رغم تصدر التشريعية ورئاسة البرلمان.. أسباب تواصل خلافات النهضة

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"أشعر وكأننا بصدد استعادة نفس أخطاء الماضي. كنت ولا أزال أعتقد أن الحكومة القادمة ربما تكون الفرصة الأخيرة للبلاد، لم يعد لدينا هامش خطأ. الغلطة بفلقة كما يقول المثل". بهذه الكلمات خط الأمين العام لحركة النهضة التونسية والوزير في الحكومة زياد العذاري بيان استقالته من جميع المناصب القيادية في الحركة.

الاستقالة أثارت موجة من الجدل، أولا في صفوف حركته، التي تتحمل الآن المسؤولية السياسية الأكبر في البلاد، وثانيا في صفوف المتابعين والمراقبين للتحالف الحكومي المقبل.

العذاري قال في بيانه: "أجدني شخصيا في النهاية عاجزا على المواصلة في ظل مسار (أرى شخصيا) أنه يضعنا اليوم ويضع البلاد على سكة محفوفة بالمخاطر لا نعرف تداعياتها وكلفتها على البلاد".

استقالة مفاجئة

استقالة العذاري المفاجئة، جاءت بعد أيام من تكليف رئيس الجمهورية قيس سعيّد لمرشح حركة النهضة الحبيب الجملي برئاسة الحكومة الجديدة، وفق ما تقتضيه أحكام الدستور، باعتبار الحركة الحزب الفائز بالمركز الأول في الانتخابات التشريعية الأخيرة.

العذاري برر استقالته بأنها جاءت "بعد تقييمه للمسار الذي أخذته البلاد منذ مدة، خاصة عددا من القرارات الكبرى للحزب في الفترة الأخيرة"، واعتبر أن قرارات الحزب وعلى رأسها مسار تشكيل الحكومة الجديدة، "لا ترتقي إلى انتظارات التونسيين ولا إلى مستوى الرسالة التي عبروا عنها في الانتخابات الأخيرة".

تعتبر هذه الاستقالة هي الأكبر من حيث المركز القيادي في حركة النهضة بعد استقالة رئيس الحكومة الأسبق والأمين العام للحركة حمادي الجبالي في العام 2013.

كما أنها تأتي في وقت تشهد فيه المشاورات الجارية لتشكيل الحكومة تعثّرا كبيرا، خاصة بعد إعلان حركة الشعب (القومية) وحزب التيار الديمقراطي مقاطعتهما لها ورفضهما المشاركة في الحكومة المقبلة.

أزمة الحكومة

تقلد زياد العذاري (44 عاما) منصب الأمين العام لحركة النهضة في يوليو/تموز 2016، إثر المؤتمر العاشر لحركة النهضة والذي أقرت فيه توجها جديدا يقر بانفتاح سياسي، وفصل ما بين الدعوي والسياسي وتوجه لإنجاح تجربة مشاركتها في الحكم.

ومنذ قرار حركة النهضة بالتوافق مع حركة "نداء تونس" والمشاركة في حكومتها، والعذاري يتداول على المناصب الوزارية حيث تولى وزارة التشغيل في حكومة الحبيب الصيد، ثم وزارة التنمية في حكومة يوسف الشاهد، التي لم يغادرها إلا بعد انتخابه نائبا عن دائرة سوسة في مجلس نواب الشعب (البرلمان) الجديد.

بعد يوم واحد من إعلان استقالته، وفي لقاء تلفزيوني على قناة "التاسعة" انتقد العذاري قرار مجلس شورى الحركة، مشككا في استقلالية رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي الذي وصفه بأنه خيار خاطئ وغير موفق.

العذاري قال: "نريد تنوعا في الرئاسات الثلاث وبالتالي يجب على رئيس الحكومة أن يكون مستقلا. أنا ضد الهيمنة السياسية على كل المناصب، رئاسة الحكومة تستوجب القدرة على الدفاع، فهم ملفات معقدة، تحمل ضغوطات، الوقوف ضد اللوبيات، معرفة الدولة".

وأضاف: أن "اسم الجملي لم يكن مطروحا في البداية، بل إنه فرض في آخر وقت من مجلس شورى النهضة، ولم يجد الغنوشي من خيار سوى القبول به رغم أنه كان بإمكانه الرفض"، وفق قوله.

هذه الاستقالة قوبلت باستنكار من قبل رئيس مجلس شورى النهضة عبدالكريم الهاروني، الذي اعتبر بوح العذاري بالخلافات التي تجرى في صلب الحركة إلى الإعلام يمكن أن يشوش على مسار المشاورات لتشكيل الحكومة.

