اتفاقيات تركيا وليبيا تصطدم بأحلام 4 دول.. ما القصة؟

سليمان حيدر | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أثارت اتفاقات تركيا مع حكومة "الوفاق" الليبية المعترف بها دوليا، رفضا من قبل اليونان ومصر وقبرص، الثلاثي المعروف بمعاداته لأنقرة، على الرغم من اعتقاد البعض أن تلك الاتفاقيات ستغير المشهد في الداخل الليبي وفي شرق المتوسط.

فما الذي أزعج هذه الدول بالتحديد؟ وما الذي تنص عليه هذه الاتفاقيات؟ وهل ستتضرر هذه الدول منها؟ وما علاقتها بالوجود الروسي في ليبيا؟ وما هي أسباب التحركات الدبلوماسية الأمريكية الأخيرة لإنهاء الصراع هناك؟. 

اتفاقيات مشتركة

كشف رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون في عدة تغريدات تفاصيل الاتفاقيات الجديدة الموقعة بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية، مؤكدا أن اتفاق التعاون الأمني والعسكري الموقَّع في ليبيا هو نسخة أوسع من اتفاق التعاون العسكري السابق.

وأشار ألطون إلى أن المذكرة هي الأولى حول التعاون الأمني والعسكري بين البلدين، والثانية حول السيادة على المناطق البحرية، التي تهدف إلى حماية حقوق البلدين النابعة من القانون الدولي، وأن الاتفاقية الجديدة تؤسس لعمليات التدريب والتعليم، وتهيكل الإطار القانوني، وتعزز العلاقات بين الجيشين التركي والليبي.

وقال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو: إن تركيا يمكنها إجراء مباحثات مع جميع الدول حول مناطق الولاية البحرية في البحر المتوسط، باستثناء إدارة جنوب قبرص الرومية.

وبين أن الأمر يشمل أيضا البلدان التي من غير الممكن في الوقت الراهن التعامل معها لأسباب معلومة، في إشارة إلى النظام المصري الحالي بقيادة عبدالفتاح السيسي لرفض تركيا الاعتراف بالانقلاب العسكري الذي وقع في 2013 في مصر على الرئيس الراحل محمد مرسي. 

وأكد وزير الخارجية التركي أن بلاده تؤيد التقاسم العادل للثروات، في الوقت الذي تحرص فيه على حماية حقوقها النابعة من القانون الدولي، سواء في شرق المتوسط أو بحر  إيجة.

وردا على الدول المعترضة على الاتفاق قال تشاووش أوغلو: "إذا كانت هناك دول لا تبدي رغبة في هذا الإطار، فهذا شأن يعنيها، أما نحن فسنواصل المباحثات مع بقية البلدان خلال الفترة القادمة كلما توافرت الأرضية المناسبة".

إذا، الاتفاقات التي وقعتها أنقرة مع حكومة الوفاق لها أكثر من هدف، أهمها حماية حقوق كل من تركيا وليبيا من الثروات الطبيعية الواقعة في شرق البحر المتوسط الزاخر بالثروات، خاصة بعد اتفاق كل من اليونان ومصر وقبرص وإسرائيل على التنقيب عن الغاز الطبيعي في البحر المتوسط بعيدا عن التفاهم مع تركيا ولبنان وفلسطين المحتلة. 

على الجانب الآخر كان الانزعاج واضحا في ردود كل من مصر واليونان، حيث رفضت الأخيرة الإعلان ووصفته بأنه أمر مناف للعقل من الناحية الجغرافية لأنه يتجاهل وجود جزيرة كريت اليونانية بين الساحلين التركي والليبي.

وقال وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس: إن أي اتفاق بحري بين ليبيا وتركيا "يتجاهل شيئا شديد الوضوح وهو أن بين هاتين الدولتين، يوجد جغرافيا كتلة ضخمة من الأرض وهي كريت، وبالتالي مثل تلك المحاولة هي أمر مناف للعقل".

ووصفت الخارجية المصرية الاتفاق في بيان بأنه غير شرعي ولا يلزم ولا يؤثر على مصالح وحقوق أية أطراف ثالثة، ولا يترتب عليه أي تأثير على حقوق الدول المشاطئة للبحر المتوسط، ولا أثر له على منظومة تعيين الحدود البحرية في منطقة شرق المتوسط.

