جون إيف لودريان.. وزير خارجية فرنسا السابق بريد ماكرون وظهير مستبدي الشرق الأوسط 

لندن - الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

يقدم وزير الخارجية الفرنسي السابق، جون إيف لودريان، على أنه دبلوماسي مخضرم يتمتع بخبرة قوية في "إدارة الأزمات"، ومن هنا يضعه الرئيس إيمانويل ماكرون على رأس مهمات سياسية معقدة ولا سيما في المنطقة العربية.

وتجلى ذلك من خلال تولية لودريان مهمتين في ذات التوقيت باسم فرنسا، الأولى تعيينه موفدا خاصا إلى لبنان في 8 مايو/أيار 2023 في محاولة جديدة لإنهاء الأزمة السياسية في البلد العربي.

والثانية، تسليم ماكرون لـ "لودريان" في 27 يوليو/تموز 2023 رئاسة وكالة التنمية الفرنسية في العلا (أفالولا)، المسؤولة عن التعاون مع السلطات السعودية لتطوير السياحة والثقافة في منطقة العُلا الشاسعة.

ولودريان البالغ من العمر 75 عاما، كان قد ابتعد عن المشهد السياسي منذ الانتخابات الرئاسية التي منحت ماكرون ولاية جديدة لخمس سنوات ابتداء من 24 أبريل/نيسان 2022.

النشأة والتكوين

ولد جون إيف لودريان عام 1947 في مدينة لوريان الفرنسية، وقد حصل على دبلوم تأهيلي لتدريس مادة التاريخ، ثم عين أستاذا جامعيا منذ عام 1973، وكذلك أصبح مفتشا عاما فخريا في التربية الوطنية منذ عام 1993

كما عين سكرتير دولة مكلفا بشؤون البحار لدى وزير التجهيز والإسكان والنقل والفضاء، من عام 1991 إلى 1992.

وأصبح عضوا في بلدية مدينة لوريان (مقاطعة موربيان) من عام 1977 حتى 2004، ورئيس بلدية مدينة لوريان (مقاطعة موربيان) من عام 1981 حتى عام 1998.

كما تولى منصب نائب عن مقاطعة موربيان من عام 1987 حتى عام 1991 ومن عام 1997 حتى عام 2007.

وكذلك بات عضوا في مجلس منطقة بريطانيا الفرنسية من عام 1998 حتى عام 2004، ثم أصبح رئيس مجلس منطقة بريطانيا الفرنسية من عام 2004 حتى عام 2012.

وأصبح لودريان وزيرا للدفاع من مايو 2012 لغاية 2017، وعقب ذلك شغل منصب وزير أوروبا والشؤون الخارجية منذ مايو 2017.

كما شغل منصب وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية بين عامي 2017 و2022.

تولى لودريان حقيبة الخارجية طوال الفترة الرئاسية الأولى لإيمانويل ماكرون، وقبل ذلك حقيبة الدفاع خلال الفترة الرئاسية لفرانسوا أولاند (2012-2017).

في ولايته الثانية، أوزاح ماكرون لودريان واستبدله بكاثرين كولونا في الحكومة الجديدة بمنصب وزيرة الخارجية الفرنسية في 20 مايو 2022.

لودريان، المخلص حتى النهاية لـ "ماكرون" كما وصفته صحيفة "لوموند" الفرنسية، شاركه الصعوبات الدبلوماسية في الفترة الرئاسية الأولى.

وقد قال عن نفسه إن المهمة نُفِّذت في مناخ من "الوحشية المستمرة في العالم" على خلفية القوة الصاعدة للصين وفقدان الغرب نفوذه.

عودة لودريان

لم يظهر لودريان للعلن بعد تركه العمل السياسي سوى مرة واحدة فقط في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 في أبوظبي خلال منتدى دبي للحوار.

ومنذ ذلك الحين غاب الرجل، قبل أن يتولى المهمة الأصعب المتمثلة بإجراء محادثات مع المسؤولين السياسيين اللبنانيين في بيروت في محاولة لإنهاء أزمة الشغور الرئاسي بعدما فشل البرلمان 12 مرة في انتخاب رئيس جديد للبلاد خلفا لميشيل عون الذي انتهت ولايته في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2022.

