فعلها عبدالناصر مع نجيب.. هكذا يسعى السيسي لمحو حقبة مرسي

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"التاريخ لا يقول وداعا أبدا، التاريخ يقول سأراكم لاحقا"، مقولة للكاتب الأوروجوياني الراحل إدواردو غاليانو تنطبق تماما على الكثير من الأنظمة التي حاولت وتحاول عبثا تزييف تاريخ أمتها أو طمسه وتحريفه، لإقرار رواية تخدم نظام آني مستبد، غير عابئ بمستقبل قريب يكشف الحقائق كاملة لقادم الأجيال.

نظام عبدالفتاح السيسي في مصر تنطبق عليه مقولة الفيلسوف الأوروجوياني بحذافيرها، فبعد مسرحية الانقلاب على رئيسه (الراحل) محمد مرسي بدعوى الانحياز لثورة شعبية وإحالة الرئيس للمحاكمة في قضايا وهمية نسجت وقائعها من الخيال، يعمل السيسي حاليا على حذف حقبة الرئيس مرسي من التاريخ المعاصر، وشطب اسمه من السجلات والوثائق الرسمية.

ما فعله السيسي عبثا مع أول رئيس مدني منتخب واقعة ليست الأولى من نوعها في تاريخ مصر، حيث سبق للجنرالات قبله محاولة طمس حقبة أول رئيس لجمهورية مصر العربية بعد الاحتلال وهو اللواء محمد نجيب، الذي تعرض لإجراءات مماثلة، حتى أنصفه التاريخ، وأقرته الأمة المصرية بعد ذلك.

زيف "الاستعلامات"

عند الدخول إلى موقع "الهيئة العامة للاستعلامات المصرية"، وتحديدا في القسم المتعلق بموسوعة حكام مصر، سنجد أن الهيئة قامت بحذف اسم الرئيس الراحل محمد مرسي من موقعها.

الموقع يفترض أنه يؤرخ لكل حكام القطر المصري في مختلف العصور، بداية من قدماء المصريين إلى  العصور (اليوناني - القبطي - الروماني - الإسلامي - العصر الحديث)، حيث يضم أسماء آلاف الحكام الذين تعاقبوا عليها، لكن الوحيد الذي سقط عمدا وليس سهوا هو عام الرئيس محمد مرسي، حيث قررت الهيئة حذفه من التاريخ، في واقعة مثيرة للاستغراب والتساؤل في آن واحد. 

بداية تعرف الهيئة العامة للاستعلامات، بأنها هيئة حكومية تتبع رئاسة الجمهورية وتضطلع بدورها "كجهاز الإعلام الرسمي والعلاقات العامة للدولة". وفي 6 سبتمبر/ آب 2012، تم نقل تبعيتها لتكون خاضعة مباشرة لرئاسة الجمهورية بقرار من الرئيس محمد مرسي. 

منذ إنشائها عام 1954 قامت الهيئة العامة للاستعلامات بأدوار عديدة على الصعيدين الداخلي والخارجي لشرح سياسة الدولة في المجالات المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومواقفها إزاء مختلف القضايا.

ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات حاليا، هو نقيب الصحفيين ضياء رشوان، الذي عينه السيسي على رأس الهيئة في يونيو/ حزيران 2017، وهو من الشخصيات المقربة بشدة للسيسي واختاره بالمجلس الأعلى لمواجهة الإرهاب والتطرف الذي يضم 30 عضوا من المسؤولين والشخصيات العامة ويرأسه رئيس الجمهورية.

من المعروف أن رشوان، كان من أشد المناهضين لحكم مرسي، وأحد الداعمين للانقلاب العسكري الذي نفذه وزير الدفاع في ذلك الوقت عبد الفتاح السيسي على رئيسه المنتخب يوم 3 يوليو/ تموز 2013.

ناصر ونجيب

في 23 يوليو/ تموز 1952، تحركت وحدات عسكرية من الجيش، للسيطرة على الحكم، وإسقاط الملك فاروق الأول آخر حكام الأسرة العلوية في مصر، وكانت حركة الضباط وقتها مغامرة غير مضمونة العواقب، وتبعاتها إذا ما أخفقت ستكون كارثية.

لكنها نجحت، وغيرت وجه مصر إلى الأبد، وعرفت تلك الحادثة تاريخيا، بثورة 23 يوليو المصرية، أما الضباط، عرف أنهم مجموعة تنظيمية عسكرية، يطلق عليها اسم "الضباط الأحرار"، معظمها من قيادات الوسط في الجيش، وزعيمها هو اللواء محمد نجيب، في وقت كان فيه جمال عبدالناصر، وعبدالحكيم عامر، وأنور السادات، وغيرهم من بقية العسكريين في زمرة المغمورين.

كان نجيب قد رقي إلى رتبة لواء في 9 ديسمبر/كانون الأول 1950، ورشح وزيرا للحربية في وزارة نجيب الهلالي لكن القصر الملكي عارض ذلك بسبب شخصيته المحبوبة لدى ضباط الجيش.

