جملة تنازلات.. هل تساعد السودان في الحصول على الرضا الأمريكي؟

محمد سراج الدين | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في أقل من أسبوع كشفت وسائل الإعلام العالمية، تفاصيل جديدة عما جرى في زيارة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، في النصف من الشهر الجاري، إذ تضمنت عقد اتفاق بين الجانبين، ربما تظهر ملاحمه في المرحلة المقبلة.

ورغم أن حمدوك هو الذي أعلن قراره بسحب  10 آلاف مقاتل سوداني من اليمن، إلا أن صحيفة "ذا هل" الأمريكية، كشفت عن اتفاق بين الخرطوم وواشنطن، لغلق مكاتب حركة حماس الفلسطينية، وحزب الله اللبناني، في السودان.

الخطوات المتسارعة من جانب الحكومة السودانية، قابلتها إجراءات تحفيزية من واشنطن، تمثلت في رفع اسم السودان من القائمة السوداء للدول المناهضة لحرية المعتقد، في الوقت الذي أبقت فيه على حليفتها السعودية ضمن القائمة نفسها.

جملة من التساؤلات أثارتها تلك الخطوات، ولعل أهما هو: ما الذي قدمته حكومة حمدوك لواشنطن من أجل الحصول على الرضا الأمريكي؟ وهل تبيع واشنطن الوهم للخرطوم في إعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بما فيها السفراء، أم أن الأولى جادة في الأمر، ولكن على الأخيرة أن تدفع المقابل؟

سلسلة إجراءات

وفقا لصحيفة "ذا هل" الأمريكية، فإن حمدوك أبلغ المسؤولين في واشنطن بخطوة غلق مكتبي "حماس" و"حزب الله" اللبناني، في إطار تأكيده على خطوات إعادة الثقة بين الجانبين، بما يمهد لرفع اسم الخرطوم من الدول الداعمة للإرهاب، وبالتالي رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على الخرطوم منذ قرابة 30 عاما.

ورغم أن الحكومة السودانية لم تعلق على الموضوع، إلا أن التفاصيل التي كشفتها الصحيفة الأمريكية، تشير لاتفاق الجانبين على كل الأمور المرتبطة بهذه الخطوة، وأن الإعلان عنها سوف يتم خلال الفترة المقبلة، خاصة وأن الخطوة تأتي في إطار خطة وضعتها الحكومة السودانية، للتخلي عن المنظمات الإسلامية التي ليست على وفاق مع الإدارة الأمريكية، مثل حركة "حماس"، و"حزب الله" اللبناني، وبالتالي فإن التخلي عن هذه الجماعات، واحدة من خطوات أخرى سوف تتخذها الحكومة السودانية من أجل الفوز بثقة الإدارة الأمريكية.

وحسب "ذا هل"، فإن إغلاق مكاتب "حماس" و"حزب الله" يأتي في أعقاب رحلة حمدوك إلى واشنطن، ولقائه بوزير الخارجية مايك بومبو، الذي أكد أن الولايات المتحدة مستعدة لرفع العلاقات مع السودان من خلال تبادل السفراء لأول مرة منذ أكثر من عقدين.

ونقلت الصحيفة عن عدد من الباحثين والخبراء بالشأن السوداني، أن عملية إغلاق المكتبين لا تخرج عن كونها عملية رمزية لحد كبير، خاصة وأن نشاط "حماس" و"حزب الله"، شهد تراجعا كبيرا في السودان حتى قبل رحيل عمر البشير، وفق التوافقات التي جرت بين واشنطن ونظام البشير والذي تم بموجبه الرفع الجزئي عن العقوبات الامريكية المفروضة على السودان عام 2017، حيث كان تخلي البشير عنهما شرطا أمريكا صريحا.

واستندت الصحيفة كذلك، للتقرير الدوري لوزارة الخارجية الأمريكية لعام 2018 في تقييمها عن الإرهاب، والذي انتهت فيه أن السودان قد تعهد بالتزاماته بأنه لم يعد يدعم "حماس" أو "حزب الله" أو أي منظمة تصنفها الولايات المتحدة تحت قائمة الإرهاب، وأن السودان "اتخذ بعض الخطوات للعمل مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب".

