يني شفق: كيف استطاعت تركيا تغيير خريطة البحر المتوسط؟

12

طباعة

مشاركة

رأت صحيفة تركية، أن إعلان الرئيس رجب طيب أردوغان استعداده لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، هز كل الدول المعنية بما يدور في البحر الأبيض المتوسط.

وقال الكاتب إبراهيم كاراغول في مقال له بصحيفة "يني شفق": إن "الاتفاقية الأخيرة بين ليبيا وتركيا تؤكد وبلا مجال يدعو للشك أن خريطة البحر المتوسط تغيرت، وخطط المتآمرين المتلاعبين بمصير الثروات داخله بات مصيرها الفشل". 

وشدد الكاتب على أن الكثير من الأطراف قدمت إلى البحر المتوسط من أجل إسكات تركيا وعرقلتها وحصرها في الزاوية، لكن أنقرة لن تقف موقف المتفرج، بل سترسل جنودها ليدافعوا عن بلادهم بدءا من سوريا وحتى ليبيا، وكله يتم في إطار التوافقات والتفاهمات وفق القانون. 

مخططات معادية

وشدد على أن غالبية الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا خططوا إضافة إلى إسرائيل ومصر والسعودية والإمارات للتشارك في ثروات البحر المتوسط، دون أي اعتبار للوجود التركي في المنطقة، بحيث يحصرون تركيا في الزاوية فلا تمتلك تركيا من أمرها غير الصمت والقبول بالأمر الواقع.

لكن تركيا رفضت وتمردت على ما يحدث وقاتلت وحدها، فسيرت سفنها الأربع في المتوسط، وبدأت بدراساتها وحفرياتها الخاصة بناء على اتفاقيات مع جمهورية شمال قبرص التركية، كل هذا تم وفق خريطتها الخالصة وخطتها هي؛ لا خطة تلك الدول، بحسب الكاتب.

يتابع: "ليس هذا فحسب، بل عمدت أنقرة إلى جعل طرابلس المتشاطئة معها في الصدارة وعبر اتفاقية فذة باتت من خلالها تركيا جارة ليبيا عبر البحر، ونجحت بالفعل في تغيير خريطة البحر الأبيض المتوسط وأظهرت أنها لن تخضع قواتها لأي قوة في عباب البحر".

وهذا الأمر، بحسب الكاتب "سبب ذهولا وصدمة عند تلك القوى المرتبطة وغيرت خططهم بل باتت كأنها لم تكن، ولم يعد بإمكان دولة ثالثة أن تعلن مدعية أن لها حصة مائية في شواطئ تتشارك فيها دولتان بينهما اتفاقية".

ولفت كارغول إلى أن الاتفاقية قسّمت البحر قسمين: الأول يعود لكل من اليونان وقبرص الرومية، والثاني، شرق المتوسط حيث تركيا وليبيا.

وفوق أن أنقرة أفشلت ألاعيبهم جميعا، ضربت تلك الدول مجتمعة بعضها ببعض لأن الاتفاقية لم تكن قائمة على المصالح المشتركة بل على من يستطيع أن يسيطر على حصة إضافية من الآخر. 

إسرائيل من جهة واليونان من جهة أخرى، وكذلك إسرائيل ومصر من جهة واليونان من جهة أخرى، باتت كل هذه الاتفاقيات مصدر إزعاج كبيرة لهم، بحسب الكاتب.

وهذا ليس بالأمر الجديد، فلسنوات طويلة سرقت تلك الدول ثروات بعضها البعض، حيث نهبت اليونان من إسرائيل، واليونان فعلت ذات الأمر مع مصر، والحل أمامهم، إما أن تنفذ كل دولة حفرياتها منفردة أو أن يعيدوا حساباتهم مرة أخرى.

خططهم هذه وألاعيبهم – أضاف الكاتب – استمرت سنوات طويلة، أبطلتها الاتفاقية التي استغرقت 9 أيام من التحضير، لتصبح في يوم واحد كأنها لم تكن، ولهذا السبب، يحاولون تفكيك ليبيا ويهاجمونها عبر خليفة حفتر (اللواء الليبي المتقاعد) ودعمهم له على حساب الحكومة الشرعية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة. 

وذكر الكاتب أن خلف هذه المؤامرات وبشكل واضح، تقف كل من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وروسيا وإسرائيل، ومن العرب السعودية والإمارات ومصر. 

وأضاف أن "الممر الإرهابي الذي يمتد من الحدود الإيرانية إلى البحر الأبيض المتوسط لم يقتصر على حزب العمال الكردستاني، لقد كان حصارا، وجبهة متعددة الجنسيات، لكن بفضل عمليات نبع السلام ودرع الفرات وغيرها من العمليات الخاطفة أغلقت كل هذه الأبواب الشرقية منها والغربية وأصابتها في مقتل". 

وتابع الكاتب "بات الجميع يعرف أن حدود تركيا ليست مرتبطة بالأرض فقط، بل إن شعورنا تجاه أمتنا ووطننا تغير من جذوره، وعدنا إلى تلك المبادئ التي كنا ننادي بها في فترة الحرب العالمية الأولى، وأكدنا أنه ليس هناك قوة في الأرض قادرة على هزيمتنا أو إرغامنا على أن نحني رقابنا".

