اعترافات بالإكراه.. حيلة نظام السيسي لتحسين صورته وتبرير جرائمه

عبدالرحمن سليم | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ ارتكاب نظام عبد الفتاح السيسي مجازر رابعة والنهضة وما عاصرهما، اعتاد المصريون على مشاهدة اعترافات مصورة منسوبة لأفراد اتهمهم النظام بارتكاب جرائم إرهابية.

هذه المرة تجاوزت المسألة المتهمين المصريين، لتصل إلى بث اعترافات لأشخاص من جنسيات عربية وأجنبية، تصادف وجودهم في مصر وقت اندلاع مظاهرات 20 سبتمبر / أيلول 2019، عبر برنامج "الحكاية" الذي يقدمه الإعلامي عمرو أديب على قناة MBC مصر.

"مظاهرات نادرة"، تعبير أطلقه العديد من الصحف العالمية لوصف مظاهرات 20 سبتمبر / أيلول، والتي خرجت إثر دعوات على وسائل التواصل الاجتماعي أطلقها الفنان ورجل الأعمال محمد علي من منفاه الاختياري في إسبانيا.

حراك لم يكن الأول من نوعه خلال سنوات حكم السيسي بعد انقلابه العسكري في 3 يوليو/تموز 2013، لكنها تعد احتجاجات نوعية خلت من الشعارات الحزبية وتركزت على توحيد الشعب بعيدا عن التنوع الأيديولوجي والسياسي.

ردة فعل نظام السيسي كان عنيفا في بعض المحافظات على الأرض، إذ تم الاعتداء على المتظاهرين بقنابل الغاز والخرطوش، لكن الأنكى من ذلك، هو اعتقال المئات من المتظاهرين وغيرهم من على المقاهي والشوارع، واستمر ذلك في الأيام التالية للحراك الشعبي، وتم التحقيق مع ما يقارب 2000 متهم، وفق المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

شابان أردنيان

كان أبرزَ من بثت اعترافاتهم عقب أحداث مظاهرات 20 سبتمبر / أيلول الماضي، شابان أردنيان، هما ثائر مطر وعبدالرحمن الرواجبة، بعد احتجازهما عدة أيام بتهمة "قدومهما للبلاد للمشاركة في إشعال التظاهرات وتقديم الدعم والمشاركة باللجان الإلكترونية الداعية لثورة"، وفقا لاعترافاتهما التي أذاعها الإعلامي عمرو أديب في برنامجه "الحكاية".

لكن المفاجأة التي فجرها المخرج المصري باسل رمسيس، عبر تدوينة على فيسبوك، كان لها وقع الصاعقة على الشارع العربي، إذ حكى بالتفصيل واقعة اعتقال عبدالرحمن علي الرواجبة من منزله فجر الإثنين 23 سبتمبر / أيلول 2019، مكذبا مقولة عمرو أديب التي تفيد اعتقال "الرواجبة" من الشارع.

ويضيف "رمسيس" أن الرواجبة تم توقيفه في الشارع قبل اعتقاله بساعات، في منطقة "وسط البلد" بوسط القاهرة، حيث أوقفه الأمن 15 دقيقة، تم خلالها تفتيشه وفتح هاتفه النقال، ثم تركوه ليتوجه إلى منزله، ليفاجأ باقتحام الأمن لمقر السكن واصطحابه إلى مقر الأمن الوطني، ليجد صديقه "ثائر مطر" في انتظاره.

"رمسيس" أكد أن وجود "الرواجبة" في مصر كان لغرض دراسة التمثيل، وهو مهتم بشكل أساسي بالسينما التسجيلية، وليس له أي نشاط سياسي، وليس عضوا في الحزب الشيوعي الأردني، كما قال أديب في برنامجه.

جهود جبارة بذلها "رمسيس" وناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي لتصعيد الموضوع سياسيا عبر حملة بعنوان "رجعوا ولادنا"، تمت ترجمتها بعد ذلك في تغريدة نشرها الناطق باسم وزارة الخارجية الأردنية وشؤون المغتربين سفيان القضاة على تويتر، أكد فيها اهتمام السفارة الأردنية بالقاهرة بقضية اعتقال الشابين الأردنيين، إضافة إلى شاب ثالث لم يعرض عمرو أديب أية اعترافات مصورة له.