لماذا الآن؟

نشر مركز أوراسيا للدراسات الإستراتيجية قبل أشهر قليلة كتابا للواء البحري بالجيش التركي جهاد يايجي تحت عنوان "ليبيا جارة تركيا من البحر".

تناول الكتاب أهمية توقيع تركيا مع ليبيا اتفاقا من أجل تحديد مناطق النفوذ البحرية ويدعو إلى ضرورة توقيعه في أقرب فرصة للحيلولة دون اغتصاب اليونان وقبرص الرومية الحقوق في المنطقة وخاصة في شرق البحر المتوسط، فما هو حجم هذه الثروات الموجودة في هذه المنطقة؟.

يقول يايجي في كتابه: إن القيمة الإجمالية لاحتياطي الغاز الطبيعي في شرق المتوسط تبلغ 3 تريليونات دولار أمريكي، مشيرا إلى أن هذه الكمية تكفي احتياجات تركيا من الغاز الطبيعي لمدة 572 عاما واحتياجات أوروبا لمدة 30 عاما. 

وأشار يايجي إلى أن هذا الاتفاق يمثل أخطر سيناريو بالنسبة لليونان، فتركيا وليبيا لديهما شواطئ بحرية متقابلة، والتوقيع على هذا الاتفاق يتوافق مع القانون الدولي ويعتبر حقا مشروعا بالنسبة لتركيا وليبيا كما أنه يصب في مصلحتهما.

وأضاف: "ستكون منطقة النفوذ البحري التي ستحدد بين تركيا وليبيا بمثابة درع تركي بين اليونان وقبرص الرومية ومصر".

وتابع: إن "توقيع اتفاق مناطق النفوذ البحري بين تركيا وليبيا سيحول دون توقيع اليونان اتفاق منطقة اقتصادية خالصة مع قبرص اليونانية ومصر وتوقيع قبرص اليونانية اتفاقا مماثلا مع ليبيا، كما أن هذا الاتفاق سيرسم الحدود الغربية للمنطقة الاقتصادية الخالصة التركية في شرق المتوسط". 

 

ويتضح من ذلك أن الخطوة التي أقدمت عليها كل من تركيا وليبيا مهمة وفي صالح البلدين، فهي تحافظ على الثروات الكامنة في الجرف المائي الذي تحاول بعض الدول المجاورة والمطلة على البحر المتوسط اغتصابها، مثل اليونان وقبرص الرومية.  

ثروات هائلة 

وتشير المسوحات الجيولوجية التي جرت مطلع القرن الحالي إلى أن حوض دول البحر المتوسط يحتوى احتياطات ضخمة من الغاز والنفط.

وبحسب تقديرات لهيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية وشركات عاملة في التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط فإن هذه المنطقة تقع فوق بحيرة من الغاز الطبيعي داخل الحدود البحرية الإقليمية لست دول هي تركيا وقبرص ولبنان ومصر وسوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة. 

وقدرت الوكالة الأمريكية احتياطي هذا الحوض من النفط بـ 7.1 مليارات برميل، ومن الغاز بـ 122 تريليون قدم. وبهذا الاحتياطي من الغاز فإن هذا الحوض يعد من أهم أحواض الغاز في العالم.

وتسيطر إسرائيل على أكبر حقلين في المنطقة وهما حقلا تمار وليفياثان اللذان يضمان ما يزيد على 800 مليار متر مكعب، كما تمتلك شركة يونانية وإسرائيلية وأمريكية حقلي تانين وكاريش قبالة السواحل اللبنانية باحتياطي يتجاوز نحو 50 مليار متر مكعب.

كما تحاول إسرائيل السيطرة على الحقلين 4 و9 الواقعين في المياه الإقليمية اللبنانية ويضمان ما يقارب 96 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي. 

أما حقلا سوبيا وأفروديت في المياه القبرصية فهما محل نزاع بين كل من تركيا واليونان بسبب الخلاف على ترسيم الحدود المائية في شرق المتوسط.