اتفاقيات مشابهة

هذه الاتفاقية قد تفتح الأبواب على عقد اتفاقات أخرى مع دول تتشاطأ البحر المتوسط مع تركيا ومنها ليبيا ومصر، وهذا الأمر مهم جدا بحسب الكاتب بل وضروري، ويصب في مصالح تركيا بشكل محقق، كما سيفيد البلدان ذاتها، فهذه المنطقة بالأساس للدول التي تقع عليها وليست لأوروبا أو أمريكا.

ويوضح أن تركيا تتخذ خطوات جيوسياسية كبيرة، مضيفا: "نحن نعلم أننا إذا لم نكن في منطقة البلقان والقوقاز، وفي شمال إفريقيا، وإذا لم نكن في البحر الأحمر والخليج، فلن نتمكن من البقاء في الأناضول وحماية إسطنبول". 

ووصف الكاتب ما يحدث بأنه نسخة جديدة من معركة باباروس عام 476م وعليه فالكثير من الأشياء سوف تتغير. 

الآن وبعد فشل كل خطواتهم وخططهم، يقول الكاتب: إنهم لجؤوا إلى خطة أخرى، وهي قناة إسطنبول والعمل على إفشالها، وهي بقايا عهد الوصاية القديمة على تركيا فترة الدولة العثمانية، "وعند الانتهاء من القناة سيعرف الجميع كيف كانت اتفاقية "مونترو" تحد من قدراتها وتعرقل مصالح الدولة". 

بدورها قالت الكاتبة هلال كابلان: إن اليونان، حاولت منذ ثلاثينيات القرن الماضي، اتخاذ خطوات من جانب واحد لزيادة الهيمنة الإقليمية لبحر إيجه تدريجيا، وكانت تركيا تقابل هذه الخطوات بشيء من الصبر و الهدوء، لكن هذا الأمر لم يستمر كثيرا، فهي أيضا بهدوء وبدون إصدار الكثير من الضوضاء، دافعت عن حقوقها البحرية شرق المتوسط.

وخلال عهد الرئيس ألكسيس تسيبراس، عمدت اليونان إلى السيطرة على البحرين المتوسط وإيجة عبر اتفاقيات مع مصر وإسرائيل وبدعم خلفي من الاتحاد الأوروبي واستحوذت على الثروة النفطية المكتنزة داخل المتوسط بدون التشارك مع أنقرة، بل على العكس تماما عمدت إلى إخراجها وحرمانها منها. 

ورأت الكاتبة أنه وبينما تحاول اليونان وقبرص الرومية ومصر وإسرائيل تدشين المنطقة الاقتصادية الخاصة في شرق المتوسط، اتجهت تركيا لمنع إدخال سفن الشركات الدولية التي تنقب عن الغاز وذلك بواسطة السفن القتالية التابعة لها، بل وتعمل السفن التركية على التنقيب عن الغاز في منطقتها الاقتصادية الخالصة لها بالتعاون مع شمال قبرص التركية. 

وشددت على أن خلاصة الاتفاقية مع ليبيا هو أنه لا يمكن العمل في المتوسط بدون تركيا وأنه وبدون حضور قوي لها، فإن أنقرة ستعيق جميع خطط السيادة "المزعومة" التي تنادي بها اليونان وقبرص الرومية شرق المتوسط. 

وكان الرئيس أردوغان أكد أن الاتفاقية تنسجم مع القانون الدولي، مبينا أن ليبيا استخدمت حقوقها كذلك في هذا القانون.

وفي حال دعت ليبيا، تركيا لإجراء مناورات أو استقدام جنود إلى أراضيها فأنقرة جاهزة لذلك وفق الشروط الصارمة والمحددة لإرسال جنود أتراك خارج الحدود، حيث شدد أردوغان أن بلاده جاهزة لتقديم كل سبل الدعم إلى الحكومة في طرابلس. 

ودعت كابلان إلى عدم الانخداع بأن الأمور تسير بشكل رتيب دون أي مشاكل تذكر، ناقلة عن مصادر رفيعة ليبية أنها دعت رئيس الحكومة الليبية فايز السراج، إلى قبول اقتراح الرئيس أردوغان إرسال جنود إلى ليبيا بسرعة، خاصة وأن أعداد المرتزقة الروس القادمين إلى ليبيا دعما للجنرال المتقاعد خليفة حفتر تزداد يوما بعد آخر.

حتى أن ثمة طائرة بدون طيار سقطت مؤخرا في ليبيا تأكد أنها طائرة روسية ما يشي بفداحة الدعم الروسي المقدم، بالرغم من أن الحكومة المعترف بها هي حكومة الوفاق في طرابلس. 

وصفت الكاتبة ما يحدث بأنه عملية معقدة ومتعددة الأطراف، ومع ذلك فإن مصادقة البرلمان على الاتفاقية مع ليبيا بموافقة كل الأحزاب المشاركة عدا، حزب الشعب الديمقراطي HDP يؤكد على وحدة الشعب التركي ووحدة أهدافه ويعزز من قوة تركيا في حماية حقوقها أينما كانت وضد أي جهة.