90 مليار دولار.. لماذا تسعى دول الخليج للاستثمار مع أردوغان وتتجاهل السيسي؟

كانت مفارقة أن يُظهر إعلام الإمارات والسعودية عداءه للرئيس التركي رجب طيب أردوغان ويتمني سقوطه في الانتخابات الرئاسية، ثم ينقلب 180 درجة، عقب فوزه، ويتكالب قادة الدولتين للاستثمار في تركيا.
المفارقة لم تتمثل فقط في إبرام مشروعات مع تركيا عقب فوز أردوغان بفترة رئاسية ثانية حتى 2028، لكن في حجم الصفقات التي بلغت 90 مليار دولار، وهو مبلغ كبير، وفق تقارير إعلامية دولية.
مفارقة ثانية تتمثل في أن هذه الاستثمارات جاءت في وقت لا تزال فيه أبو ظبي والرياض ترفضان التدخل لإنقاذ اقتصاد مصر، ورجلهما الذي قاد انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013 وحمى عروشهما من رياح الربيع العربي.
ووصل تجاهلهما لدعم النظام المصري برئاسة عبد الفتاح السيسي، بعدما أوقفا المنح، حد رفض شراء حصص من أصول مصرية بمبالغ محدودة تبلغ 2 مليار دولار، ضمن خطة صندوق النقد الدولي للإنقاذ، وفق وكالة "بلومبرغ" في 23 مايو/ أيار 2023.
استثمارات وأحضان
بادرت الإمارات بركوب قطار تركيا، حين أعلن "ثاني الزيودي"، وزير الدولة للتجارة الخارجية، عبر تويتر في 31 مايو 2023 مصادقة بلاده على اتفاقية تعاون لرفع التجارة الثنائية مع تركيا إلى 40 مليار دولار في غضون خمس سنوات.
حقبة جديدة من الشراكة والنمو الاقتصادي المشترك ستنطلق بين الإمارات وتركيا بعد تصديق حكومتي الدولتين الصديقتين اليوم على اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة تمهيدا لتفعيلها قريبا ما يسهم في نمو وازدهار التجارة البينية غير النفطية إلى ما يتجاوز 40 مليار دولار سنويا خلال 5 أعوام���� ���� pic.twitter.com/T45XMTujZJ
— د. ثاني الزيودي (@ThaniAlZeyoudi) May 31, 2023
وقبل ذلك، وقعت أنقرة وأبو ظبي اتفاق تبادل عملات بـ4.7 مليارات دولار لمدة 3 سنوات في 19 يناير/كانون الثاني 2022، عده خبراء دعما كبيرا للعملة التركية والاحتياطي الأجنبي.
وحرص مستشار القصر الرئاسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، على إبراز أن أبو ظبي أبرمت اتفاقات بقيمة 40 مليار دولار مع تركيا "في أول أسبوع منذ انتخاب الرئيس أردوغان"، كأنه يشير لتأخر التصديق عليها لحين التأكد من فوزه.
في اول اسبوع منذ انتخاب الرئيس اردوغان لخمس سنوات قادمة تركيا والإمارات تصادقان على اتفاق يتم بموجبه رفع حجم التبادل التجاري بينهما الى 40 مليار $ سنويا خلال 5 السنوات القادمة لتصبح الامارات أكبر شريك تجاري لتركيا في المنطقة. pic.twitter.com/OoPpEOypBY
— Abdulkhaleq Abdulla (@Abdulkhaleq_UAE) June 1, 2023
وكان رئيس الإمارات محمد بن زايد وقع اتفاقات "شراكة اقتصادية شاملة"، مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال قمة عقداها عبر تقنية الفيديو كونفرانس في 3 مارس/ آذار 2023، لكن هذه الاتفاقات تأخرت ربما انتظارا لحسم الانتخابات.
وصادقت تركيا على الاتفاق في أبريل/نيسان 2023 لكن ظلت مصادقة أبو ظبي متأخرة حتى أعلن "الزيودي" و"عبد الله" المصادقة عليها، عقب فوز أردوغان.
وقال ابن زايد حينئذ إن الاتفاقية "لا تستهدف فقط تحفيز التبادل التجاري والاستثماري والنمو الاقتصادي المشترك، لكنها تؤسس أيضا لشراكة تنموية حقيقية وبناء مصالح مشتركة وتوطيد علاقات استراتيجية أكثر قوة ومتانة بين البلدين".
