الولايات المتحدة تعيد نشر قواتها في سوريا.. الأسباب والدلالات

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن مرحلة جديدة من الصراع على النفوذ في المنطقة الغنية بالنفط في سوريا قد بدأت بالفعل، فبعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب قواته من هناك تزامنا مع انطلاق عملية "نبع السلام" التركية، عادت قواته للانتشار مرة أخرى قرب الحدود التركية شمال شرقي سوريا.

إعادة الانتشار الأمريكي جاء قرب المناطق التي انسحبت منها "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) ودخول قوات النظام السوري بمناطق عدة في الشمال السوري بموجب التوافقات التي جرت بين الطرفين مؤخرا.

خمس مدرعات تحمل الأعلام الأمريكية سيّرت دورية من قاعدتها في مدينة رميلان

أماكن الانتشار

5 مدرعات تحمل الأعلام الأمريكية سيّرت دورية من قاعدتها في مدينة رميلان بمحافظة الحسكة السورية متجهة إلى الشريط الحدودي مع تركيا شمال بلدة القحطانية، وهي منطقة كانت واشنطن تسيّر فيها دوريات قبل سحب قواتها من نقاط حدودية عدة مع تركيا.

وبثت وسائل إعلام روسية صورا وتسجيلات لما قالت إنها آليات عسكرية أمريكية تمر بجانب نقاط لجيش النظام السوري في ريف محافظة الحسكة، مشيرة إلى: أن "العربات الأمريكية مرت بالقرب من نقاط للجيش السوري في قرية الغيبش جنوبي تل تمر في الحسكة شمال شرق سوريا".

وأكدت: أن مئات الشاحنات الفارغة برفقة عشرات المصفحات الأمريكية، عبرت الطريق الدولي جنوبي تل تمر بتغطية جوية أمريكية، بعدما دخلت من إقليم شمال العراق (كردستان)، وتوزعت بين قاعدتي قصرك شمال الحسكة، وصرين قرب رأس العين (كوباني) شرق حلب.

وفي 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، سيّرت تلك القوات دوريات بدأتها من قاعدتها في مدينة رميلان بمحافظة الحسكة، واتجهت إلى الشريط الحدودي مع تركيا شمال بلدة القحطانية.

وتعد هذه الدورية الأولى التي تنفذها القوات الأمريكية في المنطقة، وذلك بعد أن أعلنت الإدارة الأمريكية نيتها البقاء في المناطق التي تنتشر فيها آبار النفط في منطقة شرقي نهر الفرات، في ريفي الحسكة ودير الزور.

صحيفة "نيويورك تايمز" كشفت أن المعلومات تشير إلى: أن حوالي 900 عسكري قد يبقون في سوريا، لافتة إلى: أن 250 منهم سيبقون بمحافظة دير الزور، فيما سيبلغ عدد العسكريين الأمريكيين حول حقول النفط نحو 500، وهناك من يظلون موجودين في منطقة التنف، وبالتالي فإن إجمالي عدد العسكريين الأمريكيين المتبقين في سوريا سيبلغ 900 شخص على وجه التقريب، حسب تقديرات الصحيفة.

حقول النفط

إحدى أهم الأسباب التي دعت واشنطن إلى إعادة انتشار قواتها في الأراضي السورية، هي حقول النفط والغاز في سوريا، إذ أكدت وزارة الدفاع الأمريكية، في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي: أنها خططت لتعزيز وجودها العسكري  شمال شرقي سوريا، لحماية حقول النفط هناك من السقوط مجددا بيد تنظيم الدولة.

وحسب بيان البنتاجون: فإن أمريكا تنسق تعزيز مواقعها في شمال شرق سوريا، مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، حتى "لا تقع مجددا بيد تنظيم الدولة، أو فاعلين آخرين مزعزعين للاستقرار".

ومن أهم الحقول النفطية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة هناك هي: "العمر، التنك، كونيكو، والرميلان"، إذ أنشأت القوات الأمريكية قواعد عسكرية قرب هذه الحقول عقب استعادتها من تنظيم الدولة.

يعد حقل العمر النفطي أكبر حقول النفط في سوريا مساحة وإنتاجا، ويقع على الضفة الشرقية لنهر الفرات، على بعد حوالي 10 كيلومترات شرقي مدينة الميادين بمحافظة دير الزور، ويصل حجم إنتاجه وفق إحصائيات النظام السوري قبل اندلاع الأزمة إلى 30 ألف برميل يوميا.