لم تمر 4 أيام على تغريدة "القضاة" إلا وأتبعها بأخرى، تبشر بقرار السلطات المصرية الإفراج عن المواطنين الأردنيين بعد اعتقالهما في القاهرة، مؤكدا بذل جهود لتأمين عودتهما إلى عمان.

سوداني يعترف

صدمة كبيرة أصابت أسرة سودانية عندما شاهدت ابنها ذا الـ22 ربيعا، وهو في حالة يرثى لها خلال مقطع مصور يعرض على شاشة تلفزيون مصرية، معترفا على نفسه بالتورط في الرصد والحشد للمظاهرات المناهضة لنظام السيسي في مصر. حاولوا الاتصال فور رؤيتهم تلك المشاهد، لكن كل وسيلة اتصال توصلهم به كانت مغلقة. 

وليد عبدالرحمن حسن سليمان، شاب سوداني ابتعث للدراسة في القاهرة، لكن ما شاهدته أسرته خلال اعترافاته الخطيرة، لم يكن يمت بأي صلة للغرض الذي من أجله ذهب إلى مصر، حيث كان في حالة من الارتباك وهو يتلو ما أجبر على قراءته من اعترافات مكتوبة مسبقا.

استنكر السودانيون عبر منصات التواصل الاجتماعي تلك المشاهد التي عرضت على برنامج "الحكاية"، مؤكدين أن اعترافات وليد تم تصويرها تحت الإكراه، خصوصا في ظل اللهجة المصرية التي يتحدث بها للكاميرا، والتي تختلف عن اللهجة السودانية المعتادة.

زاد الأمر غرابة حين ادعى عمرو أديب، أن الأمن عثر في هاتف وليد على صور لقوات الأمن الرابضة في ميدان التحرير، رغم أن الصور تشير بوضوح شديد إلى أماكن معروفة في السودان.

وفي تناقض عجيب، اتهم "أديب" الشاب السوداني بكونه جاسوس ينسق مع الإخوان المسلمين في مصر، وأنه شارك في الاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس السوداني عمر البشير المحسوب على الإسلاميين.

وبعد احتجاجات واسعة في العاصمة السودانية، تركز معظمها أمام السفارة المصرية، وبعد تحرك دبلوماسي من قبل وزارة الخارجية السودانية، أعلنت السلطات المصرية إطلاق سراح الشاب السوداني.

نائحة مستأجرة

لم تكن تلك المرة الأولى التي يقوم فيها المذيع عمرو أديب بعرض مقاطع مصورة لاعترافات متهمين تم إجبارهم من قبل جهاز الأمن الوطني على تصويرها.

سبق لأديب عرض قضية "زبيدة" الشهيرة، وبثه لقاء تلفزيونيا معها كان واضحا أنه تم تحت الإكراه.

زبيدة إبراهيم، تلك الفتاة التي تم اعتقالها برفقة والدتها، عام 2014، بسبب وجودهما قرب إحدى التظاهرات، ثم اختفت قسريا لنحو شهر عام 2016، قبل أن تختفي مجددا في أبريل / نيسان 2017، حسب رواية والدتها في لقاء مع قناة "بي بي سي".

لم يكد ينتشر ذلك اللقاء المصور حتى سارع عمرو أديب لتصوير وبث لقاء مع "زبيدة" نفسها، في برنامجه السابق "كل يوم" على قناة "أون" في فبراير / شباط 2018، الذي امتد لـ 25 دقيقة، امتلأت بعبارات البراءة من رواية والدتها لما حدث منذ الاعتقال عام 2014. 

تلك الرواية التي أكدها شقيق "زبيدة" في لقاء صحفي مصور ، مبينا واقع التعامل مع زبيدة ووالدتها أثناء الاعتقال، رغم أنهما لا ينتميان لتيار إسلامي مؤدلج، لكن كل المؤشرات تؤكد أن زبيدة ووالدتها لا تزالان مختفيتان حتى الآن.

وبعدها عرض أديب اعترافات بتهم خطيرة يحكم فيها بالمؤبد في مصر، قبل أن يتم إطلاق سراح أصحابها لاحقا.

