قمة إسلامية مصغرة.. هل تصبح بديلا لجامعة الدول ومنظمة التعاون؟

19 ديسمبر/كانون الأول المقبل، على موعد مع قمة إسلامية مصغرة، تضم 5 دول، تركيا، باكستان، قطر وإندونيسيا، بالإضافة إلى ماليزيا الدولة المستضيفة.
القمة المرتقبة، أعلن عنها رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، في تصريحات صحفية مؤخرا مؤكدا أن هذه الدول الخمس "ستشكل نواة لبداية تعاون إسلامي أوسع يشمل مجالات عدة تواجه العالم الإسلامي، مثل التنمية الاقتصادية والدفاع والحفاظ على السيادة وقيم الثقافة والحرية والعدالة، إضافة إلى مواكبة التكنولوجيا الحديثة".
ولفت رئيس الوزراء الماليزي إلى أن هذه الدول الخمس لديها هواجس ومشاكل مشتركة، وستشكل النواة المؤسسة للقمة التي ستعقد لتسليط الضوء على مشاكل العالم الإسلامي، واقتراح الحلول لها، بما في ذلك أسباب عدم قدرته على وضع حد للعدوان الإسرائيلي المتواصل على الشعب الفلسطيني.
لقاء أنقرة
في يوليو/تموز الماضي زار مهاتير محمد أنقرة والتقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وألمح حينها في مؤتمر صحفي مشترك إلى أنه "عبر توحيد عقولنا وقدراتنا، يمكننا النهوض بالحضارة الإسلامية العظيمة التي كانت موجودة يوما ما، وذلك بالعمل المشترك بين ماليزيا وتركيا، وبالتعاون مع باكستان في الوقت ذاته".
وشدد على ضرورة استقلال البلدان الإسلامية، معربا عن ثقته في أن التعاون بين ماليزيا وتركيا سينقذ الأمة الإسلامية من الضغوط التي تتعرض لها، وسيساعد في تخفيف اعتماد الأمة الإسلامية وإخضاعها من قبل الآخرين".
إعلان مهاتير سبقته تحضيرات وجهود، كان آخرها اجتماع ثلاثي عقده وزراء خارجية ماليزيا وتركيا وباكستان، في مايو/آيار الماضي على هامش اجتماع مجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في جدة، واجتماع ثلاثي أيضا لزعماء كل من ماليزيا وتركيا وباكستان على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي عقدت في الولايات المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي.
كيان بديل
هذا الحدث المرتقب يضع تساؤلا حول القمة، وما إذا كانت ستصبح قادرة على إنجاز ما فشلت في تحقيقه القمم الإسلامية والعربية، وما لم تستطع جامعة الدول العربية إنجازه منذ تأسيسها عام 1945، وكذلك منظمة التعاون الإسلامي منذ تأسيسها قبل نحو 50 عاما؟.
كانت القمة العربية قد عقدت 30 جلسة دورية حتى الآن، كانت أول جلسة لها عام 1964 في الإسكندرية أي بعد نحو 14 عاما من تأسيس الجامعة العربية، وعقدت آخر قمة لها في تونس في مارس/آذار الماضي.
كما أن القمة الإسلامية عقدت 14 جلسة اعتيادية حتى وقتنا الحاضر، وكانت أول جلسة لها عام 1969 في الرباط بالمغرب، في حين كانت الجلسة الأخيرة لها في مكة المكرمة يناير/كانون الثاني الماضي.
فضلا عن الجلسات الطارئة، غير أن تلك القمم لم تستطع أن تقدم شيئا للشعوب، وفشلت جميعها في تحقيق أي هدف عربي أو إسلامي، وفي الحد من أي خلاف حتى بين الدول الأعضاء، وشعرت أن القضايا العربية وعلى رأسها قضية فلسطين عبئا عليها.
ومع كل قمة عربية وإسلامية تتزايد التهديدات والمخاطر من قبل إسرائيل وإيران، حيث أصبحت إسرائيل أقوى من أي وقت مضى، وغدا العرب في أضعف حالاتهم، في حين تمكنت إيران من السيطرة على 4 عواصم عربية، هي بغداد وبيروت وصنعاء ودمشق، فيما لم تكن الدول العربية والإسلامية بكل قممها العربية والإسلامية قادرة على إيقاف ذلك التغول والتمدد في الأراضي العربية.
وبدلا من القيام بواجبها القومي والعربي، سعت بعض الدول للسيطرة على تلك القمم والكيانات، حيث سعت السعودية مؤخرا في قمة مكة إلى تجيش وحشد دول الإقليم إلى جانبها بمبرر تعرض المصالح العربية والإسلامية للخطر من قبل طهران.