وانخفض إنتاج الحقل تدريجيا مع تعرضه مرارا لغارات جوية من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، ولا تتوفر إحصائيات دقيقة على قدرته على إنتاج النفط حاليا.

أما "حقل التنك"، فإنه يعد أيضا من أكبر الحقول في سوريا بعد "حقل العمر"، ويقع في بادية الشعيطات بريف دير الزور الشرقي، وأكدت تقارير: أنه كان ينتج قرابة 40 في المئة من إنتاج سوريا النفطي قبل الأزمة، وكان يبلغ إنتاجه اليومي نحو 10 آلاف برميل.

أهم الحقول التي تقع تحت سيطرة الأمريكان هي: العمر، التنك، كونيكو، والرميلان

وفي 21 مايو/أيار 2018، نشر موقع "جرف ميديا"، الذي يركز في تغطيته على مناطق شمال وشمال شرقي سوريا، تسجيلا مصورا يظهر قيام أمريكا بأعمال صيانة داخل حقل التنك النفطي.

وحسب مواقع معارضة: فإن أمريكا تهدف من حينها إلى استخراج نحو 5 آلاف برميل يوميا من النفط الخام. ولم يعلن رسميا من أي جهة في ريف دير الزور الشرقي سيتم استئناف إنتاج النفط في الحقل الذي تسيطر عليه "قسد" والقوات الأمريكية.

وعلى غرار حقلي العمر وكونيكو النفطيين اللذين سبق أن بنت القوات الأمريكية قاعدتين عسكريتين فيهما، أنشأت قاعدة أخرى في حقل التنك منتصف نيسان/ أبريل 2018، لتكون ثالث قاعدة أمريكية في دير الزور.

وتشير تقارير إلى: أن "حقل كونيكو" للغاز، يعد بالفعل أكبر معمل لمعالجة الغاز في سوريا، كما يستفاد منه في إنتاج الطاقة الكهربائية ويقع بريف دير الزور الشمالي.

ويقدر إنتاج الحقول الثلاثة معا بنحو 140 إلى 150 ألف برميل يوميا، من أصل نحو 386 ألف برميل نفط يوميا في عام 2010، في وقت كان استهلاك سوريا فيه نحو 250 ألف برميل يوميا.

ومن ضمن الحقول المهمة التي تقع تحت يد الأمريكان، حقل "الرميلان" الذي تسيطر عليه حاليا "الوحدات الكردية"، بدعم أمريكي، ويقدر عدد الآبار النفطية التابعة لحقول رميلان بقرابة 1322 بئرا للنفط و25 بئرا للغاز.

وبلغ إنتاج حقول الرميلان أكثر من 90 ألف برميل نفط يوميا عام 2010، إذ كانت الآبار فيها وجهة الكثير من المجموعات المسلحة، لا سيما "جبهة النصرة سابقا" (تحرير الشام حاليا)، حيث نشبت إثر ذلك معارك ومواجهات مسلحة بين الجبهة و"الوحدات الكردية" انتهت بسيطرة الأخيرة بعد التوصل إلى تفاهمات واتفاقات في عام 2017.

عملية صعبة

يأتي إعادة انتشار القوات الأمريكية في سوريا بعد حديث ترامب عن أهمية إدارة حقول النفط هناك، بالقول: "ما أعتزم القيام به ربما يكون عقد صفقة مع شركة إكسون موبيل أو إحدى أكبر شركاتنا، للذهاب إلى هناك والقيام بذلك بشكل صحيح.. وتوزيع الثروة".

خلال مؤتمره الصحفي، في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي لإعلان مقتل زعيم تنظيم الدولة أبو بكر البغدادي، أثار اقتراح ترامب بأن تدير شركة إكسون موبيل أو شركة نفط أمريكية أخرى حقول نفط سورية، انتقادات من خبراء قانونيين وخبراء في مجال الطاقة.

ورفضت شركتا إكسون موبيل وشيفرون، أكبر شركتين نفطيتين تعملان في الشرق الأوسط، التعليق على تصريحات الرئيس الأمريكي.