وبينما يبدو الملف اللبناني غائبا عن الاهتمام الدولي وحتى الإقليمي، التقى لودريان للمرة الثانية في بيروت بالفرقاء السياسيين في 27 يوليو 2023.

وقد "اقترح على  الأطراف الفاعلة كافة في عملية انتخاب رئيس للجمهورية دعوتهم في سبتمبر/أيلول 2023 لعقد لقاء في لبنان هدفه التوصل إلى توافق على القضايا والمشاريع ذات الأولوية التي ينبغي على الرئيس المقبل أن يتولاها".

ويقدم لودريان بذلك رؤية جديدة للحل تعتمد على التوافق على برنامج عمل الرئيس قبل انتخابه على وقع الانقسامات السياسية الحادة بين الأطراف اللبنانيين.

وأوضحت الخارجية الفرنسية أن طرح لودريان "يحظى بدعم شركاء وأصدقاء لبنان الذين التقوا في الدوحة"، كما أنه لقي "انفتاحا" من الأطراف اللبنانية.

وانخرط ماكرون شخصيا في المساعي الرامية لحل الأزمة اللبنانية لكن جهوده باءت بالفشل، ولذلك طلب الرئيس الفرنسي من لودريان "أن يعد له سريعا تقريرا عن الوضع" في هذا البلد يتضمن "مقترحات عمل"، حسبما قال مستشار للرئيس الفرنسي لوكالة الأنباء الفرنسية طالبا عدم الكشف عن اسمه.

وعن لبنان سبق أن قال لودريان حينما كان يعتلي وزارة الدفاع الفرنسية في 27 أغسطس/آب 2020: "هذا البلد على حافة الهاوية، لن نوقع شيكا على بياض، الخطر اليوم هو اختفاء لبنان".

وكان لودريان أول مسؤول غربي يزور بلد الأَرز منذ بداية الأزمة الاقتصادية الطاحنة عام 2019 التي أعقبت الانتفاضة الشعبية غير المسبوقة التي هزت لبنان في أكتوبر من العام المذكور.

لم تأت مهمات لودريان الجديدة بتكليف من قائده ماكرون في المنطقة العربية من فراغ، بل لكونه كان على مدى خمس سنوات أحد أعمدة الرئيس في تنفيذ سياسات فرنسا الخارجية وتحقيق مصالح باريس في عدد من الدول.  

إذ يعرف عن لودريان أنه جعل "الشراكات الإستراتيجية" العسكرية الدبلوماسية إحدى علاماته المميزة.

فعلى سبيل المثال، فإنه في سبتمبر 2021، غضب الوزير بشدة، مستنكرا "ازدواجية" الحكومة الأسترالية، بعد إعلان تحالفها مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة (أكوس)، والتخلي عن "عقد القرن" لشراء 12 غواصة فرنسية إلى كانبيرا.

إذ جرى التفاوض على الصفقة من قبل لودريان نفسه كوزير للدفاع، رغبة في جعلها واحدة من المحاور الرئيسة للإستراتيجية الفرنسية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وزير إفريقيا

برز  لودريان أكثر في القارة الإفريقية، إذ بقي لمدة 10 سنوات يعرف بـ "وزير إفريقيا" غير الرسمي. 

وقد أصبح لودريان المحاور المميز لرؤساء الدول الإفريقية، وكذلك الشخص الذي يمكن الاتصال به من قبل المعارضين المنفيين أو الزائرين لفرنسا.

ويرجع ذلك إلى أن دخوله الحقيقي إلى المشهد الإفريقي كان مثيرا وتحديدا في يناير/كانون لاثاني 2013 عندما وقع شمال مالي تحت سيطرة الجماعات مسلحة التي كانت تهدد ببسط سيطرتها على كامل البلاد، ليبدأ يتعزز الحضور العسكري الفرنسي هناك.

ولا سيما أن فرنسا انخرطت عسكريا منذ عام 2012 في مالي، وقد كلفها ذلك 52 قتيلا ومليارات اليوروهات.

ورغم ذلك، فقد تسببت تصريحات لـ "لودريان" حينما كان وزيرا للخارجية بطرد سفير بلاده من مالي في يناير 2022، حينما قال إن المجلس العسكري الحاكم ليس لديه "شركاء" سوى مرتزقة مجموعة فاغنر الروسية.

وقد أثارت العلاقات المتوترة بشكل متزايد بين العسكريين في مالي وباريس تساؤلات حول مستقبل الحضور العسكري الفرنسي والأوروبي في البلد.

حتى إنه في مايو 2022 جرى استدعاء وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان من قبل قاض مالي بسبب "الإضرار بالممتلكات العامة وغيرها من الجرائم".

وهي دعوى مدنية رفعت ضده من قبل منظمة "ماليكو" وهي مجموعات مدنية مختلفة قيل إنها قريبة من المجلس العسكري الذي استولى على السلطة في عام 2020، حسب ما نقل موقع "Africanews" بتقرير له بتاريخ 13 مايو 2022.

وأضاف الموقع: "دافع جان إيف لودريان الوحيد هو الحفاظ على مصالحه الشخصية وصفقته لتصنيع جوازات السفر المالية، العقد الذي حصل عليه عام 2015، عندما استغل منصبه كوزير للدفاع".

كما يقول بوبكر بايتاو المتحدث باسم منظمة ماليكو، "أدركنا أن كل ما قاله جان إيف لودريان ضد بلدنا وضد السلطات المالية كان فقط لحماية مصالحه الشخصية".

وآنذاك عقد القاضي عدة جلسات استماع وكان هناك بالتأكيد تواطؤ داخل الحكومة المالية، كما ينقل الموقع المذكور عن بوبكر بايتاو "لأن الفرنسي لودريان، لا يمكنه الحضور وتوقيع العقود في جمهورية مالي دون أن يساعده المسؤولون التنفيذيون الماليون في وقت ما".

وقد عرف لودريان بحسن علاقاته مع قادة دول إفريقيا والتي كانت بعضها إحدى المستعمرات الفرنسية.

 فقد كان من بين "أصدقائه" رئيسان للنيجر، محمد يوسفو ومحمد بازوم والأخير أطيح به بانقلاب عسكري في نهاية يوليو 2023.

 إلى جانب رئيس التشاد السابق إدريس ديبي (قتل عام 2021)، والذي ساعد لودريان على تلقي دعم فرنسا المطلق منذ سيطرته على الحكم في تسعينيات القرن العشرين في مواجهة المتمردين المسلحين.

وعن سبب الدعم الفرنسي له، نقلت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية عن الباحثة التشادية كيملا ماناتوما، في جامعة باريس أن ديبي فهم باكرا أن تشاد تحتل موقعا إستراتيجيا ومركزيا بالنسبة للمصالح الفرنسية.

فهي من جهة، يمكن أن تصمد بوجه التوسع الليبي، كما أنها قادرة على منع تمدد حرب دارفور إلى الغرب.

تضيف الصحيفة عن الباحثة التشادية أن "تشاد مؤهلة للعب دور فاعل لاحتواء مسلحي تنظيم (بوكو حرام) المتطرف شرق نهر النيجر، وشمال الكاميرون، وفي نيجيريا، وأثبت ديبي كفاءته في الحرب بمنطقة الساحل الإستراتيجية لفرنسا".

كما "أثبت أنه قادر على لعب أدوار مفيدة بالنسبة لباريس، وهو في كل هذه الأدوار يشكل ورقة رابحة بيد فرنسا".

كان ديبي قد وفر مساعدة مهمة وثمينة جدا لفرنسا عندما أرسل قواته لإنقاذ مالي، وعاصمتها باماكو من سيطرة تنظيم الدولة والجماعات المتطرفة الأخرى مطلع عام 2013، بحسب الصحيفة.

مهمة السعودية

كان لـ "لودريان" مهمة حساسة في السعودية التي خلف فيها الرئيس السابق لمجموعة "أفالولا" واسمه إنجي جيرار ميسترايي، حيث بدأ عمله في 27 يوليو 2023، وقد عكست المهمة العلاقات الجيدة بين باريس والرياض.

ووقعت فرنسا والمملكة العربية السعودية اتفاقية لمدة عشر سنوات في العام 2018 للتنمية السياحية والثقافية في منطقة العلا شمال غرب البلاد، الغنية خصوصا بالآثار والمناظر الطبيعية الاستثنائية.