مكافأة أمريكية

ربط متابعون للشأن السوداني، قرار الإدارة الأمريكية الذي أصدرته الجمعة 20 من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، برفع اسم السودان من القائمة السوداء للدول المناهضة لحرية المعتقد، أو ما يطلق عليه تقرير الحريات الدينية، واعتبرت وسائل الإعلام السودانية، أن القرار لم يكن مفاجئا، وأنه يعد الخطوة الأولى لرفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب.

وأعلنت الخارجية الأمريكية، في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني، بأن حماية الحرية الدينية تعد من أولويات السياسة الخارجية لإدارة الرئيس دونالد ترامب، لافتة إلى أنه يوجد اضطهاد وتمييز على أساس الدين أو المعتقد في مناطق من العالم، وأن الولايات المتحدة تواصل العمل بجد لتعزيز الحرية الدينية ومكافحة الانتهاكات.

وأضاف البيان أن وزارة الخارجية نقلت السودان إلى "قائمة المراقبة الخاصة" للحكومات التي شاركت في "انتهاكات جسيمة للحرية الدينية أو تسامحت معها"، موضحا أن تلك الخطوة سببها "الخطوات الهامة التي اتخذتها الحكومة المدنية الانتقالية لمعالجة الانتهاكات المنهجية والمستمرة والفظيعة التي ارتكبها النظام السابق للحرية الدينية"، وأكد البيان التزام واشنطن بحماية أولئك الذين يسعون لممارسة حريتهم في الدين أو المعتقد.

وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، فإن السودان هي الدولة الوحيدة، التي أزالتها الخارجية الأمريكية من القائمة السنوية، التي تضم "البلدان ذات الاهتمام الخاص"، التي تخضع لعقوبات، لأنها لم تحم الحرية الدينية بشكل أفضل، وربطت الوكالة القرار الأمريكي بزيارة رئيس الحكومة السودانية حمدوك، لواشنطن مؤخرا.

كما نقلت الوكالة تصريحات لوزير الخارجية الأمريكي؛ بومبيو، برر فيه قرار حكومته بأن الحكومة الانتقالية السودانية اتخذت بالفعل العديد من الخطوات المهمة، للتصدي للانتهاكات الصارخة لحرية المعتقد، التي وقعت في ظل النظام السابق.

إجراءات أخرى

ويشير تحليل موسع لـ"المجلس الأطلسي الأمريكي"، إلى أن زيارة حمدوك لواشنطن مؤخرا، كانت تحمل خارطة طريق من أجل تحويل السودان من دولة معادية للإدارة الأمريكية، لدولة صديقة وحليفة، وهو ما كان واضحا في سلسلة الإجراءات التي أعلن حمدوك، من واشنطن مثل قراراه بسحب 10 آلاف مقاتل من اليمن، أو الإجراءات الأخرى التي طلبتها الإدارة الأمريكية في إطار خطوات بناء الثقة بين الطرفين.

وحسب المركز البحثي، المهتم بتقديم المشورة للإدارة الأمريكية في مجالات الأمن القومي، فإن حمدوك جاء لواشنطن من أجل مهمة واحدة وهي، إزالة السودان من قائمة الولايات المتحدة لدول الراعية للإرهاب، والذي سيكون من نتائجه، إلغاء العقوبات الأخرى للكونجرس المتعلقة بالإبادة الجماعية في دارفور، وانتهاكات حقوق الإنسان في أجزاء أخرى من السودان.

ورغم أن الخطوات التي اتخذها حمدوك لنيل ثقة الإدارة الأمريكية، مثل الانسحاب من حرب اليمن، وإطلاق الحريات الدينية، والعرقية، والعمل على التوصل لاتفاق سلام دائم بين الحركات المسلحة في دارفور وجنوب السودان والمناطق لمحيطة بكردفان، والحكم على البشير بتهم الفساد، إلا أن المركز الأمريكي، وصف الإجراءات التي حصل عليها حمدوك من واشنطن بأنها "ضعيفة"، وفقا للتوقعات الضخمة للشعب السوداني بالخروج من نظام واشنطن العقابي.