في حين تحولت الجامعة العربية إلى هيكل مفرغ تهيمن عليه السعودية ومصر والإمارات، وتحولت من مجموعة عمل عربي مشترك، يفترض أن تستند إلى مرجعية وطنية وقومية، إلى مجموعة تكتلات ثنائية تخدم المصالح المحدودة للدول المهيمنة.
إحباط وخذلان
القمة المنتظرة لقيت ترحيبا شعبيا واسعا على المستوى العربي والإسلامي، ويبدو أن ذلك الترحيب كان تعبيرا عن حالة الخذلان التي وصلت إليها الشعوب من قبل الأنظمة العربية الحاكمة، ومن دور الإمارات والسعودية ومصر على وجه الخصوص، حيث لم تعد تلك الأنظمة معبرة عن شعوبها ولا عن تطلعاتهم، بل أصبحت معيقة لآمالهم في الانعتاق والحرية والتطلع نحو النهضة والاستقلال، ولم تعد الشعوب تنتظر من تلك الأنظمة شيئا.
علاوة على ذلك، قررت كل من السعودية والإمارات ومصر الوقوف إلى جانب إسرائيل في إبقاء البيئة العربية ضعيفة ومفككة لصالح المشروع الصهيوني، وتولى كل من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد مهمة تنفيذ وتمويل صفقة القرن التي تسعى لإجبار الفلسطينيين إلى التنازل عن حقهم لصالح إسرائيل، مقابل أموال تقوم بدفعها الرياض وأبوظبي.
وصلت الشعوب العربية، بعد تلك السلسلة من الخيبات المتراكمة التي امتدت لأكثر من 70 عاما، إلى قناعة بعدم فاعلية الأنظمة والكيانات العربية التي باتت مناسبة للتلاقي بين القادة العرب، ولتبادل الشتائم أكثر من أي شيء آخر.
تحريك أوراق
يبدو أنه ليس من السهل الخروج بقرارات أمنية واقتصادية وإستراتيجية فاعلة من القمم التي تعقدها الدول الخمس خارج المنظومة التقليدية للأنظمة العربية، كما ليس من السهل تجاوز التحديات الناشئة عن مثل هذا القرار.
برأي متابعين، فإن قيام تحالف إسلامي حقيقي سوف يشكل تهديدا للنظام العالمي، ويشكل إزعاجا يدفع الدول العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة لتحريك أدواتها في المنطقة العربية والإسلامية لإعاقة مشروع النهضة.
وذهب بعض المراقبين إلى الربط بين المبادرة الثلاثية (ماليزيا، تركيا، باكستان) وقرار نيودلهي الأخير بإلغاء وضع الحكم الذاتي الدستوري للجزء الهندي من إقليم كشمير المتنازع عليه مع باكستان، وكذلك تحريض إسرائيل لنيودلهي على إسلام أباد.
كانت الخارجية الباكستانية قد رحبت في يوليو/تموز الماضي بمبادرة طرحها رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، خلال زيارته لأنقرة، دعا فيها إلى التعاون بين تركيا وماليزيا وباكستان، من أجل تحقيق نهضة إسلامية.
وقال وزير الخارجية شاه محمود قريشي: "أرحب ترحيبا حارا بالمبادرة التي تدعو ماليزيا وتركيا وباكستان إلى التعاون، من أجل النهضة الإسلامية وتوحيد العالم الإسلامي. هذه المبادرة الثلاثية المهمة سوف تقطع شوطا طويلا في تعزيز الوحدة والتعاون والتنمية في جميع أنحاء العالم الإسلامي".
غير أنه في أقل من شهر من ذلك الإعلان، أي في مطلع أغسطس/آب الماضي، أعلنت الهند إلغاء الاعتراف بالحكم الذاتي لولاية كشمير ذي الأغلبية المسلمة، الأمر الذي تسبب بتصاعد التوتر بين باكستان والهند، جراء إلغاء الاعتراف الأحادي بالإقليم المستقل ذي الغالية المسلمة الذي يطالب بالانضمام لباكستان منذ استقلال البلدين عام 1947.
وسام رفيع
عقب ذلك الإجراء قام رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بزيارة بها إلى الإمارات، قابل فيها ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد الذي قام بتقليده أرفع وسام إماراتي، وأعربت الإمارات عن تأييدها لقرار الهند بإلغاء الحكم الذاتي لكشمير، معتبرة أنها خطوة تشجع على "الاستقرار والسلام" وعلى تحسين ظروف السكان، الأمر الذي تم قراءته كإحدى الأوراق التي تستخدمها الإمارات في معاقبة باكستان على قرارها الانضمام ضمن تحالف مع كل من تركيا وماليزيا.
