عادل الكلباني.. من محراب الحرم المكي إلى مطاف ابن سلمان

شدوى الصلاح | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"أبايع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان لولاية العهد، على السمع والطاعة، في العسر واليسر، والمنشط والمكره".. من هنا كانت بداية التحول في نهج القارئ السعودي عادل الكلباني إمام المسجد الحرام سابقا وإمام جامع المحيسن بحي أشبيلية، شمال شرق الرياض، من الغلو والإفراط إلى التمييع والتفريط.

وأصبح الكلباني محط أنظار الشعب السعودي مذ كتب هذه التغريدة معلنا مبايعته لابن سلمان في يونيو/حزيران 2017، إذ عمد إلى الإعلان عن تغيير قناعته وتبديل فتواه التي يؤكد الجميع أنه ليس أهلا لها من الأساس وأن هناك خلط بين المقرئين أصحاب الأصوات المميزة وبين المؤهلين للفتوى. 

فمنذ مبايعته للأمير وربما قبل ذلك بقليل، أي منذ صعود والده الملك سلمان إلى الحكم، طالت "الكلباني" سهام النقد الحادة، خاصة في ظل تماديه في التماهي مع السياسة الانفتاحية التي ينتهجها النظام السعودي، إذ يعمد إلى تمييع أمور الدين، تماشيا مع التغيرات التي يحدثها ولي العهد، في المجتمع السعودي.

"الكلباني" أثبت نظرية عالم الفيزياء ألبرت أينشتاين التي قال فيها: إن "العلم دون دين أعرج والدين دون علم أعمى"، إذ يغير منهجه أو قناعته بقراءة كتاب واحد ويعمد إلى تكفير فئة والتراجع عن ذلك بقراءة كتاب آخر ناقد للفكرة، مثلما كان يكفر علماء الشيعة ثم أعلن تراجعه عن ذلك بعد قراءته لكتاب حاتم العوني "تكفير أهل الشهادتين".

كما تحول "الكلباني" من نهج الإمامة إلى ما يطلق عليها السعوديون "التطبيل" لابن سلمان ومشروع الترفيه الذي يتولاه تركي آل الشيخ، واقترن ذكر اسمه بإرضاء ولي العهد والتماهي مع سياساته، خاصة أن أغلب ما يدلي به الشيخ يأتي طوعا دون أن يوجه له أحد سؤالا أو استشارة.

الشيخ عادل بن سالم بن سعيد الكلباني، يكنى بأبي عبدالإله، من مواليد الرياض في 1959، وهو إمام وخطيب جامع الملك خالد بالرياض سابقا، وكُلِّف بإمامة المصلين في صلاة التراويح لشهر رمضان بالمسجد الحرام بمكة المكرمة عام 2008، لكنه أعفي بعد انتهاء تكليفه وعاد إلى إمامة المصلين بجامع المحيسن بحي أشبيلية في شمال شرق الرياض ولا يزال به حتى الآن.

"مطربات في عهد النبي"

كان آخر ما أثار الرأي العام، ‏فتوى الرجل عبر  البرنامج الأسبوعي المباشر "مع الكلباني" الذي يذاع مساء كل جمعة على قناة "إس بي سي" التي تبثها هيئة الإذاعة والتلفزيون السعودية، والتي أباح خلالها الموسيقى والغناء، زاعما أن النبي محمد عليه السلام، استقبل "مطربات" في بيته.

وأضاف أنه لا أحد يمكنه إنكار وجود الغناء في عهد الرسول، وأن باب "سنة العيدين لأهل الإسلام" في صحيح البخاري، يثبت ذلك.

واستشهد "الكلباني" بقول الرسول صلى الله عليه وسلم لزوجته السيدة عائشة عند رؤيتها جاريتان كانتا تغنيان، وسألها أتعرفين من هذه؟ فقالت: لا، فقال: إن هذه "قينة بني فلان".

وأشار إلى أن "القينة" هي "المطربة أو الفنانة" في عرفنا هذا، مستطردا أن النبي سأل عائشة أتريدين أن تغنيك؟، قالت نعم، فأعطاها طبقا وغنت.