بالإضافة إلى حقل ظُهر الذي أعلن اكتشافه قبالة السواحل المصرية في البحر المتوسط  باحتياطي غاز بلغ 30 تريليون قدم مكعبة، وذلك إلى جانب حقول دلتا النيل على سواحل المتوسط، والتي تبلغ كمية الغاز الطبيعي فيها نحو 50 تريليون قدم مكعبة.

أما الجانب الآخر من الاتفاقية والذي يتمحور حول التعاون الأمني والعسكري بين البلدين، فيساهم بشكل كبير في دعم الحكومة الشرعية الليبية خاصة في ظل تأكيد الإعلام الغربي على وجود دعم روسي كبير للواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر. 

وفي هذا الشأن كشف عبدالقادر حويلي عضو المجلس الأعلى للدولة الليبي أهمية توقيع الاتفاقية مع تركيا، وأشار في تصريحات إعلامية إلى الدعم العسكري الذي يتلقاه حفتر من بعض الدول الإقليمية واصفا هذا الدعم بغير القانوني والمخالف للاتفاق السياسي وقرارات مجلس الأمن.

وأوضح حويلي أن ذلك كان سببا يوجب على حكومة الوفاق أن تبرم الاتفاق لجلب معدات عسكرية للدفاع وأهمها الحصول على معدات للدفاع الجوي لبسط نفوذ الحكومة الشرعية على الأراضي الليبية بالكامل في ظل التفوق الجوي الذي ينعم به حفتر.

وأوضح أن حكومة الوفاق حصلت على بعض المدرعات في السابق من تركيا وقريبا ستحصل على أجهزة تساهم في النهوض بسلاح الدفاع الجوي بالإضافة إلى دعم عسكري من خلال الاتفاق المبرم. 

وعن ماهية استفادة تركيا من هذا الاتفاق، أشار حويلي إلى أن أنقرة لديها مصالح تجارية واقتصادية قديمة في ليبيا منذ عهد معمر القذافي وأيضا ما بعد ثورة 17 فبراير، وأن كل مشاريع الطاقة في ليبيا تنفذها شركات تركية، بالإضافة إلى تطوير ميناء المنطقة الحرة في مصراتة والمناطق الحرة سواء في الجنوب أو في الغرب كلها تقوم عليها شركات تركية. 

وأكد أن حكومة الوفاق وقعت على هذه الاتفاقية استنادا للاتفاقيات الدولية، مضيفا: "نعلم أنه سيكون هناك معارضة من بعض الدول مثل اليونان التي لديها مشاكل مع تركيا منذ القدم. أيضا الجارة مصر وإسرائيل كلهم لديهم مشاكل ولكن نحن نستخدم حقوقنا الدولية التي منحنا إياها القانون الدولي".

صد المرتزقة

يرى مراقبون أنه ربما تحركت حكومة الوفاق سريعا من أجل إتمام الاتفاق مع أنقرة من أجل تقديم دعم عسكري وأمني جديد يساهم في إحداث توازن على الأقل أو ترجيح كفة الحكومة الشرعية التي تواجه دعما إقليميا واسعا للجبهة المقابلة.

وشهدت الشهور الأخيرة تحولا جذريا في الصراع الليبي ودخل مرحلة جديدة ذات أبعاد دولية بعد التدخل الروسي وإنزال المئات من مرتزقة فاجنر لدعم حليفها في ليبيا خليفة حفتر، وهو الدعم الذي قوبل بمواجهة دبلوماسية أمريكية. 

تقارير صحفية أمريكية نشرت أغلبها في واشنطن بوست ونيويورك تايمز ووكالة بلومبرج تحدثت عن تزايد الدعم الروسي لحفتر مؤكدة مشاركة مرتزقة فاجنر الروسية في القتال جنوبي طرابلس. 

وتحدثت الصحف الأمريكية في البداية عن مشاركة 200 إلى 300 عنصر من مقاتلي فاجنر إلى جوار قوات حفتر فيما قالت وكالة بلومبرج: إن العدد وصل في سبتمبر/أيلول الماضي إلى 1400 مرتزق بينهم 25 طيارا في حين حذرت صحف أخرى من أن أعدادهم قد تصل إلى الآلاف في وقت قريب. 