ونقلت صحيفة غولف نيوز الإماراتية الناطقة باللغة بالإنجليزية عن أحمد البنا سفير أبو ظبي في نيودلهي قوله: "الخطوة التي اتخذتها الهند لإلغاء الحكم الذاتي لكشمير ستشجع على المزيد من الاستقرار والسلام"، مؤكدا أن المسؤولين الإماراتيين بالهند قدموا دعمهم لهذا القرار.
وأضافت وكالة أنباء الإمارات الرسمية (وام) أن مودي سيبحث خلال الزيارة مع ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد التطورات ومجمل القضايا الإقليمية والدولية التي تهم البلدين.
صعوبات كبيرة
حسب تقرير لصحيفة ماليزيا ديتلاين، فإن باكستان تتعرض لابتزاز أمريكي وغربي كبير من أجل الموافقة على منحها الدعم المالي المطلوب، إذ تشترط واشنطن على إسلام أباد ألا تستخدم الدعم لسداد ديونها إلى الصين، كما تفرض شروطا أخرى في عدد من الملفات، كما أن تركيا تواجه صعوبات كبيرة في اللجوء لصندوق النقد الدولي أو البنك الدولي لأن للمؤسستين شروطا ستقوض السياسة الداخلية التركية.
تضيف الصحيفة أن الدول الثلاث تعاني أزمة اقتصادية، ولا سيما باكستان التي لا تمتلك احتياطيا نقديا يكفي احتياج البلاد من العملة الأجنبية، وفي الوقت ذاته تعاني تركيا أيضا من هبوط عملتها وارتفاع مستوى الدين، لذا تحتاج أنقرة وإسلام أباد دعما ماليا من المؤسسات النقدية الدولية بشكل عاجل للخروج من الأزمة الحالية.
لهذا فإن باكستان يبدو أنه لم يعد لديها خيار آخر، خصوصا عقب قيام الولايات المتحدة باختيار الهند كشريك مفضل لديها، ما دفع باكستان وتركيا إلى العمل الجاد مع ماليزيا لاستكشاف إمكانية التوجه إلى الشرق، وتأمين مساعدة الصين واليابان وكوريا الجنوبية والبنوك الأخرى في رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان".
كما تتطلع الدول الثلاث، بالإضافة إلى ذلك، تنويع شراكاتها الدولية، وتسعى باكستان وتركيا، على وجه الخصوص، إلى تقليل اعتمادهما على الغرب، وعلى رأسها الولايات المتحدة، حسب الصحيفة.
تعاون وشراكة
مهاتير أعلن أن القمة الإسلامية ستناقش سبل التعاون الاقتصادي والعسكري الدفاعي، بين الدول الأعضاء، وهو ما كان وزير الدفاع الماليزي محمد سابو قد أشار إليه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بأن بلاده ستعمل مع تركيا على إنتاج مركبات قتالية مدرعة.
وقال: إن تركيا واحدة من البلدان التي تتعاون معها ماليزيا في مجال الصناعات الدفاعية، حيث بلغت صادرات الدفاع والطيران إلى ماليزيا 162 مليون دولار خلال السنوات الـ3 الماضية.
على الصعيد الاقتصادي، فإن رئيس الوزراء الماليزي حدد بعض الإجراءات والبدائل الاقتصادية التي تدرسها الدول الأعضاء، مثل مقترح استخدام الذهب في الواردات والصادرات بين تركيا ودول شرق آسيا، بديلا عن الدولار، وتجنب تأثر اقتصادها بالعقوبات التي تؤثر على التجارة أو التنمية الاقتصادية.
ووفق متابعين، يبدو أن ماليزيا وشركاءها يحاولون أن يحذو حذو روسيا والصين اللتين قررتا تبني بدائل للدولار كعملة احتياطية عالمية، والاستغناء عن العملة الأمريكية في الحسابات التجارية بينهما والاعتماد على العملات الوطنية.
المصادر
- مهاتير: قمة إسلامية مصغرة في ديسمبر بكوالالمبور
- تضم خمس دول إحداها عربية.. مهاتير يعلن تشكيل قمة إسلامية مصغرة
- لدورة الرابعة عشرة لمؤتمر القمة الإسلامي
- باكستان تشيد بمبادرة التعاون مع تركيا وماليزيا لـ"نهضة إسلامية"
- الهند تعلن إلغاء الحكم الذاتي الدستوري لإقليم كشمير
- بعد نحو 70 سنة... الحكومة الهندية تلغي الحكم الذاتي لولاية كشمير
- هل تتمكن ماليزيا من الالتفات للسياسة شرقا باتجه باكستان وتركيا؟
- ماليزيا تعتزم مشاركة تركيا في إنتاج مركبات قتالية مدرعة
- روسيا والصين "تطلقان" الدولار