وروى "الكلباني" أيضا أن النبي جاء إلى عرس وكانت به امرأة تغني وتضرب بالدف وتقول "فينا نبي يعلم ما في غد"، فقال النبي: "لا تقولِ هذا وقولي أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم".

ورأى أن الشاهد من روايته أن الغناء كان موجودا في زمن النبي وكانت بعض أدوات الطرب موجودة ومعروفة كالمزهر "العود"، مستطردا أنه روي عن عبد الله بن جعفر أنه كان يضرب بالعود ويعلم جواريه. واعتبر "الكلباني" أن الأمر لم يحسم كليا والدليل غير موجود في القرآن.

ويأتي طرح برنامج "مع الكلباني" لمسألة حكم الغناء في الوقت الذي تتوالى فيه فعاليات موسم الرياض 2019 الذي يوصف بأنه أضخم مواسم السعودية التي أطلقتها الهيئة العامة للترفيه، والتي تضم فعاليات غنائية وحفلات لمطربين، وغيرها من حفلات الترفيه والتي تندرج تحت رؤية ابن سلمان 2030.

مغازلة ابن سلمان

"الكلباني" عرف بتبديل الفتوى لإرضاء "ابن سلمان"، واحتسبه البعض على فريق "علماء السلطان"، ونعته آخرون بـ"المنافق والمطبل لابن سلمان"، وتوالت اللعنات على تغريداته التي يغير فيها فتواه أو يمتدح فيها أفراد السلطة الحاكمة.

فقد تغزل في ولي العهد السعودي ونشر في 10 يوليو/تموز 2018، أبياتا كتبها الشاعر عبد الرحمن بن مساعد تعليقا على خبر أوردته قناة "الجزيرة" في أعقاب تهنئة ابن سلمان للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بفوزه بالانتخابات الرئاسية، تحت عنوان "وأخيرا قادة السعودية والإمارات يهنئون أردوغان".

القناة أشارت إلى أن "ابن سلمان" اكتفى بإرسال تهنئة خطية، وهو ما أثار حفيظة عبد الرحمن بن مساعد، قائلا: إن "الجزيرة هوت في حضيض هرائها"، ودفعه إلى الإشعار قائلا: "المجد أنت شموخه وسنامه، والحزم أنت دروعه وحُسامه، مضني العِدا في النَّبْش عن زلّاته، يُحصى عليه سكوته وكلامه، هوَت الجزيرة في حضيض هرائها، وعلا مقر الفرقدينِ مقامه".

وبدوره، أعاد الكلباني نشر هذه الأبيات معقبا بالقول: "سموت للأعلى فنلت المعالي، وحاسدوك يتتبعون نقش أثرك".

القارئ "الكلباني" أثار جدلا في أبريل/نيسان الماضي، عندما أجاب عن سؤال أحد المتابعين حول أفضلية الرقص أم التصفيق، عند حضور المناسبات، بالقول: "شوف وش تتقن أنت، لأن الإنسان مطالب بأن يفعل ما يتقنه، فإذا أتقنت الرقص فارقص، وإذا أتقنت التصفيق فصفق، وإذا أتقنت الغناء فغن". 

تملق السلطة

ويدرج "الكلباني" ضمن العلماء الذين يبررون سلوك وقرارات ابن سلمان ويسعون لإظهار تصرفاته على أنها حكيمة ودينية ومشروعة. وسبق أن نشر "الكلباني" في 15 يناير/كانون الثاني 2017 رؤية الأمير كاملة عبر حسابه بتويتر.

ولم تكن هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها عن تحليل الغناء، إذ سبق أن ظهر في برنامج تريند السعودية في مارس/آذار الماضي، معلنا أنه غير رأيه من حرمة الغناء إلى الجواز.

كما أحل لعب "البلوت" التي أفتى علماء سعوديون سابقا بحرمتها، قائلا: إنه لا يوجد "دليل واحد" على تحريمه، مشيرا إلى أن حضوره لمسابقة "البلوت" التي نظمتها سابقا الهيئة العامة للرياضة، كان "شرفيا"، وهو الحضور الذي أثار ردود فعل غاضبة ضده وصلت لاتهامه بالنفاق خاصة بعد تداول صور  له وهو يوزع أوراق اللعب.