وقدم المركز البحثي عدة نصائح لحمدوك، من أجل الحصول على ثقة واشنطن، منها أن يسعي لإقناع الإدارة الأمريكية، بأن الحكام المدنيين الجدد للسودان، يعطون الأولوية للمخاوف الأمريكية، وأنهم قادرون على إبقاء السلطات العسكرية القديمة في جانب بعيد عن مشهد الحكم الجديد، خاصة وأن واشنطن لا تزال تساورها الشكوك حول عودة الجيش للسلطة مرة أخرى بعد رفع العقوبات عن الخرطوم.

ولذلك ووفقا لنصائح المركز، فإنه يجب على حمدوك باعتباره ممثلا للحكام المدنيين في السودان، أن يقوم بكسر الجمود الذي يحيط بالعلاقات مع واشنطن، بإعطاء الأولوية للقضايا التي يريدها البيت الأبيض، ومنها أن السودان لم يعد راعيا للإرهاب الدولي، وأن الأراضي السودانية ليست ممرا آمنا للإرهابيين القادمين والذاهبين لإفريقيا.

زيارة حمدوك لواشنطن حملت خارطة طريق للعلاقة بين البلدين

أزمة دارفور وكردفان

وتضيف دراسة لـ "كاميرون هدسون" المدير السابق للشؤون الإفريقية في مجلس الأمن القومي الأمريكي خلال إدارة جورج دبليو بوش، نصائح أخرى لحكومة حمدوك لنيل ثقة واشنطن، منها تنفيذ القرارات الحقوقية الدولية فيما يتعلق بالجرائم التي ارتكبها نظام البشير في دارفور، وجنوب السودان، ومحاكمة القيادات التي كانت تتولي مسؤولية مليشيات الجنجويد، ومن بينهم نائب رئيس المجلس السيادي محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، وتشكيل لجنة داخلية للتحقيق في الجرائم التي ارتكبها الجيش قبل الثورة وبعدها، مع الاستعانة بالاتحاد الإفريقي من أجل تأكيد جدية هذه الخطوات.

ورأى هدسون أن حمدوك اتخذ قرارات عدة، كانت محل ترحيب دولي، مثل عودة انتشار قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، في دارفور، ووضع خطة لإعادة المدنيين إلى قراهم السابقة، ووافق على تمديد عملية الأمم المتحدة لحفظ السلام، التي سبق وأن رفضتها قيادات الجيش خلال حكم البشير، بالإضافة لسماحه للعمل الإنساني التابع للأمم المتحدة بدون أي قيد في مناطق شرق وغرب السودان، وهو ما كان يرفضه البشير نتيجة الدور المشبوه الذي تقوم به المنظمات الإغاثية لدعم المتمردين.

وحسب المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي، فإن حمدوك سوف يتوصل لاتفاق مع الجماعات المسلحة في دارفور وولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وأنه ليكون عند ثقة الإدارة الأمريكية سوف يمتلك الشجاعة على توقيع أي اتفاق يتم التوصل إليه مع قادة هذه الحركات، بمن فيهم الذين يتخذون مواقف أكثر تشددا، ويريدون الانفصال عن الدولة الأم، أو الحصول على حق الحكم الذاتي مثل حركة العدل والمساواة في دارفور بزعامة عبد الواحد النور.

ونصح هدسون، حمدوك بأن يتحلى بالصبر، وأن يكون من ضمن أهدافه، الكفاح من أجل إبقاء السودان على جدول أعمال الإدارة الأمريكية، خاصة في عام الانتخابات، كما نصح الإدارة الأمريكية، بدعم رئيس الوزراء السوداني لأنه من وجهة نظره هو رجل الساعة، الذي استطاع أن يقدم أوراق اعتماد جيدة حتى الآن لكل الأطراف المعنية بالشأن السوداني.