"محاربة الرواسب".. هكذا يتعامل المغرب مع العائدين من تنظيم الدولة

12

طباعة

مشاركة

إلى أين سيتجه العائدون من تنظيم الدولة؟ وما الإستراتيجية التي يجب انتهاجها في التعامل معهم؟، أسئلة عدة لطالما واجهت الدول -التي انحدر المقاتلون منها- صعوبة في الإجابة عليها، خصوصا المغرب الذي قاتل منه 1000 عنصر مع التنظيم.

التساؤل بدأ قبل 3 سنوات عن خطط المغرب في التعامل مع هذه العناصر، عندما عادت أعداد من بينهم. وعاد السؤال إلى الواجهة عندما أعلنت تركيا عن قرار ترحيل عناصر التنظيم المحتجزين لديها إلى بلدانهم في المستقبل القريب، إذ تجاوز عددهم 1150 محبوسون في سجونها بعد مقتل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي. 

يجرم المغرب تجنيد المقاتلين، طبقا للمبادئ التي أقرتها الأمم المتحدة، ويعتبر القانون أي شخص يغادر البلاد للسفر إلى العراق وسوريا للانضمام إلى تنظيم الدولة مجرما. 

وتتراوح مدة السجن لمرتكبي هذه الانتهاكات من خمس إلى 18 سنة، تبعا للفعل الذي ترتكبه المجموعة المعنية، إلا أن هؤلاء يعتبرون خطرا أكبر، حتى وهم داخل السجون.

قوانين مشددة

فكك الأمن المغربي في أبريل/نيسان الماضي خلية إرهابية بإحدى المدن التي كان يتزعمها مقاتل سابق في تنظيم الدولة، وسجن سنة واحدة في عام 2015 بعد أن عاد إلى المغرب بمقتضى قانون مكافحة الإرهاب. 

كشف مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية، عبد الحق الخيام، المكلف بملفات الخلايا الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة، في تصريحات صحفية أن عملية استرجاع الملتحقين بالتنظيمات الإرهابية ستتواصل. 

فيما أوضح الخبير في شؤون الجماعات الإرهابية إدريس الكنبوري في حديث لـ"الاستقلال" أن عدد العائدين منذ 3 سنوات إلى المغرب يقدر بـ300 شخص، وكلهم رهن الاعتقال، إذ يدينهم القانون الجنائي للإرهاب بعد أن ذهبوا إلى مناطق التوتر والنزاعات.

وتفيد الأرقام الرسمية لـ"العائدين من تنظيم الدولة"، التي يوفرها "المكتب المركزي للتحقيقات القضائية" -الجهاز التنفيذي للمخابرات الداخلية بالمغرب- المعلن عنها في 2017، أن حوالي 1623 مغربيا منخرطين مع الجماعات المسلحة في عدة بؤر للتوتر عبر العالم، خاصة سوريا، العراق وليبيا.

مع ذلك بقي المغرب في منأى عن هجمات تنظيم الدولة بفضل سياسة مكافحة الإرهاب وقوانينها المشددة، عبر إعادة هيكلة الحقل الديني وتكثيف عمليات إيقاف المشتبه بهم.

إسقاط الجنسية

1500 هو عدد الأوروبيين من أصول مغربية الذين التحقوا منذ سنة 2011 بمناطق التوتر، خصوصا من فرنسا وهولندا وبلجيكا وإسبانيا وإيطاليا، التي تعرف جالية مغربية كبيرة. إذ خرج من هولندا 200 هولندي من أصل مغربي إلى سوريا والعراق، والتحق 450 بتنظيم الدولة.

فيما التحق 155 مغربيا بصفوف الجماعات المسلحة في بؤر التوتر من إسبانيا، من أصل 248 مقاتلا أجنبيا خرجوا منها من مختلف الجنسيات. وعن هؤلاء تقول السلطات الإسبانية إن 133 منهم ما زالوا منتشرين في بؤر التوتر، فيما قتل 68 عنصرا وعاد 47 بينهم مغاربة.

وإذا كانت اتفاقية نيويورك الدولية تحتم على الدول استقبال حاملي جنسياتها سواء الأصلية أو المكتسبة، فإن قوى اليمين في أوروبا أيدت إسقاط الجنسيات الأوروبية عن المقاتلين الذين تحتجزهم تركيا في سجونها، معتبرين أنه الحل الوحيد للخروج من أزمة عودتهم.

وقالت فرنسا في وقت سابق: إن الحكومة لن تتراجع عن قرارها بالعمل على إدراج بند في الدستور لإسقاط الجنسية الفرنسية عن مزدوجي الجنسية -منهم من ولدوا بفرنسا- المدانين في قضايا الإرهاب.

وفي حين اعتبرت تقارير أن الأوروبيين من أصول مغربية الذين التحقوا بسوريا والعراق أكثر خطرا وتطرفا من العناصر الذين خرجوا من المغرب، قال الكنبوري: "لا أظن أنهم يشكلون خطرا أكبر".

