"لوفيجارو": لماذا باتت احتجاجات الجزائر قنبلة موقوتة؟

12

طباعة

مشاركة

بعدما أجبرت حركة الاحتجاج الجزائرية، الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة على الاستقالة في أبريل/ نيسان الماضي، تستعد البلاد لانتخابات رئاسية في الشهر الجاري، لا تحظى برضى المتظاهرين، وهو خطر قد يقود البلاد للمجهول ويثير موجة هجرة جديدة للشباب، وتحديدا لفرنسا.

بهذه الكلمات علقت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية على الحراك الذي تشهده الجزائر منذ 22 فبراير/ شباط 2019، للمطالبة بالإطاحة بـ"النظام" السياسي الحاكم، خاصة في ظل إصرار المحتجين في الأسابيع الأخيرة على رفض الانتخابات الرئاسية المقررة في 12 من شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري، بداعي أن أركان "النظام" يجرونها بهدف إعادة إنتاجه.

وقالت الصحيفة: حمل الهادي في يوم الجمعة 22 من نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، العلم الجزائري على أكتافه، مبتهجا، والهاتف الذكي في يده يصور وينشر على الشبكات الاجتماعية فرحة المتظاهرين وهم يرددون شعارات معادية للحكومة الحالية".

وأشارت إلى أن هذه التظاهرة كانت المرة الأربعين التي ينزل فيها هذا المزارع لشوارع الجزائر على التوالي مع زوجته وابنته، موضحة أنه في كل أسبوع، يغادر الرجل البالغ من العمر 49 عاما، بابتسامة لا تغيب، مزرعته في شاحنته باتجاه العاصمة.

وأكدت الصحيفة أن الهادي لا يفوت المشاركة في "مظاهرات الجمعة" التي أصبحت بالنسبة له رمزا لمقاومة شعب قرر عدم الركوع، ففي الأسبوع السابق، تحدى هذا المزارع المطر والبرد بنفس الحماس، حيث إنه من أوائل المشاركين في الحراك الذي وُلد تلقائيا للاحتجاج على الولاية الخامسة لبوتفليقة، وهو الرئيس الذي تسبب طول وجوده بالسلطة بمعاناة للجزائريين لا نهاية لها ولا تحتمل.

ونوهت إلى أن استقالة رئيس الدولة، الذي تقلص دوره بشدة عقب تعرضه لجلطة دماغية، في أبريل/ نيسان، لم تهدّئ المحتجين، بل على العكس من ذلك: "الحراكيون" يريدون مواصلة حركتهم للتخلص من النظام الذي يسيطر عليه الجيش منذ ذلك الحين، رافضين الانتخابات الرئاسية التي فرضها الجنرال أحمد قايد صالح، رئيس الأركان والرجل القوي في الوقت الراهن.

حان وقت الاستيقاظ

وقال الهادي للصحيفة: "نحن في الشهر التاسع من هذا الحراك، هذا ولادة جديدة بالنسبة لنا، كنا في غيبوبة وعدنا إلى الحياة، لم أكن أتوقع أن أرى يوما ما هذا، اعتقدت أن الجزائريين، بسبب الإذلال والعنف، كسرت معنوياتهم، أنا عن نفسي، تخليت عن مقاومة السلطة التي استمرت في ازدراء الشعب، لكن في 22 فبراير/ شباط الماضي، استيقظت ولا أريد العودة إلى النوم أبدا".

ولفت هذا المزارع إلى فترة الحرب الأهلية، قائلا: "لقد ساعدت المدنيين على تنظيم أنفسهم في مجموعات للدفاع عن النفس. لكنني رأيت أيضا العديد من الجثث الميتة. التقطت بيدي رؤوس ألقيت في الشوارع. هذه الذكريات لن تتركني أبدا، لقد جعلتني أشمئز من السياسة، لأنني رأيت ماذا جلبت لنا. لكن اليوم، لم أعد أهتم بمزارعي، لأنني أكثر سياسة من أي وقت مضى، حتى لا يعيد هذا الشباب إحياء ما عانينا منه خلال الحرب الأهلية".

ووفقا للصحيفة الفرنسية، فإن شوارع العاصمة، قبل أيام قليلة من الانتخابات الرئاسية، تظل اللوحات الإعلانية للحملة الانتخابية فارغة بشكل يائس أو تستخدم كوسيلة للمتظاهرين، الذين يلصقون صور رفاقهم المحتجزين، ويكتبون شعارات معادية للمرشحين الخمسة مثل "لن أصوت ضد وطني".

التخريب الانتخابي

وأشارت "لوفيجارو" إلى أن استمرار المتظاهرين في الاحتجاج على الرغم من رحيل بوتفليقة، يعني رفضهم للمرشحين الخمسة للانتخابات الرئاسية المقررة، إذ ينظر إليهم جميعا على أنهم من أذناب النظام السابق، فأربعة منهم وزراء سابقون، مثل المرشحين علي بن فليس، وزير العدل السابق، وعبد المجيد تبون، رئيس الحكومة السابق.

