زار السودان مرارا.. كيف وظفت الإمارات "الجفري" سياسيا؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أثارت زيارة رجل الدين الصوفي الحبيب علي الجفري المتكررة إلى السودان تساؤلات كثير من المتابعين لتحركات الجفري الذي يرأس مؤسسة طابة للأبحاث والدراسات في أبوظبي.

الجفري أجرى عدة زيارات إلى السودان، وعقد لقاءات مع مشايخ الطرق الصوفية، وأعقبها بعد ذلك عدة مؤتمرات، دشنتها مؤسسة طابة المدعومة من قبل أبوظبي، عقدت في عدة أماكن، منها مؤتمران في الشيشان، أحدهما مؤتمر "التصوف أمان للإنسان واستقرار للأوطان" في سبتمبر/أيلول 2014، والثاني مؤتمر جروزني الشهير بعنوان "من هم أهل السنة والجماعة"، في أغسطس/آب  2016.

بحسب الباحث في العلاقات الدولية والجماعات الإسلامية عصام القيسي، في حديث للاستقلال، "فإن للجفري مشروعا في السودان يسعى من خلاله لتجميع الطرق الصوفية وتنظيم جهدها وضمها إلى المعسكر العالمي للصوفية، ثم العمل على بلورة نسخة إسلامية، وفق الرؤية التي يقدمها الغرب وتدعمها الإمارات، والتي تسعى من خلالها للقضاء على الإسلام السني، والحركة الإخوانية على وجه الخصوص، وإحلال النسخة الصوفية مكانها"، يضيف القيسي: "إحلال الصوفية بديلا عن الإسلام السني هي في واقع الأمر رغبة غربية، والإمارات أداة لتنفيذ هذا المشروع، وقد رفع مركز راند للدراسات، وهو مركز مدعوم أمريكيا، توصيات لإحلال الصوفية محل الحركات السنية".

وبالفعل تمكن الجفري من ضم عدد من رموز التصوف السوداني والدفع بهم لحضور مؤتمر جروزني، كان منهم محمد حسن الفاتح، شيخ الطريقة السمانية ورئيس المجمع الصوفي العام، وصلاح الدين سر الختم، نائب رئيس المجمع الصوفي العام، ومحمد توم الأمين، مسؤول المال بالمجمع الصوفي العام.

تم انتقاء علماء الصوفية لحضور مؤتمر جروزني، وفي المقابل تم استبعاد كل الرموز السنية والسلفية والإخوان المسلمين، وفي المؤتمر تحدث المشاركون عن نسخة من الإسلام الوسطي.

وفي بيانهم الختامي، استبعد المشاركون المؤسسة التقليدية السعودية، من تمثيلها للإسلام الذي يتم العمل على صياغته وتصديره للعالم العربي والإسلامي، بعيدا عن الجماعات التي قالت إنها إرهابية ومتطرفة. 

التوظيف السياسي

حسب عالم الاجتماع السوداني الدكتور حيدر إبراهيم، "لطالما كانت الطرق الصوفية في السودان محل توظيف من قبل السياسيين، وفترة الرئيس الأسبق جعفر النميري كانت مثالا للاستخدام السياسي للطرق الصوفية في المعارك السياسية؛ لأنه عجز، بنظره، عن أن يبني حزبا سياسيا يجمع الناس حوله".

وأضاف إبراهيم: "الطرق الصوفية لا تلعب دورا سياسيا إلا عندما توظف وتستخدم من قِبل السياسيين، ويبدو أن ذلك هو ديدن السلطات والساسة الذين تعاقبوا على حكم السودان".