وقالت لوري بلانك، الأستاذة بكلية إيموري للحقوق ومديرة مركز القانون الدولي والمقارن: "يسعى القانون الدولي إلى الحماية من هذا النوع من الاستغلال".

كما رأى بروس ريدل، مستشار الأمن القومي السابق والباحث الكبير في معهد "بروكينجز" البحثي: "هذه ليست مجرد خطوة قانونية مريبة، بل إنها ترسل كذلك رسالة إلى المنطقة بأسرها والعالم بأن أمريكا تريد سرقة النفط".

وعلق جيف كولجان أستاذ العلوم السياسية والدراسات الدولية بجامعة "براون" قائلا: "فكرة أن الولايات المتحدة ستحتفظ بالنفط في يد شركة إكسون موبيل أو شركة أمريكية أخرى، هي فكرة غير أخلاقية وربما غير قانونية". وأضاف: أن الشركات الأمريكية ستواجه "مجموعة من التحديات العملية" للعمل في سوريا.

وذكرت إيلين روالد وهي باحثة كبيرة في مركز الطاقة العالمي التابع للمجلس الأطلسي: أن مجرد السعي لأن تطور إكسون أو شركة نفط كبرى أخرى النفط السوري، سيكون "عملية صعبة" بالنظر إلى بنيتها التحتية المحدودة نسبيا وإنتاجها الضئيل.

لكن أليكس كرانبرج، رئيس شركة "أسبكت" القابضة للطاقة، التي استكشفت الإنتاج في إقليم كردستان العراق، لكن لم يعد لديها مشاريع نشطة في المنطقة، قال: إنه يتعين أن تشعر الولايات المتحدة بالقلق على مصير حقول النفط السورية.

وحسب قوله: فإن "الفكرة ليست في أن النفط نفسه يهم الولايات المتحدة كثيرا، ولكن سوء استخدامه قد يمول مشاكل مستقبلية لنا.. إذا وقع في الأيادي الخطأ". وأشار إلى: أن البيت الأبيض لم يتواصل مع شركته بشأن المقترح. وتابع: "سيطرة الولايات المتحدة على الحقول والعملة الصعبة التي توفرها، ستكون عاملا مؤثرا كبيرا على شكل مستقبل سوريا".

موقف "الأسد"

مع أن وجود قوات النظام السوري في منطقة شرق الفرات، لا يعد وجودا قويا، إذ أن أفرادا من عناصر النظام يوجودون من دون أسلحة ثقيلة، وقرارهم بيد الروس، إلا أن رئيس النظام بشار الأسد علق على عودة الأمريكان إلى الانتشار في سوريا.

وقال الأسد في مقابلة تلفزيونية: "قرار ترامب، الأسبوع الماضي، الإبقاء على عدد محدود من القوات الأمريكية في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في سوريا حيث يوجد النفط، أظهر أن واشنطن قوة استعمارية سترحل لا محالة إذا قاومها السوريون مثلما حصل في العراق".

لكنه ذكر: أن "بلاده لا تستطيع مجابهة قوة عظمى مثل الولايات المتحدة وأن إنهاء وجود القوات الأمريكية على الأراضي السورية لا يمكن تحقيقه قريبا". وأفاد: بأن ترامب هو "أفضل رئيس أمريكي، لماذا؟ ليس لأن سياساته جيدة، ولكن لأنه الرئيس الأكثر شفافية بشأن نواياه للحفاظ على السيطرة على حقول النفط الرئيسية في محافظة دير الزور".

وقال متحدث عسكري أمريكي، 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي: "القوات الأمريكية بدأت الانتشار في المحافظة بالتنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية لتعزيز الأمن ومواصلة قتال فلول تنظيم الدولة".

ونقلت تقارير عن دبلوماسيين، قولهم: إن "قرار الولايات المتحدة منع عودة حقول النفط إلى سيطرة الحكومة سيحرم دمشق من إيرادات بملايين الدولارات تشتد حاجتها إليها ويضمن لحلفائها الأكراد مصدر دخل رئيسي يمكنهم من حكم المناطق التي يسيطرون عليها".

الأسد: واشنطن قوة استعمارية سترحل لا محالة إذا قاومها السوريون

ورأى مراقبون، أن تغيير الرئيس الأمريكي ترامب لقراره بالانسحاب الكامل، والإبقاء على عدد محدود من قواته في مناطق النفط، لا يتعارض مع وجود قوات للنظام أو غيره في المنطقة.

