لماذا تسرع تل أبيب لإبرام اتفاقية "عدم اعتداء" مع دول الخليج؟

شدوى الصلاح | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في افتتاحيتها 5 ديسمبر/كانون الثاني الجاري، أشارت صحيفة "رأي اليوم" الصادرة من لندن إلى أن إسرائيل تسعى إلى استغلال المظاهرات الاحتجاجية المناهضة لإيران وحلفائها في المنطقة من أجل "تشريع" التطبيع مع دول عربية "ملكية" بعد فشل منظومة الناتو العربي والسني، تحت الذريعة القديمة الجديدة، أي مواجهة الخطر الإيراني.

ولفتت الصحيفة إلى أن إدارة ترامب تحاول تأسيس تحالف إسرائيلي خليجي بزعامتها لحماية الملاحة البحرية في مضيق هرمز تحت غطاء توقيع هذه الدول الأربع (الإمارات، البحرين، سلطنة عمان، المغرب)، معاهدة "عدم اعتداء" لتكون مقدمة للتطبيع الكامل، ويتولى هذه المهمة مايك بومبيو، وزير الخارجية.

وتحدثت الصحيفة عن ضغوط أمريكية متزايدة على العاهل المغربي ليكون أول الموافقين. وأكدت الصحيفة أن تل أبيب تحاول بيع "الوهم" للدول العربية الأربع، متسائلة: "متى كانت هذه الدول مستهدفة بالعداء الإسرائيلي، وهل سبق لها المشاركة في حروب مباشرة أو غير مباشرة مع دولة الاحتلال؟".

وواصلت الصحيفة تساؤلاتها: "لماذا تحاول إسرائيل دسّ أنفها في أمن دول الخليج، والتسلل إلى تحالف عربي أمريكي أوروبي لحماية الملاحة في مضيق هرمز، وهي التي ليست معروفة بسلاحها البحري القوي؟".

وفسرت الصحيفة مسارعة إسرائيل بأنها "تواجه خطرا وجوديا يُهددها هذه الأيام، وباتت تفقد قدرتها على حسم الحرب وعلى أكثر من جبهة، بسبب الردع الصاروخي لإيران وأذرعها العسكرية، ولهذا تحاول أن تجد لها مكانا في منطقة الخليج، وتُمهد لمواجهة عسكرية مع إيران تُورِّط الدول العربية وأمريكا فيها".

مبادرة تل أبيب

"قدمت إسرائيل مبادرة لعدد من الدول الخليجية ترمي إلى تطبيع كامل وعلني للعلاقات بين إسرائيل والدول الخليجية".. هكذا كشفت قناة التلفزة الإسرائيلية 12، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عن الأهداف الحقيقية وراء تلك المبادرة التي تتبناها واشنطن الآن. 

المبادرة تحمل عنوان "اتفاق عدم حرب أو اقتتال/عدم الاعتداء" بزعم أنها تصب في مصلحة التصدي لخطر إيران وتهدف إلى تحجيم نفوذها بالشرق الأوسط، وتحت تلك الدعاوى تحدث الجانب الإسرائيلي عن كم الجهود التي يبذلها الجانب الأمريكي لتحقيق تلك الاتفاقية.

ومن ثم، زار وفد إسرائيلي واشنطن مطلع الشهر الجاري، لبحث إمكانية التوصل إلى اتفاق، ما يعني أن الضغط الأمريكي هدفه الدفع بدول الخليج إلى المزيد من الاستسلام لتل أبيب وفتح أبواب المنطقة على مصراعيها لتسهيل مشروع الكيان الإسرائيلي في المنطقة الذي بدأ بإقامة علاقات سرية مع بعض الدول العربية والخليجية على وجه الخصوص، مرورا بالتطبيع وصولا إلى صفقة القرن.

وعلى أساس المخاوف المشتركة بشأن إيران والمصلحة المشتركة في تعزيز العلاقات التجارية، راهن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، على إقامة علاقات أقوى مع دول الخليج لتحقيق مكاسب سياسية.

وناشد على أساسها وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، وزير الخزانة الأمريكي لدعم إسرائيل في بناء علاقات اقتصادية مع دول الخليج، قائلا: "في ظل تهديدات إيران والتحالف بين أمريكا وإسرائيل ودول الخليج السنية تتبلور فرصة تاريخية يجب ألا نضيعها، والهدف هو التوقيع على اتفاقية عدم الاقتتال".