تحت التعذيب

توصلت منظمة هيومن رايتس ووتش من خلال تقرير نشر في سبتمبر / أيلول 2017، يستند إلى مقابلات مكثفة مع معتقلين سابقين، إلى أن "الشرطة وضباط قطاع الأمن الوطني يستخدمون التعذيب بانتظام أثناء تحقيقاتهم لإجبار المنشقين على الاعتراف، أو الإفصاح عن المعلومات، أو لمعاقبتهم، ونادرا ما يتحقق المدعون من شكاوى التعذيب كما ينص القانون، مما يخلق بيئة من الإفلات شبه التام من العقاب".

وكتبت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب تقريرا في يونيو / حزيران 2017 تذكر فيه أن الحقائق التي جمعتها "تؤدي إلى استنتاج لا مفر منه بأن التعذيب ممارسة منهجية في مصر وأن مرتكبي التعذيب يتمتعون بالحصانة من العقاب على نطاق واسع".

في المقابل تصر السلطات المصرية على أن التعذيب ليس منهجيا أو واسع النطاق، وأن الشكاوى يحقق فيها بشكل ملائم، وفي 30 يناير / كانون الثاني 2019، قال مكتب المدعي العام: إن المدعين العامين استجوبوا العديد من الضحايا الذين ذكرت تفاصيل قضاياهم في تقرير هيومن رايتس ووتش، وزعموا أن هؤلاء الضحايا قد أنكروا أن المنظمة أجرت معهم أية مقابلات أو "أنهم خضعوا للتعذيب أو سوء المعاملة"، وفق موقع "لوبلوغ" الأمريكي.

في يناير / كانون الثاني 2017 بث الإعلامي عبدالله الشريف فيديو، يحاكي فيه طريقة تصوير اعترافات المتهمين التي يبثها نظام السيسي عبر قنواته التلفزيونية، مبينا أن الاعترافات تقرأ من جهاز عرض آلي، يقرأ منه المعترف أثناء وقوفه في بقعة مضيئة بفعل أدوات الإضاءة المستخدمة عادة في التصوير الداخلي.

في المقابل، نشرت منظمة العفو الدولية قصة اعتراف تحت التعذيب في مصر، كتبها صاحبها عمر محمد علي في يوليو / تموز 2016، مبينا طريقة إجباره على الاعتراف أمام الكاميرا، بعد أن تم تعذيبه ليومين كاملين، ثم إعطاؤه ورقتين مكتوبتين ليحفظهما، ويقوم بإلقاءهما غيبا أثناء تصويره، وبعد ذلك تم استخدام فيديو الاعتراف كدليل ضده أثناء محاكمته.

موضع القدم

الاعترافات التي عرضها عمرو أديب لمتهمين بإشعال تظاهرات 20 سبتمبر / أيلول الماضي، أثارت العديد من التساؤلات حول تناقض نظام السيسي، الذي أفرج عن بعض هؤلاء المتهمين بعد أيام من نشر اعترافاتهم.

الباحث في الشؤون الأمنية أحمد مولانا أكد أن: "تلك الاعترافات المسيسة غرضها إشعار المواطنين بأن مصر مستهدفة من قبل قوى خارجية، وإبعاد الأنظار عن حقيقة الاحتقان الشعبي الحالي، والتي هي نتاج سياسات النظام الأمنية والاقتصادية والمجتمعية".

ويضيف مولانا لـ "الاستقلال" أن: "النظام يريد إيصال رسالة مفادها أن من سيشارك في أي حراك شعبي ميدانيا سينخرط حقيقة في مؤامرة خارجية تستهدف النيل من الدولة المصرية، وتلك الرسالة أوصلها النظام عبر عمرو أديب وغيره، وعقب ذلك انتفت الحاجة لهؤلاء الموقوفين، فجرى إطلاق سراحهم".

وفي إجابته عن سؤال حول تسبب مثل تلك الإجراءات في إحراج النظام المصري دوليا، كونه يعرض اعترافات بتهم يصل حكمها للمؤبد في مصر، يجيب "مولانا" بأن: "السلطة تجاوزت قضية الإحراج طالما أن المشهد خدمها ضد دعوة التظاهر في الجمعة الثانية يوم 27 سبتمبر / أيلول الماضي".

وقال مولانا: "نظام السيسي يعتمد في مواجهة الأزمات الحلول قصيرة الأجل، وإن كانت تداعياتها اللاحقة سلبية"، في إشارة منه إلى أن الانقلابيين ينظرون مواضع أقدامهم دون اعتماد إستراتيجيات تقيهم الإحراج على المستويين المحلي والدولي.