تخوف أمريكي.. كيف استغلت روسيا البحر الأسود لتعزيز نفوذها؟

12

طباعة

مشاركة

أوصت ورشة عمل، عقدت مؤخرا في العاصمة الرومانية، بتشكيل إستراتيجية غربية أكثر فاعلية لمواجهة إجراءات روسيا في البحر الأسود والوقوف بوجه عمليات الاستخبارات الروسية والتأثير الناعم في سياسات واقتصاديات دول المنطقة.

وأقامت مؤسسة راند (أمريكية غير ربحية تابعة للجيش الأمريكية ومختصة بالبحث والتحليل)، ورشة عمل عقدت في بوخارست، في مارس/أذار 2019، لمناقشة الإستراتيجية الروسية في البحر الأسود، خلصت إلى تحديد نقاط رئيسية تلخص تلك الإستراتيجية، ثم عطفت هذه النقاط بتوصيات للغرب تساعدهم في وضع إستراتيجية مضادة لموسكو.

وقالت المؤسسة: إن روسيا تستخدم الأدوات المعلوماتية والاقتصادية والسرية لتعزيز أهدافها المتمثلة في تحويل البحر الأسود، وبحر آزوف (متفرع من الأسود)، إلى ممرات مائية داخلية –ولو بشكل افتراضي- بالنسبة لموسكو، حيث يمكن أن تتمتع روسيا بنوع من حرية الحركة والعمل مثل الذي حققته في بحر قزوين.

مركز تنافسي

وتعد منطقة البحر الأسود مركزا رئيسيا للمنافسة بين روسيا والغرب من أجل مستقبل أوروبا. وقد كانت المنطقة منذ عقدين مسرحا للنزاعات الحامية بين الطرفين قبل أن تضم موسكو شبه جزيرة القرم في عام 2014، كما استخدمت روسيا القوة العسكرية أربع مرات ضد بلدان أخرى في المنطقة منذ عام 2008.

وفي الوقت الذي تريد فيه الدول المطلة على البحر الأسود حماية نفسها من ما أسمته الورشة "التدخل العدائي الروسي"، فإن العوامل السياسية المحلية وكذلك العضوية بالاتحاد الأوروبي أو مستوى ارتباط أقل مع الاتحاد والناتو يؤثران في درجة التداخل والتباين في مصالحهما.

في ظل هذه الظروف، يصعب على الدول الغربية صياغة وتنفيذ إستراتيجية متماسكة ومستدامة لحماية المصالح المشتركة ومواجهة التأثير والتخويف الروسي الملح، حتى لو كان من الضروري القيام بذلك.

وخلصت الورشة إلى أن منطقة البحر الأسود تحتل مكانة بارزة في إستراتيجية روسيا الخارجية والتي تهدف إلى استعادة النفوذ والسيطرة على هذه المناطق التي كانت تابعة لها في سالف الزمان.

وتابعت: "عزز احتلال روسيا ونشر قواتها في شبه جزيرة القرم بالإضافة إلى تحديث أسطولها في البحر الأسود ونشر جنودها في المنطقة العسكرية الجنوبية، النفوذ الروسي في المنطقة وساهم في تسهيل الدعم للقوات الروسية الموجودة في منطقتي شرق البحر المتوسط والشام".

وتتنوع طريقة موسكو العامة في التعامل مع محيطها وفقا للظروف السائدة في كل بلد من بلدان المنطقة، مع حفاظها على هدف تحييد مواقفهم من الغرب، أو القضاء على أي تهديد من قبلهم تجاه روسيا. وتوصلت الورشة إلى أنه يتم تحقيق هذه الأهداف عبر التأثيرات الاقتصادية والسياسة الروسية الناعمة.

أمثلة حية

كما تطرقت الورشة إلى بعض التفاصيل مع أمثلة للإستراتيجية الروسية، ومنها أن فصل تركيا وبلغاريا عن سياسات الناتو والاتحاد الأوروبي من خلال الحوافز الاقتصادية والطاقة، يعد عنصرا أساسيا في إستراتيجية روسيا، حيث تسعى عمليات التأثير في الإعلام وقطاع المعلومات في تلك البلدان إلى تعزيز المواقف الإيجابية تجاه روسيا والتقليل من قدراتها العسكرية المتنامية.

كما تسعى روسيا أيضا إلى تعزيز التوترات والشكوك المتبادلة في علاقات تركيا مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من أجل زيادة نفور أنقرة من الغرب. 

وتعول روسيا على أن الإنجاز المتوقع لخط أنابيب TurkStream في عام 2019، سيعمق اعتماد تركيا على الغاز الطبيعي الروسي، فقد وصفت موسكو المشروع بأنه يمثل أهمية تركيا الجيوسياسية وطموحها لتصبح مركزا رئيسيا لتوصيل الغاز الروسي إلى أوروبا.