أمريكا تعي جيدا مدى أهمية دول الخليج بالنسبة لإسرائيل، لذلك عملت على تعزيز الروابط المتنامية بينهما خاصة بعد وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، واتخذت إدارته سلسلة واسعة من الخطوات دعما لـ"إسرائيل"، أبرزها الاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيلية، في خرق علني لكل القرارات الدولية ذات الصلة.

"الدولة اليهودية"

ذلك الاعتراف وغيره من المصالح الأخرى التي قدمتها أمريكا لإسرائيل، تفاخر بها الرئيس الأمريكي خلال كلمته أمام المؤتمر الوطني للمجلس الإسرائيلي الأمريكي "إيباك" 7 ديسمبر/تشرين أول الجاري، قائلا: إن "الدولة اليهودية" لم يكن لها صديق قط في البيت الأبيض أفضل منه.

وأضاف أن رؤساء الولايات المتحدة طوال عشرين عاما كانوا يعدون إسرائيل دون نية لوفاء تلك الوعود، "لكنني وعدت وأوفيت"، مشيرا إلى أن أفضل ما قدمه هو الانسحاب من اتفاق فيينا النووي "ومواجهة إيران، الراعي الأكبر للإرهاب حول العالم"، بحسب وصفه.

وتابع: "رؤساء ورؤساء حكومات وملوك حاولوا إقناعي دون جدوى بعدم الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.. كانوا يحذرونني من أن ذلك سيتسبب بموجات عنف لكنها لم تحدث"، معتبرا أيضا أن الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان "كان ضروريا لدعم الأمن الإسرائيلي".

كما دان ترامب حملات حركة مقاطعة إسرائيل "بي دي إس"، مؤكدا أن إدارته اتخذت قرارا باعتبار المستوطنات الإسرائيلية لا تتعارض مع القانون الدولي.

تحالفات جديدة

وفي هذا الصدد، قال شرحبيل الغريب، الكاتب والمحلل السياسي: إن تبني واشنطن نابع من إدراك الإدارة الامريكية بوحدة الهدف والموقف من خلق شرق أوسط جديد تكون فيه إسرائيل جزءا طبيعيا في المنطقة، تحت عنوان واضح هو التصدي للخطر الإيراني وتحجيم نفوذها في الشرق الأوسط ومواجهة مشاريعها وأذرعها وأي محاولة لتمددها.

وأضاف في حديثه لـ "الاستقلال": أن "إدارة ترامب تسعى لتشكيل تحالفات جديدة في المنطقة، تهدف بالدرجة الأولى إلى تعزيز العلاقات بين دول الخليج بشكل أوسع وأكبر مما هو عليه الآن، وشرعنة العلاقات عبر التطبيع بشكل علني دون خجل أو استحياء تحت حجج واهية  مثل مكافحة الإرهاب والتعاون الاقتصادي".

بدوره، كشف موقع آكسيوس الإلكتروني الأمريكي، أن البيت الأبيض، اتصل بعدد من الدول العربية لتشجيعهم على التوصل إلى اتفاقيات عدم اعتداء مع إسرائيل.

وأشار الموقع إلى أن ذلك التحرك ينسجم مع أحد أهم الأهداف الرئيسية لإدارة ترامب في الشرق الأوسط، وهو "تشجيع تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج" حيث تعتبر الإدارة الأمريكية، أن اتفاقيات عدم الاعتداء هي "خطوة وسطية" بين العلاقات السرية الحالية بين بعض دول مجلس التعاون الخليجي، وإسرائيل، على طريق التطبيع الكامل وتبادل علاقات دبلوماسية كاملة.

وأفصح الموقع عن لقاءات بين نائب مستشار الأمن القومي للرئيس ترامب لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فيكتوريا كوتس، وسفراء دول لا تقيم إسرائيل معهم علاقات دبلوماسية علنية، وهم "الإمارات والبحرين وعمان والمغرب" في واشنطن مؤخرا.