وتركز الاتفاقية على القطاعات الإستراتيجية مثل التكنولوجيا الزراعية والأمن الغذائي والطاقة النظيفة، بالإضافة إلى التعاون في مشاريع البناء والعقارات.
وتوقع أردوغان في 3 مارس 2023 خلال لقائه عبر الفيديو مع ابن زايد أن يرتفع حجم التبادل التجاري مع الإمارات إلى 25 مليار دولار تقريبا بفضل اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة.
لكن موقع "CNBC" عربية، كشف في 4 مارس 2023 أن الاتفاقية تستهدف زيادة حجم التجارة بين البلدين إلى 40 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة.
وبلغ إجمالي التجارة غير النفطية بين الإمارات وتركيا ما يقارب 19 مليار دولار في عام 2022 بزيادة قدرها 40 بالمائة عن عام 2021 و112 بالمائة عن عام 2020 لتصبح تركيا الشريك الأسرع نمواً بين أكبر 10 شركاء تجاريين لدولة الإمارات.
ولم يقتصر الأمر على "تحسن" العلاقات" ودعم أبو ظبي لاقتصاد تركيا بودائع للبنك المركزي وضخ استثمارات بالمليارات، بل جرى الحديث عن تحول العلاقات إلى " إستراتيجية"، وفق وكالة الأنباء الإماراتية في 11 يونيو/ حزيران 2023.
ففي أول زيارة لمسؤول إماراتي رفيع إلى تركيا عقب فوز أردوغان، زار ابن زايد برفقة وفد رفيع تركيا في 11 يونيو 2023 والتقى الرئيس أردوغان، ووصفت الوكالة الإماراتية تركيا بـ "الصديقة" وتحدثت عن أن هدف الزيارة "تعزيز العلاقات الإستراتيجية ودفع الشراكة الاقتصادية الشاملة التي تجمع البلدين".
ووصل الأمر لقيام بن زايد باحتضان الرئيس التركي خلال حضورهما سويا ختام بطولة أوروبا لكرة القدم في إسطنبول، عقب فوز فريق مانشستر سيتي الذي يمتلكه نائبه منصور بن زياد، وتوجههما لتناول العشاء سويا في أحد مطاعم إسطنبول الخاصة.
الترند العربي | الامير محمد بن زايد يقبل
— نيسا ألب تكين | Nisa Alp Tekin (@Nisa_Alp_Tekin) June 11, 2023
الرئيس أردوغان بعد هدف #مانشستر_سيتي #كرة_اردغان #اردغان������������������������ #محمد_بن_زايد #تركيا #الامارات pic.twitter.com/5uvsXRrSoo
ووصف مستشار القصر الإماراتي الدكتور عبد الخالق عبد الله زيارة رئيس الإمارات لتركيا والعلاقات الإماراتية التركية بأنها في أفضل حالاتها وتتجه من علاقات تجارية استثمارية إلى علاقات إستراتيجية.
رئيس #الامارات ���� في #تركيا ���� والعلاقات الاماراتية التركية في افضل حالاتها وتتجه من علاقات تجارية استثمارية الى علاقات استراتيجية خاصة هدفها العمل على تأسيس دار سلام في عموم المنطقة. pic.twitter.com/IXA2xS2QQt
— Abdulkhaleq Abdulla (@Abdulkhaleq_UAE) June 10, 2023
وكرر وزير الاقتصاد الإماراتي عبد الله بن طوق المري القول يوم 11 يونيو 2023 إن "العلاقات الإماراتية التركية تشهد مرحلة جديدة من الشراكة الإستراتيجية الشاملة"
وارتبط أردوغان بالربيع العربي الذي تخشى أنظمة خليجية تأثيره عليها، لذا أصبح سقوطه رغبة مُلحة لدى نظامي الحكم في الإمارات والسعودية.
وخلال الانتخابات الرئاسية التركية، شن إعلام الإمارات هجوما وحملة أكاذيب ضد الرئيس التركي أردوغان وتمني مع إعلام الغرب أن يسقط.
وظهرت الحسرة من فوزه على لسان مستشار القصر الإماراتي، عبد الخالق عبد الله، الذي كتب معلقا على فوز أردوغان أنه "فاز بفارق 4 نقاط فقط".
ورأى أنه بذلك "أكثر من 47 بالمئة من الشعب التركي لم يصوت له ولا يرغب به رئيسا"، ما أثار السخرية منه على مواقع التواصل.