كما أن بناء محطة أكويو للطاقة النووية في جنوب تركيا من قبل شركة روس آتوم النووية الحكومية الروسية سيزيد من تعميق اعتماد تركيا على الطاقة والتكنولوجيا الروسية وأصبح مصدرا آخر للاحتكاك مع الاتحاد الأوروبي. 

أما بالنسبة لبلغاريا، فقد أكدت روسيا أن خط أنابيب TurkStream 2، المقترح يمكن أن يجعل الدولة الأوروبية محورية للغاز الطبيعي الروسي. 

وتحاول موسكو دفع دول الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو للشعور بالذنب حيال تصرفاتها في أوكرانيا من خلال تعزيزهم لفكرة أن التدخل الغربي في السياسة الأوكرانية ودفعها إلى البحث عن عضوية الناتو أثارت تدخل روسيا العسكري. 

مع أنه في عام 2013، أعرب أقل من 15 في المائة من الأوكرانيين عن دعمهم لحلف الناتو، ولم يكن أي من قادة ثورة أوروميدان يدعو لخطوة كهذه. 

ورأت الورشة أن التحركات الروسية في بحر آزوف تدعم إستراتيجيتها في البحر الأسود، لا سيما تجاه أوكرانيا، وفي سبيل تعميق السيطرة على جزيرة القرم.

وترى أن التأخيرات التعسفية التي تقوم بها روسيا للسفن التجارية عبر مضيق "كيرتش" والاستيلاء على السفن والبحارة الأوكرانيين تهدف إلى عزل شرق أوكرانيا وتعطيل التجارة وتشجيع الاضطرابات السياسية والاجتماعية فيها.

علاوة على ذلك، تم تصميم التحركات الروسية لتهديد أوكرانيا بفقدان السيطرة على الأراضي على الساحل الشرقي لبحر آزوف بين شبه جزيرة القرم ومدينة ماريوبول من أجل إنشاء ممر بري بين جنوب روسيا وشبه جزيرة القرم.

توصيات غربية

وانتهت الورشة العلمية التي حدد فيها الخبراء الخطوط العريضة لإستراتيجية روسيا في البحر الأسود بتوصيات لساسة الغرب في احتواء الدور الروسي، أهمها أن تشكل أي إستراتيجية غربية أكثر فاعلية في مواجهة عمليات الاستخبارات الروسية والتأثير الناعم في سياسات واقتصاديات دول المنطقة.

كما ينبغي على الاتحاد الأوروبي والغرب المشاركة بشكل أكثر وضوحا في القضايا غير العسكرية، بما في ذلك مفاوضات السلام التي تم تجديدها ودعم المشروعات الاقتصادية والبنية التحتية الإقليمية ومبادرات الدمج التي ستساعد في مواجهة النفوذ الروسي، بحسب التوصيات.

وتابعت أن: "الشراكات الثنائية قصيرة المدى ذات الأهداف المحددة بشأن الأولويات المتبادلة مع دول المنطقة طريق آخر محتمل لدفع التعاون الإقليمي إلى الأمام".

ونظرا لعدم وجود حل عسكري محض للأمن في البحر الأسود، فترى الورشة وجوب أن تعمل الإستراتيجية الغربية الفعالة أولا بشكل أفضل في التنافس مع روسيا من أجل تلبية ومقاربة تطلعات المواطنين في المنطقة. وهذا يتطلب تحسين الجهود في مجال الاتصالات الإستراتيجية وجعلها أكثر فعالية، بالإضافة إلى بذل الجهود في مواجهة التهديدات السيبرانية والمعلوماتية.

وتوضح أن: "هناك حاجة أيضا إلى وضع رادع عسكري أكثر مصداقية واستدامة، فبدلا من محاولة مضاهاة القدرات العسكرية الروسية في جميع المجالات، يمكن لحلف شمال الأطلسي والشركاء ذوي التفكير المماثل في المنطقة تعزيز الردع عن طريق نشر أنظمة دفاع جوي ودفاع ساحلي متطورة في رومانيا وبلغاريا لمواجهة فعالية التهديدات الصاروخية الروسية الهجومية عبر البحر الأسود".

كما أن استمرار تقديم المساعدة إلى أوكرانيا وجورجيا في تطوير قدراتهما الدفاعية الوطنية يسهم في الردع الإقليمي.

وبينت الورشة أن: "هناك إمكانية أخرى لإيجاد طرق لتحريك "النزاعات" خارج منطقة البحر الأسود، قد يحاول الحلفاء والشركاء المتفقون على خطر النفوذ الروسي من تحديد المناطق والقضايا الأخرى التي تكون فيها المصالح الروسية معرضة للخطر، ثم يُعلم الكرملين أن المزيد من العدوان في منطقة البحر الأسود سيتم مواجهته في مجالات أخرى تهمه وتهدد مصالحه".