وبعد تصريحه بشأن رؤية ابن سلمان 2030، اتهمه المتابعون بمجاملة ولي العهد رغم الانتقادات المحلية والدولية التي يتعرض لها وتوصيف رؤيته بالفاشلة، مشيرين إلى أنه منذ اعتقال الدعاة في سبتمبر/أيلول 2017، لجأ إلى حماية نفسه بمديح ابن سلمان والثناء عليه.  

فقد سخر "الكلباني" من أنباء اعتقال الدعاة، والتي تصادف حدوثها مع إعصار إيرما الذي اجتاح جزر وولايات أمريكية في سبتمبر/أيلول 2015، قائلا: "كله من الصحوة".

ويقصد "الكلباني" بـ"الصحوة"، دعاة ما يعرف بـ"تيار الصحوة"، والذي يعد "سلمان العودة، ناصر العمر، عوض القرني" أشهرهم، ويروج دائما الإعلام السعودي أنهم سبب المشاكل بالمملكة.

والمتابع لتغريدات "الكلباني" يلاحظ تملقه للسلطة الحاكمة منذ سنوات، حيث نشر في تغريدة له على حسابه بتويتر في يناير/كانون الأول 2016، صورة تجمع العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز وولي العهد، معقبا بالقول: "همة شابة، وحكمة سلمانية".

وفي سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، نشر "الكلباني" مقطع فيديو لابن سلمان وهو يمتنع عن مصافحة الطالبات المبتعثات في اليابان خلال زيارته هناك، وعلق عليه قائلا: "موقف أكثر من رائع!".

إلا أن المغردين واجهوا "الكلباني" بصور أخرى لولي العهد أثناء مصافحته للنساء في مناسبات رسمية أخرى.

مؤتمرات الترفيه

"الكلباني" لم يجد حرجا في حضور المؤتمرات والفعاليات التي تروج للانفتاح داخل المملكة وعلى رأسها مؤتمرات هيئة الترفيه، التي جعلته تحت النقد المستمر، إذ كان في 22 يناير/كانون الثاني 2019، في مقدمة حضور مؤتمر صحفي لرئيس هيئة الترفيه تركي آل الشيخ، الذي خصه بمصافحة حارة قبل التوجه للمنصة للإعلان عن خطة الهيئة التي يترأسها حاليا.

فيما جلس المغني السعودي محمد عبده بجوار الكلباني ووجه له حديثا، ما أثار ردود فعل متباينة زادت من حدة النقد الموجهة ضده، خاصة أن الحدث جاء بعد أقل من شهر من مشاركته في افتتاح أول بطولة رسمية للعبة "البلوت" -هي إحدى فروع أوراق اللعب التي حرمها بعض شيوخ الفقه الإسلامي- بالمملكة، والتي أقيمت تحت رعاية هيئة الرياضة التي كان يرأسها أيضا تركي آل الشيخ حينها.

وأثار "الكلباني" حفيظة متابعيه بتخصيص سلسلة تغريدات عبر حسابه بتويتر يتملق فيها "آل الشيخ" الذي تصفه الصحف العالمية بأنه ذراع ولي العهد في تنفيذ سياسته الداخلية والخارجية، وتعتبره أساس التغييرات غير الأخلاقية التي تشهدها المملكة من انفتاح وحفلات صاخبة واختلاط علني وغيرها من المظاهر التي لم يألفها المجتمع السعودي.

وكتب قائلا له في تغريدة عبر تويتر في 22 يناير/كانون الأول الماضي: "شكرا #تركي_آل_الشيخ ولعلك تستطيع تغيير نظرة المجتمع للهيئة بفكرك الوقاد وحماستك المعهودة، وطموحك العالي لرفعة الوطن الغالي".

وواجهه ناشطون بتغريدة قديمة له دونها قبل أن يصبح "ابن سلمان" وليا للعهد ويعلن رؤية 2030، قال فيها: "بئس الترفيه يقوم على هدم القيم!".