وأكدت أنه مع اقتراب موعد الانتخابات، يزداد الوضع توترا كل يوم، وكذلك الاعتقالات (عدة مئات في الأسبوع الماضي) وتصبح الإدانات أشد. وذكرت أنه تحت الضوء الخافت لغرفة مضاءة بالنيون في قبو مبنى وسط الجزائر العاصمة، تحدى بعض النشطاء والطلاب الحظر، وعقدوا لقاء لمناقشة استمرار الحراك، لكن في هذا اليوم، بدت الوجوه متوترة، فهناك أنباء عن اعتقالات باستمرار.

وبيّنت الصحيفة أن الاجتماع، الذي كان من المفترض أن يكون ورشة عمل حول الشعارات، تحول إلى نقاش حول المتابعة التي ستُعطى لهذه الحركة، وبشكل خاص حول الاحتياطات الواجب اتخاذها في مواجهة القمع الذي أصبح أكثر شراسة.

مواصلة التحدي

ونقلت "لوفيجارو" عن مراد، طالب الفيزياء في جامعة باب الزوار في الجزائر العاصمة، قوله: "نحاول إبقاء الحراك على قيد الحياة بالجامعة في محاولة لتنظيم إضرابات"، حيث في الأسابيع الأخيرة، بدأت الحركة تفقد قوتها في وجه اللوائح الأكثر صرامة، ولكن أيضا في مواجهة الواقع.

وتابع: "هناك اختبارات يجب اجتيازها ولا يريد الطلاب الفشل، ولكن إذا لم يكن لدينا عدد، لدينا ميزة، الأكثرية مصممون مثلي على مواصلة التحدي، وبقدر ما أشعر بالقلق، لن أتخلى عن هدفي، بغض النظر عن التكلفة".

وقال مراد أيضا: عندما كان بوتفليقة على رأس السلطة "كنت أخطط لمغادرة البلاد والتوجه إلى فرنسا على غرار العديد من الشباب، من أجل التمتع بحياة أفضل، سأغادر بالتأكيد، لكن ليس الآن، أريد أن أقاتل من أجل هذه الحرية التي لم أكن أعرفها في الجزائر، لقد كنا دائما مقيدين وممنوعين من المناقشة السياسية، وتغير الأمر حاليا".

هذا هو أيضا رأي أمين، البالغ من العمر ثلاثين عاما، تضيف الصحيفة، والذي يشارك في الحراك أيضا مع المتظاهرين منذ البداية، بلا كلل، يقضي أيامه ولياليه في البحث عن شعارات جديدة، وحشد المزيد من المتظاهرين كل أسبوع.

لكن هذا الشاب مختلف حيث يحمل الجنسية الفرنسية بجانب الجزائرية، لكنه اختار البقاء مع رفاقه من المحتجين، ويقول: "نريد تغيير الوجه السياسي للجزائر. 70 بالمئة من السكان تحت سن 35، ومع ذلك يحكمها طريح الفراش. لن نتراجع لأننا تعرضنا للإهانة. نريد اختيار سياساتنا، مستقبلنا. نريد نظاما برلمانيا ورئاسيا أكثر، قبل كل شيء، يحتاج الشباب إلى تولي القيادة لتنفيذ مطالبنا".

أما صهيب، 28 عاما، فمن جهته يؤكد للصحفية الفرنسية أنه "لا يريد الانتظار وينفذ صبره"، فهذا  الشاب الذي لم تتح له الفرصة في بلد يعاني من البطالة والفساد، يشير إلى أنه كيف حاول أكثر من مرة الهجرة إلى فرنسا سرا عن طريق البحر.

فآخر مرة حاول فيها هذا الشاب ذلك كان في مارس/ شباط 2019، مع عدد من أصدقائه لكنه تراجع، ويقول: "لقد نجحوا، هم في فرنسا الآن وأنا هنا. لكنني اخترت البقاء بسبب حراك".

وأضاف مبتسما: "كنت مستعدا للموت أثناء محاولتي الفرار من هذا البلد لأننا، على أية حال، نذوق الموت يوميا. في حين أصبحت اليوم أنتظر يوم الجمعة كل أسبوع"، مؤكدا أنه في ظل هذه الحراك "أريد أن أبقى للإسهام في هذه الثورة وإعطاء شبابنا فرصة للخروج من هذا الركود".

واختتمت الصحيفة تقريرها بالقول: إن صهيب هو أحد أولئك الذين يرفضون الانتخابات الرئاسية وأي حوار مع الحكومة، ووفقا له "كل شيء أو لا شيء. يجب أن يغادروا جميعا السلطة، ليس لدينا خيار، يجب أن تحررنا هذه الثورة، لأنه إذا فشلنا لن يكون هناك شيء سوى اليأس في هذا البلد، وسيتعين على فرنسا الاستعداد لأننا سنهاجر إليها بكثرة".