وألمح الموقع الأمريكي، إلى أن المبادرة يبدو أنها جاءت من "كوتس" تلبية لمبادرة وزير خارجية إسرائيل، التي تقدم بها في  اجتماع في نيويورك مع وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي، ووزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ولفت الموقع إلى أن "كوتس" أخبرت السفراء أن إدارة ترامب تؤيد تلك المبادرة، وترغب في معرفة موقف الدول الأربع.

تطبيع علني

الدول المشار إليها كشفت التقارير والتسريبات على مدار الأعوام الماضية، أنهم يقيمون علاقات "سرية" مع تل أبيب، وأثبتت المواقف الرسمية لتلك البلدان خروج تلك العلاقات وتحولها من "السر" إلى "العلن"، والتي تشمل مساعي لتطوير العلاقات وتعاون إستخباراتي واقتصادي.

في مارس/أذار الماضي، بينت صحيفة "الجارديان" البريطانية، أن نقطة التحول الرئيسية في العلاقة الخليجية الإسرائيلية كانت حرب عام 2006 بين إسرائيل وحزب الله، مؤكدة أن تلك اللحظة جعلت الدبلوماسية السرية بين إسرائيل ودول الخليج تتكثف.

ولفتت الصحيفة إلى أن "الدلائل تتراكم على تطور علاقات التقارب بين إسرائيل و5 من الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، التي لا يملك أي منها علاقات رسمية مع الدولة اليهودية".

وأكدت الصحيفة أن "مجيء ترامب عزز العلاقات السرية بين الخليج وإسرائيل"، مشيرة إلى أنه "أبرز هذا التغيير المتسارع في رحلته الخارجية الأولى كرئيس أمريكي إلى العاصمة الرياض، عندما توجه مباشرة بعدها إلى تل أبيب".

ولفتت إلى أن اجتماعات المسؤولين الخليجيين مع نتنياهو في وارسو في فبراير/شباط الماضي، تخطى أي شيء وقد يكون حدث في السابق، حيث تحول الشيء غير العادي إلى عادي.

وأشارت إلى وجود اعتراف عملي في العواصم الخليجية بمنافع الروابط الأمنية والتكنولوجية والاقتصادية مع إسرائيل، ليس فقط من أجل مصلحتهم، لكن أيضا بسبب نفوذها لدى أمريكا. وإسرائيل ترى الروابط مع الخليج بمثابة سبيل هام لتوضيح نفوذها في واشنطن".

"كامب ديفيد 2"

الدكتور صفي الدين حامد رئيس مركز العلاقات المصرية الأمريكية بواشنطن، يرى أن "الضغوط الإسرائيلية على واشنطن ودفع اللوبي الصهيوني للضغط لعمل اتفاقية عاجلة مع دول الخليج لعدم الاعتداء هو "تفكير صهيوني يهودي" للإصرار على قانونية العمل".

وأوضح في حديثه مع "الاستقلال": أن "إسرائيل تسعى لأن تصل لاتفاق مكتوب وموقع كما حدث في كامب ديفيد، كضمان أساسي لهم أمام العالم، بحيث إذا حدث إخلال بهذه الاتفاقية يستطيعوا أن يجيشوا العالم كله وراءهم، لأنه يعتبر هدم للقانون الدولي".

وربط حامد، بين مسارعة إسرائيل في الدفع نحو تحقيق ذلك، وما ستشهده أمريكا العام القادم، وتدخل في خضام الأحداث والذي يعد عام انتخابات سينشغل فيه الرئيس والسيناتورز ومجلس الشيوخ وكل الأذرع الإسرائيلية هناك.

وجزم بأن العجلة الإسرائيلية ترجع أيضا إلى إحساسهم بأن ترامب نفسه في حالة يرثى لها، وموضوع في فخ ويتم اتخاذ إجراءات لعزله، خاصة أن كل الأدلة الدامغة تجرمه وتثبت تعديه على الدستور الأمريكي. كل هذه الأحداث تجعل الإسرائيليين في عجلة من أمرهم للخروج باتفاقية موقعة مع الخليج.

وعن مصير مبادرة السلام العربية الآن بعد كل هذه الزخم من التطبيع العربي والخليجي مع إسرائيل، والتي وضعت شرط الاعتراف العربي بإسرائيل لقيام دولة فلسطينية، قال حامد: "ما يسمى بمبادرة السلام العربي التعيسة التي كانت على المسرح في السابق دفنت ولا نعلم أين هي مقبرتها".