وحسب رأيهم: فإنه "ليست هناك مشكلة بين النظام وأي قوة خارجية تحتل نقاطا أو مناطق في سوريا، لأنه هو من جلب أطرافا خارجية لاحتلال بلاده، مقابل بقاء نظامه على رأس السلطة".

خبراء عسكريون، أكدوا: أن عودة القوات الأمريكية يمكن اعتباره اتفاقا جديدا على تقاسم النفوذ في مناطق شرق الفرات، مشيرين إلى: أن "انتشار قوات النظام في منطقة شرق الفرات، إلى جانب الشرطة العسكرية الروسية، تم أساسا بضوء أخضر أمريكي، حيث من الواضح أن واشنطن لم تسحب جنودها من بعض المناطق (منبج، وعين العرب)، حتى وصول القوات الروسية إليها".

وشددوا على: أن الولايات المتحدة هي من تحدد الأدوار في تلك المناطق، على اعتبار أنها صاحبة النفوذ الأكبر فيها. كما أن وجود قوات النظام في منطقة شرق الفرات، لا يعد وجودا قويا، فهي قوات فردية بدون أسلحة ثقيلة، وبقرار روسي كامل.

وطالما أن انتشار هذه القوات كان عبر تفاهم روسي- أمريكي، فإن قوات النظام ملتزمة بالتعليمات الروسية ومنضبطة بحيث لا تستطيع أن تقوم بأي حركة ضد القوات الأمريكية هناك، بحسب محللين.

ويرى الخبراء: أن الغاية من الدوريات الأمريكية هي منع اقتراب أي طرف من مناطق إنتاج النفط، وكذلك الحفاظ على مشروع "قسد"، وربما أن "مشروع قسد مستمر بعد إنعاش الولايات المتحدة له، وجعلها قادرة على فرض شروط على روسيا والنظام".

ماذا عن "قسد"؟

وعلى صعيد، "قوات سوريا الديمقراطية" التي هرولت للتحالف مع النظام السوري بعد الانسحاب الأمريكي من مناطق نفوذها خشية سيطرة الجيش الوطني السوري مدعوما بالقوات التركية في عملية "نبع السلام"، فكان لهم رأيهم حيال عودة القوات الأمريكية.

مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، نقلت تقارير عن مصدر مسؤول (لم تسمه) في "مجلس سوريا الديمقراطية" الذي يشكل الواجهة السياسية لـ"قسد": أنه "لم يكن هناك في الإستراتيجية الأمريكية المتعلقة بمنطقة الشرق الاوسط، الانسحاب من سوريا".

وأشار إلى: أن "الانسحاب كان ضمن البرنامج الانتخابي للرئيس ترامب وهو نفذ برنامجه الانتخابي ووعده لناخبيه بأنه سيسحب الجنود الأمريكيين من سوريا وهذا ما حصل بالفعل".

ولفت المصدر إلى: أن "قرار الكونجرس كان رفض الانسحاب، وعليه ترامب سيقول إنه التزم ببرنامجه لكن الكونجرس لم يوافقه، وبهذا تم إعادة انتشار الجنود الأمريكان مرة أخرى".

ولم يستبعد المتحدث عن "قسد" إرسال قوى أممية لمنطقة "رأس العين" و"تل أبيض"، مردفا بالقول: "لكن الأمر سيتطلب بعض الوقت". وأضاف: أن "القوات الأمريكية عادت أيضا من جديد إلى قاعدة قصرك الواقعة بين تل بيدر وتل تمر شمال شرق الحسكة بعد إخلائها".

وفي ظل هذه التطورات، لا يزال الموقف الروسي والتركي حتى وقت كتابة التقرير الحالي، غير معلن في وقت يستعد فيه البلدان لتسيير دوريات روسية – تركية مشتركة بعمق 10 كيلومترات على الشريط الحدودي بموجب اتفاق "سوتشي" الأخير بين البلدين.

وبعد أن أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي: أن الدوريات المشتركة سوف تبدأ مطلع نوفمبر، أعلنت موسكو: أن الشرطة العسكرية الروسية بدأت بتسيير دوريات استكشافية على الشريط الحدودي استعدادا للدوريات المشتركة مع الجيش التركي.