافظات، تستمر الميلشيات والتشكيلات المسلحة التي أنشأتها الإمارات، وتعمل حاليا تحت إمرة القوات السعودية، في السيطرة على عدن والمناطق حولها، وتزداد هذه السيطرة مع فشل اتفاق الرياض الذي رعته السعودية، والذي تنصل المجلس الانتقالي من الالتزام به، حسب تصريحات لوزير النقل الجبواني في حكومة الشرعية.