مبادرة السلام

تلك المبادرة التي أطلقها الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، عام 2002 في القمة العربية ببيروت، للسلام  في الشرق الأوسط بين إسرائيل والفلسطينيين، بهدف إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليا على حدود 1967 وعودة اللاجئين وانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات الإسرائيلية مع الدول العربية.

مصادر مصرية كشفت منتصف العام الجاري، عن تحالف عربي جديد تقوده السعودية ويشارك فيه كل من مصر والبحرين والإمارات وسلطنة عُمان، من أجل التوصل إلى اتفاق على صياغة نهائية لمبادرة سلام جديدة مع دولة الاحتلال، ستُطلق رسميا منتصف العام المقبل 2020، حسب تقارير صحفية.

ونقلت التقارير عن مصادر مصرية قولها: إن بعض الدول العربية، على رأسها الإمارات، ورغم توقيعها على جميع بنود مبادرة السلام في قمة بيروت، تصفها الآن بأنها "معقدة"، وتطالب بقوة من أجل إلغائها وصياغة مبادرة جديدة وبتوافق عربي (لمن يرغب) تكون أكثر انفتاحا ومرونة في المنطقة.

في هذا الجانب، قال شرحبيل الغريب: "إسرائيل تدرك استحالة إبرام اتفاق سلام كامل في ظل استمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي حاليا"، معتبرا مبادرتها (عدم الاعتداء) "تسلل واضح ومنحاز من خلف مبادرة السلام العربية".

وأكد أن "تطبيق البند الذي ينص على تطبيع العلاقات مع إسرائيل مع تجاهل باقي البنود يزيد من جمود هذه المبادرة ويعدم فرص تطبيقها أمام الواقع الذي خلقته إسرائيل ودعمته أمريكا".

واعتبر الغريب المبادرة الإسرائيلية بمثابة "بدء عملي لتجاوز مبادرة السلام العربية، ويعطي موقفا أكثر وضوحا تجاه رفض الاحتلال أي فرصة لتحقيق السلام أو أي حل للدولتين الذي نصت عليه المبادرة، ويكرس واقع حقيقة قيام دولة إسرائيل ويكشف أطماعها في المنطقة ليس على مقدرات الشعب الفلسطيني فقط بل على مقدرات الأمة العربية والإسلامية.

"ناتو أوسطي"

فيما قال الدكتور حسام الدجني- أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة في غزة: إن "تلك المبادرة تمثل انقلابا على مبادرة السلام العربية التي تشترط أن يسبق التطبيع الإسرائيلي مع العالم العربي إنهاء للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وإقرار إسرائيل بأحقية الفلسطينيين بالأرض وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة".

وأوضح في حديثه لـ "الاستقلال": أن "اتفاقية عدم الاعتداء لو تمت فهذا يعني أن إسرائيل ليست بحاجة أن تقدم للفلسطينيين أي شيء بما يعني أن العرب انقلبوا على القضية الفلسطينية، وهذا يخدم توجهات إسرائيل في المنطقة". 

وأشار "الدجني" إلى أن الإدارة الأمريكية تعمل على تشكيل ناتو تكون إسرائيل جزءا أساسيا وفاعلا ورئيسيا فيه ضد إيران وضد المشاريع الإيرانية، وهو دعم لإسرائيل سياسيا وعسكريا وأمنيا في منطقة الشرق الأوسط بما يحقق حلم شيمون بيريز في بناء الشرق الأوسط الجديد والكبير الذي ترعاه الولايات المتحدة لمصالحها".

الدجني تمنى أن "يوقع الخليج مبادرة عدم اعتداء مع إيران"، مؤكدا أن هذا من شأنه "تقوية المناخ العربي والإسلامي ويضمن أمن المضيق وأمن الملاحة في منطقة الخليج، ويساهم في استقرار الخليج بشكل كبير".

ورأى "الدجني" أن ذلك ربما يدفع إسرائيل بشكل أكبر لاستحقاقات شرعها القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية بإقامة دولة فلسطينية بسيادة فلسطينية كاملة.