وأضاف: "هناك أسماء ذهبت من المغرب كانت أكثر خطرا من الأوروبيين إذ شغلوا مناصب تسيير مجموعات مثل شام الإسلام التي كان يسيرها إبراهيم بنشقرون، وأسماء أخرى كانت أساسية وقتلت في المعارك، وبالتالي لا يمكننا أن نميز أو نفاضل بين من يشكل خطرا أكثر".

وأضاف الكنبوري: أنه "ما يزال من غير المعروف إن كان لدى المغرب استعداد لاستقبالهم أو رفضهم باعتبار أن لديه عددا كبيرا من العائدين من التنظيم في السجون. إنما قررت أوروبا عدم استقبالهم باعتبار أنهم يشكلون خطرا".

ولفت الخبير في شؤون الجماعات الإرهابية لـ"الاستقلال": أن "هذا سؤال سيطرح في المستقبل القريب بشكل كبير، وهو "إلى أين سيذهب هؤلاء؟" وعددهم بالمئات من فرنسا وبلجيكا وألمانيا والسويد.

قبل أن يستطرد: "بعد أن تطردهم تركيا، سيتجه هؤلاء إلى مناطق النزاع، وهذه هي إستراتيجية أوروبا التي لا ترغب سوى في التخلص من هؤلاء دون أن تقضي على الإرهاب، فهدفها الوحيد هو حماية حدودها لكنها لا تمانع من تصدير الإرهاب لدول أخرى ومنها تركيا". 

أطفال ونساء

لا يعتبر المغرب النساء والأطفال العائدين من بؤر التوتر مذنبين، خصوصا الذين قتل أزواجهن في ساحة القتال واخترن العودة لبلدهن بعد أن غادرنه برفقة الزوج.

يزيد عددهم عن 250 محتجزين في تركيا بعد هروبهم من مركز الاحتجاز "عين عيسى" التابع لقوات سوريا الديمقراطية، على خلفية الحملة العسكرية على معاقل الأكراد بالقرب من حدودها.

ونقلا عن مصادر لها قالت صحيفة مغربية: إن المغربيات وأطفالهن يوجدون بالأساس في مخيم “الهول” شمال سوريا. هذا الأخير يضم بشكل كبير المنحدرات من “العالم الثالث”، فيما مخيم “روج” يضم الأوروبيات وبعض الأوروبيات من أصول مغربية.

واستطردت المصادر ذاتها أن وضع المغربيات وأطفالهن في مخيم الهول ما زال كما هو منذ أسابيع، ولا توجد أي اتصالات أو أي شيء من هذا القبيل لترحيلهم في الأيام المقبلة.

من جهته قال إدريس الكنبوري: "بعد الأوضاع التي تعيشها المنطقة والقضاء على تنظيم الدولة ثم البغدادي مع قرار تركيا التخلص من هؤلاء المقاتلين عبر إرسالهم إلى بلدانهم، اضطر المغرب لاستقبال مجموعة من النساء والأطفال باعتبارهم أبرياء وأن لا دخل لهم في الصراعات".

وشدد المتحدث على أنهم لن يحاكموا لكن سيتم توفير متابعة نفسية واجتماعية لصالحهم لمحاربة الرواسب التي عاشوها في مناطق التوتر، بحسب المتخصص في الجماعات الإرهابية.

الحل بالسجن؟

في حين يعفي المغرب النساء والأطفال من السجن، يحاكم الرجال العائدين من بؤر التوتر بموجب قانون الإرهاب، ولتجنب نشر فكرهم داخل المعتقلات فُصل العائدون من تنظيم الدولة عن المجرمين العاديين. 

وأوضح الكنبوري لـ"الاستقلال": أن "هناك أجنحة خاصة داخل السجون لا سجون خاصة، مع الإشارة إلى أن هناك اكتظاظ". ونبه المتحدث إلى أن التطرف داخل السجن ليس مسألة خاصة بالمغرب بل هي موجودة في كل أوروبا أيضا،

يقر المغرب بأن السجن ليس حلا دائما لمشكلة "التطرف" في البلاد، لذا يركز على تفكيك الخطاب المتطرف لدى العناصر القابلين لإعادة التأهيل عبر برنامج يطلق عليه اسم "مصالحة" لإعادة تأهيل من يسميهم "المتطرفين الدينيين".

البرنامج ينفذ بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء، أعلى هيئة دينية في البلاد، من خلال التدريب العملي والنظري المصمم لتزويد السجناء بالمهارات العملية والفكرية وتعزيز مفاهيم حقوق الإنسان.

لكن الكنبوري يفيد بأن الخطط والإستراتيجيات لمحاربة التطرف داخل السجون لم تكن ناجعة، موضحا أن السجن عالم مختلف تصعب مراقبته وبالتالي يسهل انتشار التطرف داخله.

يرى المتحدث أن المغرب ليس استثناء، بل بالعكس داخل سجونه يزداد المتطرفون تطرفا نظرا لغياب إستراتيجية فعالة داخل السجن، حيث تستيقظ داخل الشخص نزعة الانتقام وبالتالي يرتفع منسوب التطرف والتشدد بشكل تلقائي.