 تقنين الاختلاط

فتاوى "الكلباني" طالت النساء أيضا، بعدما دعا في مايو/آيار الماضي، بإزالة الستار بين الرجال والنساء في الصلوات في المساجد، متعللا بأن النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يصلون في المسجد خلف صفوف الرجال دون ساتر.

وقال: "لن تكون بناتنا أكرم من عائشة بنت أبي بكر ولا من حفصة بنت عمر رضي الله تعالى عنهما ولا من زينب بنت جحش.."، مضيفا أن كل نساء المسلمات معروفة أسماؤهم وأسماء آبائهم وما ضرهم أن الناس يعرفون أسماءهم، وكانت حين تمشي المرأة في الشارع يعرفون أنها فلانة بنت فلان".

وتأسف "الكلباني" قائلا: "للأسف أصبحنا نوسوس لدرجة  نضع السواتر على النساء في الصلاة، وكأنهن في مصمك".

وتابع: "معزولات تماما عن الرجال لا يرونهم ولا يسمعونهم إلا عبر الميكروفونات أو السماعات ولو انقطع الصوت لا يسمعونهم، أما في زمن النبي عليه الصلاة والسلام وهم أشد غيرة وحمية وخشية لله سبحانه وتعالى كانوا الرجال يصلون في المقدمة والنساء في مؤخرة المسجد ولم يكونوا يضفون ساتر".

ونقل أن النبي محمد أخبر بأن شر صفوف الرجال (خلال الصلاة) آخرها وشر صفوف النساء أولها، لأنه كان فيه التصاق، مستطردا: "لكنه لم يقل ضعوا ساتر أو ستارة".

ولم يكتف "الكلباني" بمطالبته عبر البرنامج برفع السواتر في الصلاة بين الرجال والنساء، بل نشر استفتاء على صفحته بتويتر يتساءل فيه: "هل كان في مسجد رسول الله ﷺ في زمنه أو أصحابه ساتر بين الرجال والنساء؟".

وجاءت مطالبات "الكلباني" ودعواته وتبنيه للانفتاح في المملكة بين الرجال والنساء في وقت تتخذ السلطة السعودية خطوات تسمح بالاختلاط بين الجنسين، بعدما كانت ترى أن الاختلاط يهدد المجتمع السعودي،  في كسر واضح للعُرف والقوانين السارية سابقا.

وتصطدم تلك الخطوات بمعارضة شديدة من شريحة واسعة داخل المملكة، ترى أن السلطة تستخدم الدعاة والمنابر والشيوخ لتمرير تلك السياسات التي تستهدف فقط جمع الأموال وجذب السياح لتحقيق رؤية 2030 بدعوى تمكين المرأة وما إلى غير ذلك، دونما التقيد بأعراف المجتمع، والبيئة المحافظة التي تمسكت بها المملكة منذ تأسيسها.

تجاهل غزة

يتحفظ "الكلباني" على إعلان موقفه من جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد غزة، خاصة في ظل الأزمة الخليجية ومقاطعة سلطات بلاده لقطر واتهامها بدعم حركة حماس في غزة ومطالبتها لها بوقف الدعم، إذ دون القارئ السعودي عبر حسابه بتويتر تغريدة في 27 يونيو/حزيران 2017، قال فيها: "قد يصنف الدعاء لأهلها إرهابا!".

وبعد قرابة العام، وتحديدا في 17 مايو/أيار 2018 وإبان مجزرة إسرائيلية تجاه "مسيرة العودة الكبرى" في غزة، نشر "الكلباني" مقطعا دعائيا لمشروب الشاي الأخضر "تي بشل" وفوائده لتخفيف الوزن.

وأثارت التغريدة غضب الناشطين متهمين "الكلباني" بتجاهل الأحداث في قطاع غزة، وعدم مراعاة ألم الشعب الفلسطيني وحزنه على الارتفاع المتواصل لشهدائه، وتهميشه للذكرى الـ70 لنكبة الشعب الفلسطيني ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس.