سلسلة هجمات "غامضة" تفتك بالحشد الشعبي العراقي.. من وراءها؟

يوسف العلي | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

تتعرض قوات الحشد الشعبي في العراق إلى هجمات متكررة، تخلّف عددا من الخسائر في صفوفها، إلا أن ما يثير تساؤلات ملحة، هو هوية الجهات التي تقف وراءها والمستفيد منها، ولماذا لم تكشف الجهات الحكومية عنها رغم إعلانها في كل مرة تشكيل لجان تحقيق؟

ولعل آخر تلك الهجمات، ما أعلنته خلية الإعلام الأمني الرسمي (ناطقة باسم جميع الأجهزة الأمنية العراقية)، الأسبوع الماضي، عن إصابة عنصرين من قوات الحشد الشعبي بقصف من طائرة مجهولة لمعسكر في قضاء آمرلي بمحافظة صلاح الدين.

مقتل إيرانيين

وقالت الخلية في بيانها: إن "معسكر الشهداء في منطقة آمرلي التابع إلى لواء 16 حشد شعبي، تعرض فجر الجمعة، إلى قصف برمانة ألقتها طائرة مسيرة مجهولة، ما أسفر عن إصابة عنصرين".

أما المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة العراقية العميد يحيى رسول، فقد أكد استهداف طائرة مجهولة مواقع لـ"كتائب حزب الله العراق"، وتحديدا معسكر "الشهداء" التابع لقوات الحشد الشعبي، وأن القصف تم على مرحلتين.

وأوضح المسؤول العراقي، أن "القصف الأول تم في الساعة الواحدة و50 دقيقة بعد منتصف الليل في التوقيت المحلي، والضربة الثانية وجهت في الساعة الثانية و20 دقيقة، وأدت إلى إصابة عنصرين من الحشد الشعبي".

لكن العقيد محمد خليل البازي من قيادة شرطة محافظة صلاح الدين، أفاد في تصريحات للوكالة الألمانية، بأن "القصف أدى إلى إصابة خمسة من الموجودين في المعسكر، بينهم اثنان من المستشارين أو المدربين الإيرانيين".

إلا أن تقارير إعلامية محلية، نقلت عن مصادر مسؤولة في الحشد الشعبي قولها، إن القصف دمرّ مصنعا لتصنيع صواريخ الكاتيوشا وإعادة تأهيل صواريخ نوع سكود (العدد 5 صواريخ).

وكشفت أن القصف المجهول، أسفر عن مقتل ثلاثة مشرفين إيرانيين، واثنين من الحشد الشعبي، وإصابة اثنين آخرين أيضا من اللواء 16 التابع لأبي رضا النجار المقرب من بدر والحرس الثوري الإيراني.

تحقيق ثم نفي

وفي ظل تعدد الروايات، ذهبت الحكومة بتوجيه من رئيسها عادل عبدالمهدي، إلى تشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول القصف، تتألف من قيادة العمليات المشتركة وممثلين من قيادة القوة الجوية وقيادة الدفاع الجوي وهيئة الحشد الشعبي لبيان حقيقة ما حصل في "معسكر الشهداء".

ومع الحديث الواسع في وسائل الإعلام المحلية عن الموضوع، إلا أن المثير فيه، أن جلسة مجلس الأمن الوطني، التي عقدت بعد يوم واحد من القصف، برئاسة عبدالمهدي، لم تتطرق للحادثة واكتفت بإعلان مناقشة صرف مستحقات موظفي المناطق "المحررة" من تنظيم الدولة، كما أشار إلى مناقشته لـ"إستراتيجية الأمن السيبراني في العراق".

وبعد تشكيل لجنة تقصي الحقائق بيومين، أعلنت الأخيرة أنّ "التحقيقات التي أُجريت قد أثبتت أن الانفجار لم يكن استهدافا عسكريا نتيجة طائرة مسيّرة أو صاروخ موجّه إنما كان مجرد حريق لوقود صلب نتيجة خلل داخلي".

ونفت اللجنة أن يكون الحادث، قد أسفر عن وقوع قتلى في صفوف قوات الحشد الشعبي، مغلقة بذلك رسميا جميع التكهنات عن جهات خارجية قيل إنها كانت وراء الهجوم.

وخرج رئيس الحكومة العراقية في مؤتمر صحفي، بعد إعلان اللجنة تقريرها بيوم، ليقول: إن "التقارير التي حمّلت إسرائيل مسؤولية الهجوم على مقر الحشد الشعبي في آمرلي ليست دقيقة، وأن تلك الحادثة بسيطة ولا يوجد فيها ضحايا".

وعن طبيعة الهجوم، أكد القائد العام للقوات المسلحة العراقية عادل عبدالمهدي، أنه "لم يكن بطائرة مسيّرة أو صاروخ وفقا لتقرير القوة الجوية".

لكن تصريحات عبدالمهدي، دحضتها مواقع إيرانية بعدما نشرت تقريرا مدعما بالصور لتشييع أحد قادة الحرس الثوري الإيراني ويدعى "أبو الفضل سرابيان"، الذي قالت إنه قتل في غارةٍ جوية أمريكية- إسرائيلية، في "معسكر آمرلي"، الأسبوع الماضي.

تكهنات عراقية

القصف المجهول، هو الأول من نوعه بعد قرارات عبدالمهدي بدمج الحشد الشعبي في الجيش العراقي، عقب تقارير أمريكية بإطلاق مليشيات عراقية، طائرات مسيرة هاجمت منشآت نفطية سعودية، وكذلك اقتحام سفارة البحرين ببغداد على يد مليشيا "كتائب حزب الله" في العراق، وقصف السفارة الأمريكية ببغداد.

وربما توقيت الهجوم الذي شكّل إرباكا للحكومة العراقية في كشف الجهة التي تقف وراءه، كان واحدا من سياسة الضغط الأمريكية لإنهاء "الحشد"، إذ أكد مصدر أمني أن قصف "معسكر الشهداء" جرى بقنابل ألقتها طائرة أمريكية.

ونقلت تقارير إعلامية عن المصدر الأمني العراقي الرفيع، قوله: إن "منطقة بروجلي التي يقع فيها المعسكر تعد منطقة نفوذ كاملة لعضو البرلمان التركماني التابع لمنظمة بدر مهدي تقي الآمرلي، وفيها أيضا كتائب "حزب الله" وحشد صباح الشمري العشائري من صلاح الدين وهو تابع لبدر أيضا".

ولفت المصدر الذي لم يكشف عن اسمه، أن "السماء العراقية والمناطق المحاذية لكركوك وجبال حمرين تعد محطة مراقبة متواصلة للطيران الحربي والمسير الأمريكي، وغالبا ما يستهدف أي حركة يعتقد أنها تابعة لعناصر لتنظيم الدولة".

ولم يستبعد وجود مستشارين إيرانيين في المنطقة، وقال المصدر: إن "مساعد قاسم سليماني واسمه إقبال بور هو المسؤول الأكثر نفوذا هناك، وهو من يقوم بتقديم الاستشارة للحشد في هذه المنطقة، وبور عادة يدخل العراق عبر السليمانية في إقليم كردستان ولديه مقر هناك".

لكن المصدر، رجح أن يكون إقبال بور في إيران ساعة القصف على معسكر الحشد الشعبي، لأنه ذهب لحضور مجلس عزاء والدته، التي توفيت قبل أيام.

ردّت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، على الاتهامات حول مشاركة قواتها في الهجوم، قائلة: "أخذنا علما بالهجوم المحتمل على الحشد الشعبي في العراق ونؤكد أنّ القوات الأمريكية لم تشارك في ذلك".

ورغم النفي الأمريكي والعراقي الرسمي، إلا أن مسؤول منطقة الشمال لمليشيات "بدر" محمد مهدي البياتي، أصر على تحميل الولايات المتحدة المسؤولية، بالقول: إن "الأسلوب المستخدم في التفجير ليس تنظيم الدولة، بل هو أسلوب أمريكي".

تكتم حكومي

ما أوردته تصريحات المصدر الأمني العراقي من اتهام للولايات المتحدة بالوقوف وراء القصف، ربما تؤكدها هجمات غامضة تعرض لها الحشد الشعبي في وقت سابق، ففي يناير/ كانون الثاني الماضي كشف النائب السابق بالبرلمان العراقي، مشعان الجبوري، عن تفاصيل قصف جوي استهدف تشكيلات "الحشد" في مناطق مختلفة من البلد.

وقال الجبوري في حديث تلفزيوني: إنه "على مدار أربعة أيام، شنت الولايات المتحدة قصفا جويا بطائرات مسيرة على قوات الحشد الشعبي في منطقتي النخيب قرب حدود السعودية، والثرثار بمحافظة صلاح الدين".

وبحسب السياسي العراقي، فإن "القصف أوقع خسائر في صفوف الحشد الشعبي، لكن السلطات العراقية تكتمت على الموضوع لأسباب مجهولة".

ولفت الجبوري إلى أن "رئيس الحكومة العراقية عادل عبدالمهدي ألغى، بسبب القصف، عملية عسكرية للحشد الشعبي قبل دقائق من انطلاقها على الحدود مع سوريا".

وفي يونيو/ حزيران 2018، أعلنت قيادة الحشد الشعبي، أن طائرة أمريكية ضربت مقرا ثابتا لقطاعات "الحشد" من لوائي 45 و46 المدافعة عن الشريط الحدودي مع سوريا بصاروخين مسيّرين، ما أدى إلى مقتل 22 مقاتلا وإصابة 12 بجروح.

وعقب ذلك علقت الولايات المتحدة الأمريكية رسميا على لسان سفيرها لدى العراق في حينها، أن "القوة الجوية الأمريكية غير مسؤولة عن الهجوم الذي طال بعض الفصائل العراقية في سوريا"، مؤكدا "عدم وجود أي نشاط جوي أمريكي في المنطقة".

ومع نهاية الشهر ذاته، قالت صحيفة "تايمز" البريطانية إن مقاتلات حربية تابعة للقوات الجوية الملكية البريطانية ضمن التحالف الدولي، استهدفت قوات داعمة لنظام بشار الأسد جنوبي سوريا، قرب نقطة التقاء الحدود السورية الأردنية العراقية.

وأضافت الصحيفة، أن سلاح الجو الملكي البريطاني قصف قوات داعمة للأسد، عقب اشتباكات وقعت بالقرب من قاعدة تدريب بريطانية في منطقة صحراوية جنوبي سوريا (بادية الشام).

وأشارت إلى أن الاشتباكات المذكورة أدت لمقتل ضابط سوري وإصابة 7 آخرين، لكن وزارة الدفاع البريطانية، لم تقدم معلومات بشأن هوية القوة المستهدفة في المنطقة الصحراوية، مشيرة إلى أن قوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة في المنطقة، استُهدِفت بنيران معادية في 21 يونيو/ حزيران 2018.

واستبعد بيان وزارة الدفاع البريطانية، أن يكون تنظيم الدولة هو مصدر تلك النيران المعادية. وأكد أن قوات التحالف قررت سحب قواتها لعدم تصعيد التوتر، لكن إطلاق النار استمر من موقع معين؛ ما دفع طائرات سلاح الجو الملكي البريطاني وكإجراء للدفاع عن النفس، إلى قصف الموقع المذكور بصواريخ "بيفواي الرابعة" الموجّهة وتحييد الموقع المذكور.