وكان الشيخ محمد المنتصر الأزريق، وهو من صوفية السودان قد ذكر في خطاب له أن وفدا من صوفية السودان، كان هو أحدهم، قام بزيارة للولايات المتحدة الأمريكية، وجلس الوفد مع الإدارة الأمريكية، وقال المنتصر: "جلسنا مع الإدارة الأمريكية، مع الصف الأول من مسؤولي البيت الأبيض، والصف الأول من الكونجرس الأمريكي، والصف الأول من الأمن القومي، والصف الأول من الخارجية الأمريكية، ومراكز بحثية وكنائس، في ورشة عنوانها "مرتكزات التطرف الفكرية.. كيف يصنع التطرف مالا وفكرا"، ووضعنا على مائدة النقاش ما نعرف وتعرف من هو المتطرف"، وأضاف المنتصر: "هذه الورشة خرجت بأن التصوف هو الإسلام المعتدل، وينبغي التعاون ما بين الغرب على مظلة التعايش السلمي بين الأديان، على مظلة تبادل المصالح والمنافع، حتى نحقق السلام".

وفي دراسته "البديل الغربي للتيار السلفي" يقول محمد المقدي: "أدرك الإنجليز أن الطرق الصوفية تلعب دورا مهما من خلال مزاولة أنشطتها بين الطبقة العامة من الشعب، فالصوفية بدعوتها الظاهرية إلى الزهد وترك مباهج الحياة والانصراف عن الدنيا، يمكن أن تضفي الصبغة الدينية على موقف الخنوع والخضوع للمحتل الأجنبي بخلفيات قدرية اتكالية استسلامية، ولهذا حرصت سلطات الاحتلال على إطلاق يد الطرق الصوفية في ممارسة أنشطتها".

ولعل تلك كانت هي ذات الرغبة التي تدعو إليها الولايات المتحدة، حيث دعا الخبير في سياسات الشرق الأوسط الأمريكي برنارد لويس إلى "العمل مع الصوفيين، وترك العمل مع السفليين، كون العمل معهم يعد مخاطرة"، على حد قوله.

في وقت سابق، أثنى الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما على النموذج المنفتح للإسلام، واستشهد بعبارة لرجل الدين الموريتاني المتصوف عبدالله بن بيه، الذي كان أبرز الحاضرين في مؤتمر جروزني.

بالإضافة إلى ذلك، يلاحظ أن الجفري، في مشروعه بالسودان، يركز على الرموز الصوفية ذات الصلة الحميمة بالغرب، حيث يحظى أبرز معاونيه بالسودان وهو محمد حسن الفاتح، شيخ الطريقة السمانية ورئيس المجمع الصوفي العام، بتقدير كبير في بريطانيا التي نشأ فيها.

ويحظى الفاتح بتقدير كبير لدى السفراء الأوروبيين بالسودان، كما تتم دعوته سنويا لأنشطة دينية بالولايات المتحدة منها الإفطار الرمضاني السنوي للرئيس الأمريكي وغيرها، لذا يعتبر الفاتح ركيزة المشروع الجفروي بالسودان. 

نقطة تحول

في محاولة منهم لربط الإخوان بداعش والإرهاب، قال الجفري في مؤتمر جروزني: "الخطوة القادمة هي عقد مؤتمر (منطلقات التكفير السبعة) التي بنى عليها القطبيون (نسبة للشهيد سيد قطب) فكرهم، ومن تفرع عنهم من القاعدة وتنظيم الدولة"، حسب قوله.

وقالت مؤسسة "طابة" التابعة للجفري في بيان: "انعقاد المؤتمر يأتي في وقت تشتد فيه فتن كثيرة تعصف بالأمة، في ظل محاولات اختطاف لقب أهل السنة والجماعة، من طوائف من خوارج العصر والمارقين والعابثين بالشريعة المطهرة الذين تُسْتَغل ممارساتهم الخاطئة لتشويه صورة الدين الإسلامي".

وفي مؤتمر "التصوف أمان للإنسان واستقرار للأوطان" الذي عقد في الشيشان في سبتمبر/أيلول 2014،  تحدث المؤتمرون عن دور التصوف في استقرار المجتمعات والأوطان، ودوره في الحد من التطرف والإرهاب، في إشارة للحركات الإسلامية التي تبنت فكرة الحراك الثوري في بلدان الربيع العربي.