50 مليار من السعودية
لم تمر ساعات على إعلان الإمارات اتفاقها مع تركيا بعد فوز أردوغان على استثمارات ضخمة، حتى أكدت وكالة "بلومبرغ" مطلع يونيو 2023 أن شركة أرامكو السعودية التقت "بجيش من المقاولين الأتراك" لمناقشة مشاريع بقيمة 50 مليار دولار في المملكة.
ورأت الوكالة ذلك تأكيدا على تحسن العلاقات بين البلدين بعد تجاوز الخلافات.
ويعد عام 2022 نقطة تحول في العلاقات السعودية التركية، بعد أن شاب العلاقات بينهما برود في السنوات السابقة منذ عام 2018، لاسيما بعد زيارة ولى العهد الأمير محمد بن سلمان لأنقرة يوليو 2022.
والتي سبقتها زيارة الرئيس التركي للسعودية في نهاية أبريل/ نيسان 2022، ولقاؤه ولي العهد السعودي.
وعقب تحسن العلاقات، اتفق أردوغان وابن سلمان في يونيو 2022 على تعزيز العلاقات الاقتصادية والدفاعية.
ودافعت أنقرة عن الرياض في مواجهة الضغوط الأميركية، ووصف وزير الخارجية التركي السابق مولود تشاوش أوغلو في 21 أكتوبر 2022 "التنمر الأميركي على السعودية بسبب قرار أوبك+ خفض إنتاج النفط غير مقبول".
قال إنه "يمكن للأميركيين أن ينتقدوا خفض إنتاج النفط لكن من غير الصائب تهديد المملكة".
وبحسب تقرير بلومبرغ، التقي ممثلو شركة النفط المملوكة للدولة بمديرين تنفيذيين من حوالي 80 شركة بناء تركية للاتفاق على تنفيذ مشاريع مخطط لها حتى العام 2025 بالمملكة.
وسبق خطوة أرامكو حدوث تطورات أخرى تعكس تحسن العلاقات التجارية والاقتصادية بين تركيا والسعودية بعد تجاوز الخلافات.
وتبع هذا الإعلان في 6 مارس 2023 إيداع السعودية 5 مليارات دولار في البنك المركزي التركي، بهدف دعم العملة التركية.
ويري المُحلل الاقتصادي المصري مصطفي عبد السلام، أن إبرام الرياض اتفاقا بهذه الضخامة مع تركيا، "تطور لافت من قبل حكومة المملكة تجاه تركيا"، مشيرا إلى "مصالح متبادلة" بين البلدين وراء هذه التطورات الإيجابية.
أوضح أن أرامكو واحدة من أكبر منتجي النفط في العالم، وهي مملوكة للدولة السعودية وتعد ثالث أكبر شركة في العالم من حيث القيمة السوقية بعد آبل ومايكروسوفت، ولديها خطط توسع منها تطوير حقل الجافورة بـ 100 مليار دولار.
وبسبب ضخامة المشاريع التي تعتزم السعودية تنفيذها في قطاعات عدة منها النفط والطاقة فإنها بحاجة إلى خبرة شركات المقاولات العالمية ومنها التركية، حسب "عبد السلام" في تحليل نشره بصحيفة "العربي الجديد" 4 يونيو 2023.
أوضح، أن الشركات التركية تتميز بخبرة طويلة، والمقاولون الأتراك نفذوا 11.745 ألف مشروع في 133 دولة حول العالم منذ عام 1972 وحتى مايو 2023.
وبلغ إجمالي قيمة هذه المشاريع، 479.5 مليار دولار، وبالتالي فإن لها سمعتها على مستوى قطاع البناء والتشييد العالمي.
وتحتاج السعودية خبرة تركيا الطويلة في مجال المقاولات والصناعة والتصدير والبنية التحتية وإقامة المطارات والموانئ والأنفاق، كما تحتاج سلعها ومنتجاتها وصادراتها التي فاقت قيمتها 254 مليار دولار عام 2022 كان نصيب السعودية منها 5.1 مليارات دولار.
فيما تحتاج تركيا إلى خبرة المملكة الطويلة في مجال إنتاج وتسويق وتصدير الطاقة، خاصة مع وجود مؤشرات قوية على وجود احتياطيات ضخمة من النفط والغاز لدى الدولة التركية، سواء في البحر الأسود أو قبالة سواحل البحر المتوسط.