كما أكد الهاروني أن الحركة تجدد دعمها لرئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي حتى يتمكن من إتمام المشاورات لتشكيل حكومته.

وتوقع المحلل السياسي التونسي بولبابة سالم أن تلقي استقالة زياد العذاري بظلالها على الحزب، خاصة وأنه الأمين العام للحزب منذ مدة ومطلع عن قرب على العديد من الملفات الداخلية للحزب، كما أنه كان يمسك بملفات كبيرة في علاقة الحزب بالحكومة.

وأضاف سالم لـ"الاستقلال": "العذاري كانت  له طموحات كبيرة منها تولي منصب رئاسة الحكومة، وربما يرى نفسه أنه ظلم حين لم يزكى لتولي هذا المنصب، حيث يرى في نفسه أنه أكفأ من الحبيب الجملي، وأنه قدم أداء جيدا منذ دخوله للحكومة في العام 2014".

ورغم أن العذاري لا يمثل القيادات التاريخية في النهضة والمتشبثة بالأسس الأيديولوجية للحركة، إلا أن هذه الاستقالة "ستبعث برسالة قوية لقيادة النهضة خلال المرحلة القادمة"، حسب سالم. 

الخلافات تتجدد

تجددت الخلافات داخل حركة النهضة، بعد نجاح الحركة في الفوز بالانتخابات التشريعية، وإيصال رئيسها راشد الغنوشي إلى رئاسة السلطة التشريعية في تونس، وهو المنصب الرسمي الأول الذي يتقلده الغنوشي في حياته.

هذه الخلافات سبقتها خلافات أخرى قبيل انطلاق الحملة الانتخابية التشريعية، وتحديدا في مرحلة تشكيل القوائم الانتخابية للحزب، حينها أعلن مستشار رئيس الحركة لطفي زيتون استقالته من منصبه بعد استبعاده من قائمة دائرة تونس 1 التي ترأسها الغنوشي بنفسه.

كما خرجت إلى العلن خلافات جدية، حيث اتهمت قيادات بارزة في الحركة يتقدمها الوزير السابق محمد بن سالم ونائب رئيس الحركة السابق عبدالحميد الجلاصي، والوزير السابق عبداللطيف المكي، رئيس الحركة الغنوشي بالظلم، بعد أن تم تغيير القوائم الانتخابية التي أفرزتها الانتخابات التمهيدية للحزب.

حينها اعتبر عدد من القيادات داخل حركة النهضة توجه الغنوشي للترشح على رأس قائمة الحركة في دائرة العاصمة تونس للانتخابات التشريعية لتعويض نفوذه السياسي في رئاسة الحزب إلى داخل البرلمان إما عبر ترؤس كتلته أو النجاح في الوصول لرئاسة البرلمان.

ويرى المحلل السياسي بولبابة سالم أن تأثيرات سلبية تشكيل الحكومة على البيت الداخلي للنهضة مرجحة ومتوقعة، قائلا: "في حال نجح الحبيب الجملي في تشكيل الحكومة بحركة النهضة وقلب تونس أي المنظومة القديمة سيكون لذلك تأثير على المؤتمر القادم لحركة النهضة، لأنه يوجد تيار داخل النهضة، يدعو إلى القطع مع المنظومة القديمة، والتفاعل إيجابيا مع نتائج الانتخابات حيث صوت التونسيون للتغيير والخط المحسوب على الثورة مثل ائتلاف الكرامة وحركة الشعب والتيار الديمقراطي".

وأكد المحلل السياسي أن هذا التيار يصطدم مع تيار آخر داخل النهضة، يدعو إلى التماهي مع المنظومة القديمة أو التي يصفها التونسيون بـ"السيستام"، ويسعى لتشكيل حكومة معه في إطار سياسة التوافق، وهو غير متحمس للعمل مع تيار الديمقراطي وحركة الشعب، وعدد من عناصر هذا التيار هي التي خرجت لتصرح بعدد من المواقف بعد الانتخابات وسعت إلى نسج تحالف في البرلمان أدى إلى انتخاب راشد الغنوشي رئيسا للبرلمان وسميرة الشواشي القيادية في قلب تونس نائبة له".

وأضاف: "يبدو أننا سنرى في المؤتمر القادم لحركة النهضة صراعا كبيرا ، خاصة وأن الغنوشي يقود الحزب  لآخر دورة له بحكم القانون الأساسي للحركة، إلا أن بعض الأصوات المقربة منه بدأت تدعو إما لتأجيل المؤتمر أو تغيير القانون الداخلي للحزب من أجل السماح للغنوشي بالترشح لدورة قادمة، وجاء هذا على لسان رئيس كتلة النهضة نور الدين البحيري والقيادي رفيق عبدالسلام".