ويعد ذلك أحد محاور مشروع "رؤية 2030" الضخمة في السعودية التي يقودها ولي العهد محمد بن سلمان.

وليس هذا هو الحضور الأول لـ "لودريان" في المشهد السعودي الجديد، إذ كشفت صحيفة "إنتيليجنس أونلاين" المتخصصة في شؤون الاستخبارات، في 18 ديسمبر/كانون الأول 2022، أن وزير الدفاع الفرنسي السابق جرى تعيينه مستشارا لقطاع الدفاع السعودي.

وذكرت الصحيفة الفرنسية أن لودريان سيعمل مستشارا في شركة المقاولات الدفاعية السعودية "سكوبا".

وهي شركة عسكرية بارزة في السعودية مملوكة بنسبة 100 بالمئة لمجموعة "عجلان وإخوانه" الخاصة.

وأوردت أن تعيين شركة "سكوبا" لودريان مستشارا بالقطاع الدفاعي السعودي جاء في مرحلة حساسة للمصنعين الفرنسيين، وسيحاول تجاوز خسارة المجموعة البحرية الفرنسية التي منيت بها في السعودية أمام شركة "نافانتيا" الإسبانية.

ظهير المستبدين

وفي إطار علاقات لودريان مع الشرق الأوسط، تقول صحيفة "لوموند" في تقرير لها بتاريخ 22 مايو 2022، "كان افتقاره للقلق بشأن التعامل مع المستبدين أكثر وضوحا مما كان عليه في إفريقيا".

ووفقا لمقاربته السياسية والأمنية للدبلوماسية، فقد أقام الوزير علاقات وثيقة للغاية مع اثنين من أكثر رؤساء الدول قمعية في المنطقة وهما الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والإماراتي محمد بن زايد، وفق لوموند.

ومضت تقول: "جرى ختم هذه الشراكات جزئيا باسم مكافحة الإرهاب - وفي حالة مصر - مكافحة الهجرة غير الشرعية، لقد دفعوا فرنسا إلى غض الطرف، على الأقل علنا، عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها القاهرة وأبوظبي بشكل غير محسوس".

وأردفت: "رافقت باريس حركة إعادة الاستبداد في الشرق الأوسط في الفترة التي أعقبت الربيع العربي، والتي كان محمد بن زايد شخصية قيادية فيها".

ومن مهمات لودريان، البارزة أخذه على عاتقه مهمة ترميم علاقات بلاده مع الجزائر، حيث أجرى عدة زيارات تحدث فيها عن "أهمية طي الخلافات والنظر إلى المستقبل"، إلا أنها تحركت قليلا ثم انتكست انتكاسة كبرى أخيرا.

وقد زار لودريان الجزائر 8 ديسمبر 2021، عقب نحو شهرين من أزمة سياسية بين البلدين، على خلفية تصريحات للرئيس ماكرون أثارت غضب البلد المغاربي، ما دفعها إلى استدعاء سفيرها لدى باريس وإغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات العسكرية الفرنسية.

وبذلك ذهبت جهود لودريان أدراج الرياح، لدرجة أن الجزائر أعادت في يونيو/حزيران 2023 التركيز على البيت الثالث من نشيدها الوطني الذي يستحضر الاستعمار الفرنسي وهو "يا فرنسا إن ذا يوم الحساب فاستعدي وخذي منا الجواب".

ومقطع التهديد هذا فهم في سياق عودة توتر العلاقات المتلاحقة بين البلدين رغم زيارة ماكرون في أغسطس/آب 2022 إلى الجزائر، حيث وقع مع نظيره عبد المجيد تبون إعلانا مشتركا لدفع التعاون الثنائي، غير أن العلاقات سرعان ما شهدت تدهورا مفاجئا.

وفي ملمح آخر عن شخصية الرجل، ما ورد على لسان وزيرة الخارجية الفرنسية الجديدة كاترين كولونا التي لمزت سلفها لودريان حينما خصصت أول زيارة لها إلى الخارج لألمانيا والتقت نظيرتها أنالينا بيربوك.

وقالت وقتها: "إنها المرة الأولى التي يكون فيها وزيرا (خارجية) البلدين امرأتين. وهذا فرق كبير جدا مع جان إيف لودريان".