اختار الضباط الأحرار نجيب ليكون قائدا لثورة يوليو/تموز 1952، لما كان يتمتع به من شخصية صارمة في التعامل العسكري وطيبة وسماحة في التعامل المدني.

كان اختيار نجيب سر نجاح تنظيم الضباط الأحرار داخل الجيش فكانوا حينما يعرضون على باقي ضباط الجيش الانضمام إلى الحركة ويسألونهم عن قائد التنظيم يقولون لهم إنه اللواء محمد نجيب فيسارع المدعوون بالانضمام.

لكن نجيب كان على خلاف مع ضباط مجلس قيادة الثورة بسبب رغبته في إرجاع الجيش لثكناته وعودة الحياة النيابية المدنية، لذا قدم استقالته في فبراير/ شباط 1954، لكنه عاد مرة ثانية بعد أزمة مارس/آذار من نفس العام.

وفي 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1954 أجبره مجلس قيادة الثورة بزعامة جمال عبدالناصر على الاستقالة، ووضع تحت الإقامة الجبرية مع أسرته في قصر زينب الوكيل بحي المرج بالقاهرة بعيدا عن الحياة السياسية، ومنع من أي زيارات له طوال حكم عبدالناصر. 

ورغم الدور السياسي والتاريخي البارز لمحمد نجيب، في التاريخ المصري الحديث، فبعد الإطاحة به من الرئاسة شطب اسمه من الوثائق وكافة السجلات والكتب، ومنع ظهوره أو ظهور اسمه تماما طيلة 30 عاما حتى اعتقد الكثير من المصريين أنه توفي، وكان يذكر في الوثائق والكتب الرسمية خلال ذلك العهد أن عبدالناصر هو "أول رئيس لمصر".

وفي كتاب "جمال عبد الناصر وعصره" الذي أصدرته دار المعارف، عن لجنة المؤرخين المصرية، بإشراف الدكتور عادل غنيم، يقول: إنه "بعد قيام ثورة 23 يوليو/ تموز 1952، نجد السلطة ممثلة في قيادة جمال عبدالناصر، تتدخل في صياغة تاريخ الأمة بطريقة غير موضوعية وغير صحيحة". 

وأضاف الكتاب: "امتد هذا التدخل الرسمي ليشمل حذف بعض الحقائق التاريخية، فقد تم حذف اسم (محمد نجيب) أول رئيس للجمهورية في مصر، من كتب التاريخ التي تدرس في التعليم العام، وأشير إلى جمال عبدالناصر، باعتباره أول رئيس مصري منذ قدماء المصريين".

وذكر الكتاب: "من أمثلة عدم الحفاظ على بعض الأصول التاريخية ما رواه السياسي المصري فتحي رضوان، من أنه بعد إقالة محمد نجيب، من رئاسة الجمهورية، ذهب عبدالناصر إلى مبنى الإذاعة القديم، وكان بصحبته صلاح سالم (من ضباط مجلس قيادة الثورة)، وطلبا الحصول على كل الشرائط، التي تتضمن خطب كل قادة الثورة والوزراء، خلال الفترة من 26 يوليو/ تموز 1952، حتى أكتوبر/ تشرين الأول 1954، وأن الإذاعي حسني الحديدي هو الذي قام بفرز تلك الشرائط، وبذلك تم محوها من التداول". 

رد الاعتبار

استمر هذا الأمر حتى منتصف الثمانينيات عندما عاد اسم نجيب للظهور بعد وفاته، يوم 28 أغسطس/ آب 1984، وأعيدت الأوسمة الوطنية لأسرته، وأطلق اسمه على بعض المنشآت والشوارع، ومنها محطة مترو وسط القاهرة، وفي عام 2013، خلال حكم مرسي، منحت عائلته "قلادة النيل العظمى".

وفي نفس السياق، أطلقت مكتبة الإسكندرية في يوليو/تموز 2013 في الذكرى الـ61 لثورة 1952 أول موقع إلكتروني رسمي باسم "نجيب" ضم صورا وخطبا نادرة له وعرضا لتاريخه. وفي 22 يوليو/تموز 2017 أسس الجيش المصري قاعدة عسكرية في مدينة الحمام شمالي البلاد باسم "محمد نجيب".

وأعدت هيئة الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة فيلما تسجيليا مدته نحو 4 دقائق عن حياة نجيب عرضته خلال افتتاح القاعدة العسكرية وبثه التلفزيون الحكومي، كما ضمت القاعدة العسكرية أيضا متحفا يحمل مقتنيات وصورا وتفاصيل من حياته وتاريخه.

فعلها عبدالناصر مع نجيب وفشلت، ويكررها الآن السيسي مع مرسي في محاولة عبثية محكوم عليها حتما بالفشل، فالمؤكد أن التاريخ يعيد نفسه.