السيسي وحيدا
مقابل إغداق الاستثمارات على تركيا عقب فوز أردوغان، جمدت السعودية والإمارات وحتى قطر تقديم أي منح أو معونات لمصر.
كما تحفظت على شراء أصولها بسبب هيمنة الجيش على الاقتصاد وعدم وجود ضمانات لعدم إهدار استثماراتها بفعل الإدارة السيئة للجيش للاقتصاد والفساد.
وأرجع محللون مصريون سبب تكالب الإمارات والسعودية على الاستثمار في تركيا، لا مصر، رغم عدائهم مع زعيم تركيا ودعمهم لانقلاب مصر، إلى إدراكهم أنهم يتعاملون مع منظومة علمية متطورة في تركيا تقوم على التخطيط والشفافية.
وذلك عكس سيطرة العسكر على اقتصاد مصر وانتشار الفساد والضبابية الاقتصادية.
خلال يومين ، بلومبرج الأمريكية تتحدث عن اجتماع بين شركة أرامكو ، عملاق النفط السعودي ، مع ممثلين عن 80 شركة مقاولات تركية في العاصمة أنقره لمناقشة مشروعات بقيمة 50 مليار دولار ، والامارات تكشف عن اتفاقات بقيمة 40 مليار دولار مع تركيا خلال السنوات الخمس المقبلة ، دول الخليج حتى…
— جمال سلطان (@GamalSultan1) June 2, 2023
صحيفة "فايننشال تايمز" أكدت 28 أبريل/نيسان 2023 أن مصر تواجه صعوبات في بيع أصول الدولة لأن المانحين في الخليج "السعودية والإمارات وقطر" أصبحوا أقل رغبة في تقديم الدعم المالي التقليدي ويسعون إلى الاستثمار التجاري.
ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، 7 أبريل/نيسان 2023، عن مسؤولين من مصر والخليج، إن "زيارة السيسي للسعودية للحصول على "رز" فشلت والخليج يريد مقابلا لإنقاذ مصر".
وأكدت رغبة جميع جيران مصر الخليجيين الأثرياء في الحصول على عائدات أفضل مقابل أموالهم، لذا طالبوا أن يقلل الجيش المصري تدخله في الاقتصاد، وترك مساحة أكبر للقطاع الخاص كشرط لدول الخليج للاستحواذ على أصول مصرية.
وتقول الباحثة الاقتصادية "ماجدة حسني" إن عزوف الاستثمارات عن مصر يرجع إلى هيمنة جنرالات الجيش (منذ انقلاب 2013) على موارد البلاد.
أوضحت في دراسة أخري نشرتها صحيفة "السفير" اللبنانية بدعم من مؤسسة "روزا لكسمبورغ" في 6 يونيو 2019، أن مشكلة موارد مصر الطبيعية، وهي عديدة تدفع لنفي أن تكون مصر فقيرة، هي "نهبها وتبديدها وقلة كفاءة من يديرونها".
مشيرة إلى النفوذ الاقتصادي المتصاعد للجيش، والتوسع الهائل لقبضة القوات المسلحة على موارد مصر، بضوء أخضر من السلطة وبقوانين مصممة لذلك.
وقالت "مجموعة الأزمات الدولية" في تقرير يوم 31 مايو 2023 إن مصر تواجه أزمة اقتصادية "تهدد بتأجيج الاضطرابات"، وأن صندوق النقد الدولي "يطالب بإصلاحات مقابل القروض"، محذرة من عدم قدرة مصر على سداد الديون.
ونقلت عن "مراقب مصري" إشارته إلى تخلف لبنان عن سداد الديون وما أعقب ذلك من أزمة سياسية كمؤشر للمستقبل بالنسبة لمصر.
قال: "أعتقد أن الناس بحاجة إلى إعادة تشغيل عقولهم لمعرفة المكان الذي تتجه إليه مصر، وحالة لبنان مفيدة في هذا"، ورغم أن مصر مختلفة تمامًا عن لبنان، لكن الأزمة قد تجبرها على تنازلات تضر المصريين وتتسبب في اضطرابات.
وقالت مجموعة الأزمات الدولية إنه يجب على شركاء مصر الدوليين الاستمرار في الضغط من أجل الإصلاحات الهيكلية والحد من البصمة الاقتصادية للجيش وأن تربط أميركا وأوروبا دعمهما المستقبلي لمصر بالتقدم في "الحوار الوطني الباهت".