ورغم نفي روسيا الدائم وتأكيدها عدم وجود قوات لها في ليبيا أو حتى المشاركة في الصراع الدائر هناك، أفادت تقارير أمريكية أخرى بمقتل 35 شخصا على الأقل من مرتزقة فاجنر الروسية أثناء قتالها مع قوات خليفة حفتر خلال هجومه في وقت سابق من هذا العام على العاصمة الليبية طرابلس. 

وفي 3 أكتوبر/تشرين الأول، نشر موقع ميدوزا الروسي المعارض أن ما يصل إلى 35 من مقاتلي مجموعة فاجنر قتلوا في الشهر السابق عندما استهدفتهم غارة جوية. ونقل الموقع عن مصادر داخل مجموعة فاجنر ومحاربين روس أن القتلى شارك بعضهم في القتال شرق أوكرانيا.

كما نشرت قوات حكومة الوفاق فيديو عن ممتلكات يقال إنها تخص المرتزقة الروس الذين قُتلوا في الغارة الجوية التي وقعت في شهر سبتمبر/أيلول الماضي.

مثل هذه التقارير أثارت الكثير من القلق داخليا وخارجيا، فالإسناد الروسي بهذه الطريقة يشبه ما فعله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع بشار الأسد في سوريا وقد يساهم في ترجيح كفة قوات حفتر في الصراع الداخلي خاصة وأن اللواء المتقاعد مدعوم من أكثر من دولة بينها مصر والإمارات وفرنسا وحديثا روسيا. 

أما القلق الخارجي فيتمثل في التخوفات الأمريكية من توسع النفوذ الروسي في المنطقة والذي قد يؤدي في النهاية إلى تغير كبير في الوضع الإستراتيجي للقوات والتحالفات في المنطقة الوسطى من البحر المتوسط.

فموسكو التي أعادت إحياء أسطولها في المتوسط خلال السنوات الأخيرة وأقامت قاعدة بحرية في مدينة طرطوس على الساحل والذي يوصف بأنه أهم ميناء سوري شرق المتوسط، تطمح في أن تكون ليبيا هي خطوتها القادمة لمواجهة الدرع الصاروخية لحلف الناتو.

على الجانب الآخر جاءت تحركات الولايات المتحدة سريعة عبر دبلوماسييها وبدأت في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني بالإمارات التي تعد أكبر داعم لحفتر، حيث عقد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، لقاء في واشنطن مع نظيره الإماراتي عبد الله بن زايد، وتناقش الجانبان حول الوجود الروسي في ليبيا، والحاجة الملحة لخفض التصعيد، واللجوء للحل السياسي، بحسب تغريدة للسفارة الأمريكية في ليبيا. 

 

وبعد يومين فقط وفي 24 نوفمبر/تشرين الثاني، أعلنت الولايات المتحدة أن وفدا أمريكيا يضم نائبة مستشار الأمن القومي الأمريكي فيكتوريا كوتس، والسفير الأمريكي في ليبيا ريتشارد نورلاند، التقى مع خليفة حفتر، لكنها لم تعلن عن المكان الذي تم فيه اللقاء.

وأوضحت أنه جرى بحث الخطوات اللازمة لوقف أعمال العنف والقتال في البلاد، وإيجاد حل سياسي للصراع. ويعد هذا الطلب مخالفا للموقف الأمريكي السابق حيث كانت تدعم واشنطن حفتر سياسيا. 

وخلال اللقاء أعرب الوفد الأمريكي عن مخاوفهم من "استغلال روسيا للصراع في ليبيا على حساب الشعب الليبي"، وهي نفس العبارة التي استخدمتها الخارجية الأمريكية في لقائها بوفد حكومة الوفاق في واشنطن.

في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني التقى السفير الأمريكي برئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج، "وبحثا وقف الأعمال العدائية حول طرابلس، وإيجاد حل سياسي، في ظل تصاعد التدخل الروسي". 

أما الدليل القوي الذي تمتلكه قوات الوفاق، عن تورط روسيا، فيتمثل في احتجازها مواطنين روسيين اثنين لديها.

وقال وزير داخلية الوفاق لـ"واشنطن بوست": إن "المواطنين الروسيين اعتقلا في يوليو/تموز الماضي، للاشتباه في محاولتهما التأثير على الانتخابات البلدية المقررة حينها، وجمع معلومات لصالح قوات حفتر".