ونص المشاركون في مؤتمر الشيشان 2016 الذي حضره عدد كبير من رموز الصوفية بالإضافة لشيخ الأزهر أحمد الطيب ومفتي نظام بشار الأسد أحمد حسونة، على: "أن المؤتمر يمثل نقطة تحول هامة وضرورية لتصويب الانحراف الحاد والخطير الذي طال مفهوم أهل السنة والجماعة إثر محاولات اختطاف المتطرفين لهذا اللقب الشريف وقصره على أنفسهم وإخراج أهله منه"، وفقا لتعبيرهم.

وبالقدر الذي استبعد المؤتمر الحركة الإخوانية من تمثيلها للإسلام، بل وربطها بالإرهاب، استبعد المؤتمر كذلك المؤسسة الدينية السعودية من تمثيلها لأهل السنة والجماعة، وذلك لأنها بنظر معظم المشاركين حاضنة للإرهاب.

كما حددوا المؤسسات الدينية السنية العريقة بأنها الأزهر الشريف، والقرويين، والزيتونة، وحضرموت ومراكز العلم والبحث فيما بينها ومع المؤسسات الدينية والعلمية في روسيا الاتحادية. 

كان رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف قد أجرى عدة زيارات لأبوظبي، كان آخرها في أبريل/نيسان الماضي، وأثناء لقائه بولي عهد أبوظبي محمد بن زايد أشاد قديروف بدور الإمارات في العمل على نشر السلام والتسامح ومحاربة الإرهاب.

غطاء بحثي

وحسب متابعين، فإن مؤسسة طابة التي يرأسها الجفري رجل الدين المقرب من محمد بن زايد، تتخذ من نشاطها في الأبحاث والدراسات غطاء لممارسة نشاطها الحقيقي الذي يتمثل بخدمة التوجه الإماراتي في استقطاب رجال دين يعملون لحسابها في عدد من البلدان العربية والإسلامية، خاصة تلك التي تشهد حراكا ثوريا، وترويج مشروع الإمارات في تصدير نسخة إسلامية بديلة عن الإسلام السني الحركي في المنطقة.

وفي مسعى منها لاستدعاء الصوفية والاعتماد عليها في تصدير نسخة من الإسلام تكون الإمارات صاحبة المرجعية فيها والمكونة للتصور العام لها، ألمح السفير عبدالله النعيمي المندوب الدائم للإمارات في اليونسكو إلى أنه قبل دخول الفكر المتشدد إلى دول الخليج كانت الصوفية تتسيد المشهد، لكن جاءت الأفكار المتشددة للقضاء على بعض مظاهر التبرك والأضرحة، حسب قوله.

وأضاف في حديثه لإذاعة "مونت كارلو الدولية": أن "المذهب الصوفي ظاهرة كونية لا يمكن أن نفصل الخليجيين عنها، وهي أتت بعد فترة من العنف في العلاقات الدينية، وأن انجذاب الشباب الخليجي نحوها لأنها الأقرب للروحانية".

وإلى جانب استقطابها لرموز صوفية سودانية، تمكنت مؤسسة طابة، من استقطاب رجل الدين الموريتاني عبدالله بن بيه، الذي أسس بدعم منها "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات الإسلامية" وضم عددا كبيرا من رموز الصوفية.

وهاجم ابن بيه المؤسسات السنية التقليدية، منها مؤسسة الفتيا في السعودية المتمثلة بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، داعيا إلى إعادة تثبيت سلطة المرجعية في الأمة، ما يعني تأسيس مرجعية جديدة للأمة بديلة عن الإسلام الحركي السني.

وعملت مؤسسة طابة، إلى جانب ذلك، على دعم منظمة "مؤمنون بلا حدود" التي تنتشر في أكثر من بلد عربي، وتدعم الرؤية الإماراتية في تقديم إسلام بديل للإسلام السني الحركي، ويقدم نفسه كمرجعية بديلة للإسلام التقليدي في المنطقة العربية.